الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال القاسم بن عبد الله العمري - وهو ضعيف - عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاث مائة [ ص: 177 ] وستين صنما . فأشار إلى كل صنم بعصا من غير أن يمسها ، وقال : ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ( 81 ) ) [ الإسراء ] فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط .

                                                                                      وقال عبد الوارث ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة ، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة ، فأمر بها فأخرجت ، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام ، فقال : " قاتلهم الله ، أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط " ودخل البيت وكبر في نواحيه .

                                                                                      أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخله حتى أمر بها فمحيت . ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام ، فقال : " قاتلهم الله ، والله ما استقسما بها قط " صحيح .

                                                                                      وروى أبو الزبير ، عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت حتى محيت الصور . صحيح .

                                                                                      وقال هوذة : حدثنا عوف الأعرابي ، عن رجل ، قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، شيبة بن عثمان فأعطاه المفتاح ، وقال له : دونك هذا ، فأنت أمين الله على بيته .

                                                                                      قال الواقدي : هذا غلط ، إنما أعطى المفتاح عثمان بن طلحة ; ابن [ ص: 178 ] عم شيبة ; يوم الفتح ، وشيبة يومئذ كافر . ولم يزل عثمان على البيت حتى مات ثم ولي شيبة .

                                                                                      قلت : قول الواقدي : لم يزل عثمان على البيت حتى مات ، فيه نظر ، فإن أراد لم يزل منفردا بالحجابة ، فلا نسلم ، وإن أراد مشاركا لشيبة ، فقريب ، فإن شيبة كان حاجبا في خلافة عمر . ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى الحجابة لشيبة لما أسلم ، وكان إسلامه عام الفتح ، لا يوم الفتح .

                                                                                      وقال محمد بن حمران : حدثنا أبو بشر ، عن مسافع بن شيبة ، عن أبيه ، قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة يصلي ، فإذا فيها تصاوير ، فقال : يا شيبة ، اكفني هذه . فاشتد ذلك عليه . فقال له رجل : طينها ثم الطخها بزعفران . ففعل .

                                                                                      تفرد به محمد ، وهو مقارب الأمر .

                                                                                      وقال يونس ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة ، ومعه بلال وعثمان بن طلحة ، من الحجبة ، حتى أناخ في المسجد ، فأمر عثمان أن يأتي بمفتاح البيت ، ففتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسامة وبلال وعثمان ، فمكث فيها نهارا طويلا ، خرج فاستبق الناس ، وكان عبد الله بن عمر أول من دخل ، فوجد بلالا وراء الباب ، فسأله : أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار إلى المكان الذي صلى فيه . قال ابن عمر : فنسيت أن أسأله : كم صلى من سجدة ؟ صحيح . علقه البخاري محتجا به .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة ، قالت : لما اطمأن رسول [ ص: 179 ] الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، طاف على بعيره ، يستلم [ الحجر ] بالمحجن ثم دخل الكعبة فوجد فيها جمامة عيدان فاكتسرها ، ثم قال بها على باب الكعبة وأنا أنظر- فرمى بها .

                                                                                      وذكر أسباط ، عن السدي ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم فتح مكة ، آمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، إلا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة : عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح . فأما ابن خطل فأدرك وهو متعلق بالأستار ، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر ، فسبق سعيد عمارا ، فقتله . وأما مقيس فقتلوه في السوق . وأما عكرمة فركب البحر ، وذكر قصته ، ثم أسلم . وأما ابن أبي سرح فاختبأ عند عثمان ، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة ، جاء به عثمان حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، بايع عبد الله . فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا ؛ كل ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث . ثم أقبل على أصحابه فقال : " أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا ، حيث رآني كففت فيقتله ؟ " قالوا : ما يدرينا يا رسول الله ، ما في نفسك ، هلا أومأت إلينا بعينك ؟ قال : " إنه لا ينبغي أن يكون لنبي خائنة الأعين " .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية