فصل
* وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29723_29658_28785الباري سبحانه هل يضل ويهدي؟
فالجواب: أن كل ما في الوجود فهو مخلوق له، خلقه بمشيئته وقدرته، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويغني ويفقر، ويضل ويهدي، ويسعد ويشقي، ويؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويشرح
[ ص: 35 ] صدر من يشاء إلى الإسلام، ويجعل صدر من يشاء ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء، وهو مقلب القلوب، ما من قلب من قلوب العباد إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه، وهو الذي حبب إلى المؤمنين الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هو الراشدون.
وهو الذي جعل المسلم مسلما، والمصلي مصليا. قال الخليل:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك [البقرة: 128]. وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=40رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي [إبراهيم: 40]. وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا [السجدة: 24].
وقال عن آل فرعون:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار [القصص: 41].
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إن الإنسان خلق هلوعا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إذا مسه الشر جزوعا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وإذا مسه الخير منوعا [المعارج: 21].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27اصنع الفلك بأعيننا ووحينا [المؤمنون: 27].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38ويصنع الفلك [هود: 38]، والفلك مصنوعة لبني آدم، وقد أخبر الله أنه خلقها بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=42وخلقنا لهم من مثله ما يركبون [يس: 42].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها [ ص: 36 ] وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين [النحل: 80]، وهذه كلها مصنوعات لبني آدم.
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=95أتعبدون ما تنحتون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=96والله خلقكم وما تعملون [الصافات: 96] فـ « ما» بمعنى « الذي» أي: والذي تنحتونه، ومن جعلها مصدرية فقد غلط، لكن إذا خلق المنحوت كما خلق المصنوع والملبوس والمبني الذي دل على أنه خالق كل صانع وصنعته، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=3504330إن الله خالق كل صانع وصنعته».
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [الكهف: 18].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا [الأنعام: 125].
[ ص: 37 ]
وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته; فإنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وقد أحسن كل شيء خلقه، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صنع الله الذي أتقن كل شيء [النمل: 88].
وقد خلق الأشياء بأسباب كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها [البقرة: 164]، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات [الأعراف: 75]، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=16يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام [المائدة: 16].
فَصْلٌ
* وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29723_29658_28785الْبَارِي سُبْحَانَهُ هَلْ يُضِلُّ وَيَهْدِي؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهُ، خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيَخْفِضُ وَيَرْفَعُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيُغْنِي وَيُفْقِرُ، وَيُضِلُّ وَيَهْدِي، وَيُسْعِدُ وَيُشْقِي، وَيُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيَشْرَحُ
[ ص: 35 ] صَدْرَ مَنْ يَشَاءُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيَجْعَلُ صَدْرَ مَنْ يَشَاءُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ، مَا مِنْ قَلْبٍ مِنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ، وَهُوَ الَّذِي حَبَّبَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكَرَّهَ إِلَيْهِمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، أُولَئِكَ هُوَ الرَّاشِدُونَ.
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمُسْلِمَ مُسْلِمًا، وَالْمُصَلِّيَ مُصَلِّيًا. قَالَ الْخَلِيلُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=128رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [الْبَقَرَةِ: 128]. وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=40رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إِبْرَاهِيمَ: 40]. وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السَّجْدَةِ: 24].
وَقَالَ عَنْ آلِ فِرْعَوْنَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [الْقَصَصِ: 41].
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=20إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=21وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [الْمَعَارِجِ: 21].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا [الْمُؤْمِنُونَ: 27].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ [هُودٍ: 38]، وَالْفُلْكُ مَصْنُوعَةٌ لِبَنِي آدَمَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ خَلَقَهَا بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=42وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ [يس: 42].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا [ ص: 36 ] وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ [النَّحْلِ: 80]، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَصْنُوعَاتٌ لِبَنِي آدَمَ.
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=95أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=96وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصَّافَّاتِ: 96] فَـ « مَا» بِمَعْنَى « الَّذِي» أَيْ: وَالَّذِي تَنْحِتُونَهُ، وَمَنْ جَعَلَهَا مَصْدَرِيَّةً فَقَدْ غَلِطَ، لَكِنْ إِذَا خَلَقَ الْمَنْحُوتَ كَمَا خَلَقَ الْمَصْنُوعَ وَالْمَلْبُوسَ وَالْمَبْنِيَّ الَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=3504330إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ».
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الْكَهْفِ: 18].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدِ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الْأَنْعَامِ: 125].
[ ص: 37 ]
وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَلَهُ فِيمَا خَلَقَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ، وَرَحْمَةٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، وَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، لَا لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ، بَلْ لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ; فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، وَقَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النَّمْلِ: 88].
وَقَدْ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِأَسْبَابٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الْبَقَرَةِ: 164]، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [الْأَعْرَافِ: 75]، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=16يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [الْمَائِدَةِ: 16].