(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=36إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=37وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون ) .
بين لنا تعالى في الآية السابقة أنه لو شاء لجمع الناس على الهدى ولكنه لم يشأ أن يجعل البشر مفطورين على ذلك ، ولا أن يلجئهم إليه إلجاء بالآيات القاسرة ، بل اقتضت حكمته ومضت سنته في البشر بأن يكونوا متفاوتين في الاستعداد ، عاملين بالاختيار ، فمنهم من يختار الهدى على الضلال ، ومنهم من يستحب العمى على الهدى ، ثم بين لنا في هاتين الآيتين أن الأولين هم الذين ينظرون في الآيات ، ويعقلون ما يسمعون من البينات ، وأن الآخرين لا يسمعون ولا ينظرون حتى كأنهم من الأموات ، فقال عز وجل :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28977إنما يستجيب الذين يسمعون ) يقال : أجاب الدعوة إذا أتى ما دعي إليه من قول أو عمل ، وأجاب الداعي إذا لباه وقام بما دعاه إليه ، ويقال : استجاب له ، وهو في القرآن كثير ، واستجاب دعاءه وكذا استجابه . نعرف منه قول
كعب بن مرثد الغنوي في رثاء أخيه :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
.
[ ص: 321 ] قالوا : إن الاستجابة بمعنى الإجابة ، ولذلك قال : فلم يستجبه مجيب ، وقال
الراغب : والاستجابة قيل : هي الإجابة ، وحقيقتها هي التحري للجواب والتهيؤ له لكن عبر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها . انتهى . وهذا من دقائق تحديده للمعاني رحمه الله تعالى ، ولكنه لم يحط به ، وحقيقة الجواب والإجابة كما يؤخذ من قوله - قطع الصوت أو الشخص الجوب أو الجوبة وهي المسافة بين البيوت أو الحفرة ، ووصوله إلى الداعي أي : وصول ما سأله إليه بالفعل ، وأما الاستجابة فهي التهيؤ للجواب أو للإجابة أي المستلزم للشروع والمضي فيها عند الإمكان ، وغايته الإجابة التامة عند عدم المانع ، فالسين والتاء على معناهما ، ومن دقق النظر في استعمال الصيغتين في القرآن الحكيم يظهر له أن أفعال الإجابة كلها قد ذكرت في المواضع المفيدة لحصول السؤال كله بالفعل حقيقة أو ادعاء دفعة واحدة ، ومنه الإجابة بالقول كقولك : نعم ، وبلى ، ولبيك ، ولك ذلك ، وأن الاستجابة قد ذكرت في المواضع المفيدة لحصول السؤال بالقوة أو التهيؤ والاستعداد له ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ) ( 3 : 172 ) فهو قد نزل في تهيؤ المؤمنين للقتال في حمراء الأسد بعد أحد ، أو بالفعل التدريجي ، كاستجابة دعوة الدين التي تبدأ بالقبول والشهادتين ، ثم تكون سائر الأعمال بالتدريج وشواهده كثيرة ، والاستجابة من الله القادر على كل شيء إنما يعبر بها في الأمور التي تقع في المستقبل ، ويكون الشأن فيها أن تقع بالتدريج كاستجابة الدعاء بالوقاية من النار ، وبالمغفرة وتكفير السيئات وإيتاء ما وعد به المؤمنين في الآخرة ، قال تعالى بعد حكاية هذا الدعاء بذلك عن أولي الألباب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم ) ( 3 : 195 ) إلخ . وكاستجابته للمؤمنين في بدر بإمدادهم بالملائكة تثبتهم كما في " سورة الأنفال " ( 8 : 9 - 12 ) ومن ذلك استجابته
لأيوب وذي النون وزكريا عليهم السلام كما في " سورة الأنبياء " ( 21 : 83 ، 90 ) كل ذلك مما يقع بالتدريج في الاستقبال ، وأما قوله تعالى
لموسى وهارون حين دعوا على
فرعون وملئه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=89قد أجيبت دعوتكما ) ( 10 : 89 ) فهو تبشير لهما بأنه تعالى قد قبلها بالفعل . وهذا من الإجابة القولية جاءت بصيغة الماضي للإيذان بتحقق مضمونها في المستقبل حتى كأنها أجيبت وانتهى أمرها ، وهذا المعنى تؤديه مادة الإجابة دون مادة الاستجابة ، ولو ذكرت هذه المسألة بصيغة الحكاية لعبر عن إعطائهما ما سألا بلفظ الاستجابة كما قال في شأن كل من
أيوب وذي النون وزكريا (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76فاستجبنا له ) فيالله العجب من هذه الدقة والبلاغة في هذا الكلام الإلهي المعجز للبشر حتى في وضع مفرداته في مواضعها ، دع بلاغة أساليبه ، وجمله ، وعلومه ، وحكمه ، وما فيه من أخبار الغيب ، وغير ذلك من الآيات البينات . هذا تحقيق معنى الاستجابة ، وقيل : إن الفرق بين الإجابة والاستجابة هو أن الاستجابة تدل على القبول ولا يعرف له أصل منقول ولا معقول .
[ ص: 322 ] والسمع والسماع يطلق بمعنى إدراك الصوت ، وبمعنى فهم ما يسمع من الكلام وهو ثمرة السماع ، وبمعنى قبول ما يفهم منه والاعتبار به والعمل بموجبه ، وهذه ثمرة الثمرة ، فهي المرتبة الكاملة العليا من مراتب السماع ، فمن سمع ولم يفهم ، كان كمن لم يسمع ، ومن فهم ولم يعمل كان كمن لم يفهم ، وهذا القول أقرب إلى الحقيقة وأبعد عن قصد المبالغة من قول الشاعر :
خلقوا وما خلقوا لمكرمة فكأنهم خلقوا وما خلقوا
.
رزقوا وما رزقوا سماح يد فكأنهم رزقوا وما رزقوا
.
ذلك بأن للخلق والرزق ثمرات وغايات غير المكارم وسماح اليد ، وأما سماع الكلام فلا فائدة له إلا فهمه ، وفهمه لا فائدة له إلا الانتفاع به ، ولأجل هذا أطلق القرآن على من لا يستفيدون من سماع الآيات والعلم النافع لفظ الصم ولفظ الموتى في آيات منها قوله فيهما معا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=80إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ) ( 27 : 80 ) والآية التي نفسرها من هذا القبيل .
فمعنى صدر الآية : إنما يستجيب لك أيها الرسول - أو لله ولرسوله - الذين يسمعون كلام الله الداعي إليه بآياته سماع فهم وتدبر ، فيعقلون الآيات ، ويذعنون لما عرفوا بها من الحق ; لسلامة فطرتهم واستقلال عقولهم ، دون الذين قالوا : سمعنا وهم لا يسمعون كالمقلدين الجامدين ، ودون الذين قالوا : سمعنا وعصينا من المستكبرين الجاحدين . فكل أولئك من موتى القلوب والأرواح الذين هم أبعد عن الانتفاع من موتى الجسوم والأبدان .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28977والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ) أي وموتى القلوب الذين لا يسمعون هذا السماع يخرجهم الله تعالى من قبورهم ويرسلهم إلى موقف الحساب ، ثم ترجعهم الملائكة إليه فينالون ما استحقوه من الجزاء ، فأصل البعث في اللغة : إثارة الشيء وتوجيهه ، كما قال
الراغب : يقال : بعثت بالبعير أي : أثرته من مبركه وسيرته إلى المرعى ونحوه ، و ( يرجعون ) مبني للمفعول من الرجع ، و " رجع " جاء لازما ومتعديا ، يقال : رجع فلان رجوعا ، أي انصرف ورجعته رجعا ، ومنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99قال رب ارجعون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100لعلي أعمل صالحا ) ( 23 : 99 ، 100 ) و " أرجعته " لغة
هذيل .
فالظاهر مما تقدم أن المراد بالموتى هنا : الكفار الراسخون في الكفر ، المطبوع على قلوبهم ، الميئوس من سماعهم سماع فهم واعتبار تتبعه الاستجابة لداعي الإيمان ، أي : والذين لا ترجى استجابتهم لأنهم كالموتى لا يسمعون السماع النافع - يترك أمرهم إلى الله فهو يبعثهم بعد موتهم ، ثم يرجعون إليه فيجازيهم على كفرهم وأعمالهم ، ولا يضرك أيها الرسول كفرهم ، وليس في استطاعتك هدايتهم ، فالواجب عليك أن تفوض إلى الله أمرهم ، وقيل : إن لفظ الموتى
[ ص: 323 ] على حقيقته ، وأن الكلام تمثيل وتعريض بالإيماء إلى عدم قدرة الرسول على هدايتهم ، كما أنه لا يقدر على إحياء الموتى . وهو بعيد وفيه ما لا يخفى من التكليف .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28977وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه ) أي : وقال أولئك الظالمون لأنفسهم الذين يجحدون بآيات ربهم ويعاندون رسوله إليهم : هلا أنزل عليه - أي الرسول - آية من ربه من الآيات المخالفة لسننه تعالى في خلقه ، مما اقترحنا عليه ، وجعلناه شرطا لإيماننا به ؟ وقيل : إن مرادهم آية ملجئة إلى الإيمان ، والإلجاء اضطرار لا اختيار ، فلا يوجه إليه الطلب ولا يعتد به إن حصل (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=37قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أي : قل أيها الرسول : إن الله تعالى قادر على تنزيل آية مما اقترحوا ، وإنما ينزلها إذا اقتضت حكمته تنزيلها ، لا إذا تعلقت شهوتهم بتعجيز الرسول بطلبها ، فإن إجابة المعاندين إلى الآيات المقترحة لم يكن في أمة من الأمم سببا للهداية ، وقد مضت سنته تعالى في الأقوام ، بأن يعاقب المعجزين للرسل بذلك بعذاب الاستئصال ، فتنزيل آية مقترحة لا يكون خيرا لهم ، بل هو شر لهم ، ولكن أكثرهم لا يعلمون شيئا من حكم الله تعالى في أفعاله ، ولا من سننه في خلقه ، ولا أنك أرسلت رحمة للعالمين ، فلا يأتي على يديك سبب استئصال أمتك بإجابة المعاندين منها إلى ما اقترحوا عليك لإظهار عجزك ، ولا يعلمون أيضا أن إجابة اقتراح واحد يؤدي إلى اقتراحات كثيرة لا حد لها ، ولا فائدة منها . وقد يعلم أفراد منهم بعض ذلك علما ناقصا لا يهدي إلى الاعتبار ، ولا يصد صاحبه عن مثل هذا الاقتراح ، ومن قال : إنهم اقترحوا آية ملجئة يقول : ولكن أكثرهم لا يعلمون أن تنزيلها يزيل الاختيار الذي هو أساس التكليف فلا يبقى لدعوة الرسالة فائدة .
قرأ
ابن كثير ( ينزل ) بالتخفيف من الإنزال ، والباقون بالتشديد من التنزيل الدال بصيغته على التدريج أو التكثير ، وقال المفسرون : إن معناهما هاهنا واحد ، والذي نراه هو أن كل صيغة منهما على أصل معناها ، وأن الجمع بينهما لبيان أن بعضهم اقترح آية واحدة تنزل دفعة واحدة كنزول ملك من السماء عليهم أو عليه ، وهو المشار إليه بقراءة
ابن كثير ، وبعضهم اقترح عدة آيات منها ما لا يكون إلا بالتدريج وهي المشار إليها بقراءة الجمهور ، ولا ينافي إفراد الآية هنا طلب بعضهم لعدة آيات ; إذ المراد بها آية مما اقترحوا ، وقد صرح لفظ الجمع في آية العنكبوت الواردة بمعنى هذه الآية ، وسيأتي نصها قريبا .
هذا وإن بعض الكفار وبعض الشاكين والمشككين في الإسلام يقولون : لو أن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - أوتي آية بينة ومعجزة واضحة تدل على نبوته ورسالته لما طلب قومه الآية ، وإن هذا الجواب بقدرة الله على تنزيل الآية ونفي العلم عن أكثرهم لا تقوم به الحجة عليهم المبطلة لحقية طلبهم ، وإليك الجواب عن هذه الشبهة :
[ ص: 324 ] إن الآية الكبرى لخاتم الرسل - صلى الله عليه وسلم - على نبوته هي القرآن ، وإنها لآية مشتملة على آيات كثيرة ، وقد احتج عليهم به وتحداهم بسورة من مثله فعجزوا ، واحتج عليهم أيضا ببعض ما اشتمل عليه من الآيات كأخبار الغيب . ومما نزل في ذلك قبل " سورة الأنعام " فاكتفى فيها بالإحالة عليه قوله تعالى في " سورة العنكبوت " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=47وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=49بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=50وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) ( 29 : 47 - 51 ) فالقرآن في جملته آية علمية ، وفي تفصيله آيات كثيرة عقلية وكونية ، وهي دائمة لا تزول كما زالت الآيات الكونية كعصا موسى مثلا ، عامة لا تختص ببعض من كان في عصر الرسول كما كانت آية
موسى الكبرى خاصة بمن رآها في عصره ، وهي أدل على الرسالة من الآيات الكونية ; لأن موضوع الرسالة علمي ، فهو علم موحى به غير مكسوب يقصد به هداية الخلق إلى الحق ، فظهور علوم الهداية على لسان أمي كان هو وقومه أبعد الناس عن كل علم بعبارة أعجزت ببلاغتها قومه كما أعجزت غيرهم - على أنه لم يكن من قبل معدودا من بلغائهم - أدل على كون ذلك موحى به من الله عز وجل من عصا
موسى على كون ما جاء به من التوراة موحى به منه تعالى ، وهي غير معجزة في نفسها ، وقد نشأ من جاء بها في دار ملك أربى على سائر ممالك الأرض بالعلوم والشرائع .
فالآية العلمية القطعية لا يمكن المراء فيها كالمراء في الآية الكونية التي هي أمر غريب غير معتاد يشتبه بكثير من الأمور النادرة التي لها أسباب خفية كالسحر وغيره ; ولذلك اختلف علماء المعقول في دلالة المعجزة على النبوة ، هل هي عقلية أو عادية أو وضعية ؟ وقد جاء في الفصل الثالث عشر من سفر تثنية الاشتراع أن من أتى بآية أو أعجوبة من نبي أو حالم وأمر بعبادة غير الله تعالى لا يسمع له ، بل يجب قتله ؛ لأنه تكلم بالزيغ . فالآيات الكونية إذا لا تدل على صدق كل من تظهر على يديه ، بل تختلف دلالتها باختلاف أحوال من تظهر على أيديهم ، وبذلك يقول كثير من المتكلمين .
وأما طلبهم للآية والآيات مع وجود هذه الآيات البينات ، فسببه محاولة تعجيز الرسول لا كونه هو الدليل الذي يرونه موصلا إلى المدلول ، وقد قال تعالى لرسوله في هذه السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) ( 7 ) وقال في أول " سورة القمر " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) ( 54 : 2 )
[ ص: 325 ] وأكثرهم يقول مثل هذا في كل آية كونية عن اعتقاد ، وأما قول بعضهم : إن القرآن سحر يؤثر فقد كان عن تضليل وعناد ، على أن الله تعالى قد أيد رسوله بآيات أخرى غير الآيات التي اقترحها الجاحدون المعاندون ازداد بها المؤمنون إيمانا ، والجاحدون عنادا وطغيانا ، وقد سبق لنا بحث في هذه المسألة من قبل وسيجيء ما يقتضي العودة إليها بعد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=36إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=37وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) .
بَيِّنَ لَنَا تَعَالَى فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى الْهُدَى وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَجْعَلَ الْبَشَرَ مَفْطُورِينَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا أَنْ يُلْجِئَهُمْ إِلَيْهِ إِلْجَاءً بِالْآيَاتِ الْقَاسِرَةِ ، بَلِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ وَمَضَتْ سُنَّتُهُ فِي الْبَشَرِ بِأَنْ يَكُونُوا مُتَفَاوِتِينَ فِي الِاسْتِعْدَادِ ، عَامِلِينَ بِالِاخْتِيَارِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ الْهُدَى عَلَى الضَّلَالِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ، ثُمَّ بَيَّنَ لَنَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلِينَ هُمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ فِي الْآيَاتِ ، وَيَعْقِلُونَ مَا يَسْمَعُونَ مِنَ الْبَيِّنَاتِ ، وَأَنَّ الْآخِرِينَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَنْظُرُونَ حَتَّى كَأَنَّهُمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28977إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ) يُقَالُ : أَجَابَ الدَّعْوَةَ إِذَا أَتَى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَجَابَ الدَّاعِيَ إِذَا لَبَّاهُ وَقَامَ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ ، وَيُقَالُ : اسْتَجَابَ لَهُ ، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ ، وَاسْتَجَابَ دُعَاءَهُ وَكَذَا اسْتَجَابَهُ . نَعْرِفُ مِنْهُ قَوْلَ
كَعْبِ بْنِ مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ فِي رِثَاءِ أَخِيهِ :
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَى فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
.
[ ص: 321 ] قَالُوا : إِنَّ الِاسْتِجَابَةَ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ مُجِيبٌ ، وَقَالَ
الرَّاغِبُ : وَالِاسْتِجَابَةُ قِيلَ : هِيَ الْإِجَابَةُ ، وَحَقِيقَتُهَا هِيَ التَّحَرِّي لِلْجَوَابِ وَالتَّهَيُّؤِ لَهُ لَكِنْ عَبَّرَ بِهِ عَنِ الْإِجَابَةِ لِقِلَّةِ انْفِكَاكِهَا مِنْهَا . انْتَهَى . وَهَذَا مِنْ دَقَائِقَ تَحْدِيدِهِ لِلْمَعَانِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُحِطْ بِهِ ، وَحَقِيقَةُ الْجَوَابِ وَالْإِجَابَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ - قَطَعَ الصَّوْتَ أَوِ الشَّخْصَ الْجَوْبَ أَوِ الْجَوْبَةَ وَهِيَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْبُيُوتِ أَوِ الْحُفْرَةُ ، وَوُصُولُهُ إِلَى الدَّاعِي أَيْ : وُصُولُ مَا سَأَلَهُ إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ ، وَأَمَّا الِاسْتِجَابَةُ فَهِيَ التَّهَيُّؤُ لِلْجَوَابِ أَوْ لِلْإِجَابَةِ أَيِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلشُّرُوعِ وَالْمُضِيِّ فِيهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ ، وَغَايَتُهُ الْإِجَابَةُ التَّامَّةُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ عَلَى مَعْنَاهُمَا ، وَمَنْ دَقَّقَ النَّظَرَ فِي اسْتِعْمَالِ الصِّيغَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّ أَفْعَالَ الْإِجَابَةِ كُلَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُفِيدَةِ لِحُصُولِ السُّؤَالِ كُلِّهِ بِالْفِعْلِ حَقِيقَةً أَوِ ادِّعَاءً دُفْعَةً وَاحِدَةً ، وَمِنْهُ الْإِجَابَةُ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِكَ : نَعَمْ ، وَبَلَى ، وَلَبَّيْكَ ، وَلَكَ ذَلِكَ ، وَأَنَّ الِاسْتِجَابَةَ قَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُفِيدَةِ لِحُصُولِ السُّؤَالِ بِالْقُوَّةِ أَوِ التَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=172الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ) ( 3 : 172 ) فَهُوَ قَدْ نَزَلَ فِي تَهَيُّؤِ الْمُؤْمِنِينَ لِلْقِتَالِ فِي حَمْرَاءِ الْأَسَدِ بَعْدَ أُحُدٍ ، أَوْ بِالْفِعْلِ التَّدْرِيجِيِّ ، كَاسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ الدِّينِ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْقَبُولِ وَالشَّهَادَتَيْنِ ، ثُمَّ تَكُونُ سَائِرُ الْأَعْمَالِ بِالتَّدْرِيجِ وَشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ ، وَالِاسْتِجَابَةُ مِنَ اللَّهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا يُعَبَّرُ بِهَا فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَيَكُونُ الشَّأْنُ فِيهَا أَنْ تَقَعَ بِالتَّدْرِيجِ كَاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ بِالْوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ ، وَبِالْمَغْفِرَةِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَإِيتَاءِ مَا وَعَدَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ ، قَالَ تَعَالَى بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا الدُّعَاءِ بِذَلِكَ عَنْ أُولِي الْأَلْبَابِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ) ( 3 : 195 ) إِلَخْ . وَكَاسْتِجَابَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي بَدْرٍ بِإِمْدَادِهِمْ بِالْمَلَائِكَةِ تُثَبِّتُهُمْ كَمَا فِي " سُورَةِ الْأَنْفَالِ " ( 8 : 9 - 12 ) وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِجَابَتُهُ
لِأَيُّوبَ وَذِي النُّونِ وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَمَا فِي " سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ " ( 21 : 83 ، 90 ) كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِالتَّدْرِيجِ فِي الِاسْتِقْبَالِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى
لِمُوسَى وَهَارُونَ حِينَ دَعَوْا عَلَى
فِرْعَوْنِ وَمَلَئِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=89قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا ) ( 10 : 89 ) فَهُوَ تَبْشِيرٌ لَهُمَا بِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَبِلَهَا بِالْفِعْلِ . وَهَذَا مِنَ الْإِجَابَةِ الْقَوْلِيَّةِ جَاءَتْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِلْإِيذَانِ بِتَحَقُّقِ مَضْمُونِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى كَأَنَّهَا أُجِيبَتْ وَانْتَهَى أَمْرُهَا ، وَهَذَا الْمَعْنَى تُؤَدِّيهِ مَادَّةُ الْإِجَابَةِ دُونَ مَادَّةِ الِاسْتِجَابَةِ ، وَلَوْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِصِيغَةِ الْحِكَايَةِ لِعَبَّرَ عَنْ إِعْطَائِهِمَا مَا سَأَلَا بِلَفْظِ الِاسْتِجَابَةِ كَمَا قَالَ فِي شَأْنِ كُلٍّ مِنْ
أَيُّوبَ وَذِي النُّونِ وَزَكَرِيَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=76فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) فَيَالِلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ هَذِهِ الدِّقَّةِ وَالْبَلَاغَةِ فِي هَذَا الْكَلَامِ الْإِلَهِيِّ الْمُعْجِزِ لِلْبَشَرِ حَتَّى فِي وَضْعِ مُفْرَدَاتِهِ فِي مَوَاضِعِهَا ، دَعْ بَلَاغَةَ أَسَالِيبِهِ ، وَجُمَلِهِ ، وَعُلُومِهِ ، وَحِكَمِهِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ . هَذَا تَحْقِيقُ مَعْنَى الِاسْتِجَابَةِ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِجَابَةِ وَالِاسْتِجَابَةِ هُوَ أَنَّ الِاسْتِجَابَةَ تَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ مَنْقُولٌ وَلَا مَعْقُولٌ .
[ ص: 322 ] وَالسَّمْعُ وَالسَّمَاعُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى إِدْرَاكِ الصَّوْتِ ، وَبِمَعْنَى فَهْمِ مَا يُسْمَعُ مِنَ الْكَلَامِ وَهُوَ ثَمَرَةُ السَّمَاعِ ، وَبِمَعْنَى قَبُولِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ ، وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الثَّمَرَةِ ، فَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الْكَامِلَةُ الْعُلْيَا مِنْ مَرَاتِبِ السَّمَاعِ ، فَمَنْ سَمِعَ وَلَمْ يَفْهَمْ ، كَانَ كَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ ، وَمَنْ فَهِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ وَأَبْعَدُ عَنْ قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ :
خُلِقُوا وَمَا خُلِقُوا لِمَكْرُمَةٍ فَكَأَنَّهُمْ خُلِقُوا وَمَا خُلِقُوا
.
رُزِقُوا وَمَا رُزِقُوا سَمَاحَ يَدٍ فَكَأَنَّهُمْ رُزِقُوا وَمَا رُزِقُوا
.
ذَلِكَ بِأَنَّ لِلْخَلْقِ وَالرِّزْقِ ثَمَرَاتٍ وَغَايَاتٍ غَيْرِ الْمَكَارِمِ وَسَمَاحِ الْيَدِ ، وَأَمَّا سَمَاعُ الْكَلَامِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ إِلَّا فَهْمَهُ ، وَفَهْمُهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ إِلَّا الِانْتِفَاعَ بِهِ ، وَلِأَجْلِ هَذَا أَطْلَقَ الْقُرْآنُ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَفِيدُونَ مِنْ سَمَاعِ الْآيَاتِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ لَفْظَ الصُّمِّ وَلَفْظَ الْمَوْتَى فِي آيَاتٍ مِنْهَا قَوْلُهُ فِيهِمَا مَعًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=80إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) ( 27 : 80 ) وَالْآيَةُ الَّتِي نُفَسِّرُهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ .
فَمَعْنَى صَدْرِ الْآيَةِ : إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ لَكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ - أَوْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ الدَّاعِي إِلَيْهِ بِآيَاتِهِ سَمَاعَ فَهْمٍ وَتَدَبُّرٍ ، فَيَعْقِلُونَ الْآيَاتِ ، وَيُذْعِنُونَ لِمَا عَرَفُوا بِهَا مِنَ الْحَقِّ ; لِسَلَامَةِ فِطْرَتِهِمْ وَاسْتِقْلَالِ عُقُولِهِمْ ، دُونَ الَّذِينَ قَالُوا : سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ كَالْمُقَلِّدِينَ الْجَامِدِينَ ، وَدُونَ الَّذِينَ قَالُوا : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ الْجَاحِدِينَ . فَكُلُّ أُولَئِكَ مِنْ مَوْتَى الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ مَوْتَى الْجُسُومِ وَالْأَبْدَانِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28977وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) أَيْ وَمَوْتَى الْقُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ هَذَا السَّمَاعَ يُخْرِجُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قُبُورِهِمْ وَيُرْسِلُهُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ ، ثُمَّ تُرْجِعُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَيْهِ فَيَنَالُونَ مَا اسْتَحَقُّوهُ مِنَ الْجَزَاءِ ، فَأَصْلُ الْبَعْثِ فِي اللُّغَةِ : إِثَارَةُ الشَّيْءِ وَتَوْجِيهُهُ ، كَمَا قَالَ
الرَّاغِبُ : يُقَالُ : بَعَثْتُ بِالْبَعِيرِ أَيْ : أَثَرْتُهُ مِنْ مَبْرَكِهِ وَسَيَّرْتُهُ إِلَى الْمَرْعَى وَنَحْوِهِ ، وَ ( يُرْجَعُونَ ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ مِنَ الرَّجْعِ ، وَ " رَجَعَ " جَاءَ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا ، يُقَالُ : رَجَعَ فَلَانٌ رُجُوعًا ، أَيِ انْصَرَفَ وَرَجَعْتُهُ رَجْعًا ، وَمِنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ) ( 23 : 99 ، 100 ) وَ " أَرْجَعْتُهُ " لُغَةُ
هُذَيْلٍ .
فَالظَّاهِرُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتَى هُنَا : الْكُفَّارُ الرَّاسِخُونَ فِي الْكُفْرِ ، الْمَطْبُوعُ عَلَى قُلُوبِهِمُ ، الْمَيْئُوسُ مِنْ سَمَاعِهِمْ سَمَاعَ فَهْمٍ وَاعْتِبَارٍ تَتْبَعُهُ الِاسْتِجَابَةُ لِدَاعِي الْإِيمَانِ ، أَيْ : وَالَّذِينَ لَا تُرْجَى اسْتِجَابَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالْمَوْتَى لَا يَسْمَعُونَ السَّمَاعَ النَّافِعَ - يُتْرَكُ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ فَهُوَ يَبْعَثُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ ، ثُمَّ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُجَازِيهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، وَلَا يَضُرُّكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ كُفْرُهُمْ ، وَلَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِكَ هِدَايَتُهُمْ ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُفَوِّضَ إِلَى اللَّهِ أَمْرَهُمْ ، وَقِيلَ : إِنَّ لَفْظَ الْمَوْتَى
[ ص: 323 ] عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَأَنَّ الْكَلَامَ تَمْثِيلٌ وَتَعْرِيضٌ بِالْإِيمَاءِ إِلَى عَدَمِ قُدْرَةِ الرَّسُولِ عَلَى هِدَايَتِهِمْ ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى . وَهُوَ بَعِيدٌ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنَ التَّكْلِيفِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28977وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) أَيْ : وَقَالَ أُولَئِكَ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَيُعَانِدُونَ رَسُولَهُ إِلَيْهِمْ : هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ - أَيِ الرَّسُولِ - آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ مِنَ الْآيَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِسُنَنِهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ ، مِمَّا اقْتَرَحْنَا عَلَيْهِ ، وَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا لِإِيمَانِنَا بِهِ ؟ وَقِيلَ : إِنَّ مُرَادَهُمْ آيَةٌ مُلْجِئَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَالْإِلْجَاءُ اضْطِرَارٌ لَا اخْتِيَارٌ ، فَلَا يُوَجَّهُ إِلَيْهِ الطَّلَبُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ إِنْ حَصَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=37قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) أَيْ : قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى تَنْزِيلِ آيَةٍ مِمَّا اقْتَرَحُوا ، وَإِنَّمَا يُنَزِّلُهَا إِذَا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ تَنْزِيلَهَا ، لَا إِذَا تَعَلَّقَتْ شَهْوَتُهُمْ بِتَعْجِيزِ الرَّسُولِ بِطَلَبِهَا ، فَإِنَّ إِجَابَةَ الْمُعَانِدِينَ إِلَى الْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ لَمْ يَكُنْ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ سَبَبًا لِلْهِدَايَةِ ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي الْأَقْوَامِ ، بِأَنْ يُعَاقِبَ الْمُعَجِّزِينَ لِلرُّسُلِ بِذَلِكَ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ ، فَتَنْزِيلُ آيَةٍ مُقْتَرَحَةٍ لَا يَكُونُ خَيْرًا لَهُمْ ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ حِكَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَفْعَالِهِ ، وَلَا مِنْ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ ، وَلَا أَنَّكَ أُرْسِلْتَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، فَلَا يَأْتِي عَلَى يَدَيْكَ سَبَبُ اسْتِئْصَالِ أُمَّتِكَ بِإِجَابَةِ الْمُعَانِدِينَ مِنْهَا إِلَى مَا اقْتَرَحُوا عَلَيْكَ لِإِظْهَارِ عَجْزِكَ ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَيْضًا أَنَّ إِجَابَةَ اقْتِرَاحٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إِلَى اقْتِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ لَا حَدَّ لَهَا ، وَلَا فَائِدَةَ مِنْهَا . وَقَدْ يَعْلَمُ أَفْرَادٌ مِنْهُمْ بَعْضَ ذَلِكَ عِلْمًا نَاقِصًا لَا يَهْدِي إِلَى الِاعْتِبَارِ ، وَلَا يَصُدُّ صَاحِبَهُ عَنْ مَثَلِ هَذَا الِاقْتِرَاحِ ، وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُمُ اقْتَرَحُوا آيَةً مُلْجِئَةً يَقُولُ : وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ تَنْزِيلَهَا يُزِيلُ الِاخْتِيَارَ الَّذِي هُوَ أَسَاسُ التَّكْلِيفِ فَلَا يَبْقَى لِدَعْوَةِ الرِّسَالَةِ فَائِدَةٌ .
قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ( يُنْزَلَ ) بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْإِنْزَالِ ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّنْزِيلِ الدَّالِّ بِصِيغَتِهِ عَلَى التَّدْرِيجِ أَوِ التَّكْثِيرِ ، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إِنَّ مَعْنَاهُمَا هَاهُنَا وَاحِدٌ ، وَالَّذِي نَرَاهُ هُوَ أَنَّ كُلَّ صِيغَةٍ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهَا ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لِبَيَانِ أَنَّ بَعْضَهُمُ اقْتَرَحَ آيَةً وَاحِدَةً تَنْزِلُ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَنُزُولِ مَلَكٍ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقِرَاءَةِ
ابْنِ كَثِيرٍ ، وَبَعْضُهُمُ اقْتَرَحَ عِدَّةَ آيَاتٍ مِنْهَا مَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتَّدْرِيجِ وَهِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ ، وَلَا يُنَافِي إِفْرَادُ الْآيَةِ هُنَا طَلَبَ بَعْضِهِمْ لِعِدَّةِ آيَاتٍ ; إِذِ الْمُرَادُ بِهَا آيَةٌ مِمَّا اقْتَرَحُوا ، وَقَدْ صَرَّحَ لَفْظُ الْجَمْعِ فِي آيَةِ الْعَنْكَبُوتِ الْوَارِدَةِ بِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ ، وَسَيَأْتِي نَصُّهَا قَرِيبًا .
هَذَا وَإِنَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ وَبَعْضَ الشَّاكِّينَ وَالْمُشَكِّكِينَ فِي الْإِسْلَامِ يَقُولُونَ : لَوْ أَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُوتِيَ آيَةً بَيِّنَةً وَمُعْجِزَةً وَاضِحَةً تَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ لَمَا طَلَبَ قَوْمُهُ الْآيَةَ ، وَإِنَّ هَذَا الْجَوَابَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى تَنْزِيلِ الْآيَةِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ عَنْ أَكْثَرِهِمْ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمُ الْمُبَطَّلَةُ لِحَقِّيَّةِ طَلَبِهِمْ ، وَإِلَيْكَ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ :
[ ص: 324 ] إِنَّ الْآيَةَ الْكُبْرَى لِخَاتَمِ الرُّسُلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نُبُوَّتِهِ هِيَ الْقُرْآنُ ، وَإِنَّهَا لَآيَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، وَقَدِ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهِ وَتَحَدَّاهُمْ بِسُورَةٍ مِنْ مَثَلِهِ فَعَجَزُوا ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ أَيْضًا بِبَعْضِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ كَأَخْبَارِ الْغَيْبِ . وَمِمَّا نَزَلَ فِي ذَلِكَ قَبْلَ " سُورَةِ الْأَنْعَامِ " فَاكْتَفَى فِيهَا بِالْإِحَالَةِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي " سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=47وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=49بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=50وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( 29 : 47 - 51 ) فَالْقُرْآنُ فِي جُمْلَتِهِ آيَةٌ عِلْمِيَّةٌ ، وَفِي تَفْصِيلِهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ عَقْلِيَّةٌ وَكَوْنِيَّةٌ ، وَهِيَ دَائِمَةٌ لَا تَزُولُ كَمَا زَالَتِ الْآيَاتُ الْكَوْنِيَّةُ كَعَصَا مُوسَى مَثَلًا ، عَامَّةٌ لَا تَخْتَصُّ بِبَعْضِ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِ الرَّسُولِ كَمَا كَانَتْ آيَةُ
مُوسَى الْكُبْرَى خَاصَّةً بِمَنْ رَآهَا فِي عَصْرِهِ ، وَهِيَ أَدَلُّ عَلَى الرِّسَالَةِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ الرِّسَالَةِ عِلْمِيٌّ ، فَهُوَ عِلْمٌ مُوحَى بِهِ غَيْرُ مَكْسُوبٍ يُقْصَدُ بِهِ هِدَايَةُ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ ، فَظُهُورُ عُلُومِ الْهِدَايَةِ عَلَى لِسَانِ أُمِّيٍّ كَانَ هُوَ وَقَوْمُهُ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ كُلِّ عِلْمٍ بِعِبَارَةٍ أَعْجَزَتْ بِبَلَاغَتِهَا قَوْمَهُ كَمَا أَعْجَزَتْ غَيْرَهُمْ - عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ مَعْدُودًا مِنْ بُلَغَائِهِمْ - أَدَلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَصَا
مُوسَى عَلَى كَوْنِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ مُوحًى بِهِ مِنْهُ تَعَالَى ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْجِزَةٍ فِي نَفْسِهَا ، وَقَدْ نَشَأَ مَنْ جَاءَ بِهَا فِي دَارِ مَلِكٍ أَرْبَى عَلَى سَائِرِ مَمَالِكِ الْأَرْضِ بِالْعُلُومِ وَالشَّرَائِعِ .
فَالْآيَةُ الْعِلْمِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ لَا يُمْكِنُ الْمِرَاءُ فِيهَا كَالْمِرَاءِ فِي الْآيَةِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَمْرٌ غَرِيبٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ يَشْتَبِهُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ النَّادِرَةِ الَّتِي لَهَا أَسْبَابٌ خُفْيَةٌ كَالسِّحْرِ وَغَيْرِهِ ; وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْمَعْقُولِ فِي دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ ، هَلْ هِيَ عَقْلِيَّةٌ أَوْ عَادِيَّةٌ أَوْ وَضْعِيَّةٌ ؟ وَقَدْ جَاءَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ تَثْنِيَةِ الِاشْتِرَاعِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِآيَةٍ أَوْ أُعْجُوبَةٍ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ حَالِمٍ وَأَمْرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسْمَعُ لَهُ ، بَلْ يَجِبُ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالزَّيْغِ . فَالْآيَاتُ الْكَوْنِيَّةُ إِذًا لَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ كُلِّ مَنْ تَظْهَرُ عَلَى يَدَيْهِ ، بَلْ تَخْتَلِفُ دَلَالَتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ مَنْ تَظْهَرُ عَلَى أَيْدِيهِمْ ، وَبِذَلِكَ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ .
وَأَمَّا طَلَبُهُمْ لِلْآيَةِ وَالْآيَاتِ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ ، فَسَبَبُهُ مُحَاوَلَةُ تَعْجِيزِ الرَّسُولِ لَا كَوْنُهُ هُوَ الدَّلِيلُ الَّذِي يَرَوْنَهُ مُوَصِّلًا إِلَى الْمَدْلُولِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) ( 7 ) وَقَالَ فِي أَوَّلِ " سُورَةِ الْقَمَرِ " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) ( 54 : 2 )
[ ص: 325 ] وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا فِي كُلِّ آيَةٍ كَوْنِيَّةٍ عَنِ اعْتِقَادٍ ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ : إِنَّ الْقُرْآنَ سِحْرٌ يُؤْثَرُ فَقَدْ كَانَ عَنْ تَضْلِيلٍ وَعِنَادٍ ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَيَّدَ رَسُولَهُ بِآيَاتٍ أُخْرَى غَيْرِ الْآيَاتِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا الْجَاحِدُونَ الْمُعَانِدُونَ ازْدَادَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ إِيمَانًا ، وَالْجَاحِدُونَ عِنَادًا وَطُغْيَانًا ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا بَحْثٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَبْلُ وَسَيَجِيءُ مَا يَقْتَضِي الْعَوْدَةَ إِلَيْهَا بَعْدُ .