(
nindex.php?page=treesubj&link=30452حكمة كتابة مقادير الخلق ) .
روي عن
الحسن أن حكمة كتابة الله تعالى لمقادير الخلق تنبيه المكلفين على عدم إهمال أحوالهم المشتملة على الثواب والعقاب ، حيث ذكر أن الورقة والحبة في الكتاب ، وزاد بعضهم حكمتين أخريين إحداهما : اعتبار الملائكة عليهم السلام موافقة المحدثات للمعلومات الإلهية ، والثانية : عدم تغير الموجودات عن الترتيب السابق في الكتاب . ولذا جاء " جف القلم بما
[ ص: 398 ] هو كائن إلى يوم القيامة " - ذكر ذلك الألوسي ، وجعل قول
الحسن هو الثاني في الترتيب ، والعبارة الأخيرة حديث من الأحاديث المشتهرة على الألسنة باللفظ الذي ذكره
الألوسي ، ولا نعرفه مرويا بهذا اللفظ ، ولكن ورد في حديث
عبد الله بن جعفر عند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919686واعلم أن nindex.php?page=treesubj&link=28726القلم قد جف بما هو كائن " وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919687جف القلم بما أنت لاق " وورد " جف القلم " " وجفت الأقلام " في أثناء أحاديث أخرى .
وهذا الذي قالوه في حكمة الكتابة ضعيف ، وحكمة الله البالغة فيه فوق ذلك ، ويتوقف تلمح شيء من جلالها وجمالها على تدبر النظام العام الذي قامت به السماوات والأرض والنظام الخاص بكل نوع من أنواع المخلوقات فيهما ، وعلى كون تلك النظم التي يعبر عنها في عرفنا بالسنن وبالأقدار الإلهية ، وفي عرف بعض علماء الدنيا بالنواميس أو القوى الطبيعية ، إنما ينفذها أصناف من الملائكة ، ذكر في الآية التي بعد هذه صنف الحفظة ورسل الموت منهم ، وورد في بعض التفسير المأثور أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=1والمرسلات عرفا 77 : 1 ) وما عطف عليها (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=1والنازعات غرقا 79 : 1 ) وما عطف عليها إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=5فالمدبرات أمرا 79 : 5 ) أصناف منهم ، وهم الملائكة الموكلون بتدبير أمر الخلق من عند الله عز وجل ، ويؤيد ذلك ما جاء من أحاديث منها الصحاح والحسان والضعاف ، يدل مجموعها على أن الله تعالى قد وكل بكل نوع من أنواع الخلق ملائكة هم أرواح النظام له . فإذا كان الخالق العليم الحكيم قد جعل لكل شيء قدرا ، وجعل لكل شيء من أسباب المعايش كالرياح والأمطار وغيرها خزائن لا ينزلها إلا بقدر معلوم ، وإذا كان من حكمته أن جعل لهذا الملك العظيم الذي يدار بأعلى درجة من التقدير والتنظيم عرشا عظيما هو مصدر التدبير ، أفلا يكون من كمال الحكمة والإتقان أن يكون لذلك كتاب مبين هو مظهر ذلك النظام والتقدير ، كما يعهد للممالك المنظمة من كتب النظم والقوانين ؟ بلى ولله المثل الأعلى ، وإن لنا فيما نرى في خلقه من نظام وكمال وفي التكوين آيات على كمال علمه وحكمته ، ونفوذ إرادته وقدرته ، وفيما نرى من كسب البشر من نقص وعجز دلائل على تنزيهه عن مشابهة الخلق ، وعلى أن ملائكته أكمل من البشر في تنفيذ ما قدر وما أمر (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون 21 : 27 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون 66 : 6 ) ونكتفي بهذا التلميح الآن ، فقد طال الكلام في تفسير هذه الآية كما طال في تفسير ما تقدم من هذا الجزء ، ولعلنا نعود إلى هذه المسألة .
(
nindex.php?page=treesubj&link=30452حِكْمَةُ كِتَابَةِ مَقَادِيرِ الْخَلْقِ ) .
رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّ حِكْمَةَ كِتَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَقَادِيرِ الْخَلْقِ تَنْبِيهُ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى عَدَمِ إِهْمَالِ أَحْوَالِهِمُ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْوَرَقَةَ وَالْحَبَّةَ فِي الْكِتَابِ ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ حِكْمَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ إِحْدَاهُمَا : اعْتِبَارُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مُوَافَقَةَ الْمُحْدَثَاتِ لِلْمَعْلُومَاتِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَالثَّانِيَةُ : عَدَمُ تَغَيُّرِ الْمَوْجُودَاتِ عَنِ التَّرْتِيبِ السَّابِقِ فِي الْكِتَابِ . وَلِذَا جَاءَ " جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا
[ ص: 398 ] هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " - ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَلُوسِيُّ ، وَجَعَلَ قَوْلَ
الْحَسَنِ هُوَ الثَّانِي فِي التَّرْتِيبِ ، وَالْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ حَدِيثٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ
الْأَلُوسِيُّ ، وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْوِيًّا بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيِّ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919686وَاعْلَمْ أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=28726الْقَلَمَ قَدْ جَفَّ بِمَا هُوَ كَائِنٌ " وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919687جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ " وَوَرَدَ " جَفَّ الْقَلَمُ " " وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ " فِي أَثْنَاءِ أَحَادِيثَ أُخْرَى .
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ فِي حِكْمَةِ الْكِتَابَةِ ضَعِيفٌ ، وَحِكْمَةُ اللَّهِ الْبَالِغَةُ فِيهِ فَوْقَ ذَلِكَ ، وَيَتَوَقَّفُ تَلَمُّحُ شَيْءٍ مِنْ جَلَالِهَا وَجَمَالِهَا عَلَى تَدَبُّرِ النِّظَامِ الْعَامِّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالنِّظَامِ الْخَاصِّ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهِمَا ، وَعَلَى كَوْنِ تِلْكَ النُّظُمِ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا فِي عُرْفِنَا بِالسُّنَنِ وَبِالْأَقْدَارِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَفِي عُرْفِ بَعْضِ عُلَمَاءِ الدُّنْيَا بِالنَّوَامِيسِ أَوِ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ ، إِنَّمَا يُنَفِّذُهَا أَصْنَافٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ صِنْفَ الْحَفَظَةِ وَرُسُلِ الْمَوْتِ مِنْهُمْ ، وَوَرَدَ فِي بَعْضِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=1وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا 77 : 1 ) وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=1وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا 79 : 1 ) وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=5فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا 79 : 5 ) أَصْنَافٌ مِنْهُمْ ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِتَدْبِيرِ أَمْرِ الْخَلْقِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ أَحَادِيثَ مِنْهَا الصِّحَاحُ وَالْحِسَانُ وَالضِّعَافُ ، يَدُلُّ مَجْمُوعُهَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَكَّلَ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَلْقِ مَلَائِكَةً هُمْ أَرْوَاحُ النِّظَامِ لَهُ . فَإِذَا كَانَ الْخَالِقُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمَعَايِشِ كَالرِّيَاحِ وَالْأَمْطَارِ وَغَيْرِهَا خَزَائِنَ لَا يُنَزِّلُهَا إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ حِكْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ لِهَذَا الْمُلْكِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُدَارُ بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنَ التَّقْدِيرِ وَالتَّنْظِيمِ عَرْشًا عَظِيمًا هُوَ مَصْدَرُ التَّدْبِيرِ ، أَفَلَا يَكُونُ مِنْ كَمَالِ الْحِكْمَةِ وَالْإِتْقَانِ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ كِتَابٌ مُبِينٌ هُوَ مَظْهَرُ ذَلِكَ النِّظَامِ وَالتَّقْدِيرِ ، كَمَا يُعْهَدُ لِلْمَمَالِكِ الْمُنَظَّمَةِ مِنْ كُتُبِ النُّظُمِ وَالْقَوَانِينِ ؟ بَلَى وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ، وَإِنَّ لَنَا فِيمَا نَرَى فِي خَلْقِهِ مِنْ نِظَامٍ وَكَمَالٍ وَفِي التَّكْوِينِ آيَاتٍ عَلَى كَمَالِ عَلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَنُفُوذِ إِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَفِيمَا نَرَى مِنْ كَسْبِ الْبَشَرِ مِنْ نَقْصٍ وَعَجْزٍ دَلَائِلَ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ ، وَعَلَى أَنَّ مَلَائِكَتَهُ أَكْمَلُ مِنَ الْبَشَرِ فِي تَنْفِيذِ مَا قُدِّرَ وَمَا أَمَرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=27لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ 21 : 27 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ 66 : 6 ) وَنَكْتَفِي بِهَذَا التَّلْمِيحِ الْآنَ ، فَقَدْ طَالَ الْكَلَامُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا طَالَ فِي تَفْسِيرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ ، وَلَعَلَّنَا نَعُودُ إِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .