(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ) .
أمر الله تعالى رسوله في الآيات السابقة أن يبين لعباده إحاطة علمه وشمول قدرته ، واستعلاءه عليهم بالقهر ، وحفظه أعمالهم عليهم ، وكونه هو مولاهم الحق الذي يحاسبهم ويجازيهم عليها بعد أن يميتهم ثم يبعثهم . ثم أمره بهذا القول أن يذكرهم بشيء يجدونه في أنفسهم ويقولونه بأفواههم ، ويغفلون عما يستلزمه من كون الله تعالى هو مولاهم الحق الذي يجب توحيده وإفراده بالعبادة ، ولا سيما مظهرها الأعلى وهو الدعاء في الرخاء كالدعاء في الشدة ، فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63nindex.php?page=treesubj&link=28977قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية ) ظلمات البر والبحر قسمان : ظلمات حسية كظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر ، وظلمات معنوية كظلمة الجهل بالطرق والمسالك ، وظلمة فقد الصوى والمنار ، أو اشتباه الأعلام والآثار ، وظلمة الشدائد والأخطار ، كالعواطف والأعاصير وهياج البحار ، أو مساورة الأفاعي والسباع ، أو مكافحة العدد الكثير من الأعداء ، وتسمية هذه الأمور المعنوية ظلمات من المجاز كتسمية الجهل والكفر والضلال بذلك - وهو كثير في التنزيل - ونقلوا أنه قيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب . وأقول : لا يصح إطلاق الظلمة على كل شدة ، بل على الشدة التي لها عاقبة سيئة مجهولة تخشى ولا تعلم ، فهو يرجع إلى معنى الجهل . والتضرع : المبالغة في الضراعة وهي الذل والخضوع ، وقال
الراغب : هو إظهار الضراعة بعد أن فسرها بالضعف والذل ، والإظهار قد يكون إظهار ما هو واقع وقد يكون إظهار ما هو غير واقع على سبيل الرياء ، والمراد بالتضرع هنا ما هو صادر عن الإخلاص الذي يثيره الإيمان الفطري المطوي في أنفس البشر . والخفية - بالضم والكسر - الخفاء والاستتار ، فإذا كان التضرع إظهار الحاجة إلى الله تعالى ، والتذلل له بالجهر والدعاء ، ورفع الصوت به مع البكاء - فالخفية في الدعاء عبارة عن
[ ص: 407 ] إسراره هربا من الرياء ، وهاتان حالتان تعرضان للإنسان عند شعوره بالحاجة إلى الله تعالى ويأسه من الأسباب ؛ تارة يجأر بالدعاء رافعا صوته متضرعا مبتهلا ، وتارة يسر الدعاء ويخفيه مخلصا محتسبا ، ويتحرى ألا تسمعه أذن ، ولا يعلم به أحد ، ويرى أنه يكون بذلك أجدر بالقبول ، وأرجى لنيل السؤل ، والمعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الغافلين عن أنفسهم وما أودع من آيات التوحيد في أعمال فطرتهم : من ينجيكم من ظلمات البر والبحر الحسية والمعنوية عندما تغشاكم في أسفاركم حال كونكم تدعونه عند وقوعكم في كل ظلمة منها دعاء تضرع ودعاء خفية قائلين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63nindex.php?page=treesubj&link=28977لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين ) أي مقسمين هذا القسم في دعائكم : لئن أنجانا الله من هذه الظلمة أو الداهية المظلمة لنكونن من المتصفين بالشكر الدائم له ، المنتظمين في سلك أهله ، وفي قراءة ( لئن أنجيتنا ) بالخطاب وسيأتي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28977قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ) الكرب : الغم الشديد ، مأخوذ من كرب الأرض ، وهو إثارتها وقلبها بالحفر ، إذ الغم يثير النفس كذلك ، أو من الكرب ( بالتحريك ) وهو العقد الغليظ في رشاء الدلو ( حبله ) وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب ، أي لما يشعر به المغموم من الضغط على قلبه والضيق في صدره ، أو من أكربت الدلو إذا ملأته - أفاده
الراغب . والمعنى أن الله ينجيكم المرة بعد المرة من تلك الظلمات ومن كل كرب يعرض لكم ، ثم أنتم تشركون به غيره بعد النجاة أقبح الشرك مخلفي وعدكم له بالشكر ، حانثين بما وكدتموه به من اليمين ، مواظبين على هذا الشرك مستمرين ، لا تكادون تنسونه إلا عند ظلمة الخطب ، وشدة الكرب . وأجلى شرككم أنكم تدعون أولياء من دون الله وتسندون إليهم الأعمال إن لم يكن بالاستقلال فبالشفاعة عند الله ، حتى إنكم لا تستثنون منها تلك النجاة ، وهذه الحجة من أبلغ الحجج لمن تأملها ، ولذلك تكرر في التنزيل ذكرها ، وطالما ذكرناها في آيات التوحيد ودلائله ، وأقرب بسط لها ما أوردناه في تفسير الآيتين ( 40 ) ، و ( 41 ) من هذه السورة ، وفيه شواهد بمعنى هاتين الآيتين .
قرأ
عاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( ينجيكم ) بالتشديد في الموضعين ؛ من التنجية ، والباقون بالتخفيف فيهما ؛ من الإنجاء وهما لغتان في تعدية نجا ينجو ، يقال : نجاه وأنجاه ، ونطق بهما القرآن في غير هاتين الآيتين أيضا ، ولكن في التشديد من المبالغة والدلالة على التكرار ما ليس في التخفيف ، وقرأ
عاصم في رواية
أبي بكر ( خفية ) بكسر الخاء والباقون بضمها وهما لغتان كما تقدم ، وقرأ
عاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( أنجانا ) على الغيبة ، فعاصم فخمها والآخرون قرءوها بالإمالة ، وقرأ الباقون ( أنجيتنا ) على الخطاب ، وهي مرسومة في المصحف الإمام هكذا ( أنجينا ) وقراءة الغيبة أقوى مناسبة للفظ ، والخطاب أشد تأثيرا في النفس .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لِنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64قُلِ اللَّهُ يُنْجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ) .
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَنْ يُبَيِّنَ لِعِبَادِهِ إِحَاطَةَ عِلْمِهِ وَشُمُولَ قُدْرَتِهِ ، وَاسْتِعْلَاءَهُ عَلَيْهِمْ بِالْقَهْرِ ، وَحِفْظَهُ أَعْمَالَهُمْ عَلَيْهِمْ ، وَكَوْنَهُ هُوَ مَوْلَاهُمُ الْحَقَّ الَّذِي يُحَاسِبُهُمْ وَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ يُمِيتَهُمْ ثُمَّ يَبْعَثَهُمْ . ثُمَّ أَمَرَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِشَيْءٍ يَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَهُ بِأَفْوَاهِهِمْ ، وَيَغْفُلُونَ عَمَّا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مَوْلَاهُمُ الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ تَوْحِيدُهُ وَإِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ ، وَلَا سِيَّمَا مَظْهَرَهَا الْأَعْلَى وَهُوَ الدُّعَاءُ فِي الرَّخَاءِ كَالدُّعَاءِ فِي الشِّدَّةِ ، فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63nindex.php?page=treesubj&link=28977قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) ظُلُمَاتُ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قِسْمَانِ : ظُلُمَاتٌ حِسِّيَّةٌ كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَظُلْمَةِ السَّحَابِ وَظُلْمَةِ الْمَطَرِ ، وَظُلُمَاتٌ مَعْنَوِيَّةٌ كَظُلْمَةِ الْجَهْلِ بِالطُّرُقِ وَالْمَسَالِكِ ، وَظُلْمَةُ فَقْدِ الصُّوَى وَالْمَنَارِ ، أَوِ اشْتِبَاهِ الْأَعْلَامِ وَالْآثَارِ ، وَظُلْمَةُ الشَّدَائِدِ وَالْأَخْطَارِ ، كَالْعَوَاطِفِ وَالْأَعَاصِيرِ وَهِيَاجِ الْبِحَارِ ، أَوْ مُسَاوَرَةِ الْأَفَاعِي وَالسِّبَاعِ ، أَوْ مُكَافَحَةِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنَ الْأَعْدَاءِ ، وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ ظُلُمَاتٍ مِنَ الْمَجَازِ كَتَسْمِيَةِ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ وَالضَّلَالِ بِذَلِكَ - وَهُوَ كَثِيرٌ فِي التَّنْزِيلِ - وَنَقَلُوا أَنَّهُ قِيلَ لِلْيَوْمِ الشَّدِيدِ يَوْمٌ مُظْلِمٌ وَيَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ . وَأَقُولُ : لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ الظُّلْمَةِ عَلَى كُلِّ شِدَّةٍ ، بَلْ عَلَى الشِّدَّةِ الَّتِي لَهَا عَاقِبَةً سَيِّئَةً مَجْهُولَةً تُخْشَى وَلَا تُعْلَمُ ، فَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْجَهْلِ . وَالتَّضَرُّعُ : الْمُبَالَغَةُ فِي الضَّرَاعَةِ وَهِيَ الذُّلُّ وَالْخُضُوعُ ، وَقَالَ
الرَّاغِبُ : هُوَ إِظْهَارُ الضَّرَاعَةِ بَعْدَ أَنْ فَسَّرَهَا بِالضَّعْفِ وَالذُّلِّ ، وَالْإِظْهَارُ قَدْ يَكُونُ إِظْهَارُ مَا هُوَ وَاقِعٌ وَقَدْ يَكُونُ إِظْهَارُ مَا هُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى سَبِيلِ الرِّيَاءِ ، وَالْمُرَادُ بِالتَّضَرُّعِ هُنَا مَا هُوَ صَادِرٌ عَنِ الْإِخْلَاصِ الَّذِي يُثِيرُهُ الْإِيمَانُ الْفِطْرِيُّ الْمَطْوِيُّ فِي أَنْفُسِ الْبَشَرِ . وَالْخُفْيَةُ - بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ - الْخَفَاءُ وَالِاسْتِتَارُ ، فَإِذَا كَانَ التَّضَرُّعُ إِظْهَارُ الْحَاجَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالتَّذَلُّلُ لَهُ بِالْجَهْرِ وَالدُّعَاءِ ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ مَعَ الْبُكَاءِ - فَالْخُفْيَةُ فِي الدُّعَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ
[ ص: 407 ] إِسْرَارِهِ هَرَبًا مِنَ الرِّيَاءِ ، وَهَاتَانِ حَالَتَانِ تَعْرِضَانِ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ شُعُورِهِ بِالْحَاجَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَأْسِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ ؛ تَارَةً يَجْأَرُ بِالدُّعَاءِ رَافِعًا صَوْتَهُ مُتَضَرِّعًا مُبْتَهِلًا ، وَتَارَةً يُسِرُّ الدُّعَاءَ وَيُخْفِيهِ مُخْلِصًا مُحْتَسِبًا ، وَيَتَحَرَّى أَلَّا تَسْمَعَهُ أُذُنٌ ، وَلَا يَعْلَمَ بِهِ أَحَدٌ ، وَيَرَى أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ أَجْدَرَ بِالْقَبُولِ ، وَأَرْجَى لِنِيلِ السُّؤْلَ ، وَالْمَعْنَى : قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْغَافِلِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَا أُودِعَ مِنْ آيَاتِ التَّوْحِيدِ فِي أَعْمَالِ فِطْرَتِهِمْ : مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ عِنْدَمَا تَغْشَاكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ حَالَ كَوْنِكُمْ تَدْعُونَهُ عِنْدَ وُقُوعِكُمْ فِي كُلِّ ظُلْمَةٍ مِنْهَا دُعَاءَ تَضَرُّعٍ وَدُعَاءَ خُفْيَةٍ قَائِلِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63nindex.php?page=treesubj&link=28977لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لِنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) أَيْ مُقْسِمِينَ هَذَا الْقَسَمَ فِي دُعَائِكُمْ : لَئِنْ أَنْجَانَا اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الظُّلْمَةِ أَوِ الدَّاهِيَةِ الْمُظْلِمَةِ لِنَكُونَنَّ مِنَ الْمُتَّصِفِينَ بِالشُّكْرِ الدَّائِمِ لَهُ ، الْمُنْتَظِمِينَ فِي سِلْكِ أَهْلِهِ ، وَفِي قِرَاءَةٍ ( لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا ) بِالْخِطَابِ وَسَيَأْتِي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28977قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ) الْكَرْبُ : الْغَمُّ الشَّدِيدُ ، مَأْخُوذٌ مِنْ كَرْبِ الْأَرْضَ ، وَهُوَ إِثَارَتُهَا وَقَلْبُهَا بِالْحَفْرِ ، إِذِ الْغَمُّ يُثِيرُ النَّفْسَ كَذَلِكَ ، أَوْ مِنَ الْكَرَبِ ( بِالتَّحْرِيكِ ) وَهُوَ الْعِقْدُ الْغَلِيظُ فِي رِشَاءِ الدَّلْوِ ( حَبْلُهُ ) وَقَدْ يُوصَفُ الْغَمُّ بِأَنَّهُ عُقْدَةٌ عَلَى الْقَلْبِ ، أَيْ لِمَا يَشْعُرُ بِهِ الْمَغْمُومُ مِنَ الضَّغْطِ عَلَى قَلْبِهِ وَالضِّيقِ فِي صَدْرِهِ ، أَوْ مِنْ أَكْرَبْتُ الدَّلْوَ إِذَا مَلَأْتَهُ - أَفَادَهُ
الرَّاغِبُ . وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يُنْجِيكُمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مِنْ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ وَمَنْ كُلِّ كَرْبٍ يَعْرِضُ لَكُمْ ، ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ بِهِ غَيْرَهُ بَعْدَ النَّجَاةِ أَقْبَحَ الشِّرْكِ مُخْلِفِي وَعْدَكُمْ لَهُ بِالشُّكْرِ ، حَانِثِينَ بِمَا وَكَّدْتُمُوهُ بِهِ مِنَ الْيَمِينِ ، مُوَاظِبِينَ عَلَى هَذَا الشِّرْكِ مُسْتَمِرِّينَ ، لَا تَكَادُونَ تَنْسَوْنَهُ إِلَّا عِنْدَ ظُلْمَةِ الْخَطْبِ ، وَشَدَّةِ الْكَرْبِ . وَأَجْلَى شِرْكِكُمْ أَنَّكُمْ تَدْعُونَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَتُسْنِدُونَ إِلَيْهِمُ الْأَعْمَالَ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِالِاسْتِقْلَالِ فَبِالشَّفَاعَةِ عِنْدَ اللَّهِ ، حَتَّى إِنَّكُمْ لَا تَسْتَثْنَوْنَ مِنْهَا تِلْكَ النَّجَاةَ ، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ مِنْ أَبْلَغِ الْحُجَجِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ فِي التَّنْزِيلِ ذِكْرُهَا ، وَطَالَمَا ذَكَرْنَاهَا فِي آيَاتِ التَّوْحِيدِ وَدَلَائِلِهِ ، وَأَقْرَبُ بَسْطٍ لَهَا مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ ( 40 ) ، وَ ( 41 ) مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَفِيهِ شَوَاهِدُ بِمَعْنَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ .
قَرَأَ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ( يُنَجِّيكُمْ ) بِالتَّشْدِيدِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ؛ مِنَ التَّنْجِيَةِ ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا ؛ مِنَ الْإِنْجَاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ فِي تَعْدِيَةٍ نَجَا يَنْجُو ، يُقَالُ : نَجَّاهُ وَأَنْجَاهُ ، وَنَطَقَ بِهِمَا الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَيْضًا ، وَلَكِنْ فِي التَّشْدِيدِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى التَّكْرَارِ مَا لَيْسَ فِي التَّخْفِيفِ ، وَقَرَأَ
عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ
أَبِي بَكْرٍ ( خِفْيَةً ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَقَرَأَ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ( أَنْجَانَا ) عَلَى الْغَيْبَةِ ، فَعَاصِمٌ فَخَّمَهَا وَالْآخَرُونَ قَرَءُوهَا بِالْإِمَالَةِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ( أَنْجَيْتَنَا ) عَلَى الْخِطَابِ ، وَهِيَ مَرْسُومَةٌ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ هَكَذَا ( أَنْجَيْنَا ) وَقِرَاءَةُ الْغَيْبَةِ أَقْوَى مُنَاسَبَةً لِلَّفْظِ ، وَالْخِطَابُ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي النَّفْسِ .