وقال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي ،  عن أبيه ، عن جده ، عن البراء ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد  إلى أهل اليمن ،  يدعوهم إلى الإسلام  . قال البراء   : فكنت فيمن خرج مع خالد ،  فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه . ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا  رضي الله عنه فأمره أن يقفل خالدا ،  إلا رجل كان يمم مع خالد  أحب أن يعقب مع علي  فليعقب معه . فكنت فيمن عقب مع علي   . فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا ، فصلى بنا علي ،  ثم صفنا صفا واحدا ، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلمت همدان  جمعا . فكتب علي  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال : " السلام على همدان ،  السلام على همدان   " . هذا حديث صحيح  [ ص: 282 ] أخرج  البخاري  بعضه بهذا الإسناد . 
وقال الأعمش ،  عن عمرو بن مرة ،  عن أبي البختري ،  عن علي   : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ،  فقلت : يا رسول الله ، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء ؟ فضرب بيده في صدري ، وقال : " اللهم اهد قلبه وثبت لسانه " فما شككت في قضاء بين اثنين . أخرجه ابن ماجه   . 
وقال محمد بن علي ،   وعطاء ،  عن جابر ،  أن عليا  قدم من اليمن  على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع . متفق عليه من حديث عطاء   . 
وقال شعبة ،  وغيره ، عن سعيد بن أبي بردة ،  عن أبيه ، عن أبي موسى ;  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه  ومعاذ بن جبل  إلى اليمن ،  فقال : " يسرا ولا تعسرا ، وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا  " متفق عليه . ومن أوجه أخر بأطول من هذا . 
وفي " الصحيح "  للبخاري  ، من حديث  طارق بن شهاب ،  عن أبي موسى ،  قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي . قال : فجئته وهو منيخ بالأبطح . قال : فسلمت عليه . فقال : " أحججت يا  عبد الله بن قيس   " ؟ قلت : نعم . قال : " كيف قلت ؟ " قال : قلت : لبيك إهلالا  [ ص: 283 ] كإهلالك . فقال : " أسقت هديا ؟ " قلت : لم أسق هديا . قال : " فطف بالبيت واسع ثم حل  " ففعلت . وذكر الحديث . 
أما معاذ  فالأشبه أنه لم يرجع من اليمن  حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وقال ابن إسحاق   : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ،  عن أبيه ، قال : هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا ، الذي كتبه لعمرو بن حزم ،  حين بعثه إلى اليمن  يفقه أهلها ويعلمهم السنة ويأخذ صدقاتهم ، فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من الله ورسوله . يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود   . عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم  حين بعثه إلى اليمن   . أمره بتقوى الله في أمره كله . فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون . وأمره أن يأخذ الحق كما أمره ، وأن يبشر الناس بالخير ، ويأمرهم به ، ويعلم الناس القرآن ، ويفقههم فيه ، ولا يمس القرآن أحد ؛ إلا وهو طاهر ، ويخبر الناس بالذي لهم ، والذي عليهم ، ويلين لهم في الحق ، ويشتد عليهم في الظلم ، فإن الله كره الظلم ونهى عنه ، وقال : ( ألا لعنة الله على الظالمين   ( 18 ) ) [ هود ] ويبشر الناس بالجنة وبعملها ، وينذر الناس من النار وعملها ، ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين ، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه ، وما أمر الله به ، والحج الأكبر والحج الأصغر ؛ فالحج الأصغر العمرة . وينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغير ، إلا أن يكون واسعا فيخالف بين طرفيه على عاتقيه ، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه . ولا يعقد شعر رأسه إذا عفى في قفاه . وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعوا إلى القبائل والعشائر ، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له . فمن لم يدع إلى الله عز وجل ، ودعا إلى العشائر والقبائل فليعطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له ، ويأمر الناس  [ ص: 284 ] بإسباغ الوضوء ; وجوههم وأيديهم إلى المرافق ، وأرجلهم إلى الكعبين ، وأن يمسحوا رءوسهم كما أمر الله ، وأمروا بالصلاة لوقتها ، وإتمام الركوع والخشوع ، وأن يغلس بالصبح ، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس ، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة ، والمغرب حين يقبل الليل ، لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء ، والعشاء أول الليل . وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها ، والغسل عند الرواح إليها . وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله عز وجل ، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقى الغيل وفيما سقت السماء العشر ، وفيما سقت الغرب فنصف العشر ، ثم ذكر زكاة الإبل والبقر ، مختصرا . 
قال : وعلى كل حالم ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، من اليهود  والنصارى ،  دينار واف أو عرضه من الثياب . فمن أدى ذلك كان له ذمة الله وذمة رسوله ، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين . 
وقد روى سليمان بن داود ،  عن الزهري ،  عن  أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ،  عن أبيه ، عن جده ، نحو هذا الحديث موصولا ; بزيادات كثيرة في الزكاة ، ونقص عما ذكرنا في السنن . 
وقال أبو اليمان   : حدثنا  صفوان بن عمرو ،  عن  راشد بن سعد ،  عن راشد بن حميد السكوني   : أن معاذا  لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ،  فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه ، ومعاذ  راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ قال : " يا معاذ ،  إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري " فبكى معاذ  جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لا تبك يا معاذ ،  البكاء من الشيطان  " .  [ ص: 285 ] وقال ابن إسحاق   : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ،  قال : لما قدم وفد نجران  على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم ، فقاموا يصلون في مسجده ، فأراد الناس منعهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعوهم " فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم . 
وقال ابن إسحاق   : حدثني بريدة بن سفيان ،  عن ابن البيلماني ،  عن كرز بن علقمة ،  قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى  نجران ;  ستون راكبا ، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم ، منهم : العاقب  أمير القوم وذو رأيهم ، صاحب مشورتهم ، والذين لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره ; واسمه عبد المسيح   . والسيد  ثمالهم وصاحب رحلهم ومجمعهم ; واسمه الأيهم   . وأبو حارثة بن علقمة ،  أحد بكر بن وائل   ; أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم . 
وكان أبو حارثة  قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم . وكانت ملوك الروم  من أهل النصرانية  قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس . فلما توجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران ،  جلس أبو حارثة  على بغلة له موجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى جنبه أخ له ، يقال له : كرز بن علقمة ;  يسايره ، إذ عثرت بغلة أبي حارثة ،  فقال له كرز   : تعس الأبعد ; يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له أبو حارثة   : بل أنت تعست . فقال له : لم يا أخي ؟ فقال : والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره . قال له كرز   : فما يمنعك وأنت تعلم هذا ؟ قال : ما صنع بنا هؤلاء القوم ; شرفونا ومولونا ، وقد أبوا إلا خلافه ، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى . فأضمر عليها أخوه كرز بن علقمة  حتى أسلم بعد ذلك . 
قال ابن إسحاق   : وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ،  قال : حدثني سعيد بن جبير ،  أو عكرمة ،  عن ابن عباس ،  قال : اجتمعت نصارى  نجران  وأحبار يهود  عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا ، فقالت  [ ص: 286 ] الأحبار   : ما كان إبراهيم  إلا يهوديا ، وقالت النصارى   : ما كان إلا نصرانيا . فأنزل الله فيهم :  ( يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده   ( 65 ) ) [ آل عمران ] . 
فقال أبو رافع القرظي   : أتريد منا يا محمد  أن نعبدك كما تعبد النصارى  عيسى بن مريم  ؟ فقال رجل من نجران  يقال له الربيس   : وذلك تريد يا محمد  وإليه تدعو ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " معاذ الله أن آمر بعبادة غير الله " فنزلت : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم   ( 79 ) ) [ آل عمران ] الآيات إلى قوله : ( من الشاهدين   ( 81 ) ) [ آل عمران ] . 
وقال إسرائيل  وغيره ، عن أبي إسحاق ،  عن صلة ،  عن ابن مسعود   ; ورواه شعبة  ، وسفيان  ، عن أبي إسحاق  فقالا ؛ حذيفة  بدل ابن مسعود   : إن السيد  والعاقب  أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يلاعنهما ، فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه ، فوالله لئن كان نبيا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا . قالوا له : نعطيك ما سألت ، فابعث معنا رجلا أمينا ، ولا تبعث معنا إلا أمينا . فقال : " لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين " فاستشرف لها أصحابه . فقال : " قم يا  أبا عبيدة بن الجراح   " فلما قام قال : " هذا أمين هذه الأمة  " أخرجه  البخاري  من حديث حذيفة   . 
وقال إدريس الأودي ،  عن  سماك بن حرب ،  عن علقمة بن وائل   . عن المغيرة بن شعبة ،  قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران ،  فقالوا فيما قالوا : أرأيت ما تقرأون ( يا أخت هارون   ( 28 ) ) [ مريم ] وقد كان بين عيسى  وموسى  ما قد علمتم ؟ قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : " أفلا  [ ص: 287 ] أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم  " . أخرجه مسلم .  وقال ابن إسحاق   : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد  في شهر ربيع الآخر ، أو جمادى الأولى ، سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب  بنجران ،  وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ، قبل أن يقاتلهم ، ثلاثا . فخرج خالد  حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام ، ويقولون : أيها الناس ، أسلموا تسلموا . فأسلم الناس ، فأقام خالد  يعلمهم الإسلام ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . ثم قدم وفدهم مع خالد  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أعيانهم : قيس بن الحصين ذو الغصة ،  ويزيد بن عبد المدان ،  ويزيد بن المحجل   . قال : فأمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قيسا   . 
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم ، بعد أن ولى وفدهم ، عمرو بن حزم  ليفقههم ويعلمهم السنة ، ويأخذ منهم صدقاتهم . 
				
						
						
