[ ص: 332 ] لقيط بن عامر المنتفق أبي رزين العقيلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال وفادة : كتب إلي عبد الله بن الإمام أحمد : كتبت إليك بهذا الحديث ، وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك ، فحدث بذلك عني . قال : حدثني إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير الزبيري عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي ، قال : حدثني عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي من بني عمرو بن عوف ، عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي ، عن أبيه ، عن عمه لقيط بن عامر ، قال دلهم : وحدثنيه أبي الأسود ، عن عاصم بن لقيط لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه صاحب له يقال له : نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق . قال لقيط : فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 333 ] انسلاخ رجب ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة ، فقام في الناس خطيبا ، فقال : " أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ، ألا لأسمعنكم ، ألا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله ؟ ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا إني مسئول ، هل بلغت ، ألا اسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا ، ألا اجلسوا " . قال : فجلس الناس ، وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت : يا رسول الله ، ما عندك من علم الغيب ؟ فضحك ، لعمر الله وهز رأسه ، وعلم أني أبتغي لسقطه ، فقال : . وأشار بيده قلت : وما هي ؟ قال : " علم المنية ، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه ، وعلم المني حين يكون في الرحم ، قد علمه ولا تعلمون ، وعلم ما في غد ، وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه ، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم آزلين مسنتين ، فيظل يضحك ، قد علم أن غيركم إلى قريب " . قال " ضن ربك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب ، لا يعلمها إلا الله " لقيط : قلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا . " وعلم يوم الساعة " . قلت : يا رسول الله ، علمنا مما تعلم الناس ، وما تعلم ، فأنا من قبيل [ ص: 334 ] لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربوا علينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها . قال : " تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ، ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة ، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات ، والملائكة الذين مع ربك ، عز وجل ، فأصبح ربك ، عز وجل ، يطوف في الأرض وقد خلت عليه البلاد ، فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش ، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلفه من عند رأسه فيستوي جالسا ، فيقول ربك عز وجل مهيم ؟ - لما كان فيه - فيقول : يا رب أمس اليوم . فلعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله " . قلت : يا رسول الله ، كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟ فقال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية فقلت : لا تحيا أبدا . ثم أرسل ربك عليها السماء ، [ ص: 335 ] فلم تلبث عليك إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة ، فلعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض ، فتخرجون من الأصواء ومن مصارعكم ، فتنظرون إليه وينظر إليكم " . قال : قلت : يا رسول الله ، وكيف ونحن ملء الأرض وهو عز وجل شخص واحد ، ينظر إلينا وننظر إليه ؟! فقال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة ، لا تضارون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما " . قلت : يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟ قال : " تعرضون عليه بادية له [ ص: 336 ] صفحاتكم لا يخفى عليه منكم خافية ، فيأخذ ربك ، عز وجل ، بيده غرفة من الماء فينضح قبيلكم بها ، فلعمر إلهك ما تخطئ وجه أحدكم منها قطرة ، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء ، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الأسود ، ألا ثم ينصرف نبيكم ، وينصرف على أثره الصالحون ، فتسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول : حس . فيقول ربك عز وجل : أو أنه ، فتطلعون على حوض الرسول على أظمأ والله ناهلة عليها ، ما رأيتها ، قط فلعمر إلهك لا يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى ، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا " . [ ص: 337 ] قال : قلت : يا رسول الله فبم نبصر ؟ قال : " بمثل بصرك ساعتك هذه ، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض وواجهته الجبال " . قال : قلت : يا رسول الله ، فبم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا ؟ قال : " الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها إلا أن يعفو " . قال : قلت : يا رسول الله ، إما الجنة وإما النار ؟ قال : " لعمر إلهك ، إن ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما ، وإن للنار لسبعة أبواب ، ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما " . قلت : يا رسول الله ، فعلام نطلع من الجنة ؟ قال : " على أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وفاكهة ، لعمر إلهك ما تعلمون ، وخير من مثله معه ، وأزواج مطهرة " . قلت : يا رسول الله ولنا فيها أزواج ؟ أو منهن مصلحات ؟ قال : " الصالحات للصالحين ، تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم ، غير أن لا توالد " . قال للجنة لثمانية أبواب لقيط : فقلت : أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ؟ فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم . قلت : يا رسول الله ، علام أبايعك ؟ قال : فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده ، وقال : " على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال المشرك ، وأن لا تشرك بالله إلها غيره " . قال : قلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ؟ فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه . قال : قلت : نحل منها حيث شئنا ولا يجني امرؤ إلا على نفسه . فبسط يده وقال : " ذلك لك ، تحل حيث شئت ولا تجني عليك إلا نفسك " . قال : فانصرفنا عنه ثم قال : " إن هذين من أتقى الناس - لعمر إلهك - في الأولى والآخرة " . فقال له كعب بن الخدارية أحد بني بكر بن كلاب : من هم يا رسول الله ؟ قال : بنو المنتفق أهل ذلك . قال : فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت : يا رسول الله ، هل لأحد ممن مضى خير في جاهليتهم ؟ قال : فقال رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتفق لفي النار . قال : فلكأنه وقع حر بين جلدي ووجهي ولحمي ; مما قال لأبي على رءوس الناس ، فهممت أن أقول : وأبوك يا [ ص: 339 ] رسول الله ؟ ثم إذا الأخرى أجمل ، فقلت : يا رسول الله ؟ وأهلك ؟ قال : " وأهلي لعمر الله ، ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك ، فقل : أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك ; تجر على وجهك وبطنك في النار " . قال : قلت : يا رسول الله ، ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ، وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال : " ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم - يعني نبيا - فمن عصى نبيه كان من الضالين ، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين " . هذا حديث غريب جدا وألفاظه في بعضها نكارة وقد أخرجه أن في كتاب " البعث والنشور " البيهقي في " العاقبة " ، وعبد الحق الإشبيلي ، والقرطبي في كتاب " التذكرة في أحوال الآخرة " وسيأتي في كتاب " البعث والنشور " إن شاء الله تعالى .