(
nindex.php?page=treesubj&link=30281التعارض والإشكالات في أحاديث المهدي )
وأما التعارض في أحاديث
المهدي فهو أقوى وأظهر ; والجمع بين الروايات فيه أعسر ، والمنكرون لها أكثر ، والشبهة فيها أظهر ; ولذلك لم يعتد الشيخان بشيء من رواياتها في صحيحيهما . وقد كانت أكبر مثارات الفساد والفتن في الشعوب الإسلامية ; إذ تصدى كثير من محبي الملك والسلطان ، ومن أدعياء الولاية وأولياء الشيطان ، لدعوى المهدوية في الشرق والغرب ، وتأييد دعواهم بالقتال والحرب ، وبالبدع والإفساد في الأرض حتى خرج ألوف الألوف عن هداية السنة النبوية ، ومرق بعضهم من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية .
وقد كان من حق تصديق الجماهير من المتأخرين بخروج مهدي يجدد الإسلام وينشر العدل في جميع الأنام أن يحملهم على الاستعداد لظهوره بتأليف عصبة قوية تنهض بزعامته ، وتساعده على إقامة أركان إمامته ، ولكنهم لم يفعلوا ، بل تركوا ما يجب لحماية البيضة وحفظ سلطان الملة بجمع كلمة الأمة ، وبإعداد ما استطاعوا من حول وقوة فاتكلوا وتواكلوا ، وتنازعوا وتخاذلوا ، ولم يعظهم ما نزع من ملكهم ، وما سلب من مجدهم ، اتكالا على قرب
المهدي ، كأنه هو المعيد المبدئ ، فهو الذي سيرد إليهم
[ ص: 417 ] ملكهم ، ويجدد لهم مجدهم ، ويعيد لهم عدل شرعهم ، وينتقم لهم من أعدائهم ، ولكنه يفعل ذلك بالكرامات ، وما يؤيد به من خوارق العادات لا بالبواريد أو البندقيات الصارخات ولا بالمدافع الصاخات ، ولا بالدبابات المدمرات ، ولا بأساطيل البحار السابحات والغواصات ولا أساطيل المناطيد والطيارات ، ولا بالغازات الخانقات . وقد كانت الحرب بين خاتم النبيين والمشركين سجالا ، وكان المؤمنون ينفرون منه خفافا وثقالا ، فهل يكون
المهدي أهدى منه أعمالا وأحسن حالا ومآلا ؟ كلا .
وقد جاءهم النذير ،
ابن خلدون الشهير ، فصاح فيهم إن لله تعالى سننا في الأمم والدول والعمران ، مطردة في كل زمان ومكان ، كما ثبت في مصحف القرآن ، وصحف الأكوان ، ومنها أن الدول لا تقوم إلا بعصبية ، وأن الأعاجم قد سلبوا العصبية من
قريش والعترة النبوية ، فإن صحت أخبار هذا
المهدي فلن يظهر إلا بعد تجديد عصبية هاشمية علوية ، ولو سمعوا وعقلوا ، لسعوا وعملوا ، ولكان استعدادهم لظهور
المهدي بالاهتداء بسنن الله تعالى رحمة لهم ، تجاه ما كان في أخباره من الفتن والنقم فيهم ، وربما أغناهم عن بعض ما يرجون من زعامته إن لم يغنهم عنه كله .
كانت
اليهود اغترت مثلنا بظواهر ما في كتب أنبيائهم من الأنباء بظهور مسيح فيهم يعيد لهم ما فقدوا من ملك
داود وسليمان ، فاتكلوا على ما فهم أحبارهم منها بمحض التقليد الأصم الذي لا يسمع ، الأعمى الذي لا يبصر ، ومضت القرون في إثر القرون وهم لا يزدادون إلا تفرقا وضعفا ، فلما عرفت أجيالهم الأخيرة سنن الله تعالى في العمران طفقوا يستعدون لاستعادة ذلك الملك والسلطان ، بالسعي إلى إنشاء وطن يهودي خاص بهم يقيمون فيه قواعد العمران ، بإرشاد العلوم والفنون العصرية ، التي يتعلمونها بما يحيون من لغتهم العبرانية ، وقد أنشؤوا لذلك مصرفا ماليا خاصا ، وما زالوا يجمعون لأجله الإعانات بالألوف وألوف الألوف من الدنانير ، حتى إنهم استمالوا لمساعدتهم في هذا العهد ، أقوى دول الأرض .
هذا - والمسلمون لا يزالون يتكلون على ظهور
المهدي ، ويزعم دهماؤهم أنه سينقض لهم سنن الله تعالى أو يبدلها تبديلا ، وهم يتلون قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ( 35 : 43 ) فإذا كان من أشراط الساعة آيات ، وكان زمنها زمن خوارق العادات ، فهل يضرهم أن تأتيهم على هدى من ربهم وإقامة لشرعهم وعزة وسلطان في أرضهم ؟ .
على أنهم أنشؤوا في العصور الأولى عصبيات لأجل
المهدي ، ولكنها جاهلية بل أنشؤوا
المهدي المتنظر ( عج ) نفسه لأجل تلك العصبيات المجوسية ، التي كانت تسعى
[ ص: 418 ] لإزالة ملك الأمة العربية ، وإفساد دينهم الذي أعطاهم الملك والقوة ، ولأجل ذلك كثر الاختلاف في اسم
المهدي ونسبه وصفاته وأعماله ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16850لكعب الأحبار جولة واسعة في تلفيق تلك الأخبار .
(
nindex.php?page=treesubj&link=30281التَّعَارُضُ وَالْإِشْكَالَاتُ فِي أَحَادِيثِ الْمَهْدِيِّ )
وَأَمَّا التَّعَارُضُ فِي أَحَادِيثِ
الْمَهْدِيِّ فَهُوَ أَقْوَى وَأَظْهَرُ ; وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ أَعْسَرُ ، وَالْمُنْكِرُونَ لَهَا أَكْثَرُ ، وَالشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرُ ; وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَدَّ الشَّيْخَانِ بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِهَا فِي صَحِيحَيْهِمَا . وَقَدْ كَانَتْ أَكْبَرَ مَثَارَاتِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ فِي الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ ; إِذْ تَصَدَّى كَثِيرٌ مِنْ مُحِبِّي الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ ، وَمِنْ أَدْعِيَاءِ الْوِلَايَةِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ ، لِدَعْوَى الْمَهْدَوِيَّةِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ ، وَتَأْيِيدِ دَعْوَاهُمْ بِالْقِتَالِ وَالْحَرْبِ ، وَبِالْبِدَعِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى خَرَجَ أُلُوفُ الْأُلُوفِ عَنْ هِدَايَةِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ ، وَمَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ .
وَقَدْ كَانَ مِنْ حَقِّ تَصْدِيقِ الْجَمَاهِيرِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِخُرُوجِ مَهْدِيٍّ يُجَدِّدُ الْإِسْلَامَ وَيَنْشُرُ الْعَدْلَ فِي جَمِيعِ الْأَنَامِ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِظُهُورِهِ بِتَأْلِيفِ عُصْبَةٍ قَوِيَّةٍ تَنْهَضُ بِزَعَامَتِهِ ، وَتُسَاعِدُهُ عَلَى إِقَامَةِ أَرْكَانِ إِمَامَتِهِ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ، بَلْ تَرَكُوا مَا يَجِبُ لِحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَحِفْظِ سُلْطَانِ الْمِلَّةِ بِجَمْعِ كَلِمَةِ الْأُمَّةِ ، وَبِإِعْدَادِ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ حَوْلٍ وَقُوَّةٍ فَاتَّكَلُوا وَتَوَاكَلُوا ، وَتَنَازَعُوا وَتَخَاذَلُوا ، وَلَمْ يَعِظْهُمْ مَا نُزِعَ مَنْ مُلْكِهِمْ ، وَمَا سُلِبَ مِنْ مَجْدِهِمْ ، اتِّكَالًا عَلَى قُرْبِ
الْمَهْدِيِّ ، كَأَنَّهُ هُوَ الْمُعِيدُ الْمُبْدِئُ ، فَهُوَ الَّذِي سَيَرُدُّ إِلَيْهِمْ
[ ص: 417 ] مُلْكَهُمْ ، وَيُجَدِّدُ لَهُمْ مَجْدَهُمْ ، وَيُعِيدُ لَهُمْ عَدْلَ شَرْعِهِمْ ، وَيَنْتَقِمُ لَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ ، وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْكَرَامَاتِ ، وَمَا يُؤَيَّدُ بِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَا بِالْبَوَارِيدِ أَوِ الْبُنْدُقِيَّاتِ الصَّارِخَاتِ وَلَا بِالْمَدَافِعِ الصَّاخَّاتِ ، وَلَا بِالدَّبَّابَاتِ الْمُدَمِّرَاتِ ، وَلَا بِأَسَاطِيلِ الْبِحَارِ السَّابِحَاتِ وَالْغَوَّاصَاتِ وَلَا أَسَاطِيلِ الْمَنَاطِيدِ وَالطَّيَّارَاتِ ، وَلَا بِالْغَازَاتِ الْخَانِقَاتِ . وَقَدْ كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ سِجَالًا ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَنْفِرُونَ مِنْهُ خِفَافًا وَثِقَالًا ، فَهَلْ يَكُونُ
الْمَهْدِيُّ أَهْدَى مِنْهُ أَعْمَالًا وَأَحْسَنُ حَالًا وَمَآلًا ؟ كَلَّا .
وَقَدْ جَاءَهُمُ النَّذِيرُ ،
ابْنُ خَلْدُونَ الشَّهِيرُ ، فَصَاحَ فِيهِمْ إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى سُنَنًا فِي الْأُمَمِ وَالدُّوَلِ وَالْعُمْرَانِ ، مُطَّرِدَةً فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، كَمَا ثَبَتَ فِي مُصْحَفِ الْقُرْآنِ ، وَصُحُفِ الْأَكْوَانِ ، وَمِنْهَا أَنَّ الدُّوَلَ لَا تَقُومُ إِلَّا بِعَصَبِيَّةٍ ، وَأَنَّ الْأَعَاجِمَ قَدْ سَلَبُوا الْعَصَبِيَّةَ مِنْ
قُرَيْشٍ وَالْعِتْرَةَ النَّبَوِيَّةَ ، فَإِنْ صَحَّتْ أَخْبَارُ هَذَا
الْمَهْدِيِّ فَلَنْ يَظْهَرَ إِلَّا بَعْدَ تَجْدِيدِ عَصَبِيَّةٍ هَاشِمِيَّةٍ عَلَوِيَّةٍ ، وَلَوْ سَمِعُوا وَعَقَلُوا ، لَسَعَوْا وَعَمِلُوا ، وَلَكَانَ اسْتِعْدَادُهُمْ لِظُهُورِ
الْمَهْدِيِّ بِالِاهْتِدَاءِ بِسُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةً لَهُمْ ، تِجَاهَ مَا كَانَ فِي أَخْبَارِهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالنِّقَمِ فِيهِمْ ، وَرُبَّمَا أَغْنَاهُمْ عَنْ بَعْضِ مَا يَرْجُونَ مِنْ زَعَامَتِهِ إِنْ لَمْ يُغْنِهِمْ عَنْهُ كُلَّهُ .
كَانَتِ
الْيَهُودُ اغْتَرَّتْ مِثْلنَا بِظَوَاهِرِ مَا فِي كُتُبِ أَنْبِيَائِهِمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ بِظُهُورِ مَسِيحٍ فِيهِمْ يُعِيدُ لَهُمْ مَا فَقَدُوا مِنْ مُلْكِ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ، فَاتَّكَلُوا عَلَى مَا فَهِمَ أَحْبَارُهُمْ مِنْهَا بِمَحْضِ التَّقْلِيدِ الْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ ، الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِرُ ، وَمَضَتِ الْقُرُونُ فِي إِثْرِ الْقُرُونِ وَهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا تَفَرُّقًا وَضَعْفًا ، فَلَمَّا عَرَفَتْ أَجْيَالُهُمُ الْأَخِيرَةُ سُنَنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُمْرَانِ طَفِقُوا يَسْتَعِدُّونَ لِاسْتِعَادَةِ ذَلِكَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ ، بِالسَّعْيِ إِلَى إِنْشَاءِ وَطَنٍ يَهُودِيٍّ خَاصٍّ بِهِمْ يُقِيمُونَ فِيهِ قَوَاعِدَ الْعُمْرَانِ ، بِإِرْشَادِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْعَصْرِيَّةِ ، الَّتِي يَتَعَلَّمُونَهَا بِمَا يُحْيُونَ مِنْ لُغَتِهِمُ الْعِبْرَانِيَّةِ ، وَقَدْ أَنْشَؤُوا لِذَلِكَ مَصْرَفًا مَالِيًّا خَاصًّا ، وَمَا زَالُوا يَجْمَعُونَ لِأَجْلِهِ الْإِعَانَاتِ بِالْأُلُوفِ وَأُلُوفِ الْأُلُوفِ مِنَ الدَّنَانِيرِ ، حَتَّى إِنَّهُمُ اسْتَمَالُوا لِمُسَاعَدَتِهِمْ فِي هَذَا الْعَهْدِ ، أَقْوَى دُوَلِ الْأَرْضِ .
هَذَا - وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَزَالُونَ يَتَّكِلُونَ عَلَى ظُهُورِ
الْمَهْدِيِّ ، وَيَزْعُمُ دَهْمَاؤُهُمْ أَنَّهُ سَيَنْقُضُ لَهُمْ سُنَنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ يُبَدِّلُهَا تَبْدِيلًا ، وَهُمْ يَتْلُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=43فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ( 35 : 43 ) فَإِذَا كَانَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ آيَاتٌ ، وَكَانَ زَمَنُهَا زَمَنَ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ ، فَهَلْ يَضُرُّهُمْ أَنْ تَأْتِيَهُمْ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَإِقَامَةٍ لِشَرْعِهِمْ وَعِزَّةٍ وَسُلْطَانٍ فِي أَرْضِهِمْ ؟ .
عَلَى أَنَّهُمْ أَنْشَؤُوا فِي الْعُصُورِ الْأُولَى عَصَبِيَّاتٍ لِأَجْلِ
الْمَهْدِيِّ ، وَلَكِنَّهَا جَاهِلِيَّةٌ بَلْ أَنْشَؤُوا
الْمَهْدِيَّ الْمُتَنَظَرَ ( عَجَّ ) نَفْسَهُ لِأَجْلِ تِلْكَ الْعَصَبِيَّاتِ الْمَجُوسِيَّةِ ، الَّتِي كَانَتْ تَسْعَى
[ ص: 418 ] لِإِزَالَةِ مُلْكِ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَإِفْسَادِ دِينِهِمُ الَّذِي أَعْطَاهُمُ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي اسْمِ
الْمَهْدِيِّ وَنَسَبِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16850لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ جَوْلَةٌ وَاسِعَةٌ فِي تَلْفِيقِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ .