الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ، قد قدمنا في سورة البقرة أن المراد بما عقدتم الأيمان ، هو ما قصدتم عقد اليمين فيه ، لا ما جرى على ألسنتكم من غير قصد نحو " لا والله " و " بلى والله " ، ومنه قول الفرزدق : [ الطويل ]


                                                                                                                                                                                                                                      ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا العقد معنوي ، ومنه قول الحطيئة : [ البسيط ]


                                                                                                                                                                                                                                      قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا     العناج وشدوا فوقه الكربا



                                                                                                                                                                                                                                      وقرأه حمزة ، والكسائي ، وشعبة عن عاصم : عقدتم [ 5 \ 89 ] ، بالتخفيف بلا ألف ، وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر : عاقدتم بألف بوزن فاعل ، وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف ، والتضعيف والمفاعلة : معناهما مجرد الفعل بدليل قراءة عقدتم بلا ألف ، ولا تضعيف ، والقراءات يبين بعضها بعضا ، و " ما " في قوله : بما عقدتم مصدرية على التحقيق لا موصولة ، كما قاله بعضهم زاعما أن ضمير الرابط محذوف .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد باللغو في الآية أقوال ، أشهرها عند العلماء اثنان :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن اللغو ما يجري على لسان الإنسان من غير قصد ، كقوله : " لا والله " و " بلى والله " .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب إلى هذا القول : الشافعي ، وعائشة في إحدى الروايتين عنها ، وروي عن ابن عمر ، وابن عباس في أحد قوليه ، والشعبي ، وعكرمة في أحد قوليه ، وعروة بن الزبير ، وأبي صالح ، والضحاك في أحد قوليه ، وأبي قلابة ، والزهري ، كما نقله عنهم ابن كثير ، وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      القول الثاني : أن اللغو هو أن يحلف على ما يعتقده ، فيظهر نفيه ، وهذا هو [ ص: 421 ] مذهب مالك بن أنس ، وقال : إنه أحسن ما سمع في معنى اللغو ، وهو مروي أيضا عن عائشة ، وأبي هريرة ، وابن عباس في أحد قوليه ، وسليمان بن يسار ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد في أحد قوليه ، وإبراهيم النخعي في أحد قوليه ، والحسن ، وزرارة بن أوفى ، وأبي مالك ، وعطاء الخراساني ، وبكر بن عبد الله ، وأحد قولي عكرمة ، وحبيب بن أبي ثابت ، والسدي ، ومكحول ، ومقاتل ، وطاوس ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، ويحيى بن سعيد ، وربيعة ، كما نقله عنهم ابن كثير .

                                                                                                                                                                                                                                      والقولان متقاربان ، واللغو يشملهما ; لأنه في الأول لم يقصد عقد اليمين أصلا ، وفي الثاني لم يقصد إلا الحق والصواب ، وغير هذين القولين من الأقوال تركته لضعفه في نظري ، واللغو في اللغة : هو الكلام بما لا خير فيه ، ولا حاجة إليه ، ومنه حديث : " إذا قلت لصاحبك ، والإمام يخطب يوم الجمعة ، أنصت ، فقد لغوت أو لغيت " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقول العجاج : [ الرجز ]


                                                                                                                                                                                                                                      ورب أسراب حجيج كظم     عن اللغا ورفث التكلم



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية