[ ص: 27 ]   ( عقيدة الصلب والفداء وثنية    ) اعترف أمامنا كثير من الذين قالوا : إنهم نصارى ، بأن كلا من هذه العقيدة ، وعقيدة التثليث لا تعقل ، وأن العمدة عندهم النقل عن كتبهم المقدسة ، فلما كانت تلك الكتب ثابتة عندهم وجب أن يقبلوا جميع ما فيها ، سواء عقل أم لم يعقل ، ويقول بعضهم : إن كل دين من الأديان فيه عقائد وأخبار يجزم العقل باستحالتها ، ولكنها تؤخذ بالتسليم . 
ونحن نقول : إنه ليس في عقائد الإسلام شيء يحكم العقل باستحالته ، وإنما فيه أخبار عن عالم الغيب لا يستقل العقل بمعرفتها ; لعدم الاطلاع على ذلك العالم ، ولكنها كلها من الممكنات أخبر بها الوحي ، فصدقناه ، فالإسلام لا يكلف أحدا أن يأخذ بالمحال . 
وأما نقلهم هذه العقيدة عن كتبهم ( وسيأتي البحث فيه ) فهو معارض بنقل مثله عن كتب الوثنيين وتقاليدهم ، فهذه عقيدة وثنية محضة سرت إلى النصارى  من الوثنيين ، كما بينه علماء أوربة  الأحرار ، ومؤرخوهم ، وعلماء الآثار والعاديات منهم في كتبهم . 
قال ( دوان    ) في كتابه : " خرافات التوراة وما يقابلها من الديانات الأخرى " ( . ص 181 ، 182 ) ما ترجمته بالتلخيص : 
" إن تصور الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فداء عن الخطيئة ، قديم العهد جدا عند الهنود الوثنيين ، وغيرهم " وذكر الشواهد على ذلك : 
منها قوله : يعتقد الهنود أن كرشنا  المولود البكر ، الذي هو نفس الإله فشنو الذي لا ابتداء له ولا انتهاء - على رأيهم - تحرك حنوا كي يخلص الأرض من ثقل حملها ، فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه . 
وذكر أن ( مستر مور    ) قد صور كرشنا  مصلوبا ، كما هو مصور في كتب الهنود  ، مثقوب اليدين والرجلين ، وعلى قميصه صورة قلب الإنسان معلقا . ووجدت له صورة مصلوبا وعلى رأسه إكليل من الذهب ، والنصارى  تقول : إن يسوع  صلب وعلى رأسه إكليل من الشوك . 
وقال ( هوك    ) في ص 326 من المجلد الأول من رحلته : " ويعتقد الهنود الوثنيون بتجسد أحد الآلهة ، وتقديم نفسه ذبيحة فداء للناس من الخطيئة " . 
وقال ( مورينورليمس    ) في ص 36 من كتابه ( الهنود    ) : ويعتقد الهنود الوثنيون بالخطيئة الأصلية ، ومما يدل على ذلك ما جاء في مناجاتهم ، وتوسلاتهم التي يتوسلون بها بعد " الكياتري " وهو : إني مذنب ، ومرتكب الخطيئة ، وطبيعتي شريرة ، وحملتني أمي بالإثم ، فخلصني يا ذا العين الحندوقية ، يا مخلص الخاطئين من الآثام والذنوب " . 
 [ ص: 28 ] وقال القس جورك كوكس  في كتابه ( الديانات القديمة ) في سياق الكلام عن الهنود    : " ويصفون كرشنا  بالبطل الوديع المملوء لاهوتا لأنه قدم شخصه ذبيحة " . 
ونقل هيجين  عن ( أندرادا الكروزويوس    ) وهو أول أوربي دخل بلاد النيبال  والتبت  ، أنه قال في الإله ( أندرا ) الذي يعبدونه : إنه سفك دمه بالصلب وثقب المسامير ، لكي يخلص البشر من ذنوبهم ، وإن صورة الصليب موجودة في كتبهم . 
وفي كتاب جورجيوس الراهب  صورة الإله ( أندرا ) هذا مصلوبا ، وهو بشكل صليب أضلاعه متساوية العرض متفاوتة الطول ، فالرأسي أقصرها ( وفيه صورة وجهه ) والسفلي أطولها ، ولولا صورة الوجه لما خطر لمن يرى الصورة أنها تمثل شخصا . 
هذا ، وأما ما يروى عن البوذيين  في ( بوذه ) هو أكثر انطباقا على ما يرويه النصارى  عن المسيح  ، من جميع الوجوه . حتى إنهم يسمونه المسيح  ، والمولود الوحيد ، ومخلص العالم ، ويقولون : إنه إنسان كامل ، وإله كامل تجسد بالناسوت ، وإنه قدم نفسه ذبيحة ; ليكفر ذنوب البشر ، ويخلصهم من ذنوبهم ، فلا يعاقبون عليها ، ويجعلهم وارثين لملكوت السماوات . 
بين ذلك كثير من علماء الغرب ، منهم ( بيل    ) في كتابه ( تاريخ بوذه    ) و ( هوك    ) في رحلته و ( مولر    ) في كتابه ( تاريخ الآداب السنسكريتية ) وغيرهم . 
ومن أراد المقابلة بين إله النصارى  ، وآلهة الوثنيين الأولين في الشرق والغرب ، فعليه أن يقرأ كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ، فهل يتصور من مسلم هداه الله بالإسلام إلى التوحيد الخالص ، والدين القيم دين العقل والفطرة المبني على تكريم نوع الإنسان أن يستحب العمى على الهدى ، فيرضى لنفسه التخبط في ظلمات العقائد الوثنية ؟ ! 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					