77 - ( فصل )
الطريق الخامس عشر الحكم بشهادة الصبيان المميزين :
وهذا موضع اختلف فيه الناس ، فردتها طائفة مطلقا ، وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايات عنه ، وعنه رواية ثانية : أن شهادة الصبي المميز مقبولة إذا وجدت فيه بقية الشروط ، وعنه رواية ثالثة : أنها تقبل في جراح بعضهم بعضا ، إذا أدوها قبل تفرقهم ، وهذا قول مالك .
قال ابن حزم : صح عن ابن الزبير ، أنه قال : " إذا جيء بهم عند المصيبة جازت شهادتهم " قال ابن أبي مليكة : فأخذ القضاة بقول ابن الزبير .
وقال قتادة عن الحسن قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : شهادة الصبي على الصبي جائزة ، وشهادة العبد على العبد جائزة " .
وقال معاوية : " شهادة الصبيان على الصبيان جائزة ، ما لم يدخلوا البيوت فيعلموا " وعن علي مثله أيضا .
وقال ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع ، حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، عن الشعبي ، عن مسروق : " أن ستة غلمان ذهبوا يسبحون ، فغرق أحدهم ، فشهد ثلاثة على اثنين : أنهما أغرقاه ، وشهد اثنان على ثلاثة : أنهم أغرقوه ، فقضى علي بن أبي طالب على الثلاثة بخمسي الدية ، وعلى الاثنين بثلاثة أخماسها " .
وقال الثوري : عن فراس ، عن الشعبي ، عن مسروق : " أن ثلاثة غلمان شهدوا على أربعة ، وشهد الأربعة على الثلاثة ، فجعل مسروق على الأربعة ثلاثة أسباع الدية ، وعلى الثلاثة أربعة أسباع الدية " .
قال أبو الزناد : " السنة أن يؤخذ في شهادة الصبيان بقولهم في الجراح مع أيمان المدعين " .
وأجاز عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح المتقاربة ، فإذا بلغت النفوس قضى بشهادتهم مع أيمان الطالبين .
وقال ربيعة : تقبل شهادة بعضهم على بعض ، ما لم يتفرقوا . [ ص: 145 ]
وقال شريح : تقبل شهادتهم إذا اتفقوا ، ولا تقبل إذا اختلفوا ، وكذلك قال أبو بكر بن حزم ، وسعيد بن المسيب ، والزهري .
وقال وكيع عن ابن جريج ، عن أبي مليكة : سألت ابن عباس وابن الزبير عن شهادة الصبيان ، فقال ابن عباس : إنما قال الله : { ممن ترضون من الشهداء } وليسوا ممن نرضى .
وقال ابن الزبير : " هم أحرى إذا سئلوا عما رأوا أن يشهدوا " .
قال ابن أبي مليكة : ما رأيت القضاة أخذوا إلا بقول ابن الزبير .
قالت المالكية : قد ندب الشرع إلى تعليم الصبيان الرمي والثقاف والصراع وسائر ما يدربهم على حمل السلاح والضرب ، والكر والفر ، وتصليب أعضائهم وتقوية أقدامهم ، وتعليمهم البطش ، والحمية والأنفة من العار والفرار ، ومعلوم أنهم في غالب أحوالهم يخلون وأنفسهم في ذلك ، وقد يجني بعضهم على بعض ، فلو لم نقبل قول بعضهم على بعض لأهدرت دماؤهم .
وقد احتاط الشارع بحق الدماء ، حتى قبل فيها اللوث واليمين ، وإن كان لم يقبل ذلك في درهم واحد ، وعلى قبول شهادتهم تواطأت مذاهب السلف الصالح ، فقال به علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير ، ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، والشعبي ، والنخعي ، وشريح ، وابن أبي ليلى ، وابن شهاب ، وابن أبي مليكة رضي الله عنهم - قال : ما أدركت القضاة إلا وهم يحكمون بقول ابن الزبير وأبي الزناد وقال : هي السنة .
قالوا : وشرط قبول شهادتهم في ذلك : كونهم يعقلون الشهادة ، وأن يكونوا ذكورا أحرارا ، محكوما لهم بحكم الإسلام ، اثنين فصاعدا ، متفقين غير مختلفين ، ويكون ذلك قبل تفرقهم وتخبيرهم ، ويكون ذلك لبعضهم على بعض ، ويكون في القتل والجراح خاصة ، ولا تقبل شهادتهم على كبير أنه قتل صغيرا ، ولا على صغير أنه قتل كبيرا .
قالوا : ولو شهدوا ، ثم رجعوا عن شهادتهم أخذ بالشهادة الأولى ، ولم يلتفت إلى ما رجعوا إليه ، قالوا : ولا خلاف عندنا أنه لا يعتبر فيهم تعديل ولا تجريح .
قالوا : واختلف أصحابنا في العداوة والقرابة : هل تقدح في شهادتهم ؟ على قولين ، واختلفوا في جريان هذا الحكم في إناثهم ، أم هو مختص بالذكور فلا تقبل فيه شهادة الإناث على قولين .


