(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ) ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير والرازي إلى أن الإشارة في " أولئك " إلى من ذكر في الآيات من أنبياء الله تعالى ورسله ، وذهب آخرون إلى شمولها من ذكر بعدهم إجمالا من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : إن المراد بالكتاب ما ذكر في القرآن من صحف
إبراهيم وموسى وزبور
داود وإنجيل
عيسى ، وأن المراد بالحكم الفهم بالكتاب ومعرفة ما فيه من الأحكام ، وروي عن
مجاهد أن الحكم هو اللب . ( قال ) وعنى بذلك
مجاهد - إن شاء الله - ما قلت ; لأن اللب هو العقل فكأنه أراد أن الله آتاهم العقل بالكتاب وهو بمعنى ما قلنا من أنه الفهم به انتهى . ولم يرو عن السلف في تفسير الحكم غير هذا القول عن
مجاهد . والحكم يطلق في أصل اللغة على حكم العقل بإثبات شيء لشيء أو نفيه عنه قطعا ، وهو العلم اليقيني بالمعنى اللغوي الذي بيناه من قبل ، وهو يستلزم فقه المعلوم وفهم سره وحكمته فهو بمعنى الحكمة والفلسفة ، ويطلق على القضاء لخصم على خصم بأن هذا حقه أو ليس بحقه ، وقال
الراغب : والحكم بالشيء أن تقضي بأنه كذا سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه وقال صاحب اللسان : والحكم العلم والفقه والقضاء بالعدل وهو مصدر حكم يحكم كـ ( نصر ) ينصر ثم نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده أن الحكم القضاء وجمعه أحكام ولم يقيده بالعدل ، وعن
[ ص: 493 ] الأزهري أنه القضاء بالعدل . وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده هو الظاهر لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) 4 : 58 والمعنى الأصلي لهذه المادة المنع . قال في اللسان : والعرب تقول حكمت وأحكمت وحكمت - بالتشديد - بمعنى منعت ورددت ، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس : حاكم ; لأنه يمنع الظالم من الظلم ، وذكر كغيره من ذلك " حكمة " اللجام - بالتحريك - وهي حديدة اللجام التي توضع في حنك الدابة لأنها تردها وتكبحها .
وأقول : إن الحكم بمعنى العلم الجزم وفقه الأمور - وهو حكمتها - فيه معنى المنع أيضا وهو منع الاحتمالات والظنون ، فمن ليس له حكم جازم في المسألة لا يكون عالما بها . وما يقال في المسألة الواحدة يقال في كل علم وفن ، وكذا منع العالم الحكيم من مخالفة مقتضى العلم ، ومن الواضح الجلي أن كل نبي من الأنبياء قد آتاه الله الحكم بهذا المعنى - أي العلم الصحيح والفقه في أمور الدين وشئون الإصلاح ، وفهم الكتاب الذي تعبده به ، سواء أنزله عليه أم أنزله على غيره . وإنما اختص بعضهم بإيتائه الحكم صبيا
ليحيى وعيسى ، ولعل المراد به ملكة الحكم الصحيح في الأمور ، وأما الحكم بمعنى القضاء والفصل في الخصومات فلم يؤته إلا بعض الأنبياء ، فإذا كان المشار إليه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ) من ذكرت أسماؤهم من الأنبياء فيما قبله من الآيات ، فالأظهر أن المراد بالحكم فيها الفصل في الخصومات والقضاء بين الناس ; لأنه أخص ويستلزم العلم والفقه - وكذلك النبوة - وتكون هذه العطايا الثلاث مرتبة على حسب درجات الخصوصية ، فإن الثابت والأمر الواقع أن بعض أولئك النبيين أوتي الثلاث
كإبراهيم وموسى وعيسى وداود ، ومنهم من أوتي الحكم والنبوة كالأنبياء الذين كانوا يحكمون بالتوراة ومنهم من لم يؤت إلا النبوة فقط . فإذا جعلنا الحكم بمعنى الفهم والعلم ، كانت الآية غير مبنية لهذه العطية العظيمة ، ومن شواهد القرآن على استعمال الحكم بمعنى القضاء قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) 38 : 26 وقوله في
داود وسليمان معا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79وكلا آتينا حكما وعلما ) 21 : 79 وقوله في
يوسف : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=22آتيناه حكما وعلما ) 12 : 22 أما قوله تعالى حكاية عن
موسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=21فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ) 26 : 21 فهو أظهر في هذا المعنى وإن تأخر القيام به عن القيام بأمر الرسالة التي تأخر القيام بها عن جعله رسولا ، فإن كلا منهما وقع في وقته المناسب له . وتفسير بعضهم للحكم هنا بالنبوة ضعيف للاستغناء عنه بذكر الرسالة . ومثله قوله تعالى حكاية عن
إبراهيم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما ) 26 : 83 فإنه دعا هذا الدعاء وهو رسول عليهم بعد محاجة قومه ، فلم يبق إلا أنه طلب الحكم بمعنى الحكومة والسلطة . ومن الشواهد ، على استعمال الحكم بمعنى العلم وفقه القلب قوله تعالى في يحيى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وآتيناه الحكم صبيا ) 19 : 12 وقوله في شأن التوراة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) 5 : 44 وهذه الثلاث مرتبة
[ ص: 494 ] على حسب خصوصيتها ، فكل من أوتي الكتاب أوتي الحكم والنبوة ، وكل من أوتي الحكم ممن ذكر كان نبيا وما كل نبي منهم كان حاكما ولا صاحب كتاب منزل ، وهذه مراتب الفضل بينهم صلوات الله وسلامه عليهم ، وإذا استعملنا الحكم بمعنييه على مذهب من يجيز ذلك في المشترك كان على التوزيع فإن كل نبي أوتي الحكم بمعنى العلم والفقه والفهم ، وما أوتيه إلا بعضهم بمعنى القضاء بين الناس كما تقرر وتكرر .
وأما إذا جرينا على القول بأن المشار إليهم في الآية هم أولئك النبيون ومن ذكر من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم فالحاجة إلى استعمال المشترك في معنييه أقوى ، فإن بعضهم كان نبيا غير حاكم ، وبعضهم كان عالما حاكما غير نبي ، وبعضهم عالما حكيما غير حاكم ولا نبي ، ويكون إيتاء الكتاب أعم من إيحائه ، فإن أمة الرسول الذي أنزل عليه الكتاب بإيحائه إليه يقال إنها قد أعطيت الكتاب ، وآيات القرآن ناطقة بذلك ، بل يقال أيضا : إن الكتاب أنزل إليهم وعليهم كما نص في سورتي البقرة وآل عمران - فالإنزال على الرسل عبارة عن الوحي إليهم ، والإنزال على الأمم عبارة عن مخاطبتهم بما أنزل على رسلهم لهدايتهم . ويؤيد هذا الوجه في تفسير الآية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ) 45 : 16 الآية .
ثم قال تعالى مبينا وجه العبرة بما ذكر للمخاطبين بالقرآن (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) أي فإن يكفر بهذه الثلاث - الكتاب والحكم والنبوة - هؤلاء المشركون من
أهل مكة ، وقد خصوا بدعوتهم إلى الإيمان بها قبل غيرهم ، إذ أوتيها على الوجه الأكمل رسول منهم ، فقد وكلنا بأمر رعايتها ، ووفقنا للإيمان بها وتولي نصر الداعي إليها ، قوما كراما ليسوا بها بكافرين ، بل منهم من آمن ومنهم من سيؤمن عندما يدعى ، أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977فإن يكفر بها هؤلاء ) يعني
أهل مكة . يقول : إن يكفروا بالقرآن - أي الجامع لما ذكر كله لرسول الله - (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) يعني
أهل المدينة والأنصار انتهى . وروى مثله
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب . وروي عن
قتادة تفسير من يكفر بها
بأهل مكة كفار
قريش ، وتفسير الموكلين بها بالأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرهم الله تعالى هنا . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12004أبي رجاء العطاردي تفسير الموكلين بها بالملائكة . هذا هو المأثور ، الذي اقتصر عليه في الدر المنثور . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير نحو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
الضحاك والسدي nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، وذهب بعض المفسرين إلى أن الموكلين بها هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطلقا وقيل : كل من يؤمن به ، وقيل :
الفرس . والمختار عندنا أنهم جميع الصحابة ، فإن
المهاجرين قد كانوا أول من آمن بها ، وصبر على بلائها وكانوا بعد الهجرة في مقدمة
الأنصار ، في كل عمل وكل جهاد ، ولكن
الأنصار مقصودون
[ ص: 495 ] بالذات ; لأن القوة والمنعة لم تكن إلا بهم ; ولذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89ليسوا بها بكافرين ) فإن
الأنصار لم يكونوا عند نزول هذه السورة مؤمنين - أما تفسير القوم الموكلين بها بمن ذكر من الأنبياء فقد اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير واحتج بأن الكلام السابق واللاحق فيهم فالكلام في الأثناء ينبغي أن يكون فيهم كذلك ، وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قضية وحجة ، ونقله
الرازي عن
الحسن ، واختيار
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . والمعنى أنه تعالى وكل بها من ذكر في أزمنتهم ولعل من هؤلاء من يريد بتوكيل أولئك النبيين المرسلين بها ما أخذه الله من العهد عليهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ) 3 : 81 الآية . ولم يصرحوا بذلك . وأما تفسير القوم بالملائكة فقد استبعده
الرازي معللا ذلك بأن اسم القوم قلما يقع على غير بني
آدم . ونقول : إن السياق هنا يدل على قوم كرام من بني
آدم بدليل التنكير وإن أطلق لفظ القوم على الجن في التنزيل ، ولا ينافي ذلك وقوعه في سياق الكلام عن الأنبياء ، فإن قصص الأنبياء لم تذكر إلا لإقامة الحجة بها على الكافرين ، والهداية والعبرة للمؤمنين . ووصفهم بأنهم ليسوا بها بكافرين ، وصف لقوم حاضرين منهم المؤمن بالقوة بالفعل ، ووصف الأنبياء السابقين بذلك لا يظهر له وجه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَالرَّازِيُّ إِلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي " أُولَئِكَ " إِلَى مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَاتِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى شُمُولِهَا مَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُمْ إِجْمَالًا مِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ صُحُفِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَزَبُورِ
دَاوُدَ وَإِنْجِيلِ
عِيسَى ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْفَهْمُ بِالْكِتَابِ وَمَعْرِفَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ ، وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ اللُّبُّ . ( قَالَ ) وَعَنَى بِذَلِكَ
مُجَاهِدٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مَا قُلْتُ ; لِأَنَّ اللُّبَّ هُوَ الْعَقْلُ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ آتَاهُمُ الْعَقْلَ بِالْكِتَابِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ الْفَهْمُ بِهِ انْتَهَى . وَلَمْ يُرْوَ عَنِ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِ الْحُكْمِ غَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ
مُجَاهِدٍ . وَالْحُكْمُ يُطْلَقُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْلِ بِإِثْبَاتِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ قَطْعًا ، وَهُوَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ فِقْهَ الْمَعْلُومِ وَفَهْمَ سِرِّهِ وَحِكْمَتِهِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْحِكْمَةِ وَالْفَلْسَفَةِ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْقَضَاءِ لِخَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ بِأَنَّ هَذَا حَقُّهُ أَوْ لَيْسَ بِحَقِّهِ ، وَقَالَ
الرَّاغِبُ : وَالْحُكْمُ بِالشَّيْءِ أَنْ تَقْضِيَ بِأَنَّهُ كَذَا سَوَاءٌ أَلْزَمْتَ ذَلِكَ غَيْرَكَ أَوْ لَمْ تُلْزِمْهُ وَقَالَ صَاحِبُ اللِّسَانِ : وَالْحُكْمُ الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ وَالْقَضَاءُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ مَصْدَرُ حَكَمَ يَحْكُمُ كَـ ( نَصَرَ ) يَنْصُرُ ثُمَّ نَقَلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابْنِ سِيدَهْ أَنَّ الْحُكْمَ الْقَضَاءُ وَجَمْعُهُ أَحْكَامٌ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَدْلِ ، وَعَنْ
[ ص: 493 ] الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ الْقَضَاءُ بِالْعَدْلِ . وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابْنِ سِيدَهْ هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) 4 : 58 وَالْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ الْمَنْعُ . قَالَ فِي اللِّسَانِ : وَالْعَرَبُ تَقُولُ حَكَمْتُ وَأَحْكَمْتُ وَحَكَّمْتُ - بِالتَّشْدِيدِ - بِمَعْنَى مَنَعْتُ وَرَدَدْتُ ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ لِلْحَاكِمِ بَيْنَ النَّاسِ : حَاكِمٌ ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الظَّالِمَ مِنَ الظُّلْمِ ، وَذَكَرَ كَغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ " حَكَمَةَ " اللِّجَامِ - بِالتَّحْرِيكِ - وَهِيَ حَدِيدَةُ اللِّجَامِ الَّتِي تُوضَعُ فِي حَنَكِ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا تَرُدُّهَا وَتَكْبَحُهَا .
وَأَقُولُ : إِنَّ الْحُكْمَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ الْجَزْمِ وَفِقْهُ الْأُمُورِ - وَهُوَ حِكْمَتُهَا - فِيهِ مَعْنَى الْمَنْعِ أَيْضًا وَهُوَ مَنْعُ الِاحْتِمَالَاتِ وَالظُّنُونِ ، فَمَنْ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ جَازِمٌ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِهَا . وَمَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ يُقَالُ فِي كُلِّ عِلْمٍ وَفَنٍّ ، وَكَذَا مَنْعُ الْعَالِمِ الْحَكِيمِ مِنْ مُخَالَفَةِ مُقْتَضَى الْعِلْمِ ، وَمِنَ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ آتَاهُ اللَّهُ الْحُكْمَ بِهَذَا الْمَعْنَى - أَيِ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ وَالْفِقْهَ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَشُئُونِ الْإِصْلَاحِ ، وَفَهْمِ الْكِتَابِ الَّذِي تَعَبَّدَهُ بِهِ ، سَوَاءٌ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ أَمْ أَنْزَلَهُ عَلَى غَيْرِهِ . وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بَعْضَهُمْ بِإِيتَائِهِ الْحُكْمَ صَبِيًّا
لِيَحْيَى وَعِيسَى ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَلَكَةُ الْحُكْمِ الصَّحِيحِ فِي الْأُمُورِ ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ وَالْفَصْلِ فِي الْخُصُومَاتِ فَلَمْ يُؤْتَهُ إِلَّا بَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِذَا كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) مَنْ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا قَبْلَهُ مِنَ الْآيَاتِ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ فِيهَا الْفَصْلُ فِي الْخُصُومَاتِ وَالْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ ; لِأَنَّهُ أَخَصُّ وَيَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ - وَكَذَلِكَ النُّبُوَّةُ - وَتَكُونُ هَذِهِ الْعَطَايَا الثَّلَاثُ مَرْتَبَةً عَلَى حَسَبِ دَرَجَاتِ الْخُصُوصِيَّةِ ، فَإِنَّ الثَّابِتَ وَالْأَمْرَ الْوَاقِعَ أَنَّ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّبِيِّينَ أُوتِيَ الثَّلَاثَ
كَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَدَاوُدَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُوتِيَ الْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ كَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَحْكُمُونَ بِالتَّوْرَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤْتَ إِلَّا النُّبُوَّةَ فَقَطْ . فَإِذَا جَعَلْنَا الْحُكْمَ بِمَعْنَى الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ ، كَانَتِ الْآيَةُ غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ لِهَذِهِ الْعَطِيَّةِ الْعَظِيمَةِ ، وَمِنْ شَوَاهِدِ الْقُرْآنِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحُكْمِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) 38 : 26 وَقَوْلُهُ فِي
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ مَعًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ) 21 : 79 وَقَوْلُهُ فِي
يُوسُفَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=22آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ) 12 : 22 أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
مُوسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=21فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) 26 : 21 فَهُوَ أَظْهَرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَإِنَّ تَأَخَّرَ الْقِيَامُ بِهِ عَنِ الْقِيَامِ بِأَمْرِ الرِّسَالَةِ الَّتِي تَأَخَّرَ الْقِيَامُ بِهَا عَنْ جَعْلِهِ رَسُولًا ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمُنَاسِبِ لَهُ . وَتَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ لِلْحُكْمِ هُنَا بِالنُّبُوَّةِ ضَعِيفٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِذِكْرِ الرِّسَالَةِ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
إِبْرَاهِيمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا ) 26 : 83 فَإِنَّهُ دَعَا هَذَا الدُّعَاءَ وَهُوَ رَسُولٌ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مُحَاجَّةِ قَوْمِهِ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ طَلَبُ الْحُكْمِ بِمَعْنَى الْحُكُومَةِ وَالسُّلْطَةِ . وَمِنَ الشَّوَاهِدِ ، عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحُكْمِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَفِقْهِ الْقَلْبِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي يَحْيَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) 19 : 12 وَقَوْلُهُ فِي شَأْنِ التَّوْرَاةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينِ هَادُوا ) 5 : 44 وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مَرْتَبَةٌ
[ ص: 494 ] عَلَى حَسَبِ خُصُوصِيَّتِهَا ، فَكُلُّ مَنْ أُوتِيَ الْكِتَابَ أُوتِيَ الْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ، وَكُلُّ مَنْ أُوتِيَ الْحُكْمَ مِمَّنْ ذَكَرَ كَانَ نَبِيًّا وَمَا كَلُّ نَبِيٍّ مِنْهُمْ كَانَ حَاكِمًا وَلَا صَاحِبَ كِتَابٍ مُنَزَّلٍ ، وَهَذِهِ مَرَاتِبُ الْفَضْلِ بَيْنَهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ، وَإِذَا اسْتَعْمَلْنَا الْحُكْمَ بِمَعْنَيَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَرِكِ كَانَ عَلَى التَّوْزِيعِ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُوتِيَ الْحُكْمَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالْفَهْمِ ، وَمَا أُوتِيَهُ إِلَّا بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ كَمَا تَقَرَّرَ وَتَكَرَّرَ .
وَأَمَّا إِذَا جَرَيْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ فِي الْآيَةِ هُمْ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ وَمَنْ ذُكِرَ مِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ فَالْحَاجَةُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَقْوَى ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ نَبِيًّا غَيْرَ حَاكِمٍ ، وَبَعْضَهُمْ كَانَ عَالِمًا حَاكِمًا غَيْرَ نَبِيٍّ ، وَبَعْضَهُمْ عَالِمًا حَكِيمًا غَيْرَ حَاكِمٍ وَلَا نَبِيٍّ ، وَيَكُونُ إِيتَاءُ الْكِتَابِ أَعَمَّ مِنْ إِيحَائِهِ ، فَإِنَّ أُمَّةَ الرَّسُولِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ بِإِيحَائِهِ إِلَيْهِ يُقَالُ إِنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتِ الْكِتَابَ ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ ، بَلْ يُقَالُ أَيْضًا : إِنَّ الْكِتَابَ أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَمَا نَصَّ فِي سُورَتَيِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ - فَالْإِنْزَالُ عَلَى الرُّسُلِ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَحْيِ إِلَيْهِمْ ، وَالْإِنْزَالُ عَلَى الْأُمَمِ عِبَارَةٌ عَنْ مُخَاطَبَتِهِمْ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى رُسُلِهِمْ لِهِدَايَتِهِمْ . وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) 45 : 16 الْآيَةَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا وَجْهَ الْعِبْرَةِ بِمَا ذَكَرَ لِلْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) أَيْ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ - الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنُّبُوَّةِ - هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ ، وَقَدْ خُصُّوا بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهَا قَبْلَ غَيْرِهِمْ ، إِذْ أُوتِيَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ رَسُولٌ مِنْهُمْ ، فَقَدْ وَكَّلْنَا بِأَمْرِ رِعَايَتِهَا ، وَوَفَّقْنَا لِلْإِيمَانِ بِهَا وَتَوَلِّي نَصْرَ الدَّاعِي إِلَيْهَا ، قَوْمًا كِرَامًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ سَيُؤْمِنُ عِنْدَمَا يُدْعَى ، أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ ) يَعْنِي
أَهْلَ مَكَّةَ . يَقُولُ : إِنْ يَكْفُرُوا بِالْقُرْآنِ - أَيِ الْجَامِعِ لِمَا ذُكِرَ كُلِّهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) يَعْنِي
أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَالْأَنْصَارِ انْتَهَى . وَرَوَى مَثَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ . وَرُوِيَ عَنْ
قَتَادَةَ تَفْسِيرُ مَنْ يَكْفُرُ بِهَا
بِأَهْلِ مَكَّةَ كَفَّارِ
قُرَيْشٍ ، وَتَفْسِيرُ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا بِالْأَنْبِيَاءِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12004أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ تَفْسِيرُ الْمُوَكِّلِينَ بِهَا بِالْمَلَائِكَةُ . هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ ، الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الدَّرِّ الْمَنْثُورِ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ نَحْوَ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ
الضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنِ جُرَيْجٍ ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا وَقِيلَ : كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ، وَقِيلَ :
الْفُرْسُ . وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُمْ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ ، فَإِنَّ
الْمُهَاجِرِينَ قَدْ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهَا ، وَصَبَرَ عَلَى بَلَائِهَا وَكَانُوا بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي مُقَدِّمَةِ
الْأَنْصَارِ ، فِي كُلِّ عَمَلٍ وَكُلِّ جِهَادٍ ، وَلَكِنَّ
الْأَنْصَارَ مَقْصُودُونَ
[ ص: 495 ] بِالذَّاتِ ; لِأَنَّ الْقُوَّةَ وَالْمَنْعَةَ لَمْ تَكُنْ إِلَّا بِهِمْ ; وَلِذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) فَإِنَّ
الْأَنْصَارَ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ مُؤْمِنِينَ - أَمَّا تَفْسِيرُ الْقَوْمِ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا بِمَنْ ذَكَرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَدِ اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ وَاللَّاحِقَ فِيهِمْ فَالْكَلَامُ فِي الْأَثْنَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ كَذَلِكَ ، وَتَبِعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ قَضِيَّةً وَحُجَّةً ، وَنَقَلَهُ
الرَّازِيُّ عَنِ
الْحَسَنِ ، وَاخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى وَكَّلَ بِهَا مَنْ ذَكَرَ فِي أَزْمِنَتِهِمْ وَلَعَلَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُرِيدُ بِتَوْكِيلِ أُولَئِكَ النَّبِيِّينَ الْمُرْسَلِينَ بِهَا مَا أَخَذَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَهْدِ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ) 3 : 81 الْآيَةَ . وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ . وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقَوْمِ بِالْمَلَائِكَةِ فَقَدِ اسْتَبْعَدَهُ
الرَّازِيُّ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ اسْمَ الْقَوْمِ قَلَّمَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ بَنِي
آدَمَ . وَنَقُولُ : إِنَّ السِّيَاقَ هُنَا يَدُلُّ عَلَى قَوْمٍ كِرَامٍ مِنْ بَنِي
آدَمَ بِدَلِيلِ التَّنْكِيرِ وَإِنْ أُطْلِقَ لَفْظُ الْقَوْمِ عَلَى الْجِنِّ فِي التَّنْزِيلِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وُقُوعُهُ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّ قِصَصَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ تُذْكَرْ إِلَّا لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِهَا عَلَى الْكَافِرِينَ ، وَالْهِدَايَةِ وَالْعِبْرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ . وَوَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ، وَصْفٌ لِقَوْمٍ حَاضِرِينَ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بِالْقُوَّةِ بِالْفِعْلِ ، وَوَصْفُ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ بِذَلِكَ لَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ .