( المسألة الثالثة ) :
nindex.php?page=treesubj&link=28325_27860السنة راجعة في معناها إلى الكتاب ; فهي تفصيل مجمله ، وبيان مشكله ، وبسط مختصره ; وذلك لأنها بيان له ، وهو الذي دل عليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ( 16 : 44 ) فلا تجد في السنة أمرا إلا والقرآن قد دل على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية ، وأيضا فكل ما دل على أن القرآن هو كلية الشريعة وينبوع لها ; فهو دليل على ذلك ، ولأن الله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم ( 68 : 4 ) وفسرت
عائشة ذلك بأن خلقه القرآن ، واقتصرت في خلقه على ذلك ، فدل على أن قوله وفعله وإقراره راجع إلى القرآن ، لأن الخلق محصور في هذه الأشياء ، ولأن الله جعل القرآن تبيانا لكل شيء ، فيلزم من ذلك أن تكون السنة حاصلة فيه في الجملة ; لأن الأمر والنهي أول ما في الكتاب . ومثله قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ما فرطنا في الكتاب من شيء ( 6 : 38 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ( 5 : 3 )
[ ص: 135 ] وهو يريد : بإنزال القرآن ، فالسنة إذا في محصول الأمر بيان لما فيه ، وذلك معنى كونها راجعة إليه ، وأيضا فالاستقراء التام دل على ذلك ، حسبما يذكر بعد بحول الله ، وقد تقدم في أول كتاب الأدلة أن السنة راجعة إلى الكتاب ، وإلا وجب التوقف عن قبولها ، وهو أصل كاف في هذا المقام " .
ثم أورد
الشاطبي الشبهات على هذا مع ردها ، وملخصها أنه غير صحيح من أوجه :
( 1 ) الآيات الواردة في
nindex.php?page=treesubj&link=28328_28750تحكيم النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعه وطاعته ، وأخذ ما أعطى والانتهاء عما نهى ، وحذر المخالفة عن أمره .
( 2 ) الأحاديث الدالة على ذم ترك السنة .
( 3 ) الاستقراء الدال على أن في السنة أحكاما كثيرة لم ينص عليها القرآن ; كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها ، وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع .
( 4 ) " إن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة ; إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء ، فأطرحوا أحكام السنة ، فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله . وأورد بعض الأخبار والآثار عن الصحابة في ذلك .
ثم أجاب بأن هذه الوجوه المذكورة لا حجة فيها على خلاف ما تقدم ، وتكلم عن كل وجه منها . وملخص الجواب عن الوجه الأول والثاني : أن السنة تطاع لأنها بيان للقرآن ، فطاعة الله العمل بكتابه ، وطاعة الرسول العمل بما بين به كتاب الله - تعالى - قولا أو عملا أو حكما ، ولو كان في السنة شيء لا أصل له في الكتاب لم تكن بيانا له ، ولا يخرج من هذا ما في السنة من التفصيل لأحكام القرآن الإجمالية وإن كان تتراءى أنها ليست منه كالصلاة المجملة في القرآن ، المفصلة في السنة ، ولكننا علمنا بهذا التفصيل أنه هو مراد الله من الصلاة التي ذكرها في كتابه مجملة . وملخص الجواب عن الرابع : أن خروج أولئك
الخوارج عن السنة لمكان اتباعهم الرأي والهوى ، وإطراحهم السنن المبينة للقرآن ; يعني أنهم جعلوا بيانهم له أولى من بيان الرسول الذي جعله الله مبينا له . وقال في هذا الموضع : نعم يجوز أن تأتي السنة بما ليس فيه مخالفة ولا موافقة ، بل بما يكون مسكوتا عنه في القرآن ، إلا إذا قام البرهان على خلاف هذا الجائز ، وهو الذي ترجم له في هذه المسألة ; فحينئذ ، لا بد في كل حديث من الموافقة لكتاب الله ، كما صرح به الحديث المذكور ; فمعناه صحيح صح سنده أولا ; أي فهذا الأمر الجائز غير واقع ، والمراد بالحديث الذي أشار إليه الحديث الذي فيه وجوب موافقة الحديث للقرآن بعد عرضه عليه ، وقد أطال في تأييده .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) :
nindex.php?page=treesubj&link=28325_27860السُّنَّةُ رَاجِعَةٌ فِي مَعْنَاهَا إِلَى الْكِتَابِ ; فَهِيَ تَفْصِيلُ مُجْمَلِهِ ، وَبَيَانُ مُشْكَلِهِ ، وَبَسْطُ مُخْتَصَرِهِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهَا بَيَانٌ لَهُ ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( 16 : 44 ) فَلَا تَجِدُ فِي السُّنَّةِ أَمْرًا إِلَّا وَالْقُرْآنُ قَدْ دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُ دَلَالَةً إِجْمَالِيَّةً أَوْ تَفْصِيلِيَّةً ، وَأَيْضًا فَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ كُلِّيَّةُ الشَّرِيعَةِ وَيَنْبُوعٌ لَهَا ; فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لِعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( 68 : 4 ) وَفَسَّرَتْ
عَائِشَةُ ذَلِكَ بِأَنَّ خُلُقَهُ الْقُرْآنُ ، وَاقْتَصَرَتْ فِي خُلُقِهِ عَلَى ذَلِكَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَفِعْلَهُ وَإِقْرَارَهُ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ ، لِأَنَّ الْخُلُقَ مَحْصُورٌ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْقُرْآنَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ حَاصِلَةً فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ أَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ( 6 : 38 ) وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ( 5 : 3 )
[ ص: 135 ] وَهُوَ يُرِيدُ : بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ ، فَالسُّنَّةُ إِذًا فِي مَحْصُولِ الْأَمْرِ بَيَانٌ لِمَا فِيهِ ، وَذَلِكَ مَعْنَى كَوْنِهَا رَاجِعَةً إِلَيْهِ ، وَأَيْضًا فَالِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ، حَسْبَمَا يُذْكَرُ بَعْدُ بِحَوْلِ اللَّهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَدِلَّةِ أَنَّ السُّنَّةَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْكِتَابِ ، وَإِلَّا وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْ قَبُولِهَا ، وَهُوَ أَصْلٌ كَافٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ " .
ثُمَّ أَوْرَدَ
الشَّاطِبِيُّ الشُّبَهَاتِ عَلَى هَذَا مَعَ رَدِّهَا ، وَمُلَخَّصُهَا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ أَوْجُهٍ :
( 1 ) الْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28328_28750تَحْكِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ ، وَأَخْذِ مَا أَعْطَى وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى ، وَحَذَّرَ الْمُخَالِفَةَ عَنْ أَمْرِهِ .
( 2 ) الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَمِّ تَرْكِ السُّنَّةِ .
( 3 ) الِاسْتِقْرَاءُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ فِي السُّنَّةِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ ; كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ، وَتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ .
( 4 ) " إِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْكِتَابِ رَأْيُ قَوْمٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ خَارِجِينَ عَنِ السُّنَّةِ ; إِذْ عَوَّلُوا عَلَى مَا بَنَيْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْكِتَابَ فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ ، فَأَطْرَحُوا أَحْكَامَ السُّنَّةِ ، فَأَدَّاهُمْ ذَلِكَ إِلَى الِانْخِلَاعِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ . وَأَوْرَدَ بَعْضَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ .
ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ الْمَذْكُورَةَ لَا حُجَّةَ فِيهَا عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ، وَتَكَلَّمَ عَنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْهَا . وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي : أَنَّ السُّنَّةَ تُطَاعُ لِأَنَّهَا بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ ، فَطَاعَةُ اللَّهِ الْعَمَلُ بِكِتَابِهِ ، وَطَاعَةُ الرَّسُولِ الْعَمَلُ بِمَا بَيَّنَ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ - تَعَالَى - قَوْلًا أَوْ عَمَلًا أَوْ حُكْمًا ، وَلَوْ كَانَ فِي السُّنَّةِ شَيْءٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْكِتَابِ لَمْ تَكُنْ بَيَانًا لَهُ ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا مَا فِي السُّنَّةِ مِنَ التَّفْصِيلِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَإِنْ كَانَ تَتَرَاءَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ الْمُجْمَلَةِ فِي الْقُرْآنِ ، الْمُفَصَّلَةِ فِي السُّنَّةِ ، وَلَكِنَّنَا عَلِمْنَا بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ هُوَ مُرَادُ اللَّهِ مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ مُجْمَلَةً . وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ عَنِ الرَّابِعِ : أَنَّ خُرُوجَ أُولَئِكَ
الْخَوَارِجِ عَنِ السُّنَّةِ لِمَكَانِ اتِّبَاعِهِمُ الرَّأْيَ وَالْهَوَى ، وَإِطْرَاحِهِمُ السُّنَنَ الْمُبَيِّنَةَ لِلْقُرْآنِ ; يَعْنِي أَنَّهُمْ جَعَلُوا بَيَانَهُمْ لَهُ أَوْلَى مِنْ بَيَانِ الرَّسُولِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَيِّنًا لَهُ . وَقَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ السُّنَّةُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَلَا مُوَافَقَةٌ ، بَلْ بِمَا يَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ ، إِلَّا إِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْجَائِزِ ، وَهُوَ الَّذِي تَرْجَمَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; فَحِينَئِذٍ ، لَا بُدَّ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ; فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ صَحَّ سَنَدُهُ أَوَّلًا ; أَيْ فَهَذَا الْأَمْرُ الْجَائِزُ غَيْرُ وَاقِعٍ ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ وُجُوبُ مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ لِلْقُرْآنِ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ أَطَالَ فِي تَأْيِيدِهِ .