قوله تعالى : وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود  وقوم إبراهيم وقوم لوط  وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير  في هذه الآيات الكريمة تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الذي عامله به قومه من التكذيب عومل به غيره من الرسل الكرام ، وذلك يسليه ويخفف عليه كما قال تعالى   [ ص: 267 ] وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك  الآية [ 11 \ 120 ] ، وقوله تعالى : ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك    [ 41 \ 43 ] وقوله : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك  الآية [ 35 \ 4 ] إلى غير ذلك من الآيات . وذكر تعالى في هذه الآيات سبع أمم كل واحدة منهم كذبت رسولها . 
الأولى : قوم نوح  في قوله : فقد كذبت قبلهم قوم نوح    [ 22 \ 42 ] والآيات الدالة على تكذيب قوم نوح   لا تكاد تحصى في القرآن ، لكثرتها ولنقتصر على الأمثلة لكثرة الآيات الدالة على تكذيب هذه الأمم رسلها كقوله : كذبت قوم نوح المرسلين    [ 26 \ 105 ] وقوله : كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر    [ 54 \ 9 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
الثانية : عاد  ، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع في آيات كثيرة أنهم كذبوا رسولهم هودا  ، كقوله تعالى : كذبت عاد المرسلين    [ 26 \ 123 ] وقوله : قالوا ياهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين    [ 11 \ 53 ] . 
الثالثة : ثمود  وقد بين تعالى في غير هذا الموضع تكذيبهم لنبيهم صالح  في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : كذبت ثمود المرسلين    [ 26 \ 141 ] وقوله : فكذبوه فعقروها    [ 91 \ 14 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
الرابعة : قوم إبراهيم  ، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أنهم كذبوه في آيات كثيرة كقوله تعالى : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار    [ 29 \ 24 ] وقوله : قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم  الآية [ 21 \ 68 ] ، وكقوله : أراغب أنت عن آلهتي ياإبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا    [ 19 \ 46 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
الخامسة : قوم لوط   وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أنهم كذبوه في آيات كثيرة ; كقوله : كذبت قوم لوط المرسلين    [ 26 \ 160 ] وقوله : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم  الآية [ 27 \ 56 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
السادسة : أصحاب مدين   ، وقد بين تعالى أنهم كذبوا نبيهم شعيبا  في غير هذا الموضع في آيات كثيرة كقوله : ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود    [ 11 \ 95 ] وقوله : وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره  إلى قوله :   [ ص: 268 ] قالوا ياشعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد    [ 11 \ 84 - 87 ] وقوله : قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك  الآية [ 11 \ 91 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
السابعة : من كذبوا موسى   وهم فرعون وقومه ، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أن فرعون وقومه كذبوا موسى  في آيات كثيرة ; كقوله : لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين    [ 26 \ 29 ] وقوله : ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين  وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين    [ 26 \ 18 - 19 ] وقوله : وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين    [ 7 \ 132 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وقوله تعالى في هذه الآية : فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير    [ 22 \ 44 ] قد بين تعالى نوع العذاب الذي عذب به كل أمة من تلك الأمم ، بعد الإملاء لها والإمهال ، فبين أنه أهلك قوم نوح  بالغرق في مواضع كثيرة ; كقوله تعالى : فأخذهم الطوفان وهم ظالمون    [ 29 \ 14 ] وقوله : ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر  وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر    [ 54 \ 11 - 12 ] وقوله : ثم أغرقنا بعد الباقين    [ 26 \ 120 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وبين في مواضع كثيرة أنه بعد الإملاء والإمهال لعاد  أهلكهم بالريح العقيم ; كقوله تعالى : وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية  الآيات [ 69 \ 6 ] وقوله تعالى : وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم  ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم    [ 54 \ 41 - 42 ] وقوله : بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم  تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم    [ 46 \ 24 - 25 ] إلى غير ذلك من الآيات وبين أنه أهلك ثمود  بصيحة أهلكتهم جميعا ; كقوله فيهم : وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين    [ 11 \ 67 ] وقوله : وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون  الآية [ 41 \ 17 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقوم إبراهيم  الذين كذبوه هم نمروذ  ، وقومه ، وقد ذكر المفسرون أن العذاب الدنيوي الذي أهلكهم الله به هو المذكور في قوله تعالى في سورة النحل : قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون    [ 16 \ 26 ] وقد بين تعالى أنه أهلك قوم لوط   بجعل عالي أرضهم سافلها ، وأنه   [ ص: 269 ] أرسل عليهم مطرا من حجارة السجيل في مواضع متعددة كقوله ; تعالى : فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل    [ 11 \ 82 ] ونحو ذلك من الآيات ، وقد بين تعالى أنه أهلك أصحاب مدين  بالصيحة  في مواضع ; كقوله فيهم : وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين  كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود    [ 11 \ 94 - 95 ] إلى غير ذلك من الآيات وقد بين في مواضع كثيرة أنه أهلك الذين كذبوا موسى  ، وهم فرعون وقومه بالغرق  كقوله : واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون    [ 44 \ 24 ] وقوله تعالى : فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم  الآية [ 20 \ 78 ] وقوله تعالى : حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين    [ 10 \ 90 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
ومعلوم أن الآيات كثيرة في بيان ما أهلكت به هذه الأمم السبع المذكورة ، وقد ذكرنا قليلا منها كالمثال لغيره ، وكل ذلك يوضح معنى قوله تعالى بعد أن ذكر تكذيب الأمم السبع لأنبيائهم فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم    [ 22 \ 44 ] أي : بالعذاب ، وهو ما ذكرنا بعض الآيات الدالة على تفاصيله وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فكيف كان نكير  النكير : اسم مصدر بمعنى الإنكار أي : كيف كان إنكاري عليهم منكرهم ، الذي هو كفرهم بي ، وتكذيبهم رسلي ، وهو ذلك العذاب المستأصل الذي بينا وبعده عذاب الآخرة الذي لا ينقطع نرجو الله لنا ولإخواننا المسلمين العافية من كل ما يسخط خالقنا ، ويستوجب عقوبته ، والجواب إنكارك عليهم بذلك العذاب واقع موقعه على أكمل وجه ; لأن الجزاء من جنس العمل ، فجزاء العمل البالغ غاية القبح بالنكال العظيم جزاء وفاق واقع موقعه ، فسبحان الحكيم الخبير الذي لا يضع الأمر إلا في موضعه ولا يوقعه إلا في موقعه ، وقرأ هذا الحرف  ورش  وحده عن نافع    : فكيف كان نكير بياء المتكلم بعد الراء وصلا فقط وقرأ الباقون بحذفها اكتفاء بالكسرة عن الياء . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					