وقال الواقدي   : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر ، فما حل عقدة حتى انتهى إلى الصلصل . وخرج المسلمون وقادوا الخيل وامتطوا الإبل . وكانوا عشرة آلاف   . 
وذكر عروة   وموسى بن عقبة  أنه صلى الله عليه وسلم خرج في اثني عشر ألفا . 
وقال ابن إدريس ،  عن ابن إسحاق ،  عن الزهري ،  عن عبيد الله ،  عن ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه العباس  بأبي سفيان  فأسلم بمر الظهران   . فقال : يا رسول الله ، إن أبا سفيان  رجل يحب الفخر ، فلو جعلت له شيئا ؟ قال : نعم ؛ من دخل دار أبي سفيان  فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن  . 
زاد فيه الثقة ، عن ابن إسحاق  قال : ناده ، فقال أبو سفيان   : وما تسع داري ؟ قال من دخل الكعبة  فهو آمن ، قال : وما تسع الكعبة  ؟ قال : من دخل المسجد فهو آمن . قال : وما يسع المسجد ؟ قال : من أغلق بابه فهو آمن . فقال : هذه واسعة . 
وقال حماد بن زيد ،  عن أيوب ،  عن عكرمة ،  قال : فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ،  قال العباس  وقد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من  [ ص: 168 ] المدينة   : يا صباح قريش ،  والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عنوة ، إنه لهلاك قريش  آخر الدهر . فجلس على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، وقال : أخرج إلى الأراك  لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن ، أو داخلا يدخل مكة ،  فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتوه فيستأمنوه ، فخرجت فوالله إني لأطوف بالأراك  إذ سمعت صوت أبي سفيان   وحكيم بن حزام  وبديل بن ورقاء  وقد خرجوا يتجسسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعت صوت أبي سفيان  وهو يقول : ما رأيت كاليوم قط نيرانا ، فقال : بديل   : هذه نيران خزاعة  حمشتها الحرب ، فقال أبو سفيان   : خزاعة  ألأم من ذلك وأذل . فعرفت صوته ، فقلت : يا أبا حنظلة ،  فقال : أبو الفضل  ؟ قلت : نعم . فقال : لبيك ، فداك أبي وأمي ، ما وراءك ؟ قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به في عشرة آلاف من المسلمين . قال : فكيف الحيلة ، فداك أبي وأمي ؟ فقلت : تركب في عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك . فردفني فخرجت أركض به نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين نظروا إلي وقالوا : عم رسول الله على بغلة رسول الله . حتى مررت بنار عمر  فقال : أبو سفيان  ؟ ! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد . ثم اشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة وسبقت عمر  بما تسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء . 
ودخل عمر ،  فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان  عدو الله ، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه . فقلت : يا رسول الله ، إني قد آمنته . ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه وقلت : والله لا يناجيه الليلة أحد دوني . فلما أكثر فيه عمر ،  قلت : مهلا يا عمر ،   [ ص: 169 ] فوالله ما تصنع هذا إلا لأنه رجل من بني عبد مناف ،  ولو كان من بني عدي بن كعب  ما قلت هذا . فقال : مهلا يا عباس ،  فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب  لو أسلم ، وما ذاك إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب  لو أسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب به فقد آمناه ، حتى تغدو به علي الغداة ، فرجع بهالعباس  إلى منزله . 
فلما أصبح غدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ويحك يا أبا سفيان ،  ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟ فقال : بأبي وأمي ما أوصلك وأكرمك ، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا بعد . فقال : ويحك أولم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال : بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك ، أما هذه فإن في النفس منها شيئا . قال العباس   : فقلت : ويلك تشهد شهادة الحق قبل والله أن تضرب عنقك . فتشهد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تشهد : " انصرف به يا عباس  فاحبسه عند حطم الجبل بمضيق الوادي ، حتى تمر عليه جنود الله " . 
فقلت له : إن أبا سفيان  يا رسول الله رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئا يكون له في قومك . فقال : " نعم ؛ من دخل دار أبي سفيان  فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن  " . فخرجت به حتى حبسته عند حطم الجبل بمضيق الوادي ، فمرت عليه القبائل ، فيقول : من هؤلاء يا عباس  ؟ فأقول : سليم   . فيقول : ما لي ولسليم   . وتمر به القبيلة فيقول : من هذه ؟ فأقول : أسلم   . فيقول ما لي ولأسلم   . وتمر جهينة   . حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء من المهاجرين  والأنصار ،  في الحديد ، لا يرى منهم إلا الحدق . فقال يا أبا الفضل ،  من هؤلاء ؟ فقلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين  والأنصار   . فقال :  [ ص: 170 ] يا أبا الفضل ،  لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما . فقلت : ويحك ، إنها النبوة . قال : فنعم إذن . قلت : الحق الآن بقومك فحذرهم . فخرج سريعا حتى جاء مكة ،  فصرخ في المسجد : يا معشر قريش ;  هذا محمد  قد جاءكم بما لا قبل لكم به . فقالوا : فمه ؟ قال : من دخل داري فهو آمن . قالوا : وما دارك ، وما تغني عنا ؟ قال : من دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق داره عليه فهو آمن . 
هكذا رواه بهذا اللفظ ابن إسحاق ،  عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  موصولا ، وأما أيوب السختياني  فأرسله . وقد رواه ابن إدريس ،  عن ابن إسحاق ،  عن الزهري ،  عن عبيد الله ،  عن ابن عباس  بمعناه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					