(
nindex.php?page=treesubj&link=28976_28890_34038إكمال الدين بالقرآن )
لم أر لعالم من حكماء الشريعة الإسلامية كلاما في هذه المسألة العظيمة مثل كلام الإمام
أبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي الغرناطي ، فقد ذكرها في غير ما موضع من كتابه ( الموافقات ) الذي لم يؤلف مثله في أصول الإسلام وحكمته ، ومن أوسع كلامه فيها ما ذكره في الطرف الثاني من كتاب " الأدلة الشرعية " منه ، وقد رأينا أن نلخصه هنا تلخيصا ، قال رحمه الله - تعالى - في ( المسألة السادسة ) منه :
[ ص: 131 ] "
nindex.php?page=treesubj&link=28900_29568_28899القرآن فيه بيان كل شيء على ذلك الترتيب المتقدم ، فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ، لا يعوزه منها شيء ، والدليل على ذلك أمور ( منها ) النصوص القرآنية من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم الآية ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ( 16 : 89 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ما فرطنا في الكتاب من شيء ( 6 : 38 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( 17 : 9 ) يعني الطريقة المستقيمة ، ولو لم يكمل فيه جميع معانيها - أي الشريعة - لما صح إطلاق هذا المعنى عليه حقيقة . وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما في الصدور ، ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء . ومنها ما جاء من الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك ; كقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919288إن هذا القرآن حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه ، لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد ، إلخ ; فكونه حبل الله بإطلاق والشفاء النافع إلى تمامه ، دليل على كمال الأمر فيه ، ونحو هذا في حديث
علي عن النبي عليه السلام ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : أن كل مؤدب يجب أن يؤتى أدبه ، وأن أدب الله القرآن .
nindex.php?page=hadith&LINKID=919290وسئلت عائشة عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : كان خلقه القرآن ، وصدق ذلك قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم ( 68 : 4 ) .
ثم أورد
الشاطبي طائفة من كلام علماء السلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم في تأييد هذه المسألة ، وقال :
" ولقائل أن يقول : إن هذا غير صحيح لما ثبت في الشريعة من المسائل والقواعد غير الموجودة في القرآن ، وإنما وجدت في السنة ، ويصدق ذلك ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919291 " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه " وهذا ذم ومعناه اعتماد
[ ص: 132 ] السنة أيضا ، ويصححه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( 4 : 59 ) الآية ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران : الرد إلى الله : الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول إذا كان حيا فلما قبضه الله - تعالى - فالرد إلى سنته . ومثله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=36وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ( 33 : 36 ) الآية . يقال : إن
nindex.php?page=treesubj&link=27860السنة يؤخذ بها على أنها بيان لكتاب الله بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم ( 16 : 44 ) وهو جمع بين الأدلة ; لأنا نقول : إن كانت السنة بيانا للكتاب ففي أحد قسميها ; فالقسم الآخر زيادة على حكم الكتاب ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها ، وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع ، وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي بن أبي طالب : هل عندكم كتاب ؟ قال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة ، قال : قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر ، وهذا وإن كان فيه دليل على أنه لا شيء عندهم إلا كتاب الله ، ففيه دليل أن عندهم ما ليس في كتاب الله ، وهو خلاف ما أصلت . والجواب عن ذلك مذكور في الدليل الثاني ، وهو السنة بحول الله . اهـ .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28976_28890_34038إِكْمَالُ الدِّينِ بِالْقُرْآنِ )
لَمْ أَرَ لِعَالَمٍ مِنْ حُكَمَاءِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَلَامًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَظِيمَةِ مِثْلَ كَلَامِ الْإِمَامِ
أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى اللَّخْمِيِّ الشَّاطِبِيِّ الْغِرْنَاطِيِّ ، فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ( الْمُوَافِقَاتِ ) الَّذِي لَمْ يُؤَلَّفْ مِثْلَهُ فِي أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَحِكْمَتِهِ ، وَمِنْ أَوْسَعِ كَلَامِهِ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الطَّرَفِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ " الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ " مِنْهُ ، وَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نُلَخِّصَهُ هُنَا تَلْخِيصًا ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي ( الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ ) مِنْهُ :
[ ص: 131 ] "
nindex.php?page=treesubj&link=28900_29568_28899الْقُرْآنُ فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ ، فَالْعَالِمُ بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ عَالِمٌ بِجُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ ، لَا يَعُوزُهُ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ ( مِنْهَا ) النُّصُوصُ الْقُرْآنِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ( 16 : 89 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ( 6 : 38 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ( 17 : 9 ) يَعْنِي الطَّرِيقَةَ الْمُسْتَقِيمَةَ ، وَلَوْ لَمْ يُكْمِلْ فِيهِ جَمِيعَ مَعَانِيهَا - أَيِ الشَّرِيعَةِ - لَمَا صَحَّ إِطْلَاقُ هَذَا الْمَعْنَى عَلَيْهِ حَقِيقَةً . وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ هُدًى وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ، وَلَا يَكُونُ شِفَاءً لِجَمِيعِ مَا فِي الصُّدُورِ إِلَّا وَفِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ . وَمِنْهَا مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْمُؤْذِنَةِ بِذَلِكَ ; كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919288إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ وَلَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَلَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ ، إِلَخْ ; فَكَوْنُهُ حَبْلَ اللَّهِ بِإِطْلَاقٍ وَالشِّفَاءَ النَّافِعِ إِلَى تَمَامِهِ ، دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الْأَمْرِ فِيهِ ، وَنَحْوُ هَذَا فِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ كُلَّ مُؤَدِّبٍ يَجِبُ أَنْ يُؤْتَى أُدُبَهُ ، وَأَنَّ أُدُبَ اللَّهِ الْقُرْآنُ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=919290وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ، وَصِدْقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 68 : 4 ) .
ثُمَّ أَوْرَدَ
الشَّاطِبِيُّ طَائِفَةً مِنْ كَلَامِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي تَأْيِيدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَالَ :
" وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ مِنَ الْمَسَائِلِ وَالْقَوَاعِدِ غَيْرِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا وُجِدَتْ فِي السُّنَّةِ ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919291 " لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي ، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ " وَهَذَا ذَمٌّ وَمَعْنَاهُ اعْتِمَادُ
[ ص: 132 ] السُّنَّةِ أَيْضًا ، وَيُصَحِّحُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ( 4 : 59 ) الْآيَةَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17188مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ : الرَّدُّ إِلَى كِتَابِهِ ، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ إِذَا كَانَ حَيًّا فَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَالرَّدُّ إِلَى سُنَّتِهِ . وَمِثْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=36وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ( 33 : 36 ) الْآيَةَ . يُقَالُ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27860السُّنَّةَ يُؤْخَذُ بِهَا عَلَى أَنَّهَا بَيَانٌ لِكِتَابِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( 16 : 44 ) وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ; لِأَنَّا نَقُولُ : إِنْ كَانَتِ السُّنَّةُ بَيَانًا لِلْكِتَابِ فَفِي أَحَدِ قِسْمَيْهَا ; فَالْقِسْمُ الْآخَرُ زِيَادَةٌ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابِ ، كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ، وَتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، وَقِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ ؟ قَالَ : لَا ، إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ، قَالَ : قُلْتُ : وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ؟ قَالَ : الْعَقْلُ ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُمْ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ ، فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ عِنْدَهُمْ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَصَّلْتَ . وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الدَّلِيلِ الثَّانِي ، وَهُوَ السُّنَّةُ بِحَوْلِ اللَّهِ . اهـ .