قوله تعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات   ، لم يبين هنا هذا الذي كلمه الله منهم وقد بين أن منهم موسى  عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بقوله : وكلم الله موسى تكليما    [ 4 \ 164 ] ، وقوله : إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي    [ 7 \ 144 ] . 
قال ابن كثير    : منهم من كلم الله  ، يعني موسى  ومحمدا  صلى الله عليهما وسلم ، وكذلك آدم  كما ورد في الحديث المروي في " صحيح  ابن حبان    " عن أبي ذر  رضي الله عنه . 
قال مقيده عفا الله عنه : تكليم آدم  الوارد في " صحيح  ابن حبان    " يبينه قوله تعالى : وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة    [ 2 \ 35 ] ، وأمثالها من الآيات فإنه ظاهر في أنه بغير واسطة الملك ، ويظهر من هذه الآية نهي حواء  عن الشجرة على لسانه ، فهو رسول إليها بذلك . 
قال القرطبي  في تفسير قوله تعالى : منهم من كلم الله  ، ما نصه : وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن آدم  أنبي مرسل هو ؟ فقال : " نعم نبي مكلم   " ، قال ابن عطية    : وقد تأول بعض الناس أن تكليم آدم   كان في الجنة ، فعلى هذا تبقى خاصية موسى  اهـ . 
وقال  ابن جرير  في تفسير قوله تعالى : فإما يأتينكم مني هدى    [ 2 \ 38 ] ، في سورة " البقرة " ما نصه : لأن آدم  كان هو النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام حياته ، بعد أن أهبط إلى   [ ص: 155 ] الأرض ، والرسول من الله جل ثناؤه إلى ولده ، فغير جائز أن يكون معنيا وهو ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله : فإما يأتينكم مني هدى  ، أي : رسل اهـ محل الحجة منه بلفظه وفيه وفي كلام ابن كثير  المتقدم عن " صحيح  ابن حبان    " التصريح بأن آدم  رسول وهو مشكل مع ما ثبت في حديث الشفاعة المتفق عليه من أن نوحا  عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أول الرسل ويشهد له قوله تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده    [ 4 \ 163 ] ، والظاهر أنه لا طريق للجمع إلا من وجهين : الأول : أن آدم  أرسل لزوجه وذريته في الجنة ، ونوح  أول رسول أرسل في الأرض  ، ويدل لهذا الجمع ما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما ، ويقول : " ولكن ائتوا نوحا  فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض   " ، الحديث . فقوله : " إلى أهل " الأرض ، لو لم يرد به الاحتراز عن رسول بعث لغير أهل الأرض ، لكان ذلك الكلام حشوا ، بل يفهم من مفهوم مخالفته ما ذكرنا . ويتأنس له بكلام ابن عطية  الذي قدمنا نقل القرطبي  له . 
الوجه الثاني : أن آدم  أرسل إلى ذريته وهم على الفطرة لم يصدر منهم كفر  فأطاعوه ، ونوح  هو أول رسول أرسل لقوم كافرين ينهاهم عن الإشراك بالله تعالى ، ويأمرهم بإخلاص العبادة له وحده ، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى : وما كان الناس إلا أمة واحدة  الآية [ 10 \ 19 ] . أي : على الدين الحنيف ، أي حتى كفر قوم نوح  ، وقوله : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين  الآية [ 2 \ 213 ] . والله تعالى أعلم . 
وقوله تعالى : ورفع بعضهم درجات  ، أشار في مواضع أخر إلى أن منهم محمدا    - صلى الله عليه وسلم - كقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا    [ 17 \ 79 ] ، أو قوله : وما أرسلناك إلا كافة للناس  الآية [ 34 \ 28 ] ، وقوله : إني رسول الله إليكم جميعا    [ 7 \ 158 ] ، وقوله : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا    [ 25 ] ، وأشار في مواضع أخر إلى أن منهم إبراهيم  كقوله : واتخذ الله إبراهيم خليلا    [ 4 \ 125 ] ، وقوله : إني جاعلك للناس إماما    [ 2 \ 124 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
وأشار في موضع آخر إلى أن منهم داود  وهو قوله : ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا    [ 17 ] ، وأشار في موضع آخر إلى أن منهم إدريس   [ ص: 156 ] وهو قوله : ورفعناه مكانا عليا    [ 19 \ 57 ] ، وأشار هنا إلى أن منهم عيسى  بقوله : وآتينا عيسى ابن مريم البينات    [ 2 \ 87 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					