[ ص: 301 ] فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم  
سوى ما مضى في غضون المغازي 
قال حاتم بن إسماعيل  ، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة  ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت  قال : خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار ، قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبو اليسر  صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له ، فذكر الحديث ، ثم قال : حتى أتينا  جابر بن عبد الله  في مسجده فقال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته واتبعته بإداوة من ماء ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به ، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحديهما ، فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : " انقادي علي بإذن الله " . فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده ، حتى أتى الشجرة الأخرى ، فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : " انقادي علي بإذن الله " . فانقادت معه كذلك ، حتى إذا كان بالمنصف فيما بينهما ، لأم بينهما ، فقال : " التئما علي بإذن الله   " . فالتأمتا ، قال جابر   : فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي ؛ يعني فيتبعد ، فجلست أحدث نفسي ، فحانت مني لفتة ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا ، وإذا الشجرتان قد افترقتا ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا ، يمينا وشمالا ، ثم أقبل ، فلما انتهى إلي  [ ص: 302 ] قال : " يا جابر  هل رأيت مقامي " ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة غصنا فأقبل بهما ، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك . قال : فقمت فأخذت حجرا فكسرته وجشرته ، فانذلق لي ، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ، ثم أقبلت أجرهما ، حتى إذا قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري ، ثم لحقت ، فقلت : قد فعلت يا رسول الله فعم ذاك ؟ قال : " إني مررت بقبرين يعذبان ، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين  " . ثم ذكر حديثا طويلا ، وفيه إعواز الناس الماء ، وأنه أتاه بيسير ماء فوضع يده فيه في قصة ، قال : فرأيت الماء يتفور من بين أصابعه ،  فاستقى منه الناس حتى رووا . أخرجه مسلم   . 
وقال الأعمش  وغيره ، عن إبراهيم  ، عن علقمة  ، عن عبد الله  قال : بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حضرت الصلاة ، وليس معنا ماء إلا يسير ، فدعا بماء ، فأقبل الناس فتوضئوا وشربوا  . قال الأعمش   : فحدثت به  سالم بن أبي الجعد  فقال : حدثنيه جابر  ، فقلت لجابر   : كم كنتم يومئذ ؟ قال : خمس عشرة مائة . أخرجه  البخاري   . 
وقال عمرو بن مرة  ، وحصين بن عبد الرحمن  ، عن  سالم بن أبي الجعد  ، عن جابر  قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصابنا عطش ، فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده في تور من ماء ، فجعل الماء  [ ص: 303 ] ينبع من بين أصابعه كأنه العيون ، فقال : خذوا باسم الله ، فشربنا فوسعنا وكفانا ، ولو كنا مائة ألف لكفانا . قلت : كم كنتم ؟ قال : ألفا وخمس مائة  . صحيح . 
وقال حماد بن سلمة  ، عن علي بن زيد  ، عن أبي رافع  ، عن  عمر بن الخطاب  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الحجون لما آذاه المشركون ، فقال : " اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها " . قال : فأمر فنادى شجرة فأقبلت تخد الأرض ، حتى انتهت إليه ،  ثم أمرها فرجعت  . 
وروى الأعمش  نحوه ، عن أبي سفيان  ، عن أنس   . 
وروى المبارك بن فضالة  نحوا منه ، عن الحسن  مرسلا . 
وقال عبد الله بن عمر بن أبان   : حدثنا  محمد بن فضيل  ، عن  أبي حيان  ، عن عطاء  ، عن ابن عمر  قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأقبل أعرابي ، فلما دنا منه قال : أين تريد ؟ قال الأعرابي : إلى أهلي . قال : هل لك إلى خير ؟ قال : ما هو ؟ قال تسلم . قال : هل من شاهد ؟ قال : هذه الشجرة ، فدعاها فأقبلت تخد الأرض خدا ، فقامت بين يديه ، فاستشهد ثلاثا ، فشهدت له كما قال ، ثم رجعت إلى منبتها  ، ورجع الأعرابي إلى قومه ، فقال : إن يتبعوني آتك بهم ، وإلا رجعت إليك فكنت معك  . غريب جدا ، وإسناده جيد . أخرجه الدارمي  في " مسنده " عن محمد بن طريف  ، عن ابن فضيل   . 
وقال شريك  ، عن سماك  ، عن  أبي ظبيان  ، عن ابن عباس   : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بم أعرف أنك رسول الله ؟ قال : " أرأيت لو دعوت هذا العذق من هذه النخلة ، أتشهد أني رسول الله ؟ قال : نعم .  [ ص: 304 ] فدعاه ، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض ، فجعل ينقز ، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : " ارجع " . فرجع حتى عاد إلى مكانه . فقال : أشهد أنك رسول الله ، وآمن  . رواه  البخاري  في " تاريخه " عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني  عنه . 
وقال  يونس بن بكير  ، عن إسماعيل بن عبد الملك  ، عن  أبي الزبير  ، عن جابر  قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ، وتبعته بالإداوة ، فإذا شجرتان بينهما أذرع فقال : " انطلق فقل لهذه الشجرة الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفهما " . ففعلت ، فرجعت حتى لحقت بصاحبتها ، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته ، ثم رجعتا  . 
وقال أبو معاوية  ، عن الأعمش  ، عن  أبي ظبيان  ، عن ابن عباس  قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني عامر ، فقال : إني أطب الناس ، فإن كان بك جنون داويتك . فقال : " أتحب أن أريك آية " ؟ قال : نعم . قال : " فادع ذاك العذق " . فدعاه ، فجاءه ينقز على ذنبه ، حتى قام بين يديه ، ثم قال : " ارجع " فرجع ، فقال : يا لعامر  ، ما رأيت رجلا أسحر من هذا  . 
أخبرنا عمر بن محمد وغيره  ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن عمر  قال : أخبرنا عبد الأول بن عيسى  قال : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداودي  قال : أخبرنا عبد الله بن حمويه  قال : أخبرنا عيسى بن عمر  قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن  بسمرقند ،  قال : أخبرنا  عبيد الله بن موسى  ، عن إسماعيل بن عبد الملك  ، عن  أبي الزبير  ، عن جابر  قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكان لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يرى ، فنزلنا بفلاة من الأرض ليس فيها شجر ولا علم ، فقال : " يا جابر  اجعل في إداوتك ماء ثم انطلق بنا " . قال : فانطلقنا حتى لا نرى ، فإذا  [ ص: 305 ] هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع ، فقال : " انطلق إلى هذه الشجرة فقل : يقول لك : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما " . فرجعت إليها ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهما ، ثم رجعتا إلى مكانهما . 
فركبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بيننا كأنما علينا الطير تظلنا ، فعرض له امرأة معها صبي ، فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات . فتناوله فجعله بينه وبين مقدم الرحل ثم قال : " اخس عدو الله ، أنا رسول الله  ، اخس عدو الله ، أنا رسول الله " ثلاثا ، ثم دفعه إليها . فلما قضينا سفرنا مررنا بذلك المكان ، فعرضت لنا المرأة معها صبيها ومعها كبشان تسوقهما ، فقالت يا رسول الله اقبل مني هديتي ، فوالذي بعثك بالحق ما عاد إليه بعد ، فقال : خذوا منها واحدا وردوا عليها الآخر " . قال : ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا كأنما علينا الطير تظلنا ، فإذا جمل ناد حتى إذا كان بين السماطين خر ساجدا  ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال على الناس : من صاحب الجمل ؟ فإذا فتية من الأنصار  قالوا : هو لنا يا رسول الله . قال : " فما شأنه " ؟ قالوا : استنينا عليه منذ عشرين سنة ، وكانت له شحيمة ، فأردنا أن ننحره فنقسمه بين غلماننا فانفلت منا . قال : " بيعونيه " . قال : هو لك يا رسول الله . قال : " أما لي فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله " . فقال المسلمون عند ذلك : يا رسول الله نحن أحق بالسجود لك من البهائم ، قال : " لا ينبغي لشيء أن يسجد لشيء ، ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن  " . 
رواه  يونس بن بكير  ، عن إسماعيل  ، وعنده : " لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر  " وهو أصح . 
وقد رواه بمعناه  يونس بن بكير  ،  ووكيع  ، عن الأعمش  ، عن  المنهال بن عمرو  ، عن يعلى بن مرة  ، عن أبيه ، قال : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه أشياء : نزلنا منزلا فقال : " انطلق إلى هاتين  [ ص: 306 ] الأشاءتين فقل : إن رسول الله يقول لكما أن تجتمعا  " . وذكر الحديث . 
مرة : هو ابن أبي مرة الثقفي .  وقد رواه  وكيع  مرة ، فقال فيه : عن يعلى بن مرة  قال : رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم عجبا . . الحديث . قال  البخاري   : إنما هو عن يعلى  نفسه . 
قلت : ورواه  البيهقي  من وجهين من حديث عطاء بن السائب  ، عن عبد الله بن حفص  ، ومن حديث عمر بن عبد الله بن يعلى  ، عن أبيه ، كلاهما عن يعلى  نفسه . 
وقال مهدي بن ميمون   : أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب  ، عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي  ، عن عبد الله بن جعفر  قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ، فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا ، وكان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش نخل ، فدخل حائطا لرجل من الأنصار ،  فإذا فيه جمل ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن إليه وذرفت عيناه  ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفريه فسكن ، فقال : " من رب هذا الجمل " ؟ فجاء فتى من الأنصار  فقال : هو لي . فقال : " ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ، فإنه شكا لي أنك تجيعه وتدئبه  " . أخرج مسلم  منه إلى قوله " حائش نخل " ، وباقيه على شرط مسلم   . 
 [ ص: 307 ] وقال إسماعيل بن جعفر   : حدثنا  عمرو بن أبي عمرو  ، عن رجل من بني سلمة   - ثقة - عن  جابر بن عبد الله  أن ناضحا لبعض بني سلمة  اغتلم ، فصال عليهم وامتنع حتى عطشت نخله ، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى ذلك إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انطلق ، وذهب النبي صلى الله عليه وسلم معه ، فلما بلغ باب النخل قال : يا رسول الله لا تدخل . قال : " ادخلوا لا بأس عليكم " . فلما رآه الجمل أقبل يمشي واضعا رأسه حتى قام بين يديه ، فسجد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ائتوا جملكم فاخطموه وارتحلوه . ففعلوا ، وقالوا : سجد لك يا رسول الله حين رآك ، قال : " لا تقولوا ذلك لي ، لا تقولوا ما لم أبلغ ، فلعمري ما سجد لي ، ولكن الله سخره لي  " . 
وقال عفان   : حدثنا حماد بن سلمة  قال : سمعت شيخا من قيس  يحدث عن أبيه قال : جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم وعندنا بكرة صعبة لا نقدر عليها ، فدنا منها رسول الله فمسح ضرعها ، فحفل فاحتلب وشرب  . 
وفي الباب حديث عبد الله بن أبي أوفى  ، تفرد به قائد أبو الورقاء  ، وهو ضعيف . وحديث لجابر  آخر تفرد به الأجلح  ، عن الذيال بن حرملة  عنه . أخرجه الدارمي  وغيره . 
وقال يونس بن أبي إسحاق  ، عن مجاهد  ، عن عائشة ،  قالت : كان لأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب وذهب وجاء  . فإذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم ، ما دام رسول الله في البيت  . صحيح . 
وقال  أبو داود الطيالسي   : حدثنا المسعودي  ، عن الحسن بن سعد  ، عن  عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود  ، عن أبيه قال : كنا مع النبي  [ ص: 308 ] في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج بيضة حمرة ، فجاءت الحمرة ترفرف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه  ، فقال : " أيكم فجع هذه " . فقال رجل : أنا أخذت بيضتها . فقال : " رده رده رحمة لها  " . 
عبد الرحمن  لم يسمع من أبيه . 
				
						
						
