(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير .
حكى الله تعالى في هذه الآيات بعض ضروب الشرك التي قال بها بعض العرب ، وروى التاريخ كثيرا من نوعها عن أمم العجم ، وهي اتخاذ شركاء الله من عالم الجن المستتر
[ ص: 538 ] عن العيون ، واختراع نسل له من البنات والبنين ، حكى هذا بعد تفصيل ما تقدم فيما قبله من أنواع الآيات الدالة على توحده بالخلق والتدبير في عوالم الأرض والسماوات ، وتعقبه بإنكاره وتنزيه الخالق المبدع عنه ، وذلك قوله عز وجل :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28977وجعلوا لله شركاء الجن ) أي وجعل هؤلاء المشركون لله سبحانه شركاء - وفسر هؤلاء الشركاء بالجن على طريق البدل النحوي - ولم يقل وجعلوا الجن شركاء لله ، بل قدم وأخر في النظم لإفادة أن محل الغرابة والنكارة أن يكون لله شركاء لا مطلق وجود الشركاء . ثم كون الشركاء من الجن ، فقدم الأهم فالمهم . ولو قال وجعلوا الجن شركاء لله لأفاد أن موضع الإنكار أن يكون الجن شركاء لله لكونهم جنا ، وليس الأمر كذلك ، بل المنكر أن يكون لله شريك من أي جنس كان . وفي
nindex.php?page=treesubj&link=28794المراد بالجن هنا أقوال أحدها : أنهم الملائكة فقد عبدوهم ، روي هذا عن
قتادة والسدي . والثاني : أنهم الشياطين فقد أطاعوهم في أمور الشرك والمعاصي ، روي عن
الحسن وسنشير إلى شاهد يأتي له بعد عشرين آية . والثالث : أن المراد بالجن إبليس ، فقد عبده أقوام وسموه ربا ، ومنهم من سماه إله الشر والظلمة ، وخص الباري بألوهية الخير والنور ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : إنها نزلت في الزنادقة الذين يقولون إن الله تعالى خالق الناس والدواب والأنعام والحيوان وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب والشر ، ورجحه
الرازي وضعف ما سواه وقال : إن المراد بالزنادقة المجوس الذين قالوا : إن كل خير في العالم فهو من ( يزدان ) وكل شر فهو من ( أهرمن ) أي إبليس ، فأما
nindex.php?page=treesubj&link=28796كون إبليس والشياطين من الجن فقطعي ، وأما كون الملائكة منهم فقيل : إنه حقيقي لأنهم من العوالم الخفية فتصدق عليهم كلمة الجن ، وقيل إنه مجازي ، وفسروا الجنة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) 37 : 158 بالملائكة ، وقال بعض العرب : إنه تعالى صاهر إلى الجن فولدت سرواتهم له الملائكة وقد يقابل الجن بالملائكة كقوله تعالى في موضوع عبادة المشركين لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ) 34 : 40 ، 41 فهذا مع آية الأنعام الآتية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) 6 : 121 مما يرد إنكار
الرازي لتسمية طاعة الشياطين عبادة . ( وخلقهم ) أي والحال أن الله تعالى قد خلق هؤلاء الجاعلين له الشركاء وليس لشركائهم فعل ولا تأثير في خلقهم ، أو خلق الشركاء المجعولين ، كما خلق غيرهم من العالمين ، فنسبة الجميع إليه واحدة ، وامتياز بعض المخلوقين على بعض في صفاته وخصائصه ، أو ما خلق مستعدا له من الأعمال التي يفضل بها غيره ، لا يخرجه عن كونه مخلوقا ، ولا يجعله أهلا لأن يكون إلها أو ربا .
[ ص: 539 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28977وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ) أي واختلقوا له تعالى بحماقتهم وجهلهم بنين وبنات بغير علم ما بذلك كما سيأتي ، فسمى مشركو العرب الملائكة بنات الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ) 9 : 30 وهاك بيان ذلك : الخرق والخزق والخرب والخرز ألفاظ فيها معنى الثقب بإنفاذ شيء في الجسم ، وقال
الراغب : الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبر ولا تفكر ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=71أخرقتها لتغرق أهلها ) 18 : 71 وهو ضد الخلق ، فإن الخلق هو فعل الشيء بتقدير ورفق ، والخرق بغير تقدير - وذكر الآية - وقوله بغير تقدير ، أي بغير نظام ولا هندسة هو الصواب ، وقوله قبله : من غير روية ولا تدبر ، خطأ ظاهر ، ويناسب هذا من معاني المادة الخرق " بالضم " وهو الحمق ضد الرفق . يقال : خرق زيد يخرق - بالضم فيهما - فهو أخرق وهي خرقاء . وقال صاحب اللسان : وخرق " من باب ضرب " الكذب وتخرقه وخرقه كله اختلقه ، وذكر الآية وأن
نافعا قرأ " وخرقوا " بالتشديد وسائر القراء قرءوا بالتخفيف ، ثم قال : ويقال : خلق الكلمة واختلقها وخرقها واخترقها إذا ابتدعها كذبا انتهى . ولعل ما تقدم من الفرق بين الخلق والخرق في الأفعال ، يأتي نظيره في الأقوال ، فالخلق الكذب المقدر المنظم ، والخرق الكذب الذي لا تقدير فيه ولا نظام ، ولا روية ولا إنعام ، فهاهنا يظهر التقييد بنفي التدبر والنظر ، ويؤيده قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100بغير علم ) قال في الكشاف : من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ وصواب ، ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية انتهى . وهو بيان وتوكيد لمعنى ( خرقوا ) فهذا التعبير من أدق بلاغة التنزيل ، وهو بيان معنى الشيء بما يدل على تزييفه ، وتنكير العلم هنا في حيز النفي " بغير " للدلالة على انسلاخ هؤلاء المشركين في خرقهم هذا عن كل ما يسمى علما ، فلا هم على علم بمعنى ما يقولون ولا على دليل يثبته ، ولا على علم بمكانه من الفساد والبعد من العقل ، ولا بمكانه من الشناعة والإزراء بمقام الألوهية والربوبية ، إذ لو علموا بذلك لما ارتضوه لأن أكثرهم مؤمنون بخالقهم وخالق كل شيء ، وهم يتقربون إليه بما اتخذوه له من شريك وولد (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28977سبحانه وتعالى عما يصفون ) أي هو منزه عن ذلك متعال عنه لأنه نقص ينافي انفراده بالخلق والتدبير ، وكونه ليس كمثله شيء ، وتقدم تحقيق معنى سبحان والتسبيح والتقديس في أواخر سورة المائدة ، والتعالي العلو والبعد عما لا يليق الذي يظهر للناظر المتفكر مرة بعد مرة بالنسبة إلى ما علا عنه وبعد عن مشابهته من الأشياء كلها ، فهو من قبيل " توافد القوم " في الجملة ، ولو كان له تعالى ولد لكان له جنس يعد جميع أفراده - ولا سيما أولاده - نظراء له فيه ، وهذا باطل عقلا ونقلا عن جميع رسل الله وجميع حكماء البشر
[ ص: 540 ] وعقلائهم من جميع الأمم ، ولكن الذين اخترعوا للناس عقائد الوثنية في عصور الظلمات وأزمنة التأويلات ذهبوا هذه المذاهب من الأوهام ، ولا نعرف أول من جعل لله ولدا ولا منشأ اختراع هذه العقيدة ، وأقرب المآخذ لذلك ما بيناه في أواخر تفسير سورة النساء فيراجع هنالك في ج 6 تفسير .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29567_30463عبادة الجن فقديمة في الملل الوثنية أيضا . ففي الخرافات اليونانية والرومانية يجعلونهم ثلاث مراتب . الأولى : الآلهة وأولهم المولد لهم أجينوس وهو الخالق لكل شيء عندهم وهو نفس ( زفس ) أو ( جوبتير ) . والثانية : توابع الشعوب والأقطار والبلاد ، فلكل منها رب من الجن مدبر له ومتصرف فيه ، وقد نصب
الروم لجني رومية تمثالا من الذهب . والثالثة : توابع الأفراد أي قرناؤهم . والهنود القدماء يقسمون الجن إلى قسمين أخيار وأشرار ، فيسمون الأخيار ( ديوه ) وهم عندهم فرق كالآلهة أشهرها ( الكنارة ) الذين دأبهم الترنم بمدائح ( بواسيتا ) ويليها ( الياكة ) الذين يقسمون الثروة والغنى بين الناس و ( الغندورة ) وهم العازفون للشمس ، ويتألف منهم أجواق في السماء تدخل فيها الكنارة فيسبون العقول بتسبيحهم على معازفهم . ومنهم " الإبسارة " وهن إناث يملأن العالم كله ، ومختاراتهن في سماء " أندرا " يرقصن الرقص البهج تحت أشجار الذهب والياقوت في جنة " مندانا " ومنهم " الراجينة " وهن قيان موكلات بالمعازف مقامهن في سماء " برهما " وعددهن 16 ألفا ومنهم الفعلة الإلهيون ويسمون " الجيدارة " وهم الذين بنوا قصر الآلهة وأنشأوا جميع المباني العجيبة في العالم . ويقسمون الجن الأشرار إلى طوائف أيضا ، منهم ( الديتية والأسورة والدنارة والرشاقة ) ويقولون : إن مقامهم في الظلمة وأنهم هاجموا الآلهة لينزلوهم عن عروشهم ففروا منهم إلى بلاد الساقة وأرادوا أن يسلبوهم شجر الحياة . وعقائد المانوية من
الفرس في إلهي الخير والشر معروفة ، في أساطير
الفرس أن " جنستان " أي بلاد الجن في غربي إفريقية ، وقيل غير ذلك ، وأساطير الأمم القديمة في الجن كثيرة .
وأما أهل الكتاب فقد لخص الدكتور
جورج بوست في آخر الجزء الأول من قاموس الكتاب المقدس عقائدهم في الشيطان قال : الشيطان كائن حقيقي وهو أعلى شأنا من الإنسان ورئيس رتبة من الأرواح النجسة " 1 : كو 6 . 3 " ويخبر الكتاب المقدس بطبيعته وصفاته وحاله وكيفية اشتغاله وأعماله ومقاصده ونجاحه ونصيبه ، فلنا في شخصيته نفس البراهين التي لنا في شخصية الروح القدس والملائكة ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=28796طبيعة الشيطان فروحية وهو ملاك يمتاز بكل ما تمتاز به هذه الرتبة من الكائنات إلى أن قال بعد ذكر كونه عدوا لله مطرودا من وجهه - غير أن طرده إلى عالم الظلمة لا يمنع اشتغاله في الأرض كإله هذا العالم وعدوا للإنسان وخالقه اهـ .
[ ص: 541 ] وقد تقدم في تفسير هذه السورة كلام في الملائكة والجن والشياطين مما يؤثر عن العرب في الجاهلية ، وما ورد في الكتاب والسنة ، وبعض ما قاله علماؤنا في ذلك والتقريب بينه وبين العلوم النفسية والمادية ، وعندنا أن ما يحفظ من أساطير الأولين والآخرين في ذلك له أصل من الوحي إلى أنبيائهم ، خلطوا فيه من بعدهم وجعلوا الحقيقة مجازا والمجاز حقيقة ، على نحو ما حققناه في تحريفهم معنى كلمة الله التي عبر بها عن التكوين فجعلوها ذاتا فاعلة خالقة وسماها بعضهم إلها وبعضهم " ابن الله " وتحريفهم معنى روح القدس كذلك ، وكلمة " ابن " المجازية كما بيناه في أواخر تفسير سورة النساء ( ج 3 تفسير ) فلا تتخذ موافقة الوحي لبعض تلك الأساطير شبهة على الوحي . وسنزيد مسألة عبادة الجن بيانا في مواضع أخرى إن شاء الله تعالى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْضَ ضُرُوبِ الشِّرْكِ الَّتِي قَالَ بِهَا بَعْضُ الْعَرَبِ ، وَرَوَى التَّارِيخُ كَثِيرًا مِنْ نَوْعِهَا عَنْ أُمَمِ الْعَجَمِ ، وَهِيَ اتِّخَاذُ شُرَكَاءِ اللَّهِ مِنْ عَالَمِ الْجِنِّ الْمُسْتَتِرِ
[ ص: 538 ] عَنِ الْعُيُونِ ، وَاخْتِرَاعُ نَسْلٍ لَهُ مِنَ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ ، حَكَى هَذَا بَعْدَ تَفْصِيلِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى تَوَحُّدِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ فِي عَوَالِمِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ، وَتُعْقُّبِهِ بِإِنْكَارِهِ وَتَنْزِيهِ الْخَالِقِ الْمُبْدِعِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28977وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ ) أَيْ وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ شُرَكَاءَ - وَفَسَّرَ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءَ بِالْجِنِّ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ النَّحْوِيِّ - وَلَمْ يَقُلْ وَجَعَلُوا الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ ، بَلْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فِي النَّظْمِ لِإِفَادَةِ أَنَّ مَحَلَّ الْغَرَابَةِ وَالنَّكَارَةِ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءُ لَا مُطْلَقَ وُجُودِ الشُّرَكَاءِ . ثُمَّ كَوْنَ الشُّرَكَاءِ مِنَ الْجِنِّ ، فَقَدَّمَ الْأَهَمَّ فَالْمُهِمَّ . وَلَوْ قَالَ وَجَعَلُوا الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ لَأَفَادَ أَنَّ مَوْضِعَ الْإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ الْجِنُّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ لِكَوْنِهِمْ جِنًّا ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلِ الْمُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ شَرِيكٌ مِنْ أَيِ جِنْسٍ كَانَ . وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=28794الْمُرَادِ بِالْجِنِّ هُنَا أَقْوَالٌ أَحَدُهَا : أَنَّهُمُ الْمَلَائِكَةُ فَقَدْ عَبَدُوهُمْ ، رُوِيَ هَذَا عَنْ
قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ . وَالثَّانِي : أَنَّهُمُ الشَّيَاطِينُ فَقَدْ أَطَاعُوهُمْ فِي أُمُورِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي ، رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ وَسَنُشِيرُ إِلَى شَاهِدٍ يَأْتِي لَهُ بَعْدَ عِشْرِينَ آيَةً . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنِّ إِبْلِيسُ ، فَقَدْ عَبَدَهُ أَقْوَامٌ وَسَمَّوْهُ رَبًّا ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَمَّاهُ إِلَهَ الشَّرِّ وَالظُّلْمَةِ ، وَخَصَّ الْبَارِي بِأُلُوهِيَّةِ الْخَيْرِ وَالنُّورِ ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَيَوَانِ وَإِبْلِيسَ خَالِقُ السِّبَاعِ وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالشَّرِّ ، وَرَجَّحَهُ
الرَّازِيُّ وَضَعَّفَ مَا سِوَاهُ وَقَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالزَّنَادِقَةِ الْمَجُوسُ الَّذِينَ قَالُوا : إِنْ كُلَّ خَيْرٍ فِي الْعَالَمِ فَهُوَ مِنْ ( يَزْدَانَ ) وَكُلَّ شَرٍّ فَهُوَ مِنْ ( أَهْرُمَنَ ) أَيْ إِبْلِيسَ ، فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28796كَوْنُ إِبْلِيسَ وَالشَّيَاطِينِ مِنَ الْجِنِّ فَقَطْعِيٌّ ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَلَائِكَةِ مِنْهُمْ فَقِيلَ : إِنَّهُ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُمْ مِنَ الْعَوَالِمِ الْخَفِيَّةِ فَتَصْدُقُ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْجِنِّ ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَجَازِيٌّ ، وَفَسَّرُوا الْجِنَّةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) 37 : 158 بِالْمَلَائِكَةِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ : إِنَّهُ تَعَالَى صَاهَرَ إِلَى الْجِنِّ فَوَلَدَتْ سَرَوَاتُهُمْ لَهُ الْمَلَائِكَةَ وَقَدْ يُقَابِلُ الْجِنَّ بِالْمَلَائِكَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَوْضُوعِ عِبَادَةِ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) 34 : 40 ، 41 فَهَذَا مَعَ آيَةِ الْأَنْعَامِ الْآتِيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) 6 : 121 مِمَّا يَرُدُّ إِنْكَارَ
الرَّازِيِّ لِتَسْمِيَةِ طَاعَةِ الشَّيَاطِينِ عِبَادَةً . ( وَخَلَقَهُمْ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَلَقَ هَؤُلَاءِ الْجَاعِلِينَ لَهُ الشُّرَكَاءَ وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِمْ فِعْلٌ وَلَا تَأْثِيرٌ فِي خَلْقِهِمْ ، أَوْ خَلْقِ الشُّرَكَاءِ الْمَجْعُولِينَ ، كَمَا خَلَقَ غَيْرَهُمْ مِنَ الْعَالَمِينَ ، فَنِسْبَةُ الْجَمِيعِ إِلَيْهِ وَاحِدَةٌ ، وَامْتِيَازُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى بَعْضٍ فِي صِفَاتِهِ وَخَصَائِصِهِ ، أَوْ مَا خُلِقَ مُسْتَعِدًّا لَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَفْضُلُ بِهَا غَيْرَهُ ، لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا ، وَلَا يَجْعَلُهُ أَهْلًا لِأَنَّ يَكُونُ إِلَهًا أَوْ رَبًّا .
[ ص: 539 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28977وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) أَيْ وَاخْتَلَقُوا لَهُ تَعَالَى بِحَمَاقَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ مَا بِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي ، فَسَمَّى مُشْرِكُو الْعَرَبِ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ) 9 : 30 وَهَاكَ بَيَانُ ذَلِكَ : الْخَرْقُ وَالْخَزْقُ وَالْخَرْبُ وَالْخَرْزُ أَلْفَاظٌ فِيهَا مَعْنَى الثَّقْبِ بِإِنْفَاذِ شَيْءٍ فِي الْجِسْمِ ، وَقَالَ
الرَّاغِبُ : الْخَرْقُ قَطْعُ الشَّيْءِ عَلَى سَبِيلِ الْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ تَدَبُّرٍ وَلَا تَفَكُّرٍ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=71أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ) 18 : 71 وَهُوَ ضِدُ الْخَلْقِ ، فَإِنَّ الْخَلْقَ هُوَ فِعْلُ الشَّيْءِ بِتَقْدِيرٍ وَرِفْقٍ ، وَالْخَرْقُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ - وَذَكَرَ الْآيَةَ - وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ ، أَيْ بِغَيْرِ نِظَامٍ وَلَا هَنْدَسَةٍ هُوَ الصَّوَابُ ، وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ : مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَلَا تَدَبُّرٍ ، خَطَأٌ ظَاهِرٌ ، وَيُنَاسِبُ هَذَا مِنْ مَعَانِي الْمَادَّةِ الْخُرْقُ " بِالضَّمِّ " وَهُوَ الْحُمْقُ ضِدُّ الرِّفْقِ . يُقَالُ : خَرُقَ زِيدٌ يَخْرُقُ - بِالضَّمِّ فِيهِمَا - فَهُوَ أَخْرَقُ وَهِيَ خَرْقَاءُ . وَقَالَ صَاحِبُ اللِّسَانِ : وَخَرَقَ " مِنْ بَابِ ضَرَبَ " الْكَذِبَ وَتَخَرَّقَهُ وَخَرَّقَهُ كُلَّهُ اخْتَلَقَهُ ، وَذَكَرَ الْآيَةَ وَأَنَّ
نَافِعًا قَرَأَ " وَخَرَّقُوا " بِالتَّشْدِيدِ وَسَائِرُ الْقُرَّاءِ قَرَءُوا بِالتَّخْفِيفِ ، ثُمَّ قَالَ : وَيُقَالُ : خَلَقَ الْكَلِمَةَ وَاخْتَلَقَهَا وَخَرَقَهَا وَاخْتَرَقَهَا إِذَا ابْتَدَعَهَا كَذِبًا انْتَهَى . وَلَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْخَرْقِ فِي الْأَفْعَالِ ، يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْأَقْوَالِ ، فَالْخَلْقُ الْكَذِبُ الْمُقَدَّرُ الْمُنَظَّمُ ، وَالْخَرْقُ الْكَذِبُ الَّذِي لَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَلَا نِظَامَ ، وَلَا رَوِيَّةَ وَلَا إِنْعَامَ ، فَهَاهُنَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِنَفْيِ التَّدَبُّرِ وَالنَّظَرِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100بِغَيْرِ عِلْمٍ ) قَالَ فِي الْكَشَّافِ : مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمُوا حَقِيقَةَ مَا قَالُوهُ مِنْ خَطَأٍ وَصَوَابٍ ، وَلَكِنْ رَمْيًا بِقَوْلٍ عَنْ عَمًى وَجَهَالَةٍ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَرَوِيَّةٍ انْتَهَى . وَهُوَ بَيَانٌ وَتَوْكِيدٌ لِمَعْنَى ( خَرَقُوا ) فَهَذَا التَّعْبِيرُ مِنْ أَدَقِّ بَلَاغَةِ التَّنْزِيلِ ، وَهُوَ بَيَانُ مَعْنَى الشَّيْءِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَزْيِيفِهِ ، وَتَنْكِيرُ الْعَلَمِ هُنَا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ " بِغَيْرِ " لِلدَّلَالَةِ عَلَى انْسِلَاخِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي خَرْقِهِمْ هَذَا عَنْ كُلِّ مَا يُسَمَّى عِلْمًا ، فَلَا هُمْ عَلَى عِلْمٍ بِمَعْنَى مَا يَقُولُونَ وَلَا عَلَى دَلِيلٍ يُثْبِتُهُ ، وَلَا عَلَى عِلْمٍ بِمَكَانِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَالْبُعْدِ مِنَ الْعَقْلِ ، وَلَا بِمَكَانِهِ مِنَ الشَّنَاعَةِ وَالْإِزْرَاءِ بِمَقَامِ الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ ، إِذْ لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ لَمَا ارْتَضَوْهُ لَأَنَّ أَكْثَرَهُمْ مُؤْمِنُونَ بِخَالِقِهِمْ وَخَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ بِمَا اتَّخَذُوهُ لَهُ مِنْ شَرِيكٍ وَوَلَدٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28977سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) أَيْ هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ مُتَعَالٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يُنَافِي انْفِرَادَهُ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ ، وَكَوْنُهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى سُبْحَانَ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ ، وَالتَّعَالِي الْعُلُوُّ وَالْبُعْدُ عَمَّا لَا يَلِيقُ الَّذِي يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ الْمُتَفَكِّرِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَلَا عَنْهُ وَبَعُدَ عَنْ مُشَابَهَتِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ " تَوَافُدِ الْقَوْمِ " فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ تَعَالَى وَلَدٌ لَكَانَ لَهُ جِنْسٌ يُعَدُّ جَمِيعُ أَفْرَادِهِ - وَلَا سِيَّمَا أَوْلَادُهُ - نُظَرَاءَ لَهُ فِيهِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ عَقْلًا وَنَقْلًا عَنْ جَمِيعِ رُسُلِ اللَّهِ وَجَمِيعِ حُكَمَاءِ الْبَشَرِ
[ ص: 540 ] وَعُقَلَائِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ ، وَلَكِنِ الَّذِينَ اخْتَرَعُوا لِلنَّاسِ عَقَائِدَ الْوَثَنِيَّةِ فِي عُصُورِ الظُّلُمَاتِ وَأَزْمِنَةِ التَّأْوِيلَاتِ ذَهَبُوا هَذِهِ الْمَذَاهِبَ مِنَ الْأَوْهَامِ ، وَلَا نَعْرِفُ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ وَلَدًا وَلَا مَنْشَأَ اخْتِرَاعِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ ، وَأَقْرَبُ الْمَآخِذِ لِذَلِكَ مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَاخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ فَيُرَاجَعْ هُنَالِكَ فِي ج 6 تَفْسِيرٍ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29567_30463عِبَادَةُ الْجِنِّ فَقَدِيمَةٌ فِي الْمِلَلِ الْوَثَنِيَّةِ أَيْضًا . فَفِي الْخُرَافَاتِ الْيُونَانِيَّةِ وَالرُّومَانِيَّةِ يَجْعَلُونَهُمْ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ . الْأُولَى : الْآلِهَةُ وَأَوَّلُهُمُ الْمُوَلِّدُ لَهُمْ أَجِينُوسُ وَهُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ وَهُوَ نَفْسُ ( زِفْسَ ) أَوْ ( جُوبْتِيرَ ) . وَالثَّانِيَةُ : تَوَابِعُ الشُّعُوبِ وَالْأَقْطَارِ وَالْبِلَادِ ، فَلِكُلٍّ مِنْهَا رَبٌّ مِنَ الْجِنِّ مُدَبِّرٌ لَهُ وَمُتَصَرِّفٌ فِيهِ ، وَقَدْ نَصَبَ
الرُّومُ لِجِنِّيِّ رُومِيَّةَ تِمْثَالًا مِنَ الذَّهَبِ . وَالثَّالِثَةُ : تَوَابِعُ الْأَفْرَادِ أَيْ قُرَنَاؤُهُمْ . وَالْهُنُودُ الْقُدَمَاءُ يُقَسِّمُونَ الْجِنَّ إِلَى قِسْمَيْنِ أَخْيَارٌ وَأَشْرَارٌ ، فَيُسَمُّونَ الْأَخْيَارَ ( دِيُوهَ ) وَهُمْ عِنْدَهُمْ فِرَقٌ كَالْآلِهَةِ أَشْهَرُهَا ( الْكَنَّارَةُ ) الَّذِينَ دَأْبُهُمُ التَّرَنُّمُ بِمَدَائِحِ ( بُوَاسِيتَا ) وَيَلِيهَا ( الْيَاكَةُ ) الَّذِينَ يُقَسِّمُونَ الثَّرْوَةَ وَالْغِنَى بَيْنَ النَّاسِ وَ ( الْغَنْدُورَةُ ) وَهُمُ الْعَازِفُونَ لِلشَّمْسِ ، وَيَتَأَلَّفُ مِنْهُمْ أَجْوَاقٌ فِي السَّمَاءِ تَدْخُلُ فِيهَا الْكَنَّارَةُ فَيَسْبُونَ الْعُقُولَ بِتَسْبِيحِهِمْ عَلَى مَعَازِفِهِمْ . وَمِنْهُمُ " الْإِبْسَارَةُ " وَهُنَّ إِنَاثٌ يَمْلَأْنَ الْعَالَمَ كُلَّهُ ، وَمُخْتَارَاتُهُنَّ فِي سَمَاءِ " أَنْدَرَا " يَرْقُصْنَ الرَّقْصَ الْبَهِجَ تَحْتَ أَشْجَارِ الذَّهَبِ وَالْيَاقُوتِ فِي جَنَّةِ " مِنْدَانَا " وَمِنْهُمْ " الرَّاجِينَةُ " وَهُنَّ قِيَانٌ مُوَكَّلَاتٌ بِالْمَعَازِفِ مَقَامُهُنَّ فِي سَمَاءِ " بِرَهْمَا " وَعَدَدُهُنَّ 16 أَلْفًا وَمِنْهُمُ الْفَعَلَةُ الْإِلَهِيُّونَ وَيُسَمَّوْنَ " الْجِيدَارَةَ " وَهُمُ الَّذِينَ بَنَوْا قَصْرَ الْآلِهَةِ وَأَنْشَأُوا جَمِيعَ الْمَبَانِي الْعَجِيبَةِ فِي الْعَالَمِ . وَيُقَسِّمُونَ الْجِنَّ الْأَشْرَارَ إِلَى طَوَائِفَ أَيْضًا ، مِنْهُمْ ( الدِّيتِيَّةُ وَالْأَسْوِرَةُ وَالدَّنَارَةُ وَالرَّشَاقَةُ ) وَيَقُولُونَ : إِنْ مَقَامَهُمْ فِي الظُّلْمَةِ وَأَنَّهُمْ هَاجَمُوا الْآلِهَةَ لِيُنْزِلُوهُمْ عَنْ عُرُوشِهِمْ فَفَرُّوا مِنْهُمْ إِلَى بِلَادِ السَّاقَةِ وَأَرَادُوا أَنْ يَسْلُبُوهُمْ شَجَرَ الْحَيَاةِ . وَعَقَائِدُ الْمَانَوِيَّةِ مِنَ
الْفُرْسِ فِي إِلَهَيِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مَعْرُوفَةٌ ، فِي أَسَاطِيرِ
الْفُرْسِ أَنَّ " جِنِّسْتَانَ " أَيْ بِلَادَ الْجِنِّ فِي غَرْبِيِّ إِفْرِيقِيَّةَ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَأَسَاطِيرُ الْأُمَمِ الْقَدِيمَةِ فِي الْجِنِّ كَثِيرَةٌ .
وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَدْ لَخَّصَ الدُّكْتُورُ
جُورْجُ بُوسْتْ فِي آخِرِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَقَائِدِهِمْ فِي الشَّيْطَانِ قَالَ : الشَّيْطَانُ كَائِنٌ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ أَعْلَى شَأْنًا مِنَ الْإِنْسَانِ وَرَئِيسُ رُتْبَةٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ النَّجِسَةِ " 1 : كو 6 . 3 " وَيُخْبِرُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ بِطَبِيعَتِهِ وَصِفَاتِهِ وَحَالِهِ وَكَيْفِيَّةِ اشْتِغَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَمَقَاصِدِهِ وَنَجَاحِهِ وَنَصِيبِهِ ، فَلَنَا فِي شَخْصِيَّتِهِ نَفْسُ الْبَرَاهِينِ الَّتِي لَنَا فِي شَخْصِيَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْمَلَائِكَةِ ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28796طَبِيعَةُ الشَّيْطَانِ فَرُوحِيَّةٌ وَهُوَ مَلَاكٌ يَمْتَازُ بِكُلِّ مَا تَمْتَازُ بِهِ هَذِهِ الرُّتْبَةُ مِنَ الْكَائِنَاتِ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَوْنِهِ عَدُوًّا لِلَّهِ مَطْرُودًا مِنْ وَجْهِهِ - غَيْرَ أَنَّ طَرْدَهُ إِلَى عَالَمِ الظُّلْمَةِ لَا يَمْنَعُ اشْتِغَالَهُ فِي الْأَرْضِ كَإِلَهِ هَذَا الْعَالَمِ وَعَدُوًّا لِلْإِنْسَانِ وَخَالِقِهِ اهـ .
[ ص: 541 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ كَلَامٌ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ مِمَّا يُؤْثَرُ عَنِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَبَعْضُ مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ وَالتَّقْرِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُلُومِ النَّفْسِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ ، وَعِنْدَنَا أَنَّ مَا يُحْفَظُ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي ذَلِكَ لَهُ أَصِلٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، خَلَطُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِهِمْ وَجَعَلُوا الْحَقِيقَةَ مَجَازًا وَالْمَجَازَ حَقِيقَةً ، عَلَى نَحْوِ مَا حَقَّقْنَاهُ فِي تَحْرِيفِهِمْ مَعْنَى كَلِمَةِ اللَّهِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا عَنِ التَّكْوِينِ فَجَعَلُوهَا ذَاتًا فَاعِلَةً خَالِقَةً وَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ إِلَهًا وَبَعْضُهُمُ " ابْنَ اللَّهِ " وَتَحْرِيفِهِمْ مَعْنَى رُوحِ الْقُدُسِ كَذَلِكَ ، وَكَلِمَةِ " ابْنٍ " الْمَجَازِيَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَاخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ ( ج 3 تَفْسِيرٍ ) فَلَا تُتَّخَذُ مُوَافَقَةُ الْوَحْيِ لِبَعْضِ تِلْكَ الْأَسَاطِيرِ شُبْهَةً عَلَى الْوَحْيِ . وَسَنَزِيدُ مَسْأَلَةَ عِبَادَةِ الْجِنِّ بَيَانًا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .