( مقدمة في
nindex.php?page=treesubj&link=31850_31873أصل إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ومسألة كفر أبيه ) .
(
إبراهيم ) هو الاسم العلم لخليل الرحمن ، أبي الأنبياء الأكبر من
نوح ، عليهم الصلاة والسلام ، ويؤخذ من سفر التكوين - وهو السفر الأول من أسفار العهد العتيق - أنه العاشر من أولاد
سام بن نوح ، وأنه ولد في (
أور الكلدانيين ) وهي بلدة من
بلاد الكلدان . و " أور " بضم الهمزة وسكون الواو ، ومعناها في الكلدانية النور أو النار كما قالوا . قيل : هي البلدة المعروفة الآن باسم (
أورفا ) في ولاية
حلب كما رجح بعض المؤرخين ، وقيل : غيرها من البلاد الواقعة في جزيرة
العراق - بين النهرين - وفي أقطار العالم القديم بلاد ومواقع كثيرة مبدوءة أسماؤها بكلمة ( أور ) واقعة مع ما بعدها موقع المضاف من المضاف إليه ، وأشهرها (
أورشليم )
لمدينة القدس ، قالوا : إن معناها ملك السلام ، أو إرث السلام ، ف " شليم " بالعبرية هي السلام بالعربية . وفي بعض التواريخ العربية أنه من قرية اسمها (
كوثى ) من سواد
الكوفة . وكان اسم
إبراهيم (
أبرام ) بفتح الهمزة ، وقالوا : إن معناه ( أبو العلاء ) فهو مركب من كلمة " أب " العربية السامية مضافة إلى ما بعدها . وفي سفر التكوين أن الله تعالى ظهر له في سن التاسعة والتسعين من عمره وكلمه ، وجدد عهده له بأن يكثر نسله ويعطيه
أرض كنعان (
فلسطين ) ملكا أبديا ، وسماه لذريته (
إبراهيم ) بدل (
أبرام ) وقالوا : إن معنى
إبراهيم ( أبو الجمهور ) العظيم أي أبو الأمة . وهو بمعنى تبشير الله تعالى إياه بتكثير نسله من
إسماعيل ومن
إسحاق عليهم الصلاة والسلام ، ولا ينافي ذلك كسر همزته ، فقد علم أن أصلها الفتح ، وأن " إب " المكسورة في
إبراهيم هي أب المفتوحة في
أبرام . فالجزء الأول منه عربي ، والثاني كلداني أو من لغة أخرى من فروع السامية أخوات العربية التي هي أعظمها وأوسعها ، حتى جعلها بعض علماء اللغات هي الأصل والأم لسائر تلك الفروع السامية كالعبرية والسريانية . وذكر رواة العربية في هذا الاسم سبع لغات عن العرب وهي
إبراهيم [ ص: 446 ] وابراهام وابراهوم وابراهيم مثلثة الهاء
وأبرهم بفتح الهاء بلا ألف . وصرح بعضهم بأنه سرياني الأصل ثم نقل ، وبعضهم بأن معناه أب راحم أو رحيم ، وعلى هذا يكون جزآه عربيين بقلب حائه هاء كما يقلبها جميع الأعاجم الذين لا ينطقون بالحاء المهملة كالإفرنج ، وتركيبه مزجي . وفي " القاموس المحيط " كغيره " أن تصغيره بريه أو أبيره وبريهيم " قال شارحه عند الأول : قال شيخنا : وكأنهم جعلوه عربيا وتصرفوا فيه بالتصغير ، وإلا فالأعجمية لا يدخلها شيء من التصريف بالكلية .
وقد ثبت عند علماء العاديات والآثار القديمة أن عرب
الجزيرة قد استعمروا منذ فجر التاريخ
بلاد الكلدان ومصر ، وغلبت لغتهم فيهما ، وصرح بعضهم بأن الملك
حمورابي الذي كان معاصرا
لإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - عربي ،
وحمورابي هذا هو ملكي صادق ملك البر والسلام ، ووصف في العهد العتيق بأنه كاهن الله العلي ، وذكر فيه أنه بارك
إبراهيم ، وأن
إبراهيم أعطاه العشر من كل شيء . ومن المعروف في كتب الحديث والتاريخ العربي أن
إبراهيم أسكن ابنه
إسماعيل مع أمه
هاجر المصرية - عليهم السلام - في الوادي الذي بنيت فيه
مكة بعد ذلك ، وأن الله تعالى سخر لهما جماعة من
جرهم سكنوا معهما هنالك ، وأن
إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - كان يزورهما ، وأنه هو وولده
إسماعيل بنيا
بيت الله المحرم ، ونشرا دين الإسلام في البلاد العربية ، فيظهر من ذلك أن العربية القديمة هي لغة
إبراهيم وهاجر ، ولغة
حمورابي وقومه ، ولغة
قدماء المصريين أو اللغة الغالبة في ذينك القطرين ، وأنها على ما كان فيها من الدخيل الكلداني والمصري كانت قريبة جدا من العربية الجرهمية ، ولذلك كان الذين ساكنوا
هاجر من
جرهم يفهمون منها وتفهم منهم . وقد ثبت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=919715أن إبراهيم زار إسماعيل مرة فلم يجده ، وتكلم مع امرأته الجرهمية ولم تعجبه ، ثم زاره مرة أخرى فلم يجده ، وكانت عنده امرأة أخرى فتكلم معها فأعجبته . وقد ورد أيضا أن لغة
إسماعيل كانت أفصح من لغة
جرهم ، فهي أم اللغة المضرية التي فاقت بفصاحتها وبلاغتها سائر اللغات أو اللهجات العربية ، ثم ارتقت في عهد
قريش من ذريته بما كانوا يقيمونه لها من أسواق المفاخرة في موسم الحج ، ثم كملت بلاغتها وفصاحتها بنزول القرآن المجيد المعجز للخلق بها .
وأما أبو
إبراهيم فقد سماه الله تعالى في الآية الأولى من هذه الآيات (
آزر ) وفي سفر التكوين أن اسمه (
تارح ) بفتح وحاء مهملة ، وقالوا : إن معناه ( متكاسل ) ومن الغريب أن نرى أكثر المفسرين والمؤرخين اللغويين منا يقولون : إن اسمه "
تارخ " بالخاء المعجمة أو المهملة ، وإن
آزر لقبه أو اسم أخيه أو أبيه أو صنمه ، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء أنه ليس بين النسابين والمؤرخين اختلاف في كون اسمه
تارخ أو
تارح . ولا نعرف لهذه الأقوال أصلا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا منقولا عن العرب الأولين ، وإنما هو منقول
[ ص: 447 ] فيما يظهر عمن دخل في الإسلام من
أهل الكتاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=17285كوهب بن منبه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار اللذين أدخلا على المسلمين كثيرا من الإسرائيليات ، فتلقوها بالقبول على علاتها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل بن سليمان المجروح بالكذب الذي قال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان فيه : كان يأخذ من
اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم . ففي التفسير المأثور عن
مجاهد قال :
آزر لم يكن بأبيه ، ولكنه اسم صنم . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي اسم أبيه
تارح ، واسم الصنم آزر . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في إحدى الروايتين عنه قال : آزر الصنم ، وأبو
إبراهيم اسمه
يازر ، وفي الأخرى أن أبا
إبراهيم لم يكن اسمه
آزر ، وإنما اسمه
تارح . رواهما عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أن اسمه
تيرح . وجزم
الضحاك بأن اسمه
آزر ، واعتمده
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وروي عن
الحسن أيضا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " التاريخ الكبير " :
إبراهيم بن آزر ، وهو في التوراة
تارح ، والله سماه
آزر ، وإن كان عند النسابين والمؤرخين اسمه
تارخ ليعرف بذلك . اهـ . فقد اعتمد أن
آزر هو اسمه عند الله - أي في كتابه - فإن أمكن الجمع بين القولين فبها وإلا رددنا قول المؤرخين ، وسفر التكوين لأنه ليس حجة عندنا حتى نعتد بالتعارض بينه وبين ظواهر القرآن ، بل القرآن هو المهيمن على ما قبله ، نصدق ما صدقه ، ونكذب ما كذبه ، ونلزم الوقف فيما سكت عنه حتى يدل عليه صحيح . وأضعف ما قالوه في الجمع بين القولين أن
آزر اسم عمه بناء على أن العرب تسمي العم أبا مجازا ، وهذه الدعوى لا تصح على إطلاقها ، وإنما يصح ذلك حيث توجد قرينة يعلم منها المراد ، ولا قرينة هنا ولا في سائر الآيات التي ذكر فيها من غير تسمية ، ويليه في الضعف قول بعضهم : إنه كان خادم الصنم المسمى بآزر ، فأطلق عليه من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مكانه . وأقواه أن له اسمين ؛ أحدهما علم والآخر لقب : والظاهر حينئذ أن يكون
تارح هو اللقب ؛ لأن معناه المتكاسل ، وهو لقب قبيح قلما يطلقه أحد ابتداء على ولده ، وإنما يطلق مثله على المرء بعد ظهور معناه فيه أو رميه به ، إلا أن يصح ما زعمه من عكس ، فجعل
آزر هو اللقب بناء على أن معناه في لغتهم المخطئ أو المعوج أو الأعوج أو الأعرج - ولعله تحريف عما قبله - وقيل : إنه الشيخ الهرم بالخوارزمية .
بعد كتابة ما تقدم راجعت ( روح المعاني )
للألوسي ، والتفسير الكبير ( مفاتيح الغيب )
للرازي ، فأحببت أن أنقل عنهما ما يأتي :
قال
الألوسي : وعلى القول بالوصفية يكون منع صرفه للحمل على موازنه وهو فاعل المفتوح العين ، فإنه يغلب منع صرفه لكثرته في الأعلام الأعجمية ، وقيل : الأولى أن يقال : إنه غلب عليه فألحق بالعلم . وبعضهم يجعله نعتا مشتقا من الأزر بمعنى القوة ، أو الوزر بمعنى الإثم ، ومنع صرفه حينئذ للوصفية ووزن الفعل ؛ لأنه على وزن أفعل .
[ ص: 448 ] وقال
الرازي بعد أن ذكر قول
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج باتفاق علماء النسب على أن اسم أبي
إبراهيم تارح ، ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن ، وقال في هذا النسب خطأ وليس بصواب . ثم ذكر أن للعلماء هاهنا مقامين ؛ أحدهما رد الاستدلال بإجماع النسابين على أن اسمه كان
تارح ، قال : لأن ذلك الإجماع إنما حصل لأن بعضهم يقلد بعضا ، وبالآخرة يرجع ذلك الإجماع إلى قول الواحد والاثنين ، مثل قول
وهب وكعب وأمثالهما ، وربما تعلقوا بما يجدونه من أخبار
اليهود والنصارى ، ولا عبرة بذلك في مقابلة صريح القرآن . انتهى . وقد بينا لك مأخذه ، وأنه لا إجماع في المسألة . ثم ذكر المقام الثاني ، وهو تسليم قولهم ، والجمع بينه وبين نص القرآن بما نقلناه عنهم آنفا وبينا قويه من ضعيفه .
ومن الناس من استدل على أن
آزر لم يكن والد
إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - - بل عمه بالجزم ; لأن آباء الأنبياء كافة أو نبينا خاصة لم يكونوا كفارا ، وبأن
إبراهيم خاطب
آزر بالغلظة والجفاء ، ولا يجوز ذلك من الأنبياء . وقد عزا
الرازي هذا القول إلى
الشيعة ، وأطال في بيانه ، واختص في بيان ( زعم أصحابه - أي
الأشاعرة أو أهل السنة كافة - أن
آزر كان والد
إبراهيم وكان كافرا وفي ردهم قول
الشيعة . وقال
الألوسي : والذي عول عليه الجم الغفير من أهل السنة أن
آزر لم يكن والد
إبراهيم - عليه السلام - وادعوا أنه ليس في آباء النبي - صلى الله عليه وسلم - كافر أصلا ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " والمشركون نجس ، وتخصيص الطهارة بالطهارة من السفاح لا دليل له يعول عليه ، والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وقد ألفوا في هذا المطلب الرسائل ، واستدلوا له بما استدلوا . والقول بأن ذلك قول
الشيعة كما ادعاه الإمام
الرازي ناشئ من قلة التتبع . وأكثر هؤلاء على أن
آزر اسم لعم
إبراهيم - عليه السلام - وجاء إطلاق الأب على الجد في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=133أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ( 2 : 133 ) وفيه إطلاق الأب على الجد أيضا . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي أنه قال : الخال والد والعم والد ، وتلا هذه الآية .
ثم ذكر السيد
الألوسي آثارا استدلوا بها على ما ذكر ، أخذها فيما يظهر من بعض رسائل
السيوطي التي ألفها في نجاة الأبوين الشريفين ، وجمع فيها الذرة وأذن الجرة - كما يقال - ورجح الآثار الواهية والمنكرة على الأحاديث الصحيحة المؤيدة بالآيات الصريحة ، وهي التي أشار إليها
الألوسي بقوله : وألفوا في هذا المطلب الرسائل . . إلخ ، واعتمد عليها فيما ادعى أنه هو الذي عول عليه أهل السنة ، ومن الغريب وقوع هذه الهفوة من مثل هذا النقاد ، وإنما أوقعه فيها هوى صادفته في الفؤاد ، وهو الميل إلى ما يدل على نجاة جميع أولئك الآباء والأجداد الذين أنجبوا أفضل الأبناء والأحفاد ،
محمدا وإبراهيم الخليلين عليهما وعلى آلهما
[ ص: 449 ] أفضل الصلاة والسلام ، فإن من حبهما - وهو من آيات الإيمان بهما - أن يحب المؤمن نجاة أصولهما ، ولكن إذا ثبت أن بعضهم أصر على الكفر ، وقضت حكمة الله أن يبينه لنا في محكم الذكر ، وأن يطلع رسوله على عاقبته في النار ، فيخبر أمته به لكمال التوحيد والاعتبار ، أفيكون مقتضى حب الله ورسوله هو الإيمان بذلك وبيانه كما بيناه ؟ أم يكون حبهما تحريفه وتأويله مبالغة في تعظيم نسب الرسل ، واستعظاما لهلاك أقرب الناس منهم نسبا مع كرامتهم عند الله ، وتأثرا بأقوال أهل الملل الذين جعلوا نجاة الخلق وسعادتهم في الآخرة بجاه أنبيائهم وتأثيرهم الشخصي عند الله لا باتباعهم والاهتداء بما جاءوا به من أصول الإيمان وفضائل الأعمال (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=53ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) ( 3 : 53 ) .
نعم ، إن مما يصدع الفؤاد ، ويكاد يفتت أصلب الجماد ، أن يرى المؤمن والد خليل الرحمن قد أثبت عليه في كتاب الله تعالى عبادة الأوثان ، وأطلع الله تعالى رسوله على أن مآله أن يمسخ حيوانا منتنا ويلقى في سعير النيران ، كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " كتاب أحاديث الأنبياء " و " كتاب التفسير " من صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : "
يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك " لا تعصني " فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم : يارب إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟ فيقول الله تعالى " إني حرمت الجنة على الكافرين " ثم يقال : يا إبراهيم انظر ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " قال الحافظ
بن حجر في شرحه . وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12377إبراهيم بن طهمان :
فيؤخذ منه ، فيقول : يا إبراهيم ، أين أبوك ؟ قال : أنت أخذته مني ، قال : انظر أسفل ، فينظر فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه . وفي رواية
أيوب : فيمسخ الله أباه ضبعا فيأخذ بأنفه ( أي يأخذ
إبراهيم أنفه بأصابعه كراهة لرائحة نتنه ، فيقول : يا عبدي ، أبوك هو ؟ فيقول : لا وعزتك . وفي حديث
سعيد : فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة في صورة ضبعان . زاد
ابن المنذر من هذا الوجه : فإذا رآه كذا تبرأ منه وقال : لست أبي . والذيخ - بكسر الذال المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم خاء معجمة - ذكر الضباع ، ولا يقال : ذيخ إلا إذا كان كثير الشعر . والضبعان لغة في الضبع . اهـ .
أقول : الضبعان - بالكسر - ذكر الضباع ، وهو مفرد ، والضبع - بضم الباء وسكونها - هي الأنثى فلا يقال : ضبعة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : يطلق على الذكر والأنثى . وهو وحش خبيث الرائحة ، فناسب ذلك خبث الشرك .
وقال الحافظ : قيل : الحكمة في مسخه لتنفر نفس
إبراهيم منه ، ولئلا يبقى في النار على صورته فيكون غضاضة على
إبراهيم . وقيل : الحكمة في مسخه ضبعا أن الضبع من أحمق
[ ص: 450 ] الحيوان ،
وآزر كان من أحمق البشر ؛ لأنه بعد أن ظهر له من ولده ما ظهر من الآيات البينات أصر على الكفر حتى مات . . إلخ .
ثم ذكر الحافظ أن
الإسماعيلي استشكل متن هذا الحديث من أصله ، وطعن في صحته من جهة أن
إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد ، فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيا مع علمه بذلك ؟ قال الحافظ : وقال غيره : هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) ( 9 : 114 ) وأجاب عن الثاني بأن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه
إبراهيم من أبيه ، فقيل : كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات
آزر مشركا . وذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري رواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من طرق قال في بعضها : استغفر له ما كان حيا ، فلما مات أمسك . وقيل : إنما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس حين مسخ على ما صرح به في رواية
ابن المنذر التي أشرت إليها . وهذا الذي أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أيضا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16486عبد الملك بن أبي سليمان ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير يقول : إن
إبراهيم يقول يوم القيامة : رب والدي ، رب والدي ، فإذا كان الثالثة أخذ بيده ، فيلتفت إليه وهو ضبعان ، فيتبرأ منه . . . ( ثم قال الحافظ ) : ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرأ منه لما مات مشركا ، فترك الاستغفار له ، لكن لما رآه يوم القيامة أدركته الرأفة والرقة ، فسأل فيه ، فلما رآه مسخ يئس منه حينئذ ، فتبرأ منه تبرءا أبديا . وقيل : إن
إبراهيم لم يتيقن موته على الكفر لجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع
إبراهيم على ذلك ، ويكون تبرؤه منه بعد الحال التي وقعت منه في الحديث . انتهى . وفيه التعبير عن المستقبل بصيغة الماضي ، وهو كثير في أخبار القيامة .
ثم نقل الحافظ عن
الكرماني إيرادا بمعنى إشكال
الإسماعيلي موضحا . والجواب عنه من وجهين : أحدهما أنه إذا مسخ وألقي في النار لم تبق الصورة التي هي سبب الخزي ، فهو عمل بالوعد والوعيد معا ، وثانيهما أن الوعد كان مشروطا بالإيمان ، وإنما استغفر له وفاء بما وعده ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه .
وأقول : إن ما في الحديث من أن الله تعالى وعد
إبراهيم - صلى الله عليه وآله وسلم - بألا يخزيه يوم القيامة يشير إلى دعائه الذي حكاه الله تعالى عنه في سورة الشعراء ، ومنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86واغفر لأبي إنه كان من الضالين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87ولا تخزني يوم يبعثون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88يوم لا ينفع مالا ولا بنون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89إلا من أتى الله بقلب سليم ) ( 26 : 86 - 89 ) وأما وعد الله تعالى إياه بذلك فلا نعرفه إلا من الحديث ، فهو يدل على أن الله تعالى أوحى إليه بأنه استجاب له هذا الدعاء بشرطه المعلوم من الدين بالضرورة ، وهو أن الله تعالى لا يغفر لمن يشرك به . وتأمل قوله تعالى في خاتمة الدعاء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) فهو من دقائق الرقائق .
وأما استدلال
الألوسي تبعا لغيره بحديث " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام
[ ص: 451 ] الطاهرات " على إيمان آباء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من
عبد الله ( أولهم ) إلى
آدم - عليه السلام - فهو معارضة لظاهر القرآن والأحاديث الصحيحة بحديث واه رواه
أبو نعيم في الدلائل من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بلفظ "
لم يلتق أبوي في سفاح ، لم يزل الله عز وجل ينقلني من أصلاب طيبة ، إلى أرحام طاهرة ، صافيا مهذبا لا تنشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما " هكذا في نسخة الدلائل التي بأيدينا . وذكره
السيوطي عنه بلفظ "
من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة " بالتعريف ، ولا نعرفه باللفظ الذي ذكره
الألوسي عن أحد من المحدثين ، وإنما يذكره بهذا اللفظ من لا يتحرون نقل الأحاديث بضبط مخرجيها ، بل يتساهلون بنقلها حيث وجدوها ككثير من المفسرين والمتكلمين . وقد سبق
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي الألوسي إلى ذكره بهذا اللفظ من غير عزو ولا ذكر لاسم الصحابي الذي رفعه كعادته . واللفظ المروي لا معنى له إلا كون آبائه - صلى الله عليه وسلم - ولدوا من نكاح لا من سفاح ، وهو معنى صحيح وردت فيه أحاديث أخرى ، ولو فرضنا أنه روي باللفظ الذي ذكراه لاحتمل هذا المعنى أيضا ، وكان حمله عليه جمعا بينه وبين القرآن ، والأحاديث الصحيحة أولى من جعله أصلا وإرجاعها إليه بالتأويل والتكلف . والذي خرجه إنما جعله في دلائل طهارة نسبه لا إيمان أصوله .
ومما ذكر
السيوطي من الدلائل في معنى هذه المسألة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وتقلبك في الساجدين ) ( 26 : 219 ) لقول بعضهم : إن معناه في أصلاب الطاهرين أي المؤمنين ، وروى
أبو نعيم أنهم الأنبياء ، ويبطل ذلك ما ذكرنا من المعارضة ، وقوله تعالى قبل الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=218الذي يراك حين تقوم ) ( 26 : 218 ) أي : ويرى تقلبك في الساجدين ، فهو لا يحتمل الماضي ، وإنما معناه كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره : الذي يراك حين تقوم في الصلاة ، ويرى تقلبك في المصلين أي معهم وبينهم . وما روي عنه من أن المعنى تقلبه من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه نبيا - لا يصح سندا ولا متنا ولا لغة . وتفصيل ذلك سيأتي في محله .
وأما الأحاديث الصحيحة المعارضة لحديث
أبي نعيم التي أشرنا إليها في سياق الكلام غير حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في مسخ
آزر فأهمها
nindex.php?page=treesubj&link=29399ما ورد في أبوي الرسول الطاهرين - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد روى
مسلم في صحيحه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=919720أن رجلا قال : يا رسول الله ، أين أبي ؟ قال : " في النار " قال : فلما قفا الرجل دعاه فقال : " إن أبي وأباك في النار " قال
النووي في شرحه : فيه أن من مات على الكفر فهو في النار ، ولا تنفعه قرابة المقربين ، وفيه أن من
nindex.php?page=treesubj&link=30584مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار ، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919721إن أبي وأباك في النار " هو من حسن العشرة
[ ص: 452 ] للتسلية بالاشتراك في المصيبة . ومعنى " قفا " ولى قفاه منصرفا . انتهى . وورد حديث مثله في أمه - صلى الله عليه وسلم - أخرجه الإمام
أحمد .
وروى
مسلم أيضا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17070مروان بن معاوية ، عن
زيد بن كيسان ، عن
أبي حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919722استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي " ورواه من طريق
محمد بن عبيد بلفظ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919723nindex.php?page=treesubj&link=2318زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه ، فبكى وأبكى من حوله ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : استأذنت ربي في أن أستغفر لها ، فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور ، فإنها تذكركم الموت " وذكر
النووي أن هذه الرواية وجدت في نسخ المغاربة دون المشارقة ، ولكنها توجد في كثير من الأصول في آخر كتاب الجنائز ويضبب عليها ، وربما كتبت في الحاشية . وذكر أن الحديث رواه من هذه الطريق
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، ورجاله عندهم كلهم ثقات ، قال : فهو حديث صحيح بلا شك .
وقال
النووي في شرح الحديث : فيه جواز
nindex.php?page=treesubj&link=2317زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة ؛ لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وصاحبهما في الدنيا معروفا ) ( 31 : 15 ) وفيه النهي عن الاستغفار للكفار . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض رحمه الله : سبب زيارته - صلى الله عليه وسلم - قبرها أنه قصد الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها ، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919724فزوروا القبور ؛ فإنها تذكركم الموت " انتهى . فهذا كلام أهل السنة .
وقد ورد في التفسير المأثور عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهما من عدة طرق ، أن قوله تعالى في سورة التوبة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) ( 9 : 113 ، 114 ) نزلت في هذه الواقعة . ولكن روى الشيخان وغيرهما أنها
nindex.php?page=hadith&LINKID=919725نزلت لما عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي طالب عند موته أن يقول : لا إله إلا الله ليحاج له بها أو يجادل عنه أو يشفع له بها ، وكان عنده أبو جهل ، فجعل يقول له : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال آخر ما كلمهم إنه على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقولها ، فحينئذ قال - صلى الله عليه وسلم - : " والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) ( 9 : 113 ) إلخ . وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) ( 28 : 56 ) قيل في تفسير " من أحببت " من أحببت هدايته . وقيل : من أحببته بقرابة ونحوها .
[ ص: 453 ] قال الحافظ عند شرح هذا الحديث من كتاب التفسير في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حين ذكره في تفسير سورة القصص : وفيه إشكال ؛ لأن وفاة
أبي طالب كانت
بمكة قبل الهجرة اتفاقا ، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى قبر أمه لما اعتمر . فاستأذن ربه أن يستغفر لها ، فنزلت هذه الآية ، والأصل عدم تكرر النزول ، ثم ذكر الروايات في ذلك عن
الحاكم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، ثم قال : ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم ، ويكون لنزولها سببان : متقدم وهو أمر
أبي طالب ، ومتأخر وهو أمر آمنة . ويؤيد تأخير النزول ما سيأتي في تفسير براءة ( 9 : 80 ) من استغفاره - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك ، فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب ، ويشير إلى ذلك أيضا قوله في حديث الباب : وأنزل الله في
أبي طالب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إنك لا تهدي من أحببت ) ( 28 : 56 ) لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في
أبي طالب وفي غيره ، والثانية نزلت فيه وحده . انتهى . ثم أيد الحافظ تعدد النزول بروايات أخرى فيمن استغفر لوالديه المشركين ومن استأذن في ذلك ، ومعنى ذلك أن الصحابة كانوا يقولون في الآية الدالة على حكم وقع له عدة أسباب : إنها نزلت في تلك الأسباب ، أي نزلت مبينة لحكم الله فيها وإن تأخرت عنها ، وسيأتي تحقيق هذه المسائل في محلها إن شاء الله تعالى .
ومن غريب التعصب للرأي أن
السيوطي حاول في بعض رسائله إعلال أحاديث الزيارة ، فزعم أنه لم يروها أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن ، وحصر روايتها في
الحاكم وأحمد وسائر من ذكر شيخه
الحافظ بن حجر في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وأشرنا إليه آنفا ، كأنه ظن أنها لو كانت في الصحاح أو السنن لما اقتصر الحافظ على من ذكر من مخرجيها مع ما عرف من عادته أنه يذكر جميع طرق الحديث أو أقواها ، وفاته أنه إنما أراد هنا ذكر ما ثبت في سبب نزول الآية من أحاديث الزيارة ، وما رواه
مسلم وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه فيها ليس فيه ذكر نزول الآية في ذلك ، ولكن أين حفظ
السيوطي رحمه الله تعالى ؟ أليس أهون ما يدل عليه هذا الإنكار أنه لم يكن حافظا للصحاح والسنن حفظا ، وإنما كان يراجع الكتب عند الحاجة وينقل منها نقلا ؟ .
ومما ذكر
السيوطي في التقصي من حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919721إن أبي وأباك في النار " أن المراد بأبيه فيه عمه
أبو طالب ، وفي حديث عرض كلمة التوحيد على
أبي طالب ما يبطل دعواه إيمان جميع آباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أن آخر ما قاله
أبو طالب أنه على ملة
عبد المطلب . فهو دليل على أن ملة
عبد المطلب تنافي كلمة التوحيد التي هي عنوان الإسلام . ( ومنه ) زعمه أن الحديث قد نسخ ، ولعله نسي قول الأصوليين أن الأخبار لا تنسخ ، ولا نقول : إنه جهله ، فقد قرره في الإتقان تقريرا ، وقد تقدم أن إطلاق كلمة الأب على العم مجاز لا يصح
[ ص: 454 ] في اللغة إلا بقرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي ، وسياق الحديث يعين المعنى الحقيقي ، فإذا جاز أن يكون السائل عن أبيه أراد عمه يجوز أن يكون معنى الحديث "
إن عمي وعمك في النار " .
ولعمري إن من يقول هذه الأقوال لا يرد عليه ، ولا يصح أن يحكى قوله إلا في مقام التعجب أو مقام الاعتبار والرد ، على أن بعض العلماء ردوا عليه ، ومع ذلك اغتر كثيرون بما أورده في نجاة الأبوين ومن حديث إحيائهما وإيمانهما الذي قال بعض الحفاظ بوضعه ، وغاية ما قرره هو أنه ضعيف لا موضوع ، وهو معارض بالآيات والأحاديث الصحاح . ( ومنه ) أنهما من أهل الفترة ، وجمهور
الأشاعرة على القول بنجاتهم ، ولكنهم استثنوا من ورد النص بأنهم من أهل النار ، وأقوى ما قاله هو وغيره ، وأرجاه ما ورد من الأحاديث في
nindex.php?page=treesubj&link=30584امتحان الله تعالى لأهل الفترة يوم القيامة ونجاة بعضهم به ، هذا إذا لم يصح ما نقلناه عن
النووي من جزمه بأن مشركي العرب قد بلغتهم دعوة
إبراهيم وغيره ، وفيه بحث سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ، وإذا حق نجاة الأبوين الطاهرين بالامتحان يكون ما ورد فيهما خاصا بما قبل الامتحان .
( مُقَدِّمَةٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31850_31873أَصْلِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَسْأَلَةِ كُفْرِ أَبِيهِ ) .
(
إِبْرَاهِيمُ ) هُوَ الِاسْمُ الْعَلَمُ لِخَلِيلِ الرَّحْمَنِ ، أَبِي الْأَنْبِيَاءِ الْأَكْبَرِ مِنْ
نُوحٍ ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ - وَهُوَ السِّفْرُ الْأَوَّلُ مِنْ أَسْفَارِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ - أَنَّهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَوْلَادِ
سَامِ بْنِ نُوحٍ ، وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي (
أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ ) وَهِيَ بَلْدَةٌ مِنْ
بِلَادِ الْكَلْدَانِ . وَ " أُورُ " بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ، وَمَعْنَاهَا فِي الْكَلْدَانِيَّةِ النُّورُ أَوِ النَّارُ كَمَا قَالُوا . قِيلَ : هِيَ الْبَلْدَةُ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بَاسِمِ (
أُورُفَا ) فِي وِلَايَةِ
حَلَبَ كَمَا رَجَّحَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ ، وَقِيلَ : غَيْرُهَا مِنَ الْبِلَادِ الْوَاقِعَةِ فِي جَزِيرَةِ
الْعِرَاقِ - بَيْنَ النَّهْرَيْنِ - وَفِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ بِلَادٌ وَمَوَاقِعُ كَثِيرَةٌ مَبْدُوءَةُ أَسْمَاؤُهَا بِكَلِمَةِ ( أُورُ ) وَاقِعَةٌ مَعَ مَا بَعْدَهَا مَوْقِعَ الْمُضَافِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، وَأَشْهَرُهَا (
أُورَشْلِيمُ )
لِمَدِينَةِ الْقُدْسِ ، قَالُوا : إِنَّ مَعْنَاهَا مُلْكُ السَّلَامِ ، أَوْ إِرْثُ السَّلَامِ ، فَ " شَلِيمُ " بِالْعِبْرِيَّةِ هِيَ السَّلَامُ بِالْعَرَبِيَّةِ . وَفِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ قَرْيَةٍ اسْمُهَا (
كُوثَى ) مِنْ سَوَادِ
الْكُوفَةِ . وَكَانَ اسْمُ
إِبْرَاهِيمَ (
أَبْرَامُ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَقَالُوا : إِنْ مَعْنَاهُ ( أَبُو الْعَلَاءِ ) فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَةِ " أَبٍ " الْعَرَبِيَّةِ السَّامِيَّةِ مُضَافَةً إِلَى مَا بَعْدَهَا . وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ظَهَرَ لَهُ فِي سِنِّ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ وَكَلَّمَهُ ، وَجَدَّدَ عَهْدَهُ لَهُ بِأَنْ يُكَثِّرَ نَسْلُهُ وَيُعْطِيَهُ
أَرْضَ كَنْعَانَ (
فِلَسْطِينُ ) مُلْكًا أَبَدِيًّا ، وَسَمَّاهُ لِذَرِّيَّتِهِ (
إِبْرَاهِيمُ ) بَدَلَ (
أَبْرَامُ ) وَقَالُوا : إِنَّ مَعْنَى
إِبْرَاهِيمَ ( أَبُو الْجُمْهُورِ ) الْعَظِيمُ أَيْ أَبُو الْأُمَّةِ . وَهُوَ بِمَعْنَى تَبْشِيرِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِتَكْثِيرِ نَسْلِهِ مِنْ
إِسْمَاعِيلَ وَمِنْ
إِسْحَاقَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَسْرَ هَمْزَتِهِ ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَصْلَهَا الْفَتْحُ ، وَأَنَّ " إِبْ " الْمَكْسُورَةَ فِي
إِبْرَاهِيمَ هِيَ أَبٌ الْمَفْتُوحَةُ فِي
أَبْرَامَ . فَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْهُ عَرَبِيٌّ ، وَالثَّانِي كَلْدَانِيٌّ أَوْ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى مِنْ فُرُوعِ السَّامِيَّةِ أَخَوَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُهَا وَأَوْسَعُهَا ، حَتَّى جَعَلَهَا بَعْضُ عُلَمَاءِ اللُّغَاتِ هِيَ الْأَصْلَ وَالْأُمَّ لِسَائِرِ تِلْكَ الْفُرُوعِ السَّامِيَّةِ كَالْعِبْرِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ . وَذَكَرَ رُوَاةُ الْعَرَبِيَّةِ فِي هَذَا الِاسْمِ سَبْعَ لُغَاتٍ عَنِ الْعَرَبِ وَهِيَ
إِبْرَاهِيمُ [ ص: 446 ] وَابْرَاهَامُ وَابْرَاهُومُ وَابْرَاهِيمُ مُثَلَّثَةَ الْهَاءِ
وَأَبْرَهَمُ بِفَتْحِ الْهَاءِ بِلَا أَلِفٍ . وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ سُرْيَانِيُّ الْأَصْلِ ثُمَّ نُقِلَ ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَبٌ رَاحِمٌ أَوْ رَحِيمٌ ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ جُزْآهُ عَرَبِيَّيْنِ بِقَلْبِ حَائِهِ هَاءً كَمَا يَقْلِبُهَا جَمِيعُ الْأَعَاجِمِ الَّذِينَ لَا يَنْطِقُونَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَالْإِفْرِنْجِ ، وَتَرْكِيبُهُ مَزْجِيٌّ . وَفِي " الْقَامُوسِ الْمُحِيطِ " كَغَيْرِهِ " أَنَّ تَصْغِيرَهُ بُرَيْهٌ أَوْ أُبَيْرَهٌ وَبُرَيْهِيمٌ " قَالَ شَارِحُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ : قَالَ شَيْخُنَا : وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ عَرَبِيًّا وَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالتَّصْغِيرِ ، وَإِلَّا فَالْأَعْجَمِيَّةُ لَا يَدْخُلُهَا شَيْءٌ مِنَ التَّصْرِيفِ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَادِيَّاتِ وَالْآثَارِ الْقَدِيمَةِ أَنَّ عَرَبَ
الْجَزِيرَةَ قَدِ اسْتَعْمَرُوا مُنْذُ فَجْرِ التَّارِيخِ
بِلَادَ الْكَلْدَانِ وَمِصْرَ ، وَغَلَبَتْ لُغَتُهُمْ فِيهِمَا ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَلِكَ
حَمُورَابِي الَّذِي كَانَ مُعَاصِرًا
لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَبِيٌّ ،
وَحَمُورَابِي هَذَا هُوَ مُلْكِي صَادِقٌ مَلِكُ الْبِرِّ وَالسَّلَامِ ، وَوُصِفَ فِي الْعَهْدِ الْعَتِيقِ بِأَنَّهُ كَاهِنُ اللَّهِ الْعَلِيِّ ، وَذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ بَارَكَ
إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ أَعْطَاهُ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ . وَمِنَ الْمَعْرُوفِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالتَّارِيخِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ أَسْكَنَ ابْنَهُ
إِسْمَاعِيلَ مَعَ أُمِّهِ
هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فِي الْوَادِي الَّذِي بُنِيَتْ فِيهِ
مَكَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُمَا جَمَاعَةً مِنْ
جُرْهُمٍ سَكَنُوا مَعَهُمَا هُنَالِكَ ، وَأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَزُورُهُمَا ، وَأَنَّهُ هُوَ وَوَلَدُهُ
إِسْمَاعِيلُ بَنَيَا
بَيْتَ اللَّهِ الْمُحَرَّمَ ، وَنَشَرَا دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ ، فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ الْقَدِيمَةَ هِيَ لُغَةُ
إِبْرَاهِيمَ وَهَاجَرَ ، وَلُغَةُ
حَمُورَابِي وَقَوْمِهِ ، وَلُغَةُ
قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ أَوِ اللُّغَةُ الْغَالِبَةُ فِي ذَيْنِكَ الْقُطْرَيْنِ ، وَأَنَّهَا عَلَى مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الدَّخِيلِ الْكَلْدَانِيِّ وَالْمِصْرِيِّ كَانَتْ قَرِيبَةً جِدًّا مِنَ الْعَرَبِيَّةِ الْجُرْهُمِيَّةِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ الَّذِينَ سَاكَنُوا
هَاجَرَ مِنْ
جُرْهُمٍ يَفْهَمُونَ مِنْهَا وَتَفْهَمُ مِنْهُمْ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=919715أَنَّ إِبْرَاهِيمَ زَارَ إِسْمَاعِيلَ مَرَّةً فَلَمْ يَجِدْهُ ، وَتَكَلَّمَ مَعَ امْرَأَتِهِ الْجُرْهُمِيَّةِ وَلَمْ تُعْجِبْهُ ، ثُمَّ زَارَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَلَمْ يَجِدْهُ ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَتَكَلَّمَ مَعَهَا فَأَعْجَبَتْهُ . وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا أَنَّ لُغَةَ
إِسْمَاعِيلَ كَانَتْ أَفْصَحَ مِنْ لُغَةِ
جُرْهُمٍ ، فَهِيَ أَمُّ اللُّغَةِ الْمُضَرِيَّةِ الَّتِي فَاقَتْ بِفَصَاحَتِهَا وَبَلَاغَتِهَا سَائِرَ اللُّغَاتِ أَوِ اللَّهَجَاتِ الْعَرَبِيَّةِ ، ثُمَّ ارْتَقَتْ فِي عَهْدِ
قُرَيْشٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بِمَا كَانُوا يُقِيمُونَهُ لَهَا مِنْ أَسْوَاقِ الْمُفَاخَرَةِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ ، ثُمَّ كَمُلَتْ بَلَاغَتُهَا وَفَصَاحَتُهَا بِنُزُولِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ الْمُعْجِزِ لِلْخَلْقِ بِهَا .
وَأَمَّا أَبُو
إِبْرَاهِيمَ فَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ (
آزَرَ ) وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ اسْمَهُ (
تَارَحُ ) بِفَتْحٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ، وَقَالُوا : إِنَّ مَعْنَاهُ ( مُتَكَاسِلٌ ) وَمِنَ الْغَرِيبِ أَنْ نَرَى أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُؤَرِّخِينَ اللُّغَوِيِّينَ مِنَّا يَقُولُونَ : إِنَّ اسْمَهُ "
تَارَخُ " بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَوِ الْمُهْمَلَةِ ، وَإِنَّ
آزَرَ لَقَبُهُ أَوِ اسْمُ أَخِيهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ صَنَمِهِ ، وَنُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ النَّسَّابِينَ وَالْمُؤَرِّخِينَ اخْتِلَافٌ فِي كَوْنِ اسْمِهِ
تَارَخَ أَوْ
تَارَحَ . وَلَا نَعْرِفُ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ أَصْلًا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مَنْقُولًا عَنِ الْعَرَبِ الْأَوَّلِينَ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْقُولٌ
[ ص: 447 ] فِيمَا يَظْهَرُ عَمَّنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17285كَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16850وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ اللَّذَيْنِ أَدْخَلَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ ، فَتَلَقُّوهَا بِالْقَبُولِ عَلَى عِلَّاتِهَا . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17131مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَجْرُوحِ بِالْكَذِبِ الَّذِي قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنُ حِبَّانَ فِيهِ : كَانَ يَأْخُذُ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ الَّذِي يُوَافِقُ كُتُبَهُمْ . فَفِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ :
آزَرُ لَمْ يَكُنْ بِأَبِيهِ ، وَلَكِنَّهُ اسْمُ صَنَمٍ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ اسْمُ أَبِيهِ
تَارَحُ ، وَاسْمُ الصَّنَمِ آزَرُ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ قَالَ : آزَرُ الصَّنَمُ ، وَأَبُو
إِبْرَاهِيمَ اسْمُهُ
يَازَرَ ، وَفِي الْأُخْرَى أَنَّ أَبَا
إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنِ اسْمُهُ
آزَرَ ، وَإِنَّمَا اسْمُهُ
تَارَحَ . رَوَاهُمَا عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ اسْمَهُ
تَيْرَحُ . وَجَزَمَ
الضَّحَّاكُ بِأَنَّ اسْمَهُ
آزَرَ ، وَاعْتَمَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، وَرُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ أَيْضًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ الْكَبِيرِ " :
إِبْرَاهِيمُ بْنُ آزَرَ ، وَهُوَ فِي التَّوْرَاةِ
تَارَحُ ، وَاللَّهُ سَمَّاهُ
آزَرَ ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ النَّسَّابِينَ وَالْمُؤَرَّخَيْنِ اسْمُهُ
تَارَخُ لِيُعْرَفَ بِذَلِكَ . اهـ . فَقَدِ اعْتَمَدَ أَنَّ
آزَرَ هُوَ اسْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ - أَيْ فِي كِتَابِهِ - فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَبِهَا وَإِلَّا رَدَدْنَا قَوْلَ الْمُؤَرِّخِينَ ، وَسِفْرَ التَّكْوِينِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَنَا حَتَّى نَعْتَدَّ بِالتَّعَارُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ ، بَلِ الْقُرْآنُ هُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، نُصَدِّقُ مَا صَدَّقَهُ ، وَنُكَذِّبُ مَا كَذَّبَهُ ، وَنَلْزَمُ الْوَقْفَ فِيمَا سَكَتَ عَنْهُ حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْهِ صَحِيحٌ . وَأَضْعَفُ مَا قَالُوهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ
آزَرَ اسْمُ عَمِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْعَمَّ أَبًا مَجَازًا ، وَهَذِهِ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهَا ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ حَيْثُ تُوجَدُ قَرِينَةٌ يُعْلَمُ مِنْهَا الْمُرَادُ ، وَلَا قَرِينَةَ هُنَا وَلَا فِي سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ ، وَيَلِيهِ فِي الضَّعْفِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ : إِنَّهُ كَانَ خَادِمُ الصَّنَمِ الْمُسَمَّى بِآزَرَ ، فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَكَانَهُ . وَأَقْوَاهُ أَنَّ لَهُ اسْمَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا عَلَمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ : وَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ
تَارَحُ هُوَ اللَّقَبُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُتَكَاسِلُ ، وَهُوَ لَقَبٌ قَبِيحٌ قَلَّمَا يُطْلِقُهُ أَحَدٌ ابْتِدَاءً عَلَى وَلَدِهِ ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ مِثْلُهُ عَلَى الْمَرْءِ بَعْدَ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فِيهِ أَوْ رَمْيِهِ بِهِ ، إِلَّا أَنْ يَصِحَّ مَا زَعَمَهُ مِنْ عَكْسٍ ، فَجُعِلَ
آزَرُ هُوَ اللَّقَبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ فِي لُغَتِهِمُ الْمُخْطِئُ أَوِ الْمُعْوَجُّ أَوِ الْأَعْوَجُ أَوِ الْأَعْرَجِ - وَلَعَلَّهُ تَحْرِيفٌ عَمَّا قَبْلَهُ - وَقِيلَ : إِنَّهُ الشَّيْخُ الْهَرِمُ بِالْخُوَارَزْمِيَّةِ .
بَعْدَ كِتَابَةِ مَا تَقَدَّمَ رَاجَعْتُ ( رُوحَ الْمَعَانِي )
لِلْأَلُوسِيِّ ، وَالتَّفْسِيرَ الْكَبِيرَ ( مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ )
لِلرَّازِيِّ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْقُلَ عَنْهُمَا مَا يَأْتِي :
قَالَ
الْأَلُوسِيُّ : وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوَصْفِيَّةِ يَكُونُ مَنْعُ صَرْفِهِ لِلْحَمْلِ عَلَى مُوَازِنِهِ وَهُوَ فَاعِلٌ الْمَفْتُوحُ الْعَيْنِ ، فَإِنَّهُ يَغْلِبُ مَنْعَ صَرْفِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَعْلَامِ الْأَعْجَمِيَّةِ ، وَقِيلَ : الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ فَأُلْحِقَ بِالْعَلَمِ . وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ نَعْتًا مُشْتَقًّا مِنَ الْأَزْرِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ ، أَوِ الْوِزْرِ بِمَعْنَى الْإِثْمِ ، وَمَنْعُ صَرْفِهِ حِينَئِذٍ لِلْوَصْفِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ .
[ ص: 448 ] وَقَالَ
الرَّازِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ النَّسَبِ عَلَى أَنَّ اسْمَ أَبِي
إِبْرَاهِيمَ تَارَحُ ، وَمِنَ الْمُلْحِدَةِ مَنْ جَعَلَ هَذَا طَعْنًا فِي الْقُرْآنِ ، وَقَالَ فِي هَذَا النَّسَبِ خَطَأٌ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ هَاهُنَا مَقَامَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا رَدُّ الِاسْتِدْلَالِ بِإِجْمَاعِ النَّسَّابِينَ عَلَى أَنَّ اسْمَهُ كَانَ
تَارَحَ ، قَالَ : لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا حَصَلَ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَلِّدُ بَعْضًا ، وَبِالْآخِرَةِ يَرْجِعُ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ إِلَى قَوْلِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ ، مِثْلَ قَوْلِ
وَهْبٍ وَكَعْبٍ وَأَمْثَالِهِمَا ، وَرُبَّمَا تَعَلَّقُوا بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ أَخْبَارِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ صَرِيحِ الْقُرْآنِ . انْتَهَى . وَقَدْ بَيَّنَّا لَكَ مَأْخَذَهُ ، وَأَنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ . ثُمَّ ذَكَرَ الْمَقَامَ الثَّانِي ، وَهُوَ تَسْلِيمُ قَوْلِهِمْ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَصِّ الْقُرْآنِ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُمْ آنِفًا وَبَيَّنَّا قَوِيَّهُ مِنْ ضَعِيفِهِ .
وَمِنَ النَّاسِ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنْ
آزَرَ لَمْ يَكُنْ وَالِدَ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - - بَلْ عَمَّهُ بِالْجَزْمِ ; لِأَنَّ آبَاءَ الْأَنْبِيَاءِ كَافَّةً أَوْ نَبِيِّنَا خَاصَّةً لَمْ يَكُونُوا كَفَّارًا ، وَبِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ خَاطَبَ
آزَرَ بِالْغِلْظَةِ وَالْجَفَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ . وَقَدْ عَزَا
الرَّازِيُّ هَذَا الْقَوْلَ إِلَى
الشِّيعَةِ ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ ، وَاخْتَصَّ فِي بَيَانِ ( زَعْمِ أَصْحَابَهِ - أَيِ
الْأَشَاعِرَةِ أَوْ أَهْلِ السُّنَّةِ كَافَّةً - أَنَّ
آزَرَ كَانَ وَالِدَ
إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ كَافِرًا وَفِي رَدِّهِمْ قَوْلَ
الشِّيعَةِ . وَقَالَ
الْأَلُوسِيُّ : وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ
آزَرَ لَمْ يَكُنْ وَالِدَ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَادَّعَوْا أَنَّهُ لَيْسَ فِي آبَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَافِرٌ أَصْلًا ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
لَمْ أَزَلْ أُنْقَلُ مِنْ أَصْلَابِ الطَّاهِرِينَ إِلَى أَرْحَامِ الطَّاهِرَاتِ " وَالْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ، وَتَخْصِيصُ الطَّهَارَةِ بِالطَّهَارَةِ مِنَ السِّفَاحِ لَا دَلِيلَ لَهُ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَالْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ ، وَقَدْ أَلَّفُوا فِي هَذَا الْمَطْلَبِ الرَّسَائِلَ ، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِمَا اسْتَدَلُّوا . وَالْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ
الشِّيعَةِ كَمَا ادَّعَاهُ الْإِمَامُ
الرَّازِيُّ نَاشِئٌ مِنْ قِلَّةِ التَّتَبُّعِ . وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ
آزَرَ اسْمٌ لِعَمِّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَجَاءَ إِطْلَاقُ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=133أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) ( 2 : 133 ) وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ أَيْضًا . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ قَالَ : الْخَالُ وَالِدٌ وَالْعَمُّ وَالِدٌ ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ .
ثُمَّ ذَكَرَ السَّيِّدُ
الْأَلُوسِيُّ آثَارًا اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ ، أَخْذَهَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ رَسَائِلِ
السُّيُوطِيِّ الَّتِي أَلَّفَهَا فِي نَجَاةِ الْأَبَوَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ ، وَجَمَعَ فِيهَا الذَّرَّةَ وَأُذُنَ الْجَرَّةِ - كَمَا يُقَالُ - وَرَجَّحَ الْآثَارَ الْوَاهِيَةَ وَالْمُنْكَرَةَ عَلَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ ، وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا
الْأَلُوسِيُّ بِقَوْلِهِ : وَأَلَّفُوا فِي هَذَا الْمَطْلَبِ الرَّسَائِلَ . . إِلَخْ ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ ، وَمِنَ الْغَرِيبِ وُقُوعُ هَذِهِ الْهَفْوَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا النَّقَّادِ ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِيهَا هَوًى صَادَفَتْهُ فِي الْفُؤَادِ ، وَهُوَ الْمَيْلُ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاةِ جَمِيعِ أُولَئِكَ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ الَّذِينَ أَنْجَبُوا أَفْضَلَ الْأَبْنَاءِ وَالْأَحْفَادِ ،
مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَيْنِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى آلِهِمَا
[ ص: 449 ] أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، فَإِنَّ مِنْ حُبِّهِمَا - وَهُوَ مِنْ آيَاتِ الْإِيمَانِ بِهِمَا - أَنْ يُحِبَّ الْمُؤْمِنُ نَجَاةَ أُصُولِهِمَا ، وَلَكِنْ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ ، وَقَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَنَا فِي مُحْكَمِ الذِّكْرِ ، وَأَنْ يَطَّلِعَ رَسُولُهُ عَلَى عَاقِبَتِهِ فِي النَّارِ ، فَيُخْبِرُ أُمَّتَهُ بِهِ لِكَمَالِ التَّوْحِيدِ وَالِاعْتِبَارِ ، أَفَيَكُونُ مُقْتَضَى حَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هُوَ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ وَبَيَانُهُ كَمَا بَيَّنَاهُ ؟ أَمْ يَكُونُ حُبُّهُمَا تَحْرِيفَهُ وَتَأْوِيلَهُ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِ نَسَبِ الرُّسُلِ ، وَاسْتِعْظَامًا لِهَلَاكِ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُمْ نَسَبًا مَعَ كَرَامَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ ، وَتَأَثُّرًا بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْمِلَلِ الَّذِينَ جَعَلُوا نَجَاةَ الْخَلْقِ وَسَعَادَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِجَاهِ أَنْبِيَائِهِمْ وَتَأْثِيرِهِمُ الشَّخْصِيِّ عِنْدَ اللَّهِ لَا بِاتِّبَاعِهِمْ وَالِاهْتِدَاءِ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=53رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) ( 3 : 53 ) .
نَعَمْ ، إِنَّ مِمَّا يُصْدِعُ الْفُؤَادَ ، وَيَكَادُ يُفَتِّتُ أَصْلَبَ الْجَمَادِ ، أَنْ يَرَى الْمُؤْمِنُ وَالِدَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ قَدْ أُثْبِتَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ ، وَأَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَى أَنَّ مَآلَهُ أَنْ يُمْسَخَ حَيَوَانًا مُنْتِنًا وَيَلْقَى فِي سَعِيرِ النِّيرَانِ ، كَمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي " كِتَابِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ " وَ " كِتَابِ التَّفْسِيرِ " مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ " لَا تَعْصِنِي " فَيَقُولُ أَبُوهُ : فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ : يَارَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَلَّا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى " إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ " ثُمَّ يُقَالُ : يَا إِبْرَاهِيمُ انْظُرْ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخٍ ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ " قَالَ الْحَافِظُ
بْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ . وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12377إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ :
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ، فَيَقُولُ : يَا إِبْرَاهِيمُ ، أَيْنَ أَبُوكَ ؟ قَالَ : أَنْتَ أَخَذْتَهُ مِنِّي ، قَالَ : انْظُرْ أَسْفَلَ ، فَيَنْظُرُ فَإِذَا ذِيخٌ يَتَمَرَّغُ فِي نَتْنِهِ . وَفِي رِوَايَةِ
أَيُّوبَ : فَيَمْسَخُ اللَّهُ أَبَاهُ ضَبْعًا فَيَأْخُذُ بِأَنْفِهِ ( أَيْ يَأْخُذُ
إِبْرَاهِيمُ أَنْفَهُ بِأَصَابِعِهِ كَرَاهَةً لِرَائِحَةٍ نَتْنِهِ ، فَيَقُولُ : يَا عَبْدِي ، أَبُوكَ هُوَ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَعَزَّتِكَ . وَفِي حَدِيثِ
سَعِيدٍ : فَيُحَوَّلُ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ فِي صُورَةِ ضَبْعَانٍ . زَادَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ : فَإِذَا رَآهُ كَذَا تَبَرَّأَ مِنْهُ وَقَالَ : لَسْتَ أَبِي . وَالذِّيخُ - بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ - ذَكَرُ الضِّبَاعِ ، وَلَا يُقَالُ : ذِيخٌ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِيرَ الشِّعْرِ . وَالضِّبْعَانُ لُغَةٌ فِي الضَّبْعِ . اهـ .
أَقُولُ : الضِّبْعَانُ - بِالْكَسْرِ - ذَكَرُ الضِّبَاعِ ، وَهُوَ مُفْرَدٌ ، وَالضَّبُعُ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا - هِيَ الْأُنْثَى فَلَا يُقَالُ : ضَبْعَةٌ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى . وَهُوَ وَحْشٌ خَبِيثُ الرَّائِحَةِ ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ خُبْثَ الشِّرْكِ .
وَقَالَ الْحَافِظُ : قِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي مَسْخِهِ لِتَنْفُرَ نَفْسُ
إِبْرَاهِيمَ مِنْهُ ، وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّارِ عَلَى صُورَتِهِ فَيَكُونُ غَضَاضَةً عَلَى
إِبْرَاهِيمَ . وَقِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي مَسْخِهِ ضَبْعًا أَنَّ الضَّبْعَ مِنْ أَحْمَقِ
[ ص: 450 ] الْحَيَوَانِ ،
وَآزَرُ كَانَ مِنْ أَحْمَقِ الْبَشَرِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ وَلَدِهِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ حَتَّى مَاتَ . . إِلَخْ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَنَّ
الْإِسْمَاعِيلِيَّ اسْتَشْكَلَ مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَصْلِهِ ، وَطَعَنَ فِي صِحَّتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، فَكَيْفَ يَجْعَلُ مَا صَارَ لِأَبِيهِ خِزْيًا مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ ؟ قَالَ الْحَافِظُ : وَقَالَ غَيْرُهُ : هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) ( 9 : 114 ) وَأَجَابَ عَنِ الثَّانِي بِأَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَبَرَّأَ فِيهِ
إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَبِيهِ ، فَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لَمَّا مَاتَ
آزَرُ مُشْرِكًا . وَذَكَرَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيَّ رَوَاهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ قَالَ فِي بَعْضِهَا : اسْتَغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ حَيًّا ، فَلَمَّا مَاتَ أَمْسَكَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَّا يَئِسَ حِينَ مُسِخَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ الْمُنْذِرِ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا . وَهَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16486عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ : إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَبِّ وَالِدِي ، رَبِّ وَالِدِي ، فَإِذَا كَانَ الثَّالِثَةُ أُخِذَ بِيَدِهِ ، فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَهُوَ ضِبْعَانٌ ، فَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ . . . ( ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ ) : وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ لَمَّا مَاتَ مُشْرِكًا ، فَتَرَكَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ ، لَكِنْ لَمَّا رَآهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَدْرَكَتْهُ الرَّأْفَةُ وَالرِّقَّةُ ، فَسَأَلَ فِيهِ ، فَلَمَّا رَآهُ مُسِخَ يَئِسَ مِنْهُ حِينَئِذٍ ، فَتَبَرَّأَ مِنْهُ تَبَرُّءًا أَبَدِيًّا . وَقِيلَ : إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَتَيَقَّنْ مَوْتَهُ عَلَى الْكُفْرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ آمَنَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَطَّلِعْ
إِبْرَاهِيمُ عَلَى ذَلِكَ ، وَيَكُونَ تَبَرُّؤُهُ مِنْهُ بَعْدَ الْحَالِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ . انْتَهَى . وَفِيهِ التَّعْبِيرُ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي أَخْبَارِ الْقِيَامَةِ .
ثُمَّ نَقَلَ الْحَافِظُ عَنِ
الْكِرْمَانِيِّ إِيرَادًا بِمَعْنَى إِشْكَالِ
الْإِسْمَاعِيلِيِّ مُوَضَّحًا . وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إِذَا مُسِخَ وَأُلْقِيَ فِي النَّارِ لَمْ تَبْقَ الصُّورَةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْخِزْيِ ، فَهُوَ عَمَلٌ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعًا ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْوَعْدَ كَانَ مَشْرُوطًا بِالْإِيمَانِ ، وَإِنَّمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَفَاءً بِمَا وَعَدَهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ .
وَأَقُولُ : إِنَّ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ
إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَلَّا يُخْزِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُشِيرُ إِلَى دُعَائِهِ الَّذِي حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ ، وَمِنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالًا وَلَا بَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ( 26 : 86 - 89 ) وَأَمَّا وَعْدُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِذَلِكَ فَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنَ الْحَدِيثِ ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ بِأَنَّهُ اسْتَجَابَ لَهُ هَذَا الدُّعَاءَ بِشَرْطِهِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ لِمَنْ يُشْرِكُ بِهِ . وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي خَاتِمَةِ الدُّعَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) فَهُوَ مِنْ دَقَائِقِ الرَّقَائِقِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ
الْأَلُوسِيِّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِحَدِيثِ " لَمْ أَزَلْ أُنْقَلُ مِنْ أَصْلَابِ الطَّاهِرِينَ إِلَى أَرْحَامِ
[ ص: 451 ] الطَّاهِرَاتِ " عَلَى إِيمَانِ آبَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
عَبْدِ اللَّهِ ( أَوَّلِهِمْ ) إِلَى
آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ مُعَارَضَةٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِحَدِيثٍ وَاهٍ رَوَاهُ
أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ "
لَمْ يَلْتَقِ أَبَوَيَّ فِي سِفَاحٍ ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَنْقُلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ ، إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ ، صَافِيًا مُهَذَّبًا لَا تَنْشَعِبُ شُعْبَتَانِ إِلَّا كُنْتُ فِي خَيْرِهِمَا " هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الدَّلَائِلِ الَّتِي بِأَيْدِينَا . وَذَكَرَهُ
السُّيُوطِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ "
مِنَ الْأَصْلَابِ الطَّيِّبَةِ إِلَى الْأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ " بِالتَّعْرِيفِ ، وَلَا نَعْرِفُهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ
الْأَلُوسِيُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَنْ لَا يَتَحَرَّوْنَ نَقْلَ الْأَحَادِيثِ بِضَبْطِ مُخْرِجِيهَا ، بَلْ يَتَسَاهَلُونَ بِنَقْلِهَا حَيْثُ وَجَدُوهَا كَكَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ . وَقَدْ سَبَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ الْأَلُوسِيَّ إِلَى ذِكْرِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ عِزْوٍ وَلَا ذِكْرٍ لِاسْمِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي رَفَعَهُ كَعَادَتِهِ . وَاللَّفْظُ الْمَرْوِيُّ لَا مَعْنًى لَهُ إِلَّا كَوْنَ آبَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُلِدُوا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ رُوِيَ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَاهُ لَاحْتَمَلَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا ، وَكَانَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ ، وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ أَصْلًا وَإِرْجَاعِهَا إِلَيْهِ بِالتَّأْوِيلِ وَالتَّكَلُّفِ . وَالَّذِي خَرَّجَهُ إِنَّمَا جَعَلَهُ فِي دَلَائِلِ طِهَارَةِ نَسَبِهِ لَا إِيمَانِ أُصُولِهِ .
وَمِمَّا ذَكَرَ
السُّيُوطِيُّ مِنَ الدَّلَائِلِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=219وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) ( 26 : 219 ) لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ : إِنَّ مَعْنَاهُ فِي أَصْلَابِ الطَّاهِرِينَ أَيِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَرَوَى
أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ ، وَيُبْطِلُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمُعَارَضَةِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى قَبْلَ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=218الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ) ( 26 : 218 ) أَيْ : وَيَرَى تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ، فَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْمَاضِيَ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ : الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ فِي الصَّلَاةِ ، وَيَرَى تَقَلُّبَكَ فِي الْمُصَلِّينَ أَيْ مَعَهُمْ وَبَيْنَهُمْ . وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى تَقَلُّبُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍّ إِلَى صُلْبِ نَبِيٍّ حَتَّى أَخْرَجَهُ نَبِيًّا - لَا يَصِحُّ سَنَدًا وَلَا مَتْنًا وَلَا لُغَةً . وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ سَيَأْتِي فِي مَحِلِّهِ .
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُعَارَضَةُ لِحَدِيثِ
أَبِي نُعَيْمٍ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ غَيْرَ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ فِي مَسْخِ
آزَرَ فَأَهَمُّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=29399مَا وَرَدَ فِي أَبَوَيِ الرَّسُولِ الطَّاهِرَيْنِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رَوَى
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=919720أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : " فِي النَّارِ " قَالَ : فَلَمَّا قَفَّا الرَّجُلُ دَعَاهُ فَقَالَ : " إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ " قَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ : فِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَلَا تَنْفَعُهُ قُرَابَةُ الْمُقَرَّبِينَ ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30584مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَةً قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919721إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ " هُوَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ
[ ص: 452 ] لِلتَّسْلِيَةِ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْمُصِيبَةِ . وَمَعْنَى " قَفَّا " وَلَّى قَفَاهُ مُنْصَرِفًا . انْتَهَى . وَوَرَدَ حَدِيثٌ مِثْلُهُ فِي أُمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ .
وَرَوَى
مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=17070مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919722اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي " وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ بِلَفْظِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919723nindex.php?page=treesubj&link=2318زَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَ أُمِّهِ ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنَّ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ " وَذَكَرَ
النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وُجِدَتْ فِي نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ دُونَ الْمَشَارِقَةِ ، وَلَكِنَّهَا تُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَيُضَبَّبُ عَلَيْهَا ، وَرُبَّمَا كُتِبَتْ فِي الْحَاشِيَةِ . وَذَكَرَ أَنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ
أَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ ، وَرِجَالُهُ عِنْدَهُمْ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، قَالَ : فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ .
وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ : فِيهِ جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=2317زِيَارَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَيَاةِ وَقُبُورِهِمْ بَعْدَ الْوَفَاةِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَتْ زِيَارَتُهُمْ بَعْدَ الْوَفَاةِ فَفِي الْحَيَاةِ أَوْلَى ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=15وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) ( 31 : 15 ) وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : سَبَبُ زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَهَا أَنَّهُ قَصْدُ الْمَوْعِظَةِ وَالذِّكْرَى بِمُشَاهَدَةِ قَبْرِهَا ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919724فَزُورُوا الْقُبُورَ ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ " انْتَهَى . فَهَذَا كَلَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ ، أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ( 9 : 113 ، 114 ) نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ . وَلَكِنْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=919725نَزَلَتْ لَمَّا عَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَقُولَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِيُحَاجَّ لَهُ بِهَا أَوْ يُجَادِلَ عَنْهُ أَوْ يَشْفَعَ لَهُ بِهَا ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ : أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فَقَالَ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ إِنَّهُ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَهَا ، فَحِينَئِذٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) ( 9 : 113 ) إِلَخْ . وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) ( 28 : 56 ) قِيلَ فِي تَفْسِيرِ " مَنْ أَحْبَبْتَ " مَنْ أَحْبَبْتَ هِدَايَتَهُ . وَقِيلَ : مَنْ أَحْبَبْتَهُ بِقَرَابَةٍ وَنَحْوِهَا .
[ ص: 453 ] قَالَ الْحَافِظُ عِنْدَ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ كِتَابِ التَّفْسِيرِ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ حِينَ ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ : وَفِيهِ إِشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ وَفَاةَ
أَبِي طَالِبٍ كَانَتْ
بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى قَبْرَ أُمِّهِ لَمَّا اعْتَمَرَ . فَاسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَكَرُّرِ النُّزُولِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ عَنِ
الْحَاكِمِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرَيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687وَالطَّبَرَانِيِّ ، ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ الْآيَةِ تَأَخَّرَ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا تَقَدَّمَ ، وَيَكُونُ لِنُزُولِهَا سَبَبَانِ : مُتَقَدِّمٌ وَهُوَ أَمْرُ
أَبِي طَالِبٍ ، وَمُتَأَخِّرٌ وَهُوَ أَمْرُ آمِنَةَ . وَيُؤَيِّدُ تَأْخِيرَ النُّزُولِ مَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةَ ( 9 : 80 ) مِنِ اسْتِغْفَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُنَافِقِينَ حَتَّى نَزَلَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ النُّزُولِ وَإِنْ تَقَدَّمَ السَّبَبُ ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ : وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي
أَبِي طَالِبٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) ( 28 : 56 ) لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي
أَبِي طَالِبٍ وَفِي غَيْرِهِ ، وَالثَّانِيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ وَحْدَهُ . انْتَهَى . ثُمَّ أَيَّدَ الْحَافِظَ تَعَدُّدَ النُّزُولِ بِرِوَايَاتٍ أُخْرَى فِيمَنِ اسْتَغْفَرَ لِوَالِدَيْهِ الْمُشْرِكَيْنِ وَمَنِ اسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُكْمٍ وَقَعَ لَهُ عِدَّةَ أَسْبَابٍ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ ، أَيْ نَزَلَتْ مُبَيِّنَةً لِحُكْمِ اللَّهِ فِيهَا وَإِنَّ تَأَخَّرَتْ عَنْهَا ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مَحَلِّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَمِنْ غَرِيبِ التَّعَصُّبِ لِلرَّأْيِ أَنَّ
السُّيُوطِيَّ حَاوَلَ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ إِعْلَالَ أَحَادِيثِ الزِّيَارَةِ ، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ وَلَا السُّنَنِ ، وَحَصَرَ رِوَايَتَهَا فِي
الْحَاكِمِ وَأَحْمَدَ وَسَائِرِ مَنْ ذَكَرَ شَيْخُهُ
الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ وَأَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا ، كَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الصِّحَاحِ أَوِ السُّنَنِ لَمَا اقْتَصَرَ الْحَافِظُ عَلَى مَنْ ذَكَرَ مِنْ مُخْرِجِيهَا مَعَ مَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَذْكُرُ جَمِيعَ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَوْ أَقْوَاهَا ، وَفَاتَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ هُنَا ذِكْرَ مَا ثَبَتَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ مِنْ أَحَادِيثِ الزِّيَارَةِ ، وَمَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ نُزُولِ الْآيَةِ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ أَيْنَ حِفْظُ
السُّيُوطِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؟ أَلَيْسَ أَهْوَنُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْإِنْكَارُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا لِلصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ حِفْظًا ، وَإِنَّمَا كَانَ يُرَاجِعُ الْكُتُبَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَنْقُلُ مِنْهَا نَقْلًا ؟ .
وَمِمَّا ذَكَرَ
السُّيُوطِيُّ فِي التَّقَصِّي مِنْ حَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919721إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ " أَنَّ الْمُرَادَ بِأَبِيهِ فِيهِ عَمُّهُ
أَبُو طَالِبٍ ، وَفِي حَدِيثِ عَرْضِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ عَلَى
أَبِي طَالِبٍ مَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُ إِيمَانَ جَمِيعِ آبَاءِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنَّ آخَرَ مَا قَالَهُ
أَبُو طَالِبٍ أَنَّهُ عَلَى مِلَّةِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ . فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِلَّةَ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تُنَافِي كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي هِيَ عُنْوَانُ الْإِسْلَامِ . ( وَمِنْهُ ) زَعْمُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ نُسِخَ ، وَلَعَلَّهُ نَسِيَ قَوْلَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْأَخْبَارَ لَا تُنْسَخُ ، وَلَا نَقُولُ : إِنَّهُ جَهِلَهُ ، فَقَدْ قَرَّرَهُ فِي الْإِتْقَانِ تَقْرِيرًا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إِطْلَاقَ كَلِمَةِ الْأَبِ عَلَى الْعَمِّ مَجَازٌ لَا يَصِحُّ
[ ص: 454 ] فِي اللُّغَةِ إِلَّا بِقَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُعَيِّنُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ عَنْ أَبِيهِ أَرَادَ عَمَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ "
إِنَّ عَمِّي وَعَمَّكَ فِي النَّارِ " .
وَلَعُمْرِي إِنَّ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَى قَوْلَهُ إِلَّا فِي مَقَامِ التَّعَجُّبِ أَوْ مَقَامِ الِاعْتِبَارِ وَالرَّدِّ ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ رَدُّوا عَلَيْهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ اغْتَرَّ كَثِيرُونَ بِمَا أَوْرَدَهُ فِي نَجَاةِ الْأَبَوَيْنِ وَمِنْ حَدِيثِ إِحْيَائِهِمَا وَإِيمَانِهِمَا الَّذِي قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ بِوَضْعِهِ ، وَغَايَةُ مَا قَرَّرَهُ هُوَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ . ( وَمِنْهُ ) أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ ، وَجُمْهُورُ
الْأَشَاعِرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاتِهِمْ ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مَنْ وَرَدَ النَّصُّ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَأَقْوَى مَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ ، وَأَرْجَاهُ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30584امْتِحَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْفَتْرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَجَاةِ بَعْضِهِمْ بِهِ ، هَذَا إِذَا لَمْ يَصِحَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنِ
النَّوَوِيِّ مِنْ جَزْمِهِ بِأَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ
إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ ، وَفِيهِ بَحْثٌ سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِذَا حَقَّ نَجَاةُ الْأَبَوَيْنِ الطَّاهِرَيْنِ بِالِامْتِحَانِ يَكُونُ مَا وَرَدَ فِيهِمَا خَاصًّا بِمَا قَبْلَ الِامْتِحَانِ .