89 - ( فصل ) 
الطريق الثاني والعشرون أخبار الآحاد    : وهو أن يخبره عدل يثق بخبره ويسكن إليه بأمر ، فيغلب على ظنه صدقه فيه ، أو يقطع به لقرينة به ، فيحمل ذلك مستندا لحكمه ، وهذا يصلح للترجيح والاستظهار بلا ريب ، ولكن هل يكفي وحده في الحكم ، هذا موضع تفصيل .  [ ص: 171 ] 
فيقال : إما أن يقترن بخبره ما يفيد معه اليقين أم لا ، فإن اقترن بخبره ما يفيد معه اليقين جاز أن يحكم به ، وينزل منزلة الشهادة ، بل هو شهادة محضة في أصح الأقوال ، وهو قول الجمهور ، فإنه لا يشترط في صحة الشهادة ذكر لفظ " أشهد " بل متى قال الشاهد : رأيت كيت وكيت ، أو سمعت ، أو نحو ذلك : كانت شهادة منه ، وليس في كتاب الله ، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع واحد يدل على اشتراط لفظ " الشهادة " ، ولا عن رجل واحد من الصحابة ، ولا قياس ، ولا استنباط يقتضيه ، بل الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنة ، وأقوال الصحابة ، ولغة العرب تنفي ذلك . 
وهذا مذهب  مالك   وأبي حنيفة  ، وظاهر كلام  أحمد  ، وحكي ذلك عنه نصا . 
قال تعالى : { قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ، فإن شهدوا فلا تشهد معهم    } ومعلوم قطعا : أنه ليس المراد التلفظ بلفظة " أشهد " في هذا ، بل مجرد الإخبار بتحريمه . 
وقال تعالى : { لكن الله يشهد بما أنزل إليك    } ولا تتوقف صحة الشهادة على أنه يقول سبحانه " أشهد بكذا " . 
وقال تعالى : { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق    } أي أخبر به ، وتكلم به عن علم ، والمراد به التوحيد . 
ولا تفتقر صحة الإسلام إلى أن يقول الداخل فيه : " أشهد أن لا إله إلا الله " بل لو قال : " لا إله إلا الله محمد  رسول الله " كان مسلما بالاتفاق . 
وقد قال صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا  رسول الله   } فإذا تكلموا بقول : " لا إله إلا الله " حصلت لهم العصمة ، وإن لم يأتوا بلفظ " أشهد " 
وقال تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به    } وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { عدلت  [ ص: 172 ] شهادة الزور الإشراك بالله   } . 
وقال : { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الشرك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله ، وقول الزور . وفي لفظ ألا ، وشهادة الزور   } . 
فسمى قول الزور شهادة ، وإن لم يكن معه لفظ " أشهد " . 
وقال  ابن عباس    : شهد عندي رجال مرضيون - وأرضاهم عندي  عمر    - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم {   : نهى عن الصلاة بعد العصر ، حتى تغرب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس   } ومعلوم أن  عمر  لم يقل  لابن عباس    " أشهد " عندك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، ولكن أخبره فسماه  ابن عباس  شهادة . 
وقد تناظر الإمام  أحمد   وعلي بن المديني  في العشرة - رضوان الله عليهم - فقال  علي    : أقول " هم في الجنة ، ولا أشهد بذلك " بناء على أن الخبر في ذلك خبر آحاد ، فلا يفيد العلم ، والشهادة إنما تكون على العلم ، فقال له الإمام  أحمد    : " متى قلت : هم في الجنة ، فقد شهدت " حكاه القاضي  [ ص: 173 ]  أبو يعلى  ، وذكره شيخنا  رحمه الله . 
فكل من أخبر بشيء فقد شهد به ، وإن لم يتلفظ بلفظ " أشهد " . ومن العجب : أنهم احتجوا على قبول الإقرار بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم    } . 
قالوا : هذا يدل على قبول إقرار المرء على نفسه ، ولم يقل أحد ، إنه لا يقبل الإقرار حتى يقول المقر " أشهد على نفسي " وقد سماه الله شهادة . 
قال شيخنا    : فاشتراط لفظ " الشهادة " لا أصل له في كتاب الله ، ولا سنة رسوله ، ولا قول أحد من الصحابة ، ولا يتوقف إطلاق لفظ " الشهادة " لغة على ذلك ، وبالله التوفيق . 
وعلى هذا : فليس الإخبار طريقا آخر غير طريق الشهادة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					