[ ص: 478 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ) .
المحاجة : المجادلة والمغالبة في إقامة الحجة ، والحجة الدلالة المبينة للمحجة ، أي المقصد المستقيم كما قال
الراغب . وأصل المحجة وسط الطريق المستقيم ، وتطلق الحجة على كل ما يدلي به أحد الخصمين في إثبات دعواه أو رد دعوى خصمه ، فتقسم إلى حجة ناهضة يثبت بها الحق ، وحجة داحضة يموه بها الباطل ، وإنما يسمى ما لا يثبت به الحق حجة على سبيل ادعاء الخصم - حكاية لقوله - واصطلحوا على تسميتها شبهة .
ولما
nindex.php?page=treesubj&link=31851حاج إبراهيم قومه ببيان بطلان عبادة الأصنام وربوبية الكوكب ، وإثبات وحدانية الله تعالى ، ووجوب عبادته وحده - وهي الحنيفية - حاجوه ببيان أوهامهم في شركهم ، وقد بين الله تعالى في سورتي الأنبياء والشعراء أنهم اعتذروا له عن عبادة الأوثان والأصنام بتقليد آبائهم ،
nindex.php?page=treesubj&link=22317وليس للمقلد أن يحتج ، ولكنه يجادل مع كونه لا يخضع للحجة إذا قامت عليه ، ويؤخذ من هذه الآيات أنهم لما لم يجدوا حجة عقلية على شركهم بالله خوفوه أن تمسه آلهتهم بسوء ، والظاهر أن هذا كان قبل ما حكى الله تعالى عنه وعنهم في سورة الشعراء ، بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ) ( 26 : 72 - 74 ) وقبل واقعة تكسيره لأصنامهم التي قال الله فيها من سورة الأنبياء إنهم رجعوا إلى أنفسهم فاعترفوا بظلمهم ، ثم نكسوا على رءوسهم مصرين على شركهم
[ ص: 479 ] وكثيرا ما يضطرب المقلد لسماع الحجة إذ يومض في قلبه برقها ، ويهز شعوره رعدها . ويكاد يحييه ودقها ، ثم ينكس على رأسه ، ويعود إلى سابق وهمه ، خائفا من غير مخوف ، راجيا غير مرجو ، كما نراه في عباد أصحاب القبور الذين يتوهمون أن قبورهم وغيرها من آثارهم تدفع عمن زارها أو تمسح بها الضر ، وتكشف السوء وتدر الرزق ، وتخزي العدو ، إما بتصرفهم في الخلق ، وإما لأنهم قربان عند الرب ، ولا يرون ذلك ناقضا للإيمان الصحيح بالله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=106وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ( 12 : 106 ) قال تعالى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977وحاجه قومه ) أي : وجادله قومه بعد ما تقدم من أمره معهم ، وخاصموه في أمر التوحيد الذي قرره لهم ، كأن زعموا - كما روي وسمع من أمثالهم - أن اتخاذ الآلهة لا ينافي الإيمان بالله الفاطر سبحانه ; لأنهم وسطاء وشفعاء عنده ، ومتخذون لأجله ، وذلك ما تقدم قريبا عن
ابن زيد في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ) وخوفوه بطشهم به . فماذا قال عليه السلام ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977قال أتحاجوني في الله وقد هدان ) أي أتجادلونني مجادلة صاحب الحجة في شأن الله تعالى وما يجب في الإيمان به - والحال أنه قد فضلني عليكم بما هداني إلى التوحيد الخالص والحنيفية التي أقمت بها الحجة عليكم ، وأنتم ضالون بإصراركم على شرككم ، وتقليدكم به من قبلكم ؟ وقد خفف نون ( تحاجوني )
نافع وابن عامر في رواية
ابن ذكوان ، وذلك بحذف إحدى النونين ، وشددها سائر القراء ، وهما لغتان للعرب في مثلها ، وحذفت الياء من هداني في الرسم ; لأنها لا تظهر في النطق (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977ولا أخاف ما تشركون به ) من الكواكب والأصنام أن تصيبني بسوء ، فإني أعلم علم اليقين أنها لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، ولا تقرب ولا تشفع (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977إلا أن يشاء ربي شيئا ) - أي لكن استثنى من عموم الخوف في عموم الأوقات - من جهة آلهتكم كغيرها من المخلوقات ، أن يشاء ربي القادر على كل شيء وقوع مكروه بي ، فإنه يقع لا محالة كما شاء ربي ، فإن فرض أنه شاء أن يسقط علي صنم يشجني ، أو كسفا من شهب الكواكب يقتلني - فإن ذلك يقع بقدرة ربي ومشيئته ، لا بمشيئة الصنم أو الكوكب ولا بقدرته ، ولا بتأثيره في قدرته تعالى وإرادته ، ولا بجاهه عنده وشفاعته ; إذ لا تأثير لشيء من المخلوقات في مشيئة الخالق الأزلية الجارية بما ثبت في علمه (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977وسع ربي كل شيء علما ) أي أن علم ربي وسع كل شيء ، وأحاط به ومشيئته مرتبطة بعمله المحيط القديم ، وقدرته منفذة لمشيئته ، فلا يمكن أن يكون لشيء من المخلوقات التي تعبدونها ولا لغيرها تأثير ما في صفاته ، ولا في أفعاله الصادرة عنها ، لا بشفاعة ولا غيرها ، وإنما يكون ذلك لو كان علم الله تعالى غير محيط بكل شيء ، فيعلمه الشفعاء والوسطاء من وجوه مرجحات الفعل أو الترك بالشفاعة أو غيرها ما لم يكن يعلم ، فيكون ذلك هو الحامل له
[ ص: 480 ] على الضر أو النفع ، أو العطاء أو المنع ، أخذنا هذا المعنى لهذه الجملة من حجج الله تعالى على نفي الشفاعة الشركية بمثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) ( 2 : 255 ) فراجع تفسيره ( في جزء التفسير الثالث ) وجعل الجملة بعضهم كالتعليل للاستثناء ، بجواز أن يكون قد سبق في علمه تعالى إصابته بسوء يكون سببه الأصنام ، أو لبيان أنه لإحاطة علمه لا يفعل إلا ما فيه الخير والصلاح ، وجعلها بعضهم تعريضا بجهل معبوداتهم من الكواكب والأوثان ، وما قلناه أرجح ، وهو من قبيل تفسير القرآن بالقرآن ( أفلا تتذكرون ) أيها الغافلون أن هذا هو شأن الرب الفاطر ، وأنه ينافي ما أنتم عليه من الشرك الظاهر ، ومنه اعتقاد وقوع الضر بي أو النفع لكم بالتصرف الذي تزعمونه في معبوداتكم ؟ وقد تقدم أنهم كانوا مؤمنين بأن للعالم كله ربا خالقا غير هذه الآلهة والأرباب المتخذة من مخلوقاته اتخاذا ، ولكنهم لم يكونوا يعقلون بأنفسهم أن نسبة جميع الخلق إلى الخالق واحدة من حيث إنه هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، فسخر ما شاء بسنن الأقدار ، ونظام الأسباب والمسببات ، ثم هدى العقلاء لتلك الأسباب ، ليطلبوا المنافع ويتقوا المضار ، وقد ظهر بالدلائل والتجارب أنها مسخرة على سواء ، فالسلطة الغيبية العليا له وحده ، ليس لغيره تأثير فيها معه ولا تدبير ، فإذا جعل بعض الأجناس أو الأشخاص سببا للنفع أو الضر بإرادة خلقها لها كالحيوانات ، أو بغير إرادة كالجمادات - فلا يقتضي ذلك أن ترفع رتبة المخلوقات ، وتجعل أربابا ومعبودات ، وكان يجب أن يفطن العاقل لذلك ويتذكره بالتذكير به ; لأنه تذكير بما يدركه العقل بالبرهان ، وتعرفه الفطرة بالوجدان ، فكأنه مما غفل عنه لا مما جهله ، لأنه معلوم له بالقوة ، وفسر
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير التذكر هنا بالاعتبار والاتعاظ وهو أحد معانيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=9فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ) ( 87 : 9 ، 10 ) .
ومن العبرة في الآية أن هذا الضرب من الشرك الذي رده إمام الموحدين
إبراهيم - صلوات الله عليه - لا يزال فاشيا في كثير من المنتمين في التوحيد إلى ملته ; لأنهم لم يعقلوا ما تقدم من حجته ، فهم ينسبون إلى من يعتقدون أن لهم تصرفا غيبيا في المخلوقات ، سواء كانوا من الأحياء أو الأموات ، ما يقع عقب زيارته لهم ، أو توسلهم بهم ، من زوال ألم ، أو خير ألم ، أو نفع أصاب حبيبا دعوا له ، أو ضر أصاب عدوا دعوا عليه ، وإنما يقع ما يقع من ذلك بسبب حقيقي جلي ، أو وهمي خفي ، وكل بتقدير الله السميع العليم العزيز الحكيم .
وبعد أن بين لهم - عليه السلام - أنه لا يخاف شركاءهم بل يخاف الله وحده من ناحية الأسباب ومن غير ناحيتها قال :
[ ص: 478 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=81وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=83وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) .
الْمُحَاجَّةُ : الْمُجَادَلَةُ وَالْمُغَالَبَةُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ ، وَالْحُجَّةُ الدَّلَالَةُ الْمُبَيِّنَةُ لِلْمَحَجَّةِ ، أَيِ الْمَقْصِدِ الْمُسْتَقِيمِ كَمَا قَالَ
الرَّاغِبُ . وَأَصْلُ الْمَحَجَّةِ وَسَطُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَتُطْلَقُ الْحُجَّةُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْلِي بِهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فِي إِثْبَاتِ دَعْوَاهُ أَوْ رَدِّ دَعْوَى خَصْمِهِ ، فَتُقَسَّمُ إِلَى حُجَّةٍ نَاهِضَةٍ يَثْبُتُ بِهَا الْحَقُّ ، وَحُجَّةٍ دَاحِضَةٍ يُمَوَّهُ بِهَا الْبَاطِلُ ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى مَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ حُجَّةً عَلَى سَبِيلِ ادِّعَاءِ الْخَصْمِ - حِكَايَةً لِقَوْلِهِ - وَاصْطَلَحُوا عَلَى تَسْمِيَتِهَا شُبْهَةً .
وَلَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31851حَاجَّ إِبْرَاهِيمُ قَوْمَهُ بِبَيَانِ بُطْلَانِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَرُبُوبِيَّةِ الْكَوْكَبِ ، وَإِثْبَاتِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَوُجُوبِ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ - وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ - حَاجُّوهُ بِبَيَانِ أَوْهَامِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَتَيِ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّعَرَاءِ أَنَّهُمُ اعْتَذَرُوا لَهُ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ بِتَقْلِيدِ آبَائِهِمْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=22317وَلَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَحْتَجَّ ، وَلَكِنَّهُ يُجَادِلُ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَخْضَعُ لِلْحُجَّةِ إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَجِدُوا حُجَّةً عَقْلِيَّةً عَلَى شِرْكِهِمْ بِاللَّهِ خَوَّفُوهُ أَنْ تَمَسَّهُ آلِهَتُهُمْ بِسُوءٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ ، بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) ( 26 : 72 - 74 ) وَقَبْلَ وَاقِعَةِ تَكْسِيرِهِ لِأَصْنَامِهِمُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَاعْتَرَفُوا بِظُلْمِهِمْ ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ مُصِرِّينَ عَلَى شِرْكِهِمْ
[ ص: 479 ] وَكَثِيرًا مَا يَضْطَرِبُ الْمُقَلِّدُ لِسَمَاعِ الْحُجَّةِ إِذْ يُومِضُ فِي قَلْبِهِ بَرْقُهَا ، وَيَهُزُّ شُعُورَهُ رَعْدُهَا . وَيَكَادُ يُحْيِيهِ وَدَقُهَا ، ثُمَّ يَنْكُسُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَيَعُودُ إِلَى سَابِقِ وَهْمِهِ ، خَائِفًا مِنْ غَيْرِ مُخَوِّفٍ ، رَاجِيًا غَيْرَ مَرْجُوٍّ ، كَمَا نَرَاهُ فِي عُبَّادِ أَصْحَابِ الْقُبُورِ الَّذِينَ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّ قُبُورَهُمْ وَغَيْرَهَا مِنْ آثَارِهِمْ تَدْفَعُ عَمَّنْ زَارَهَا أَوْ تَمْسَّحُ بِهَا الضُّرَّ ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ وَتُدِرُّ الرِّزْقَ ، وَتُخْزِي الْعَدُوَّ ، إِمَّا بِتَصَرُّفِهِمْ فِي الْخَلْقِ ، وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ قُرْبَانٌ عِنْدَ الرَّبِّ ، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ نَاقِضًا لِلْإِيمَانِ الصَّحِيحِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=106وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) ( 12 : 106 ) قَالَ تَعَالَى :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ) أَيْ : وَجَادَلَهُ قَوْمُهُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ ، وَخَاصَمُوهُ فِي أَمْرِ التَّوْحِيدِ الَّذِي قَرَّرَهُ لَهُمْ ، كَأَنْ زَعَمُوا - كَمَا رُوِيَ وَسُمِعَ مِنْ أَمْثَالِهِمْ - أَنَّ اتِّخَاذَ الْآلِهَةِ لَا يُنَافِي الْإِيمَانَ بِاللَّهِ الْفَاطِرِ سُبْحَانَهُ ; لِأَنَّهُمْ وُسَطَاءُ وَشُفَعَاءُ عِنْدَهُ ، وَمُتَّخَذُونَ لِأَجْلِهِ ، وَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنِ
ابْنِ زَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ) وَخَوَّفُوهُ بَطْشَهُمْ بِهِ . فَمَاذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ) أَيْ أَتُجَادِلُونَنِي مُجَادَلَةَ صَاحِبِ الْحُجَّةِ فِي شَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَجِبُ فِي الْإِيمَانِ بِهِ - وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ فَضَّلَنِي عَلَيْكُمْ بِمَا هَدَانِي إِلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ وَالْحَنِيفِيَّةِ الَّتِي أَقَمْتُ بِهَا الْحُجَّةَ عَلَيْكُمْ ، وَأَنْتُمْ ضَالُّونَ بِإِصْرَارِكُمْ عَلَى شِرْكِكُمْ ، وَتَقْلِيدِكُمْ بِهِ مَنْ قَبْلَكُمْ ؟ وَقَدْ خَفَّفَ نُونَ ( تُحَاجُّونِّي )
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ ذَكْوَانَ ، وَذَلِكَ بِحَذْفِ إِحْدَى النُّونَيْنِ ، وَشَدَّدَهَا سَائِرُ الْقُرَّاءِ ، وَهُمَا لُغَتَانِ لِلْعَرَبِ فِي مِثْلِهَا ، وَحُذِفَتِ الْيَاءُ مِنْ هَدَانِي فِي الرَّسْمِ ; لِأَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي النُّطْقِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ) مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ أَنْ تُصِيبَنِي بِسُوءٍ ، فَإِنِّي أَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ ، وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ ، وَلَا تُقَرِّبُ وَلَا تَشْفَعُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ) - أَيْ لَكِنِ اسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ الْخَوْفِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ - مِنْ جِهَةِ آلِهَتِكُمْ كَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ، أَنْ يَشَاءَ رَبِّيَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وُقُوعَ مَكْرُوهٍ بِي ، فَإِنَّهُ يَقَعُ لَا مَحَالَةَ كَمَا شَاءَ رَبِّي ، فَإِنْ فَرَضَ أَنَّهُ شَاءَ أَنْ يَسْقُطَ عَلَيَّ صَنَمٌ يَشُجُّنِي ، أَوْ كِسَفًا مِنْ شُهُبِ الْكَوَاكِبِ يَقْتُلُنِي - فَإِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِقُدْرَةِ رَبِّي وَمَشِيئَتِهِ ، لَا بِمَشِيئَةِ الصَّنَمِ أَوِ الْكَوْكَبِ وَلَا بِقُدْرَتِهِ ، وَلَا بِتَأْثِيرِهِ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ ، وَلَا بِجَاهِهِ عِنْدَهُ وَشَفَاعَتِهِ ; إِذْ لَا تَأْثِيرَ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي مَشِيئَةِ الْخَالِقِ الْأَزَلِيَّةِ الْجَارِيَةِ بِمَا ثَبَتَ فِي عِلْمِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80nindex.php?page=treesubj&link=28977وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) أَيْ أَنَّ عِلْمَ رَبِّي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَأَحَاطَ بِهِ وَمَشِيئَتُهُ مُرْتَبِطَةٌ بِعَمَلِهِ الْمُحِيطِ الْقَدِيمِ ، وَقُدْرَتُهُ مُنَفِّذَةٌ لِمَشِيئَتِهِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا تَأْثِيرٌ مَا فِي صِفَاتِهِ ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ الصَّادِرَةِ عَنْهَا ، لَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مُحِيطٍ بِكُلِّ شَيْءٍ ، فَيَعْلَمُهُ الشُّفَعَاءُ وَالْوُسَطَاءُ مِنْ وُجُوهِ مُرَجِّحَاتِ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ بِالشَّفَاعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْحَامِلُ لَهُ
[ ص: 480 ] عَلَى الضُّرِّ أَوِ النَّفْعِ ، أَوِ الْعَطَاءِ أَوِ الْمَنْعِ ، أَخَذْنَا هَذَا الْمَعْنَى لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْيِ الشَّفَاعَةِ الشِّرْكِيَّةِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) ( 2 : 255 ) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهُ ( فِي جُزْءِ التَّفْسِيرِ الثَّالِثِ ) وَجَعَلَ الْجُمْلَةَ بَعْضُهُمْ كَالتَّعْلِيلِ لِلِاسْتِثْنَاءِ ، بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى إِصَابَتُهُ بِسُوءٍ يَكُونُ سَبَبُهُ الْأَصْنَامُ ، أَوْ لِبَيَانِ أَنَّهُ لِإِحَاطَةِ عِلْمِهِ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا فِيهِ الْخَيْرُ وَالصَّلَاحُ ، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَعْرِيضًا بِجَهْلِ مَعْبُودَاتِهِمْ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَوْثَانِ ، وَمَا قُلْنَاهُ أَرْجَحُ ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ ( أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ) أَيُّهَا الْغَافِلُونَ أَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ الرَّبِّ الْفَاطِرِ ، وَأَنَّهُ يُنَافِي مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ الظَّاهِرِ ، وَمِنْهُ اعْتِقَادُ وُقُوعِ الضُّرِّ بِي أَوِ النَّفْعِ لَكُمْ بِالتَّصَرُّفِ الَّذِي تَزْعُمُونَهُ فِي مَعْبُودَاتِكُمْ ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ رَبًّا خَالِقًا غَيْرَ هَذِهِ الْآلِهَةِ وَالْأَرْبَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ اتِّخَاذًا ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْقِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّ نِسْبَةَ جَمِيعِ الْخَلْقِ إِلَى الْخَالِقِ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ، فَسَخَّرَ مَا شَاءَ بِسُنَنِ الْأَقْدَارِ ، وَنِظَامِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ ، ثُمَّ هَدَى الْعُقَلَاءَ لِتِلْكَ الْأَسْبَابِ ، لِيَطْلُبُوا الْمَنَافِعَ وَيَتَّقُوا الْمَضَارَّ ، وَقَدْ ظَهَرَ بِالدَّلَائِلِ وَالتَّجَارِبِ أَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ عَلَى سَوَاءٍ ، فَالسُّلْطَةُ الْغَيْبِيَّةُ الْعُلْيَا لَهُ وَحْدَهُ ، لَيْسَ لِغَيْرِهِ تَأْثِيرٌ فِيهَا مَعَهُ وَلَا تَدْبِيرٌ ، فَإِذَا جَعَلَ بَعْضَ الْأَجْنَاسِ أَوِ الْأَشْخَاصِ سَبَبًا لِلنَّفْعِ أَوِ الضُّرِّ بِإِرَادَةٍ خَلَقَهَا لَهَا كَالْحَيَوَانَاتِ ، أَوْ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ كَالْجَمَادَاتِ - فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ تُرْفَعَ رُتْبَةَ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَتُجْعَلَ أَرْبَابًا وَمَعْبُودَاتٍ ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَفْطِنَ الْعَاقِلُ لِذَلِكَ وَيَتَذَكَّرَهُ بِالتَّذْكِيرِ بِهِ ; لِأَنَّهُ تَذْكِيرٌ بِمَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ بِالْبُرْهَانِ ، وَتَعْرِفُهُ الْفِطْرَةُ بِالْوِجْدَانِ ، فَكَأَنَّهُ مِمَّا غَفَلَ عَنْهُ لَا مِمَّا جَهِلَهُ ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لَهُ بِالْقُوَّةِ ، وَفَسَّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ التَّذَكُّرَ هُنَا بِالِاعْتِبَارِ وَالِاتِّعَاظِ وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=9فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ) ( 87 : 9 ، 10 ) .
وَمِنَ الْعِبْرَةِ فِي الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي رَدَّهُ إِمَامُ الْمُوَحِّدِينَ
إِبْرَاهِيمُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - لَا يَزَالُ فَاشِيًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَمِينَ فِي التَّوْحِيدِ إِلَى مِلَّتِهِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْقِلُوا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُجَّتِهِ ، فَهُمْ يَنْسُبُونَ إِلَى مَنْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَهُمْ تَصَرُّفًا غَيْبِيًّا فِي الْمَخْلُوقَاتِ ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنَ الْأَحْيَاءِ أَوِ الْأَمْوَاتِ ، مَا يَقَعُ عَقِبَ زِيَارَتِهِ لَهُمْ ، أَوْ تَوَسُّلِهِمْ بِهِمْ ، مِنْ زَوَالِ أَلَمٍ ، أَوْ خَيْرٍ أَلَمَّ ، أَوْ نَفْعٍ أَصَابَ حَبِيبًا دَعَوْا لَهُ ، أَوْ ضُرٍّ أَصَابَ عَدُوًّا دَعَوْا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبٍ حَقِيقِيٍّ جَلِيٍّ ، أَوْ وَهْمِيٍّ خَفِيٍّ ، وَكُلٌّ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .
وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَخَافُ شُرَكَاءَهُمْ بَلْ يَخَافُ اللَّهَ وَحْدَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَسْبَابِ وَمِنْ غَيْرِ نَاحِيَتِهَا قَالَ :