[ ص: 74 ] ذكر صفية  
وقال البكائي ،  عن ابن إسحاق  ، قال : وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال ، يأخذها مالا مالا ، ويفتحها حصنا حصنا . فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة الأنصاري أخو محمد ،  ألقيت عليه رحى فقتلته . ثم القموص ; حصن ابن أبي الحقيق   . وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن  صفية بنت حيي بن أخطب ،  وبنتا عم لها ، فأعطاهما  دحية الكلبي   . 
وقال يونس ،  عن ابن إسحاق ،  حدثني ابن لمحمد بن مسلمة الأنصاري  عمن أدرك من أهله ، وحدثنيه مكنف ،  قالا : حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر  في حصنيهم الوطيح والسلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسيرهم ويحقن دماءهم ، ففعل . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها : الشق والنطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان في ذينك الحصنين . فلما سمع بهم أهل فدك  قد صنعوا ما صنعوا ، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم ، ويخلون بينه وبين الأموال ، ففعل . فكان ممن مشى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم ، في ذلك ،محيصة بن مسعود   . فلما نزلوا على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم على الأموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها . فصالحهم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم . وصالحه أهل فدك  على مثل ذلك . فكانت أموال خيبر  فيئا بين المسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن  [ ص: 75 ] المسلمين لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب . 
وقال حماد بن زيد ،  عن ثابت ،   وعبد العزيز بن صهيب ،  عن أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر  قتل المقاتلة وسبى الذراري ، فصارت صفية   لدحية الكلبي ،  ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تزوجها وجعل صداقها عتقها . متفق عليه . 
وقال يعقوب بن عبد الرحمن ،  عن  عمرو بن أبي عمرو ،  عن أنس ،  قال : ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم جمال صفية ،  وكانت عروسا وقتل زوجها ، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه : فلما كنا بسد الصهباء حلت ، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : واتخذ حيسا في نطع صغير ، وكانت وليمته . فرأيته يحوي لها بعباءة خلفه ، ويجلس عند ناقته ، فيضع ركبته فتجيء صفية  فتضع رجلها على ركبته ثم تركب . فلما بدا لنا أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا جبل يحبنا ونحبه  " . أخرجه  البخاري ،  بأطول من هذا ، ومسلم   . 
وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير   : أخبرني حميد ،  سمع أنسا ،  قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر  والمدينة  ثلاث ليال يبنى عليه بصفية ،  فدعوت المسلمين إلى وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كان فيها من خبز ولا لحم ، وما كان إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت ، وألقي عليها التمر والأقط والسمن . فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين هي أو مما ملكت يمينه ؟ قالوا : إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين ، وإن  [ ص: 76 ] لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه . فلما ارتحل وطأ لها خلفه ، ومد الحجاب بينها وبين الناس  . أخرجه  البخاري   . 
وقال حماد بن سلمة   : حدثنا عبيد الله بن عمر   - فيما أحسب - عن نافع ،  عن ابن عمر ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر  حتى ألجأهم إلى قصرهم ، فغلب على الأرض والزرع والنخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ، ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ، ويخرجون منها ، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد . فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب ،  كان احتمله معه إلى خيبر  حين أجليت النضير . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي   : ما فعل مسك حيي  الذي جاء به من النضير ؟ قال : أذهبته النفقات والحروب . فقال : العهد قريب والمال أكثر من ذلك . فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير ،  فمسه بعذاب ، وقد كان حيي  قبل ذلك دخل خربة ، فقال عمه : قد رأيت حييا  يطوف في خربة هاهنا . فذهبوا فطافوا ، فوجدوا المسك في الخربة . فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني حقيق ،  وأحدهما زوج صفية   . وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا . وأراد أن يجليهم منها ، فقالوا : يا محمد ،  دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها . ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها ، فأعطاهم على النصف ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فكان عبد الله بن رواحة  يأتيهم كل عام فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر . فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه ، وأرادوا أن يرشوه فقال : يا أعداء الله تطعموني السحت ؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني  [ ص: 77 ] بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم . فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض . 
قال : ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية  خضرة ، فقال : ما هذه ؟ قالت : كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق  وأنا نائمة ، فرأيت كأن قمرا وقع في حجري فأخبرته بذلك ، فلطمني وقال : تمنين ملك يثرب  ؟ قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبغض الناس إلي ، قتل أبي وزوجي . فما زال يعتذر إلي ويقول : إن أباك ألب العرب علي وفعل وفعل ، حتى ذهب ذلك من نفسي . 
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام ، وعشرين وسقا من شعير . 
فلما كان زمن عمر  غشوا المسلمين ، وألقوا ابن عمر  من فوق بيت ، ففدعوا يديه ، فقال عمر   : من كان له سهم بخيبر  فليحضر ، حتى قسمها بينهم . وقال رئيسهم : لا تخرجنا ، دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله وأبو بكر   . فقال له : أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف بك إذا رقصت بك راحلتك تخوم الشام  يوما ثم يوما ثم يوما . وقسمها عمر  بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية   . 
استشهد به  البخاري  في كتابه ، فقال : ورواه حماد بن سلمة   . 
وقال أبو أحمد المرار بن حمويه   : حدثنا محمد بن يحيى الكناني ،  عن مالك ،  عن نافع ،  عن ابن عمر ،  قال : لما فدعت بخيبر  قام عمر  خطيبا ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر  على أموالها ، وقال : نقركم ما أقركم الله ، وإن عبد الله بن عمر  خرج إلى خيبر ،  ماله  [ ص: 78 ] هناك ، فعدي عليه من الليل ففدعت يداه ، وليس لنا هناك عدو غيرهم ، وهم تهمتنا ، وقد رأيت إجلاءهم . فلما أجمع على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق  فقال : يا أمير المؤمنين ، تخرجنا وقد أقرنا محمد  وعاملنا ؟ فقال : أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة . فأجلاهم وأعطاهم قيمة مالهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك أخرجه  البخاري  عن أبي أحمد   . 
وقال ابن فضيل ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن بشير بن يسار ،  عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله لما ظهر على خيبر  قسمها على ستة وثلاثين سهما ،  جمع كل سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك . وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس . أخرجه أبو داود   . 
وقال  سليمان بن بلال ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن بشير بن يسار  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر  ستة وثلاثين سهما ، فعزل للمسلمين ثمانية عشر سهما ، يجمع كل سهم مائة ، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وله سهم كسهم أحدهم . وعزل النصف لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين ، فكان ذلك الوطيح والسلالم والكتيبة وتوابعها ، فلما صارت الأموال بيد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها ، فدعا اليهود فعاملهم . 
قال  البيهقي  رحمه الله : وهذا لأن بعض خيبر فتح عنوة ، وبعضها صلحا . فقسم ما فتح بين أهل الخمس والغانمين ، وعزل ما فتح  [ ص: 79 ] صلحا لنوائبه وما يحتاج إليه في مصالح المسلمين . 
وقال عبد الرزاق   : أخبرنا معمر ،  عن عبيد الله بن عمر ،  عن نافع ،  عن ابن عمر ،  أن خيبر  يوم أشركها النبي صلى الله عليه وسلم كان فيها زرع ونخل فكان يقسم لنسائه كل سنة لكل واحدة منهن مائة وسق تمر ، وعشرين وسق شعير لكل امرأة . 
رواه الذهلي ،  عن عبد الرزاق ،  فأسقط منه : ابن عمر   . 
وقال ابن وهب   : قال يحيى بن أيوب   : حدثني إبراهيم بن سعد ،  عن كثير مولى بني مخزوم ،  عن عطاء ،  عن ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم لمائتي فرس يوم خيبر  سهمين سهمين  . 
قال ابن وهب   : وقال لي يحيى بن أيوب ،  عن يحيى بن سعيد ،   وصالح بن كيسان  مثل ذلك . 
وقال ابن عيينة   : حدثنا يحيى بن سعيد ،  عن صالح بن كيسان ،  قال : كانوا يوم خيبر ألفا وأربع مائة ، وكانت الخيل مائتي فرس . 
وقال يونس ،  عن ابن إسحاق   : أخبرني الزهري ،  عن  سعيد بن المسيب ،  عن جيبر بن مطعم ،  قال : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم  وبني المطلب ،  مشيت أنا وعثمان  فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء إخوتك بنو هاشم  لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم ، أرأيت إخوتنا من بني المطلب  أعطيتهم وتركتنا ، وإنما نحن وهم بمنزل واحد منك . فقال : إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام ، إنما بنو هاشم  وبنو المطلب  شيء واحد ، ثم شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إحداهما في الأخرى . 
 [ ص: 80 ] استشهد به  البخاري   . 
وقال شعبة ،  عن حميد بن هلال ،  عن عبد الله بن مغفل ،  قال : دلي جراب من شحم يوم خيبر  فالتزمته ، وقلت : هذا لا أعطي أحدا منه شيئا . فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم ، فاستحييت منه . متفق عليه . 
وقال أبو معاوية   : حدثنا أبو إسحاق الشيباني ،  عند محمد بن أبي مجالد ،  عن عبد الله بن أبي أوفى ،  قال : قلت : أكنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أصبنا طعاما يوم خيبر  فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف . أخرجه أبو داود   . 
وقال أبو معاوية ،  عن عاصم الأحول ،  عن  أبي عثمان النهدي   - أو عن أبي قلابة   - قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قدم والتمرة خضرة ، فأشرع الناس فيها فحموا ، فشكوا ذلك إليه فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشنان ، ثم يحدرون عليهم بين أذاني الفجر ، ويذكرون اسم الله عليه ، قال : ففعلوا فكأنما نشطوا من عقل . 
وقال بشر بن المفضل ،  عن محمد بن زيد   : حدثني عمير مولى آبي اللحم ،  قال : شهدت خيبر ،  مع سادتي ، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بي فقلدت سيفا ، فإذا أنا أجره ، فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع . أخرجه أبو داود   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					