تنبيه 
أخذ  ابن عباس  من هذه الآية الكريمة أن الخلع  فسخ ولا يعد طلاقا ; لأن الله تعالى قال : الطلاق مرتان  ، ثم ذكر الخلع بقوله : فلا جناح عليهما فيما افتدت به    [ 2 \ 229 ] ; لم يعتبره طلاقا ثالثا ثم ذكر الطلقة الثالثة بقوله : فإن طلقها فلا تحل له من بعد  الآية [ 2 \ 230 ] . 
وبهذا قال عكرمة  ،  وطاوس  وهو رواية عن  عثمان بن عفان   وابن عمر  ، وهو قول  إسحاق بن راهويه  ،  وأبي ثور   وداود بن علي الظاهري  كما نقله عنهم ابن كثير  وغيره ، وهو قول  الشافعي  في القديم وإحدى الروايتين عن أحمد    . 
قال مقيده عفا الله عنه : الاستدلال بهذه الآية على أن الخلع لا يعد طلاقا ليس بظاهر عندي ; لما تقدم مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم من أن الطلقة الثالثة هي المذكورة في قوله : أو تسريح بإحسان  ، وهو مرسل حسن . 
قال في " فتح الباري " : والأخذ بهذا الحديث أولى ، فإنه مرسل حسن يعتضد بما أخرجه  الطبري  من حديث  ابن عباس  بسند صحيح ، قال :   " إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في الثالثة ، فإما أن يمسكها فيحسن صحبتها ، أو يسرحها فلا يظلمها من حقها شيئا "   . 
وعليه ففراق الخلع المذكور لم يرد منه إلا بيان مشروعية الخلع عند خوفهما ألا يقيما حدود الله ; لأنه ذكر بعد الطلقة الثالثة . وقوله : فإن طلقها  إنما كرره ; ليرتب عليه ما يلزم بعد الثالثة ، الذي هو قوله : فلا تحل له من بعد  الآية . ولو فرعنا على أن قوله تعالى : أو تسريح بإحسان    [ 2 \ 229 ] ، يراد به عدم الرجعة ، وأن الطلقة الثالثة هي المذكورة في قوله : فإن طلقها فلا تحل له  الآية [ 2 \ 230 ] ، لم يلزم من ذلك أيضا عدم عد الخلع طلاقا ; لأن الله تعالى ذكر الخلع في معرض منع الرجوع فيما يعطاه الأزواج . فاستثنى منه صورة جائزة ، ولا يلزم من ذلك عدم اعتبارها   [ ص: 143 ] طلاقا ، كما هو ظاهر من سياق الآية . 
وممن قال بأن الخلع يعد طلاقا بائنا مالك  ، وأبو حنيفة  ،  والشافعي  في الجديد ، وقد روي نحوه عن عمر  ، وعلي  ،  وابن مسعود  ،  وابن عمر  ، وبه قال  سعيد بن المسيب  ، والحسن  ، وعطاء  ، وشريح  ،  والشعبي  ، وإبراهيم  ،  وجابر بن زيد  ،  والثوري  ،  والأوزاعي  ، وأبو عثمان البتي  ، كما نقله عنهم ابن كثير  وغيره . 
غير أن الحنفية عندهم أنه متى نوى المخالع بخلعه تطليقة أو اثنتين  ، أو أطلق فهو واحدة بائنة ، وإن نوى ثلاثا فثلاث ،  وللشافعي  قول آخر في الخلع وهو : أنه متى لم يكن بلفظ الطلاق وعري عن النية فليس هو بشيء بالكلية ، قاله ابن كثير    . 
ومما احتج به أهل القول بأن الخلع طلاق ما رواه مالك  عن  هشام بن عروة  عن أبيه عن جهمان مولى الأسلميين ، عن أم بكر الأسلمية  أنها اختلعت من زوجها عبد الله خالد بن أسيد  ، فأتيا  عثمان بن عفان  في ذلك فقال تطليقة ، إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت . 
قال  الشافعي    : ولا أعرف جهمان ، وكذا ضعف  أحمد بن حنبل  هذا الأثر ، قاله ابن كثير  والعلم عند الله تعالى . 
وروى  ابن أبي شيبة  عن  ابن مسعود  مثله ، وتكلم فيه بأن في سنده  ابن أبي ليلى  ، وأنه سيئ الحفظ ، وروي مثله عن علي  وضعفه  ابن حزم  ، والله تعالى أعلم . 
				
						
						
