وقال الشوكاني  في " نيل الأوطار " : ومن حجج القائلين بأن الشفق الحمرة ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - : " أنه صلى العشاء لسقوط القمر لثالثة الشهر   " أخرجه أحمد  وأبو داود   والترمذي   والنسائي    . 
قال ابن العربي    : وهو صحيح وصلى قبل غيبوبة الشفق . 
قال ابن سيد الناس  في " شرح الترمذي    " : وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول ، وهو الذي حد - صلى الله عليه وسلم - خروج أكثر الوقت به فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين ، فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض فتبين بذلك يقينا أن الوقت دخل يقينا بالشفق الذي هو الحمرة . اهـ . 
وابتداء وقت العشاء  مغيب الشفق إجماعا لما تقدم في حديث جبريل  وحديث التعليم ، وهذا الحديث وغير ذلك انتهى منه بلفظه ، وهو دليل واضح على أن الشفق الحمرة لا البياض ، وفي " القاموس " الشفق الحمرة ولم يذكر البياض . 
وقال الخليل   والفراء  وغيرهما من أئمة اللغة : الشفق الحمرة وما روي عن الإمام أحمد  رحمه الله من أن الشفق في السفر هو الحمرة وفي الحضر هو البياض الذي بعد الحمرة لا يخالف ما ذكرنا ; لأنه من تحقيق المناط لغيبوبة الحمرة التي هي الشفق عند أحمد  وإيضاحه أن الإمام أحمد  رحمه الله يقول : " الشفق هو الحمرة " والمسافر لأنه في الفلاة والمكان المتسع يعلم سقوط الحمرة ، أما الذي في الحضر فالأفق يستتر عنه بالجدران فيستظهر حتى يغيب البياض ليستدل بغيبوبته على مغيب   [ ص: 303 ] الحمرة ، فاعتباره لغيبة البياض لدلالته على مغيب الحمرة لا لنفسه . اهـ . من " المغني "  لابن قدامة    . 
وقال أبو حنيفة  رحمه الله ومن وافقه : الشفق البياض الذي بعد الحمرة ، وقد علمت أن التحقيق أنه الحمرة ، وأما آخر وقت العشاء فقد جاء في بعض الروايات الصحيحة انتهاؤه عند ثلث الليل الأول ، وفي بعض الروايات الصحيحة نصف الليل ، وفي بعض الروايات الصحيحة ما يدل على امتداده إلى طلوع الفجر . 
فمن الروايات بانتهائه إلى ثلث الليل ، ما أخرجه  البخاري  في " صحيحه  " عن عائشة  رضي الله عنها : " كانوا يصلون العشاء فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول   " . 
وفي حديث أبي موسى  ، وبريدة  المتقدمين في تعليم من سأل عن مواقيت الصلاة عند مسلم  وغيره : " أنه - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الأولى أقام العشاء حين غاب الشفق ، وفي الليلة الثانية أخره حتى كان ثلث الليل الأول ، ثم قال : الوقت فيما بين هذين " . 
وفي حديث جابر  ،  وابن عباس  المتقدمين في إمامة جبريل    : " أنه في الليلة الأولى صلى العشاء حين مغيب الشفق ، وفي الليلة الثانية صلاها حين ذهب ثلث الليل الأول وقال : الوقت فيما بين هذين الوقتين " ، إلى غير ذلك من الروايات الدالة على انتهاء وقت العشاء عند ذهاب ثلث الليل الأول . 
ومن الروايات الدالة على امتداده إلى نصف الليل ، ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أنس  رضي الله عنه قال : " أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء إلى نصف الليل ، ثم صلى ، ثم قال : قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها   " . قال أنس    : كأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ . 
وفي حديث  عبد الله بن عمرو  المتقدم عند أحمد  ، ومسلم  ،  والنسائي  ، وأبي داود    : " ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل   " وفي بعض رواياته : " فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل   " . 
ومن الروايات الدالة على امتداده إلى طلوع الفجر ما رواه  أبو قتادة  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى   " ، رواه مسلم  في " صحيحه " . 
واعلم أن عموم هذا الحديث مخصوص بإجماع المسلمين على أن وقت الصبح   [ ص: 304 ] لا يمتد بعد طلوع الشمس إلى صلاة الظهر ، فلا وقت للصبح بعد طلوع الشمس إجماعا ، فإن قيل يمكن تخصيص حديث أبي قتادة  هذا بالأحاديث الدالة على انتهاء وقت العشاء إلى نصف الليل    . 
فالجواب : أن الجمع ممكن ، وهو واجب إذا أمكن وإعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ، ووجه الجمع أن التحديد بنصف الليل للوقت الاختياري والامتداد إلى الفجر للوقت الضروري . 
ويدل لهذا : إطباق من ذكرنا سابقا من العلماء على أن الحائض إذا طهرت قبل الصبح بركعة  صلت المغرب ، والعشاء ، ومن خالف من العلماء فيما ذكرنا سابقا ، إنما خالف في المغرب لا في العشاء ، مع أن الأثر الذي قدمنا في ذلك عن  عبد الرحمن بن عوف  ،  وابن عباس  لا يبعد أن يكون في حكم المرفوع ; لأن الموقوف الذي لا مجال للرأي فيه له حكم الرفع  ، كما تقرر في علوم الحديث ، ومعلوم أن انتهاء أوقات العبادات كابتدائها لا مجال للرأي فيه ; لأنه تعبدي محض . 
وبهذا تعرف وجه الجمع بين ما دل على انتهائه بنصف الليل ، وما دل على امتداده إلى الفجر ، ولكن يبقى الإشكال بين روايات الثلث وروايات النصف ، والظاهر في الجمع والله تعالى أعلم أنه جعل كل ما بين الثلث والنصف وهو السدس ظرفا لآخر وقت العشاء الاختياري . 
وإذن فلآخره أول وآخر وإليه ذهب ابن سريج  من الشافعية ، وعلى أن الجمع بهذا الوجه ليس بمقنع فليس هناك طريق إلا الترجيح بين الروايات . فبعض العلماء رجح روايات الثلث بأنها أحوط في المحافظة على الوقت المختار وبأنها محل وفاق لاتفاق الروايات على أن من صلى العشاء قبل الثلث فهو مؤد صلاته في وقتها الاختياري ، وبعضهم رجح روايات النصف بأنها زيادة صحيحة ، وزيادة العدل مقبولة . 
وأما أول وقت صلاة الصبح  فهو عند طلوع الفجر الصادق بإجماع المسلمين وهو الفجر الذي يحرم الطعام والشراب على الصائم . 
وفي حديث أبي موسى  ، وبريدة  المتقدمين عند مسلم  وغيره : " وأمر بلالا  فأقام الفجر حين انشق الفجر ، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا   " الحديث . 
وفي حديث جابر  المتقدم ، في إمامة جبريل  أيضا : " ثم صلى الفجر حين برق   [ ص: 305 ] الفجر ، وحرم الطعام على الصائم   " ، ومعلوم أن الفجر فجران كاذب وصادق ، فالكاذب لا يحرم الطعام على الصائم ، ولا تجوز به صلاة الصبح ، والصادق بخلاف ذلك فيهما ، وأما آخر وقت صلاة الصبح  فقد جاء في بعض الروايات تحديده بالإسفار ، وجاء في بعضها امتداده إلى طلوع الشمس ، فمن الروايات الدالة على انتهائه بالإسفار ما في حديث جابر  المذكور آنفا : " ثم جاءه حين أسفر جدا فقال : قم فصله فصلى الفجر   " . 
وفي حديث  ابن عباس  المتقدم آنفا : " ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض   " الحديث . وهذا في بيانه لآخر وقت الصبح المختار في اليوم الثاني . 
وفي حديث أبي موسى  وبريدة  المتقدمين عند مسلم  وغيره : " ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول : طلعت الشمس أو كادت   " . 
ومن الروايات الدالة على امتداده إلى طلوع الشمس ما أخرجه مسلم  في " صحيحه " وغيره من حديث  عبد الله بن عمرو  رضي الله عنهما : " ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس   " . 
وفي رواية لمسلم    : " ووقت الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول   " ، والظاهر في وجه الجمع بين هذه الروايات أن الوقت المنتهي إلى الإسفار هو وقت الصبح الاختياري ، والممتد إلى طلوع الشمس وقتها الضروري ، وهذا هو مشهور مذهب مالك    . 
وقال بعض المالكية : لا ضروري للصبح فوقتها كله إلى طلوع الشمس وقت اختيار ، وعليه فوجه الجمع هو ما قدمنا عن ابن سريج  في الكلام على آخر وقت العشاء ، والعلم عند الله تعالى . 
فهذا الذي ذكرنا هو تفصيل الأوقات الذي أجمل في قوله تعالى : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا    [ 4 ] ، وبين بعض البيان في قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس  الآية [ 17 \ 78 ] ، وقوله : وأقم الصلاة طرفي النهار  الآية [ 11 \ 114 ] ، وقوله : فسبحان الله حين تمسون  الآية [ 30 \ 17 ] ، والعلم عند الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					