الفرع الثالث : هل يلزم المحصر إذا أراد التحلل حلق أو تقصير ، أو لا يلزمه شيء من ذلك  ؟ 
اختلف العلماء في هذا ، فذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله ، ومحمد إلى أنه لا حلق عليه ولا تقصير ، وهو إحدى الروايتين عن  الإمام أحمد  ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، واحتج أهل هذا القول بأن الله قال : ( فما استيسر من الهدي    ) ولم يذكر الحلق ولو كان لازما لبينه ، واحتج أبو حنيفة  ومحمد  لعدم لزوم الحلق ; بأن الحلق لم يعرف كونه نسكا إلا بعد أداء الأفعال ، وقبله جناية ، فلا يؤمر به ، ولهذا العبد والمرأة إذا منعهما السيد والزوج لا يؤمران بالحلق إجماعا . 
وعن  الشافعي  في حلق المحصر  روايتان مبنيتان على الخلاف في الحلق ، هل هو نسك أو إطلاق من محظور ؟ وذهب جماعة من أهل العلم منهم مالك  وأصحابه : إلى أن المحصر عليه أن يحلق . 
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل : هو ما ذهب إليه مالك  وأصحابه من لزوم الحلق ، لقوله تعالى : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله    ) . 
ولما ثبت في الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه حلق لما صده المشركون عام الحديبية  وهو محرم ، وأمر أصحابه أن يحلقوا ، وقال : " اللهم ارحم المحلقين " قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : " اللهم ارحم المحلقين " قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : " والمقصرين " . 
فهذه أدلة واضحة على عدم سقوط الحلق عن المحصر . وقياس من قال بعدم اللزوم الحلق على غيره من أفعال النسك التي صد عنها ظاهر السقوط ; لأن الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا  والمروة  مثلا ، كل ذلك منع منه المحصر وصد عنه ، فسقط عنه ; لأنه حيل بينه وبينه ، ومنع منه . 
وأما الحلاق فلم يحل بينه وبينه وهو قادر على أن يفعله ; فلا وجه لسقوطه ، ولا   [ ص: 87 ] شك أن الذي تدل نصوص الشرع على رجحانه ، أن الحلاق نسك على من أتم نسكه ، وعلى من فاته الحج ، وعلى المحصر بعدو ، وعلى المحصر بمرض . 
وعلى القول الصحيح من أن الحلاق نسك ، فالمحصر يتحلل بثلاثة أشياء    : وهي النية ، وذبح الهدي ، والحلاق . وعلى القول بأن الحلق ليس بنسك يتحلل بالنية والذبح . 
				
						
						
