الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( 4 مدارك الفقهاء في مقدار الكفارة من الطعام ) .

                          هذه المسألة مبسوطة في المسألة الثالثة عشرة من الجزء الثاني من فتاوى ابن تيمية ، وملخصها أن بعض العلماء جعل مقدار ما يطعم كل مسكين مقدرا بالشرع ، وبعضهم جعله مقدرا بالعرف ، واختلف الذين رأوا أنه يقدر بالشرع ، قال بعضهم ومنهم أبو حنيفة : يطعم كل مسكين صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر ، وقال بعضهم ومنهم أحمد : يطعم كل واحد نصف صاع من تمر أو صاعا من شعير أو ربع صاع بر ، وقال بعضهم ومنهم الشافعي : يكفي لكل مسكين مد واحد من أي نوع من هذه الأنواع . أقول : والصاع أربعة أمداد ( والمد حفنة من كفي رجل معتدل ) فالشافعي يوجب نصف ما أوجبه أحمد ، وهذا يوجب نصف ما أوجبه أبو حنيفة ، وسبب ذلك أنه لم يرد نص شرعي في تحديد ذلك كما علمت ، وإنما استنبط من الآثار والعمل المروي عن بعض الصحابة والتابعين .

                          قال : " والقول الثاني مقدر بالعرف لا بالشرع ، فيطعم أهل كل بلد من أوسط ما يطعمون أهليهم قدرا ونوعا ، وهذا معنى قول إسماعيل بن إسحاق كان مالك يرى في كفارة اليمين أن المد يجزئ في المدينة قال مالك : أما البلدان فإن لهم عيشا غير عيشنا فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم لقوله تعالى : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) وهو مذهب داود وأصحابه مطلقا .

                          " والمنقول من أكثر الصحابة والتابعين هذا القول ، ولهذا كانوا يقولون الأوسط : خبز ولبن ، خبز وسمن ، وخبز وتمر ، والأعلى : خبز ولحم ، وقد بسطنا الآثار عنهم في غير هذا الموضع ، وبينا أن هذا القول هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار ، وهو [ ص: 40 ] قياس مذهب أحمد وأصوله ، فإن أصله أن ما لم يقدره الشارع فإنه يرجع فيه إلى العرف وهذا لم يقدره الشارع فيرجع فيه إلى العرف لا سيما مع قوله تعالى : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) فإن أحمد لم يقدر طعام المرأة والولد ولا المملوك ولا يقدر أجرة الأجير المستخدم بطعامه وكسوته في ظاهر مذهبه ، ولا يقدر الضيافة الواجبة عنده قولا واحدا ، ولا يقدر الجزية في أظهر القولين ولا الخراج . . . إلخ .

                          ثم ذكر الخلاف في الإدام ، وبين أن الصحيح وجوبه على من يطعمه أهله ، وأن العبرة بالعرف في كل حال من أحوال الرخص والغلاء والإعسار والإيسار والصيف والشتاء وغير ذلك ، وذكر أن من جمع عشرة مساكين وعشاهم خبزا أو أدما من أوسط ما يطعم أهله أجزأه ذلك عند أكثر السلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين ، وهو أظهر القولين في الدليل ، فإن الله أمر بالإطعام ولم يوجب التمليك ورد ما احتج به على وجوب التمليك بأن الشرع أوجب الإطعام لا التمليك ولا التصرف ولم يقدر للمسكين مقدارا معينا فيقال إنه ربما لم يستوفه في عشائه ، وإنما أوجب الله التمليك في صدقة الزكاة لأنه ذكرها بلام الملك إلا ما كان في الرقاب وفي سبيل الله ، وإذا ملك المسكين مدا من البر أو غيره فربما باعه واشترى بثمنه شيئا لا يؤكل فلا يكون المكفر مطعما له كما أمره الله تعالى انتهى " . بالمعنى .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية