[ ص: 600 ] ثم دخلت سنة إحدى وستين وسبعمائة 
استهلت وسلطان المسلمين الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون ،  وقضاة مصر  والشام  هم المذكورون في التي قبلها ، ونائب الشام  الأمير سيف الدين أسندمر أخو يلبغا اليحياوي ،  وكاتب السر القاضي أمين الدين بن القلانسي    . 
وفي مستهل المحرم جاء الخبر بموت الشيخ صلاح الدين العلائي  بالقدس الشريف   ليلة الاثنين ثالث المحرم ، وصلي عليه من الغد بالمسجد الأقصى  بعد صلاة الظهر ، ودفن بمقبرة باب الرحمة ، وله من العمر ست وستون سنة ، وكان مدة مقامه بالقدس مدرسا بالمدرسة الصلاحية  وشيخا بدار الحديث السكرية  ثلاثين سنة ، وقد صنف ، وألف ، وجمع ، وخرج ، وكانت له يد طولى في معرفته العالي ، والنازل ، وتخريج الأجزاء والفوائد ، وله مشاركة قوية في الفقه ، واللغة ، والعربية ، والأدب ، وفي كتابته ضعف لكن مع صحة وضبط لما يشكل ، وله عدة مصنفات ، وبلغني أنه وقفها على الخانقاه السميساطية   [ ص: 601 ] بدمشق ،  وقد ولي بعده التدريس بالصلاحية الخطيب برهان الدين بن جماعة  والنظر بها ، وكان معه تفويض منه متقدم التاريخ . 
وفي يوم الخميس السادس من محرم احتيط على متولي البر ابن بهادر السنجري ،  ورسم عليه بالعذراوية;  بسبب أنه اتهم بأخذ مطلب من نعمان البلقاء  هو وكجكن الحاجب ،  وقاضي حسان ،  والظاهر أن هذه مرافعة من خصم عدو لهم ، وأنه لم يكن من هذا شيء ، والله أعلم . ثم ظهر على رجل يزور المراسيم الشريفة ، وأخذ بسببه مدرس الصارمية; لأنه كان عنده في المدرسة المذكورة ، وضرب بين يدي ملك الأمراء ، وكذلك على الشيخ زين الدين زيد المغربي  الشافعي ، وذكر عنه أنه يطلب مرسوما لمدرسة الأكزية ، وضرب أيضا ، ورسم عليه في حبس السد ، وكذلك حبس الأمير شهاب الدين  الذي كان متولي البلد; لأنه كان قد كتب له مرسوم شريف بالولاية ، فلما فهم ذلك كاتب السر أطلع عليه نائب السلطنة ، فانفتح عليه الباب ، وحبسوا كلهم بالسد ، وجاءت كتب الحجاج ليلة السبت الخامس عشر من المحرم ، وأخبرت بالخصب ، والرخص ، والأمن ، ولله الحمد والمنة . 
ودخل المحمل بعد المغرب ليلة السبت الثاني والعشرين منه ، ثم دخل   [ ص: 602 ] الحجيج بعده في الطين والدحض ، وقد لقوا من ذلك من بلاد حوران عناء وشدة ، ووقعت جمالات كثيرة ، وسبيت نساء كثيرة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وحصل لكثير من الناس تعب شديد . 
ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين قطعت يد الذي زور المراسيم ، واسمه السراج عمر القفطي المصري ،  وهو شاب كاتب منطيق - على ما ذكر - وحمل في قفص على جمل ، وهو مقطوع اليد ، ولم يحسم بعد والدم ينصب منها ، وأركب معه الشيخ زين الدين زيد  على جمل ، وهو منكوس وجهه إلى ناحية دبر الجمل ، وهو عريان مكشوف الرأس ، وكذلك البدر الحمصي  على جمل آخر ، وأركب الوالي شهاب الدين  على جمل آخر ، وعليه تخفيفة صغيرة ، وخف ، وقباء ، وطيف بهم في محال البلد ، ونودي عليهم : هذا جزاء من يزور على السلطان ، ثم أودعوا حبس الباب الصغير ، وكانوا قبل هذا التعزير في حبس السد ، ومنه أخذوا وأشهروا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . 
				
						
						
