قوله تعالى : ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون  ، الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم    ) 
أشار في هذه الآية إلى ثلاثة براهين من براهين البعث بعد الموت  ، وبينها مفصلة في آيات أخر : الأول : خلق الناس  أولا المشار إليه بقوله ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم    ) ; لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على الإيجاد الثاني ، وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده    ) الآية [ 30 \ 27 ] ، وقوله : ( كما بدأنا أول خلق نعيده    ) [ 21 \ 104 ] ، وكقوله : ( فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة    ) [ 36 \ 79 ] ، وقوله : ( قل يحييها الذي أنشأها أول مرة    ) ، وقوله : ( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس    ) الآية [ 50 \ 15 ] ، وكقوله : ( ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب    ) [ 22 \ 5 ] ، وكقوله : ( ولقد علمتم النشأة الأولى    ) الآية [ 56 \ 62 ] . 
ولذا ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي الإيجاد الأول ، كما في قوله : ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه    ) الآية [ 36 \ 78 ] ، وقوله : ( ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا  أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا    ) [ 19 \ 67 ، 68 ] ، ثم رتب على ذلك الدليل بقوله : ( فوربك لنحشرنهم    ) الآية [ 19 \ 68 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
البرهان الثاني : خلق السماوات والأرض  المشار إليه بقوله : ( الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء    )   [ ص: 18 ] لأنهما من أعظم المخلوقات ، ومن قدر على خلق الأعظم فهو على غيره قادر من باب أحرى . وأوضح الله تعالى هذا البرهان في آيات كثيرة كقوله تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس    ) [ 40 \ 57 ] ، وقوله : ( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم    ) [ 36 \ 81 ] ، وقوله : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى    ) [ 46 \ 33 ] ، وقوله : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم    ) [ 17 \ 99 ] ، وقوله : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها    ) الآية [ 79 \ 27 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
البرهان الثالث : إحياء الأرض بعد موتها ; فإنه من أعظم الأدلة على البعث بعد الموت ، كما أشار له هنا بقوله : ( وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم    ) وأوضحه في آيات كثيرة كقوله : ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير    ) [ 41 \ 39 ] ، وقوله : ( وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج    ) [ 50 \ 11 ] ، يعني : خروجكم من قبوركم أحياء بعد أن كنتم عظاما رميما . وقوله : ( ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون    ) [ 30 \ 19 ] ، وقوله تعالى : ( حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون    ) [ 7 \ 57 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
				
						
						
