[ ص: 340 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) .
هذا قول مستأنف أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يوجهه إلى المشركين مذكرا إياهم بما أودع في فطرتهم من توحيده عز وجل ، ليعلموا أن ما تقلدوه من الشرك عارض شاغل يفسد أذهانهم ومخيلاتهم في وقت الرخاء ، وما يخف حمله من البلاء ، حتى إذا ما نزل بهم ما لا يطاق من اللأواء ، وأثار تقطع الأسباب في أنفسهم ضراعة الدعاء ، دعوا الله وحده مخلصين له الدين (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين 10 : 22 ) وضل عنهم ما كانوا يدعون من الأصنام والأوثان وما وضعت رمزا له من ملك أو إنسان ؛ لأن هذا دعاء القلب لا دعاء اللسان ، ذكرهم بهذا بعد تذكيرهم بالمشابهة بين أمم الناس وأمم الحيوان وحال من فسدت قواهم الفطرية من الناس ، ولذلك قفى عليه بذكر من تركوا التضرع له تعالى حين البأس ، وقبل أن يحيط بهم اليأس ، فابتلاهم بالسراء والنعماء ، بعد البأساء والضراء ، فأعقبهم بدل الشكر فرح البطر ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، قال تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=28977قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين ) . قوله تعالى : ( أرأيتكم ) هو عند جمهور علماء العربية بمعنى ( أخبروني ) والتاء ضمير
[ ص: 341 ] رفع ، والكاف حرف خطاب أكد به الضمير لا محل له ، وتتغير حركته باختلاف المخاطب دون التاء ؛ فتظل مفتوحة في المؤنث والمثنى والجمع ، وقد أطالوا القول في المذاهب والآراء في إعرابه ومعناه في كتب اللغة وبعض كتب التفسير . وأقول : إن هذه الصيغة ( أرأيتكم ) في خطاب الجمع بالكاف والميم لم تذكر إلا في هذه الآية وفي الآية الآتية بعد بضع آيات ، وذكرت في خطاب المفرد بالكاف في قوله تعالى من " سورة الإسراء " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=62أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) ( 17 : 62 ) إلخ ، وليس في هذه الآية استفهام في الجملة الشرطية ، ولكن المفسرين قدروا فيها استفهاما محذوفا . قال
البيضاوي كغيره : والمعنى : أخبرني عن هذا الذي كرمت علي بأمري بالسجود له ، لم كرمته علي ؟ وجعل قوله بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=62لئن أخرتني إلى يوم القيامة ) ( 17 : 62 ) إلخ كلاما مبتدأ .
وقد استعمل " أرأيت " و " أرأيتم " - بدون كاف - مثل هذا الاستعمال في أكثر من عشرين آية أكثرها قد صرح فيه بعدها بالاستفهام ، فمنه في جملة غير شرطية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) ( 25 : 43 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=4قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض ) ( 46 : 4 ) ومثلها الآيات التي في " سورة الواقعة " . ومنه في الجمل الشرطية (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=205أفرأيت إن متعناهم سنين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=206ثم جاءهم ما كانوا يوعدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=207ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) ( 26 : 205 - 207 ) ومثلها الآيات التي في آخر " سورة العلق " والآيات التي في آخر " سورة الملك " . فمن تأمل هذه الآيات كلها لا يظهر له فيها ما قالوه من أن معناها أخبرني وأخبروني إلا بما يأتي من التوجيه . قال القاضي
البيضاوي في ( أرأيتكم ) : استفهام وتعجيب . وقال
الراغب في مفرداته بعد الإشارة إلى عدة آيات مصدرة بهذا اللفظ : كل ذلك فيه معنى التنبيه . وقد سدد كل منهما وقارب . والذي أراه جامعا بين الأقوال أن ( أرأيتكم ) و ( أرأيتم ) استفهام عن الرأي أو عن الرؤية التي بمعنى العلم ، وأن الاستفهام في هذا الاستعمال للتقرير وأن المراد منه التنبيه والتمهيد لما يذكر بعده من نبأ غريب أو عجيب ، أو استفهام تقوم به في المسألة الحجة ، وتدحض الشبهة ، ولولا أن الاستفهام للتقرير لما كان لقول الجمهور أنه بمعنى طلب الإخبار وجه وجيه ، والمفعول الأول ل " أرأيت " أو " أرأيتم " التي تتلوها الجملة الشرطية محذوف يفهم من مضمونها ويقدر بحسب المقام ، وقد تسد الجملة الاستفهامية مسد المفعولين .
والمعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين : أرأيتم أنفسكم كيف تكون حالكم مع من تعبدون - أو أرأيتم ما تدعون من دون الله - أي أخبروني عن رأيكم أو عن مبلغ علمكم ، في ذلك إن أتاكم عذاب الله الذي نزل بمن كان من أقوال الرسل قبلكم ، كالريح الصرصر العاتية والصاعقة أو الرجفة القاضية ، ومياه الطوفان المغرقة ، وحرارة الظلة المحرقة ، أو أتتكم
[ ص: 342 ] الساعة بمقدمات أهوالها أو ما يلي البعث من خزينها ونكالها ، أغير الله في هذه الحالة تدعون أم إلى غيره فيها تجأرون ؟ إن كنتم صادقين في دعواكم ألوهية هؤلاء الشركاء الذين اتخذتموهم أولياء ، وزعمتم أنهم فيكم شفعاء ، أو إن كان من شأنكم الصدق فأخبروني أغير الله تدعون إذا أتاكم أحد هذين الأمرين اللذين يحلو دونهما الأمرين ؟ وذهب بعض المفسرين إلى كون متعلق الاستخبار محذوفا تقديرها : أخبروني إن أتاكم ما ذكر ، من تدعون لكشفه ، أتخصون غير الله بالدعاء ، كما هو شأنكم وقت الرخاء ؟ أم تخصونه وحده بالدعاء وتنسون ما اتخذتم من الشركاء إذ يضل عنكم من ترجون من الشفاء ؟ ثم أجاب تعالى عنهم مخبرا إياهم عما تقتضيه فطرتهم فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28977بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ) أي لا تدعون في تلك الحالة غيره - لا وحده ولا معه - بل تخصونه وحده بالدعاء ، فيكشف أي يزيل ما تدعونه إلى كشفه إن شاء ؛ لأنه هو القادر عليه دون جميع العباد ، وتنسون ما تشركون به الآن من الشفعاء والأنداد ؛ لأن الفزع إليه سبحانه عند شدة الضيق واليأس من الأسباب مركوز في فطرة البشر ، تنبعث إليه بذاتها كما تنبعث إلى طلب الغذاء عند الجوع مثلا ، فلا يذهب به ما يتلقى بالتعليم الباطل من مسائل الدين غالبا إلا من تم فساد فطرته ، وانتهت سفالة طينته ، حتى كان كالأعجم ، لا يفهم ولا يفهم ، وإنما مثل تعاليم الشرك مع هذه الغريزة الفطرية كمثل ما كان عند المشركين من أحكام الطعام الباطلة مع غريزة التغذي ، فإنهم كانوا يحرمون بعض الطيبات كالبحائر والسوائب ويبيحون بعض الخبائث كالميتة والدم المسفوح ، فيجنون على غريزة التغذي بأكل هذا والحرمان من ذاك ، ثم يأكلون كل شيء عند الاضطرار كذلك يجنون على غريزة التوجه إلى خالقهم وخالق العالم كله بما يتخذون من الأنداد والأولياء والشفعاء الذين يتوجهون إليهم كما يتوجهون إلى الله ويحبونهم كحب الله ، ذلك الحب الذي منشؤه التقديس واعتقاد القدرة على النفع ودفع الضر من غير طريق الأسباب ، فإنهم عند الشدة ينسونها ويدعون الله وحده .
ولهذا الاعتقاد وما يستلزمه من الحب والتعظيم ثلاث درجات : أسفلها وأعرقها في الجهل أن يعتقد في شيء من المخلوقات أنه هو الإله الذي ينفع ويضر بذاته فيتوجه إليه ويدعوه ويتضرع إليه حتى عند اشتداد البأس باكيا متضرعا ; لأن غريزة الإيمان بالسلطة الغيبية حصرت عنده في هذا المخلوق أو هذه المخلوقات كما تلقى عن قومه ، وهو لا يفكر في كون ذلك معقولا أو غير معقول ، ويلي هذه الدرجة أن يعتقد أن الإله نفسه قد حل في بعض المخلوقات واتحد بها كما تحل الروح في البدن وتدبره فيكونان بذلك شيئا واحدا ، والفصل بين هذه الدرجة وما قبلها هو أن هذه مفرغة في قالب من النظريات الفلسفية ،
[ ص: 343 ] مزينة بحلي وحلل من التخيلات الشعرية ، وتلك ساذجة غفل من الفلسفة الجدلية عطل من المزينات الخيالية ، ويشتركان في أن منتحليهما يعبدون ذلك المخلوق المدرك بالحواس ويدعونه تضرعا وخفية حتى عند اشتداد الكرب والبأس ، ووراءهما الدرجة الثالثة التي هي أرقى درجات الشرك إذ هي أرقها وأضعفها ، وهي أن يعتقد أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء ، القادر على كل شيء ، المتصرف في كل شيء ولا يستطيع أحد من دونه شيئا ، ولكن له وسطاء بينه وبين عباده يقربونهم إليه زلفى ويشفعون لهم عنده ، فهو لأجلهم يعطي ويمنع ، ويضر وينفع ، ويغفر ويرحم ، ويوجد ويعدم ، وهذه هي الدرجة التي ارتقت إليها وثنية مشركي
قريش ، فقد حكى الله تعالى عنهم في كتابه أنهم يقرون بأنه هو الخالق لكل شيء الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ، وأنهم يقولون فيما اتخذوه من دونه من الأولياء (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ( 39 : 3 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ( 10 : 18 ) فلما كانوا يعتقدون أن لهم تأثيرا ووساطة في أفعال الله تعالى - كدفع الضر وجلب النفع - يدعونهم ويعظمونهم لأجلها ، كان دعاؤهم وتعظيمهم إياهم عبادة ، إذ لا معنى للعبادة إلا هذا ، ولما كانوا عندهم غير مستقلين بذلك من دون الله ، وكان الله تعالى - بزعمهم - غير فاعل ذلك بمحض إرادته الأزلية من دون شفاعتهم ووساطتهم - سموا شركاء لله .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28655التوحيد الخالص فهو الإيمان الجازم بأن الله يفعل ما يشاء ويختار بمحض إرادته الأزلية المنزهة عن تأثير الحوادث فيها ، وأن جميع الخلق مسخرون بإرادته وتدبيره ، خاضعون لسننه وتقديره ، لا يملك أحد منهم لنفسه ولا لغيره شيئا إلا في دائرة الأسباب التي جعلها بينهم شرعا ، وأن الوساطة بين الله تعالى وعباده محصورة في تبليغ رسالته إليهم دون تصرفه فيهم ، وأن شفاعة الآخرة لله وحده ، يأذن لمن شاء إذا شاء بما شاء من الدعاء لمن يشاء ممن ارتضى . ومن دلائل ذلك قوله تعالى لخاتم رسله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=128ليس لك من الأمر شيء ) ( 3 : 128 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قل إن الأمر كله لله ) ( 3 : 154 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ) ( 7 : 188 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) ( 28 : 56 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=21قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=22قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=23إلا بلاغا من الله ورسالاته ) ( 72 : 21 - 23 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قل لله الشفاعة جميعا ) ( 39 : 44 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) ( 2 : 255 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) ( 21 : 28 ) إلخ . .
ولما كانت تلك الوساطة الشركية وهمية لا أثر لها في الوجود ، وإنما هي تقاليد موروثة كان أولئك الأذكياء جديرين بأن ينسوها إذا جد الجد وعظم الخطب كالحالتين اللتين ذكرهما الله تعالى في هذه الآية أو ما دونهما كالحالة التي بينها الله تعالى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) ( 29 : 65 )
[ ص: 344 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) ( 31 : 32 ) ومثلها في " سورة يونس " الآية 22 وقال تعالى في " سورة الإسراء " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا ) ( 17 : 67 ) فسروا الضلال هنا بالنسيان فهو بمعنى الآية التي نفسرها ، وأما ضلال آلهتهم عنهم في الآخرة فقد ذكر في آيات كثيرة في سور متفرقة ، ويراد ببعضها غيبتها عنهم بعدم وجودها معهم هنالك وحرمانهم مما كانوا يرجون من شفاعتها ، لا غيبتها عن قلوبهم وخواطرهم كما هو المراد هنا ، وروي عن بعض المفسرين أن المراد بنسيانهم إياها جعلها بمنزلة المنسي بعدم دعائها ، فقد ذكر
الرازي في النسيان قولين ، قال : ( الأول ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المراد تتركون الأصنام ولا تدعونهم لعلمكم أنها لا تضر ولا تنفع ( الثاني ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : يجوز أن يكون المعنى أنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم ، وهذا قول
الحسن ؛ لأنه قال : يعرضون عنه إعراض الناسي . اهـ . أقول : لم ينقل
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ولا
ابن كثير في تفاسيرهما ولا
السيوطي في الدر المنثور شيئا في الآية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ولا
الحسن ولا غيرهما من مفسري الصحابة والتابعين .
وقد استشكل المفسرون ما دلت عليه الآية من جواز كشف عذاب الاستئصال وعذاب الساعة عن المشركين بدعائهم لمخالفتهم لما عرف من سائر النصوص مع قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=14وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) ( 13 : 14 ) وأجيب بأن ما مضت به سنته تعالى في الأمم وما دلت عليه النصوص إنما يدل على عدم وقوع هذا الكشف لا على عدم جوازه ، وقد علق كشف ذلك هنا بمشيئته تعالى ، فهو يقول إنه يكشف ذلك إن شاء ؛ لأن مشيئته نافذة حتى في كشف عذاب الاستئصال وأهوال الساعة ، وهما النوعان اللذان لا تتعلق قدر المخلوقين الموهوبة لهم من الله تعالى بشيء من أمرهما ; لأنهما فوق الأسباب التي سخرها الله تعالى لخلقه ، ولكنه تعالى لا يشاء ذلك ؛ لأنه ينافي حكمته وتقديره الذي جرت به سننه في الأمم ، ويمكن أن يجاب أيضا بأن المراد بإتيان عذاب الله ظهور أماراته ومقدماته ، وبالساعة القيامة الصغرى أي الموت بظهور علاماته ونزول سكراته ، والإيمان يقبل قبل وصول عذاب الاستئصال إلى مستحقيه بالفعل وقبل بلوغ الروح الحلقوم من المحتضر ، وقيل : إن بعض كروب الساعة تكشف حتى عن الكفار ككرب طول الوقوف بالشفاعة العظمى ، ولكن هذا لا يصح جوابا ؛ لأنه لا يكون بدعائهم .
ومن مباحث اختلاف الأداء في القراءة أن
نافعا قرأ أرأيت وأرأيتم - بكاف وبغير كاف في جميع القرآن - بتسهيل الهمزة الثانية بأن جعلها بين الهمزة والألف ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي [ ص: 345 ] بحذفها والباقون بإثباتها ، وهي لغات للعرب معروفة ، ومن شواهد حذف الهمزة (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=211سل بني إسرائيل ) ( 2 : 211 ) أصلها : اسأل . ومنها في الشعر
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا
أصله فألبسوني .
[ ص: 340 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=42وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
هَذَا قَوْلٌ مُسْتَأْنَفٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُوَجِّهَهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مُذَكِّرًا إِيَّاهُمْ بِمَا أَوْدَعَ فِي فِطْرَتِهِمْ مِنْ تَوْحِيدِهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا تَقَلَّدُوهُ مِنَ الشِّرْكِ عَارِضٌ شَاغِلٌ يُفْسِدُ أَذْهَانَهُمْ وَمُخَيِّلَاتِهِمْ فِي وَقْتِ الرَّخَاءِ ، وَمَا يَخِفُّ حِمْلُهُ مِنَ الْبَلَاءِ ، حَتَّى إِذَا مَا نَزَلَ بِهِمْ مَا لَا يُطَاقُ مِنَ اللَّأْوَاءِ ، وَأَثَارَ تَقَطُّعُ الْأَسْبَابِ فِي أَنْفُسِهِمْ ضَرَاعَةَ الدُّعَاءِ ، دَعَوُا اللَّهَ وَحْدَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لِنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 10 : 22 ) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَمَا وَضَعَتْ رَمْزًا لَهُ مِنْ مَلَكٍ أَوْ إِنْسَانٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءُ الْقَلْبِ لَا دُعَاءُ اللِّسَانِ ، ذَكَّرَهُمْ بِهَذَا بَعْدَ تَذْكِيرِهِمْ بِالْمُشَابَهَةِ بَيْنَ أُمَمِ النَّاسِ وَأُمَمِ الْحَيَوَانِ وَحَالِ مَنْ فَسَدَتْ قُوَاهُمُ الْفِطْرِيَّةُ مِنَ النَّاسِ ، وَلِذَلِكَ قَفَّى عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَنْ تَرَكُوا التَّضَرُّعَ لَهُ تَعَالَى حِينَ الْبَأْسِ ، وَقَبْلَ أَنْ يُحِيطَ بِهِمُ الْيَأْسُ ، فَابْتَلَاهُمْ بِالسَّرَّاءِ وَالنَّعْمَاءِ ، بَعْدَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ، فَأَعْقَبَهُمْ بَدَلَ الشُّكْرِ فَرَحَ الْبَطَرِ ، فَأَخَذَهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ، قَالَ تَعَالَى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=28977قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَرَأَيْتَكُمْ ) هُوَ عِنْدَ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَعْنَى ( أَخْبِرُونِي ) وَالتَّاءُ ضَمِيرُ
[ ص: 341 ] رَفْعٍ ، وَالْكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ أُكِّدَ بِهِ الضَّمِيرُ لَا مَحَلَّ لَهُ ، وَتَتَغَيَّرُ حَرَكَتُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُخَاطَبِ دُونَ التَّاءِ ؛ فَتَظَلُّ مَفْتُوحَةً فِي الْمُؤَنَّثِ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ ، وَقَدْ أَطَالُوا الْقَوْلَ فِي الْمَذَاهِبِ وَالْآرَاءِ فِي إِعْرَابِهِ وَمَعْنَاهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَبَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ . وَأَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ ( أَرَأَيْتَكُمْ ) فِي خِطَابِ الْجَمْعِ بِالْكَافِ وَالْمِيمِ لَمْ تُذْكَرْ إِلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ بِضْعِ آيَاتٍ ، وَذُكِرَتْ فِي خِطَابِ الْمُفْرَدِ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ " سُورَةِ الْإِسْرَاءِ " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=62أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) ( 17 : 62 ) إِلَخْ ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْتِفْهَامٌ فِي الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ ، وَلَكِنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَدَّرُوا فِيهَا اسْتِفْهَامًا مَحْذُوفًا . قَالَ
الْبَيْضَاوِيُّ كَغَيْرِهِ : وَالْمَعْنَى : أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ بِأَمْرِي بِالسُّجُودِ لَهُ ، لِمَ كَرَّمْتَهُ عَلَيَّ ؟ وَجَعَلَ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=62لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ( 17 : 62 ) إِلَخْ كَلَامًا مُبْتَدَأً .
وَقَدِ اسْتَعْمَلَ " أَرَأَيْتَ " وَ " أَرَأَيْتُمْ " - بِدُونِ كَافٍ - مِثْلَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فِي أَكْثَرِ مِنْ عِشْرِينَ آيَةً أَكْثَرُهَا قَدْ صَرَّحَ فِيهِ بَعْدَهَا بِالِاسْتِفْهَامِ ، فَمِنْهُ فِي جُمْلَةٍ غَيْرِ شَرْطِيَّةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=43أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتِ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ) ( 25 : 43 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=4قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ) ( 46 : 4 ) وَمِثْلُهَا الْآيَاتُ الَّتِي فِي " سُورَةِ الْوَاقِعَةِ " . وَمِنْهُ فِي الْجُمَلِ الشَّرْطِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=205أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=206ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=207مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) ( 26 : 205 - 207 ) وَمِثْلُهَا الْآيَاتُ الَّتِي فِي آخِرِ " سُورَةِ الْعَلَقِ " وَالْآيَاتُ الَّتِي فِي آخِرِ " سُورَةِ الْمُلْكِ " . فَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا لَا يَظْهَرُ لَهُ فِيهَا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهَا أَخْبِرْنِي وَأَخْبِرُونِي إِلَّا بِمَا يَأْتِي مِنَ التَّوْجِيهِ . قَالَ الْقَاضِي
الْبَيْضَاوِيُّ فِي ( أَرَأَيْتَكُمْ ) : اسْتِفْهَامٌ وَتَعْجِيبٌ . وَقَالَ
الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِهِ بَعْدَ الْإِشَارَةِ إِلَى عِدَّةِ آيَاتٍ مُصَدَّرَةٍ بِهَذَا اللَّفْظِ : كُلُّ ذَلِكَ فِيهِ مَعْنَى التَّنْبِيهِ . وَقَدْ سَدَّدَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَقَارَبَ . وَالَّذِي أَرَاهُ جَامِعًا بَيْنَ الْأَقْوَالِ أَنَّ ( أَرَأَيْتَكُمْ ) وَ ( أَرَأَيْتُمْ ) اسْتِفْهَامٌ عَنِ الرَّأْيِ أَوْ عَنِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْعِلْمِ ، وَأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ لِلتَّقْرِيرِ وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّنْبِيهَ وَالتَّمْهِيدَ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ مِنْ نَبَأٍ غَرِيبٍ أَوْ عَجِيبٍ ، أَوِ اسْتِفْهَامٍ تَقُومُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحُجَّةُ ، وَتُدْحَضُ الشُّبْهَةُ ، وَلَوْلَا أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لِلتَّقْرِيرِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ بِمَعْنَى طَلَبِ الْإِخْبَارِ وَجْهٌ وَجِيهٌ ، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِ " أَرَأَيْتَ " أَوْ " أَرَأَيْتُمُ " الَّتِي تَتْلُوهَا الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ مَحْذُوفٌ يُفْهَمُ مِنْ مَضْمُونِهَا وَيُقَدَّرُ بِحَسَبِ الْمَقَامِ ، وَقَدْ تَسُدُّ الْجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ .
وَالْمَعْنَى : قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ : أَرَأَيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ كَيْفَ تَكُونُ حَالُكُمْ مَعَ مَنْ تَعْبُدُونَ - أَوْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ - أَيْ أَخْبِرُونِي عَنْ رَأْيِكُمْ أَوْ عَنْ مَبْلَغِ عِلْمِكُمْ ، فِي ذَلِكَ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ الَّذِي نَزَلَ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَقْوَالِ الرُّسُلِ قَبْلَكُمْ ، كَالرِّيحِ الصَّرْصَرِ الْعَاتِيَةِ وَالصَّاعِقَةِ أَوِ الرَّجْفَةِ الْقَاضِيَةِ ، وَمِيَاهِ الطُّوفَانِ الْمُغْرِقَةِ ، وَحَرَارَةِ الظُّلَّةِ الْمُحْرِقَةِ ، أَوْ أَتَتْكُمْ
[ ص: 342 ] السَّاعَةُ بِمُقَدِّمَاتِ أَهْوَالِهَا أَوْ مَا يَلِي الْبَعْثَ مِنْ خَزِينِهَا وَنَكَالِهَا ، أَغَيْرَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَدْعُونَ أَمْ إِلَى غَيْرِهِ فِيهَا تَجْأَرُونَ ؟ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمْ أُلُوهِيَّةِ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُفَعَاءُ ، أَوْ إِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِكُمُ الصِّدْقُ فَأَخْبِرُونِي أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِذَا أَتَاكُمْ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْلُو دُونَهُمَا الْأَمْرَيْنِ ؟ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى كَوْنِ مُتَعَلَّقِ الِاسْتِخْبَارِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهَا : أَخْبِرُونِي إِنْ أَتَاكُمْ مَا ذُكِرَ ، مَنْ تَدْعُونَ لِكَشْفِهِ ، أَتَخُصُّونَ غَيْرَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ ، كَمَا هُوَ شَأْنُكُمْ وَقْتَ الرَّخَاءِ ؟ أَمْ تَخُصُّونَهُ وَحْدَهُ بِالدُّعَاءِ وَتَنْسَوْنَ مَا اتَّخَذْتُمْ مِنَ الشُّرَكَاءِ إِذْ يَضِلُّ عَنْكُمْ مَنْ تَرْجُونَ مِنَ الشِّفَاءِ ؟ ثُمَّ أَجَابَ تَعَالَى عَنْهُمْ مُخْبِرًا إِيَّاهُمْ عَمَّا تَقْتَضِيهِ فِطْرَتُهُمْ فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28977بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ) أَيْ لَا تَدْعُونَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ غَيْرَهُ - لَا وَحْدَهُ وَلَا مَعَهُ - بَلْ تَخُصُّونَهُ وَحْدَهُ بِالدُّعَاءِ ، فَيَكْشِفُ أَيْ يُزِيلُ مَا تَدْعُونَهُ إِلَى كَشْفِهِ إِنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَيْهِ دُونَ جَمِيعِ الْعِبَادِ ، وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ الْآنَ مِنَ الشُّفَعَاءِ وَالْأَنْدَادِ ؛ لِأَنَّ الْفَزَعَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ شِدَّةِ الضِّيقِ وَالْيَأْسِ مِنَ الْأَسْبَابِ مَرْكُوزٌ فِي فِطْرَةِ الْبَشَرِ ، تَنْبَعِثُ إِلَيْهِ بِذَاتِهَا كَمَا تَنْبَعِثُ إِلَى طَلَبِ الْغِذَاءِ عِنْدَ الْجُوعِ مَثَلًا ، فَلَا يَذْهَبُ بِهِ مَا يُتَلَقَّى بِالتَّعْلِيمِ الْبَاطِلِ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ غَالِبًا إِلَّا مَنْ تَمَّ فَسَادُ فِطْرَتِهِ ، وَانْتَهَتْ سَفَالَةُ طِينَتِهِ ، حَتَّى كَانَ كَالْأَعْجَمِ ، لَا يَفْهَمُ وَلَا يُفْهِمُ ، وَإِنَّمَا مَثَلُ تَعَالِيمِ الشِّرْكِ مَعَ هَذِهِ الْغَرِيزَةِ الْفِطْرِيَّةِ كَمَثَلِ مَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّعَامِ الْبَاطِلَةِ مَعَ غَرِيزَةِ التَّغَذِّي ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَيُبِيحُونَ بَعْضَ الْخَبَائِثِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ ، فَيَجْنُونَ عَلَى غَرِيزَةِ التَّغَذِّي بِأَكْلِ هَذَا وَالْحِرْمَانِ مِنْ ذَاكَ ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ كَذَلِكَ يَجْنُونَ عَلَى غَرِيزَةِ التَّوَجُّهِ إِلَى خَالِقِهِمْ وَخَالِقِ الْعَالَمِ كُلِّهِ بِمَا يَتَّخِذُونَ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالشُّفَعَاءِ الَّذِينَ يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِمْ كَمَا يَتَوَجَّهُونَ إِلَى اللَّهِ وَيُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ، ذَلِكَ الْحُبُّ الَّذِي مَنْشَؤُهُ التَّقْدِيسُ وَاعْتِقَادُ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ ، فَإِنَّهُمْ عِنْدَ الشِّدَّةِ يَنْسَوْنَهَا وَيَدْعُونَ اللَّهَ وَحْدَهُ .
وَلِهَذَا الِاعْتِقَادِ وَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْحُبِّ وَالتَّعْظِيمِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ : أَسْفَلُهَا وَأَعْرَقُهَا فِي الْجَهْلِ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي يَنْفَعُ وَيَضُرُّ بِذَاتِهِ فَيَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ وَيَدْعُوهُ وَيَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ حَتَّى عِنْدَ اشْتِدَادِ الْبَأْسِ بَاكِيًا مُتَضَرِّعًا ; لِأَنَّ غَرِيزَةَ الْإِيمَانِ بِالسُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ حُصِرَتْ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَخْلُوقِ أَوْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا تَلْقَى عَنْ قَوْمِهِ ، وَهُوَ لَا يُفَكِّرُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ مَعْقُولًا أَوْ غَيْرَ مَعْقُولٍ ، وَيَلِي هَذِهِ الدَّرَجَةَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْإِلَهَ نَفْسَهُ قَدْ حَلَّ فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ وَاتَّحَدَ بِهَا كَمَا تَحِلُّ الرُّوحُ فِي الْبَدَنِ وَتُدَبِّرُهُ فَيَكُونَانِ بِذَلِكَ شَيْئًا وَاحِدًا ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ وَمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّ هَذِهِ مُفَرَّغَةٌ فِي قَالَبٍ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ الْفَلْسَفِيَّةِ ،
[ ص: 343 ] مُزَيَّنَةٌ بِحُلِيٍّ وَحُلَلٍ مِنَ التَّخَيُّلَاتِ الشِّعْرِيَّةِ ، وَتِلْكَ سَاذَجَةٌ غُفْلٌ مِنَ الْفَلْسَفَةِ الْجَدَلِيَّةِ عُطْلٌ مِنَ الْمُزَيِّنَاتِ الْخَيَالِيَّةِ ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ مُنْتَحِلِيهِمَا يَعْبُدُونَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقَ الْمُدْرَكَ بِالْحَوَاسِّ وَيَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً حَتَّى عِنْدَ اشْتِدَادِ الْكَرْبِ وَالْبَأْسِ ، وَوَرَاءَهُمَا الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي هِيَ أَرْقَى دَرَجَاتِ الشِّرْكِ إِذْ هِيَ أَرَقُّهَا وَأَضْعَفُهَا ، وَهِيَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءِ ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءِ ، الْمُتَصَرِّفِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ لَهُ وُسَطَاءُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى وَيَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَهُ ، فَهُوَ لِأَجْلِهِمْ يُعْطِي وَيَمْنَعُ ، وَيَضُرُّ وَيَنْفَعُ ، وَيَغْفِرُ وَيَرْحَمُ ، وَيُوجِدُ وَيُعْدِمُ ، وَهَذِهِ هِيَ الدَّرَجَةُ الَّتِي ارْتَقَتْ إِلَيْهَا وَثَنِيَّةُ مُشْرِكِي
قُرَيْشٍ ، فَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيمَا اتَّخَذُوهُ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) ( 39 : 3 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) ( 10 : 18 ) فَلَمَّا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَهُمْ تَأْثِيرًا وَوَسَاطَةً فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى - كَدَفْعِ الضُّرِّ وَجَلْبِ النَّفْعِ - يَدْعُونَهُمْ وَيُعَظِّمُونَهُمْ لِأَجْلِهَا ، كَانَ دُعَاؤُهُمْ وَتَعْظِيمُهُمْ إِيَّاهُمْ عِبَادَةً ، إِذْ لَا مَعْنًى لِلْعِبَادَةِ إِلَّا هَذَا ، وَلَمَّا كَانُوا عِنْدَهُمْ غَيْرَ مُسْتَقِلِّينَ بِذَلِكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى - بِزَعْمِهِمْ - غَيْرَ فَاعِلٍ ذَلِكَ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ مِنْ دُونِ شَفَاعَتِهِمْ وَوَسَاطَتِهِمْ - سُمُّوا شُرَكَاءَ لِلَّهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28655التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ فَهُوَ الْإِيمَانُ الْجَازِمُ بِأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُنَزَّهَةِ عَنْ تَأْثِيرِ الْحَوَادِثِ فِيهَا ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ مُسَخَّرُونَ بِإِرَادَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ ، خَاضِعُونَ لِسُنَنِهِ وَتَقْدِيرِهِ ، لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ شَيْئًا إِلَّا فِي دَائِرَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا بَيْنَهُمْ شَرَعَا ، وَأَنَّ الْوَسَاطَةَ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ مَحْصُورَةٌ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ إِلَيْهِمْ دُونَ تَصَرُّفِهِ فِيهِمْ ، وَأَنَّ شَفَاعَةَ الْآخِرَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، يَأْذَنُ لِمَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ بِمَا شَاءَ مِنَ الدُّعَاءِ لِمَنْ يَشَاءُ مِمَّنِ ارْتَضَى . وَمِنْ دَلَائِلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِخَاتَمِ رُسُلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=128لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ) ( 3 : 128 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) ( 3 : 154 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=188قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) ( 7 : 188 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مِنْ يَشَاءُ ) ( 28 : 56 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=21قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=22قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=23إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ) ( 72 : 21 - 23 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=44قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ) ( 39 : 44 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) ( 2 : 255 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) ( 21 : 28 ) إِلَخْ . .
وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْوَسَاطَةُ الشِّرْكِيَّةُ وَهْمِيَّةً لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْوُجُودِ ، وَإِنَّمَا هِيَ تَقَالِيدُ مَوْرُوثَةٌ كَانَ أُولَئِكَ الْأَذْكِيَاءُ جَدِيرِينَ بِأَنْ يَنْسَوْهَا إِذَا جَدَّ الْجَدُّ وَعَظُمَ الْخَطْبُ كَالْحَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ مَا دُونَهُمَا كَالْحَالَةِ الَّتِي بَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) ( 29 : 65 )
[ ص: 344 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=32وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ) ( 31 : 32 ) وَمِثْلُهَا فِي " سُورَةِ يُونُسَ " الْآيَةَ 22 وَقَالَ تَعَالَى فِي " سُورَةِ الْإِسْرَاءِ " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ) ( 17 : 67 ) فَسَّرُوا الضَّلَالَ هُنَا بِالنِّسْيَانِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا ، وَأَمَّا ضَلَالُ آلِهَتِهِمْ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَيُرَادُ بِبَعْضِهَا غَيْبَتُهَا عَنْهُمْ بِعَدَمِ وُجُودِهَا مَعَهُمْ هُنَالِكَ وَحِرْمَانِهِمْ مِمَّا كَانُوا يَرْجُونَ مِنْ شَفَاعَتِهَا ، لَا غَيْبَتُهَا عَنْ قُلُوبِهِمْ وَخَوَاطِرِهِمْ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِنِسْيَانِهِمْ إِيَّاهَا جَعْلَهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَنْسِيِّ بِعَدَمِ دُعَائِهَا ، فَقَدْ ذَكَرَ
الرَّازِيُّ فِي النِّسْيَانِ قَوْلَيْنِ ، قَالَ : ( الْأَوَّلُ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمُرَادُ تَتْرُكُونَ الْأَصْنَامَ وَلَا تَدْعُونَهُمْ لِعِلْمِكُمْ أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ ( الثَّانِي ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّكُمْ فِي تَرْكِكُمْ دُعَاءَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدْ نَسِيَهُمْ ، وَهَذَا قَوْلُ
الْحَسَنِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : يُعْرِضُونَ عَنْهُ إِعْرَاضَ النَّاسِي . اهـ . أَقُولُ : لَمْ يَنْقِلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَلَا
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفَاسِيرِهِمَا وَلَا
السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ شَيْئًا فِي الْآيَةِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا
الْحَسَنِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ مُفَسِّرِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْمُفَسِّرُونَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ جَوَازِ كَشْفِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ وَعَذَابِ السَّاعَةِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِدُعَائِهِمْ لِمُخَالَفَتِهِمْ لِمَا عُرِفَ مِنْ سَائِرِ النُّصُوصِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=14وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) ( 13 : 14 ) وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَا مَضَتْ بِهِ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي الْأُمَمِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ هَذَا الْكَشْفِ لَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ ، وَقَدْ عَلَّقَ كَشْفَ ذَلِكَ هُنَا بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى ، فَهُوَ يَقُولُ إِنَّهُ يَكْشِفُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ نَافِذَةٌ حَتَّى فِي كَشْفِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ وَأَهْوَالِ السَّاعَةِ ، وَهُمَا النَّوْعَانِ اللَّذَانِ لَا تَتَعَلَّقُ قُدَرُ الْمَخْلُوقِينَ الْمَوْهُوبَةُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمَا ; لِأَنَّهُمَا فَوْقَ الْأَسْبَابِ الَّتِي سَخَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى لَا يَشَاءُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي حِكْمَتَهُ وَتَقْدِيرَهُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ سُنَنُهُ فِي الْأُمَمِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِتْيَانِ عَذَابِ اللَّهِ ظُهُورُ أَمَارَاتِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ ، وَبِالسَّاعَةِ الْقِيَامَةُ الصُّغْرَى أَيِ الْمَوْتُ بِظُهُورِ عَلَامَاتِهِ وَنُزُولِ سَكَرَاتِهِ ، وَالْإِيمَانُ يُقْبَلُ قَبْلَ وُصُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهِ بِالْفِعْلِ وَقَبْلَ بُلُوغِ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ مِنَ الْمُحْتَضِرِ ، وَقِيلَ : إِنَّ بَعْضَ كُرُوبِ السَّاعَةِ تُكْشَفُ حَتَّى عَنِ الْكُفَّارِ كَكَرْبِ طُولِ الْوُقُوفِ بِالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ جَوَابًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِدُعَائِهِمْ .
وَمِنْ مَبَاحِثِ اخْتِلَافِ الْأَدَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ أَنَّ
نَافِعًا قَرَأَ أَرَأَيْتَ وَأَرَأَيْتُمْ - بِكَافٍ وَبِغَيْرِ كَافٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ - بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ جَعَلَهَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ [ ص: 345 ] بِحَذْفِهَا وَالْبَاقُونَ بِإِثْبَاتِهَا ، وَهِيَ لُغَاتٌ لِلْعَرَبِ مَعْرُوفَةٌ ، وَمِنْ شَوَاهِدَ حَذْفِ الْهَمْزَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=211سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ( 2 : 211 ) أَصْلُهَا : اسْأَلْ . وَمِنْهَا فِي الشِّعْرِ
إِنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَالْبِسُونِي بُرْقُعًا
أَصْلُهُ فَأَلْبِسُونِي .