nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28976_17134قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله الطيب : ضد الخبيث ، والمقابلة بينهما في القرآن كثيرة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=100قل لا يستوي الخبيث والطيب ( 5 : 100 ) وقد استعملا في الأناسي والأشياء والأفعال والأقوال ، ومنه مثل الكلمة الخبيثة والكلمة الطيبة في سورة إبراهيم ، ومنه
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=15بلدة طيبة ( 34 : 15 ) قال
الراغب : المخبث والخبيث ما يكره رداءة وخساسة محسوسا كان أم معقولا ، وأصله : الرديء الدخلة الجاري مجرى خبث الحديد . اهـ . وقال في الحرف الآخر : وأصل الطيب ما تستلذه الحواس ، وما تستلذه النفس . اهـ . فجعل الطيب أخص من مقابله في بابه ، والصواب ما قلناه ، والطيبات من الطعام هي ما تستطيبه النفوس السليمة الفطرة المعتدلة المعيشة ، بمقتضى طبعها ، فتأكله باشتهاء ، وما أكله الإنسان باشتهاء هو الذي يسيغه ويهضمه بسهولة ، فيتغذى به غذاء صالحا ، وما يستخبثه ويعافه لا يسهل عليه هضمه ، ولا ينال منه غذاء صالحا ، بل يضره غالبا فما حرمه الله في الآية السابقة خبيث بشهادة الله الموافقة لفطرته التي فطر الناس عليها ، فما زال السواد الأعظم من أصحاب الطباع السليمة والفطرة المعتدلة يعافون
nindex.php?page=treesubj&link=33220أكل الميتة حتف أنفها ، وما مثلها من فرائس السباع والمترديات والنطائح ونحوها ، وكذلك الدم المسفوح ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=33217لحم الخنزير فإنما يعافه من يعرف ضرره وانهماكه في أكل الأقذار . و " الجوارح " : جمع جارحة ، وهي الصائدة من الكلاب والفهود والطيور كما قال الراغب .
قال المفسرون : سميت الصوائد جوارح من الجرح ، بمعنى الكسب ; فهي كالكاسب من الناس ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ويعلم ما جرحتم بالنهار ( 6 : 60 ) أي : كسبتم ، وقيل : من الجرح : بمعنى الخدش ، أي إن من شأنها أن تجرح ما تصيده . و " مكلبين " اسم فاعل من التكليب ، وهو تعليم الجوارح وتأديبها وإضراؤها بالصيد ، وأصله تعليم الكلاب ، غلب لأنه الأكثر ، وقيل : إنه من الكلب بالتحريك ، بمعنى الضراوة ، يقال : هو كلب - ككتف - بكذا ، إذا كان ضاريا به ، وموضع
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4مكلبين : النصب على الحال ، وكذلك جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4تعلمونهن مما علمكم الله أو هي استئناف ، أي : أنتم تعلمونهن مما علمكم الله ، أي مما ألهمكم الله إياه وهداكم إليه من ترويضها والانتفاع بتعليمها ، وما ألهمكم ذلك الانتفاع إلا وهو يبيحه لكم ، ونكتة هذه الجملة على القول بأنها حالية مراعاة استمرار تعاهد الجوارح بالتعليم ; لأن إغفالها ينسيها ما تعلمت ، فتصطاد لنفسها ولا تمسك على صاحبها ، وإمساكها عليه
[ ص: 142 ] شرط لحل صيدها ، نص عليه في الجملة التي بعد هذه ، وهذا التعليل الذي ألهمنيه الله - تعالى - أظهر مما قالوه من أنه المبالغة في اشتراط التعليم ، وإذا كانت الجملة استئنافا فنكتتها تذكير الناس بفضل الله عليهم بهدايتهم إلى مثل هذا التعليم على سنة القرآن في مزج الأحكام بما يغذي التوحيد وينمي الاعتراف بفضل الله وشكر نعمه . وغاية
nindex.php?page=treesubj&link=17136_17137_17138_17139تعليم الجارح أن يتبع الصيد بإغراء معلمه أو الصائد به ، ويجيب دعوته وينزجر بزجره ، ويمسك الصيد عليه .
والمعنى : أحل لكم أكل الطيبات كلها ، وصيد ما علمتم من الجوارح بشرطه . أما الطيبات فظاهر الحصر في آيتي الأنعام والنحل أن كل ما عدا المنصوص من المحرمات طيب فهو حلال ، ولولاه لكان الظاهر أن يقال : إن من الطعام ما هو خبيث محرم بنص الكتاب ، وهو ما ذكر في الآية السابقة ، ومنه ما هو طيب حل بنص الكتاب ; كبهيمة الأنعام وصيد البر والبحر ، أي ما شأنه أن يصاد منهما . فأما البحر فكل حيوانه يصاد ، وأما البر فإنما يصاد منه للأكل في العادة والعرف الغالب ، ما عدا سباع الوحش والطير ، فتكون هذه السباع حراما ، وهو ظاهر حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919302نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير . وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=1500أبي ثعلبة الخشني :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919299nindex.php?page=treesubj&link=33213كل ذي ناب من السباع فأكله حرام رواهما
أحمد ومسلم وأصحاب السنن ، ما عدا
الترمذي في الأول ،
وأبا داود في الثاني . ومن أخذ بالحصر في الآيتين جعل النهي عما ذكر نهي كراهة ، وهو المشهور من مذهب
مالك ، كما قاله
ابن العربي ، وقال
ابن رسلان : مشهور مذهبه على إباحة ذلك ، وهو لا ينافي كراهة التنزيه ، وكأنه يرى أن حديث
أبي ثعلبة مروي بالمعنى إن كان قد بلغه . والسبع عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ما يعدو على الناس والحيوان ; فيخرج الضبع والثعلب ; لأنهما لا يعدوان على الناس ، وعند
أبي حنيفة كل ما أكل اللحم ، قالوا : فيدخل فيه الضبع والضب والنمر واليربوع والفيل ، على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاز أكل الضب ، كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في الصحيحين وغيرهما ، وأحاديث أخرى ، وصرح بأنه يعافه لأنه لم يكن في أرض قومه . وأجاز
nindex.php?page=treesubj&link=33206أكل الضبع ، رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحاب السنن وغيرهم ، وصححه
الترمذي وغيره ، وهو يدل لما ذكرناه من أخذ تحريم السباع من مفهوم الصيد ، ونصه عن
عبد الرحمن بن عبد الله عن
عبد الله بن أبي عمارة ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919303قلت لجابر : الضبع أصيد هي ؟ قال : نعم ، قلت : آكلها ؟ قال : نعم . قلت : آكلها ؟ قال : نعم . قلت : أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم .
ويمكن أن يقال أيضا - لولا ما ذكر من الحصر - أن ما لا نص في الكتاب على حله أو على حرمته قسمان : طيب حلال وخبيث حرام ، وهل العبرة في التمييز بينهما ذوق أصحاب الطباع السليمة ، أو يعمل كل أناس بحسب ذوقهم ؟ كل من الوجهين محتمل ،
[ ص: 143 ] والموافق لحكمة التحريم : الثاني ، وهو أنه يحرم على كل أحد أن يأكل ما تستخبثه نفسه وتعافه ; لأنه يضره ولا يصلح لتغذيته ، ولذلك قال بعض الحكماء : ما أكلته وأنت تشتهيه فقد أكلته ، وما أكلته وأنت لا تشتهيه فقد أكلك . ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن العبرة ذوق أصحاب الطباع السليمة من العرب الذين خوطبوا بهذا أولا ، ويرد عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاف
nindex.php?page=treesubj&link=33200أكل الضب وعلله بأنه ليس في أرض قومه ، وأذن لغيره بأكله وصرح بأنه لا يحرمه ، فلا يحكم بذوق قوم على ذوق غيرهم ، وليس هذا أمرا يتعلق باللغة حتى يقال : إنهم هم الذين خوطبوا بهذا النص أولا ، فالعبرة بما يفهمونه منه ، والناس لهم فيه تبع ، بل هو أمر متعلق بالأذواق والطباع ، ومعناه : أحل لكم أيها المكلفون ما يستطاب أكله ويشتهى ، دون ما يستخبث ويعاف ، وحينئذ تكون العبرة بالسواد الأعظم من سليمي الطباع غير ذوي الضرورات والمعيشة الشاذة ، أو يختلف باختلاف الطباع بين الأقوام . واختلف الفقهاء فيما ينتن : أيحرم أم يكره ؟ وهو خبيث لغة وعرفا ، ولا يرد على الحصر المار لأن خبثه عارض ، وكل حلال يعرض له وصف يصير به ضارا يحرم - كاختمار العصير - فإن زال حل ; كتخلل الخمر .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28976_17134قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ الطَّيِّبُ : ضِدُّ الْخَبِيثِ ، وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=100قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ( 5 : 100 ) وَقَدِ اسْتُعْمِلَا فِي الْأَنَاسِيِّ وَالْأَشْيَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ ، وَمِنْهُ مَثَلُ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ وَالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ ، وَمِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=15بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ( 34 : 15 ) قَالَ
الرَّاغِبُ : الْمُخْبَثُ وَالْخَبِيثُ مَا يُكْرَهُ رَدَاءَةً وَخَسَاسَةً مَحْسُوسًا كَانَ أَمْ مَعْقُولًا ، وَأَصْلُهُ : الرَّدِيءُ الدَّخْلَةِ الْجَارِي مَجْرَى خُبْثِ الْحَدِيدِ . اهـ . وَقَالَ فِي الْحَرْفِ الْآخَرِ : وَأَصْلُ الطَّيِّبِ مَا تَسْتَلِذُّهُ الْحَوَاسُّ ، وَمَا تَسْتَلِذُّهُ النَّفْسُ . اهـ . فَجَعَلَ الطَّيِّبَ أَخَصَّ مِنْ مُقَابِلِهِ فِي بَابِهِ ، وَالصَّوَابُ مَا قُلْنَاهُ ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الطَّعَامِ هِيَ مَا تَسْتَطِيبُهُ النُّفُوسُ السَّلِيمَةُ الْفِطْرَةِ الْمُعْتَدِلَةُ الْمَعِيشَةِ ، بِمُقْتَضَى طَبْعِهَا ، فَتَأْكُلُهُ بِاشْتِهَاءٍ ، وَمَا أَكَلَهُ الْإِنْسَانُ بِاشْتِهَاءٍ هُوَ الَّذِي يُسِيغُهُ وَيَهْضِمُهُ بِسُهُولَةٍ ، فَيَتَغَذَّى بِهِ غِذَاءً صَالِحًا ، وَمَا يَسْتَخْبِثُهُ وَيَعَافُهُ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ هَضْمُهُ ، وَلَا يَنَالُ مِنْهُ غِذَاءً صَالِحًا ، بَلْ يَضُرُّهُ غَالِبًا فَمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ خَبِيثٌ بِشَهَادَةِ اللَّهِ الْمُوَافَقَةِ لِفِطْرَتِهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، فَمَا زَالَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَصْحَابِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ وَالْفِطْرَةِ الْمُعْتَدِلَةِ يَعَافَوْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=33220أَكْلَ الْمَيْتَةِ حَتْفَ أَنْفِهَا ، وَمَا مِثْلُهَا مِنْ فَرَائِسِ السِّبَاعِ وَالْمُتَرَدِّيَاتِ وَالنَّطَائِحِ وَنَحْوِهَا ، وَكَذَلِكَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=33217لَحْمُ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّمَا يَعَافُهُ مَنْ يَعْرِفُ ضَرَرَهُ وَانْهِمَاكَهُ فِي أَكْلِ الْأَقْذَارِ . وَ " الْجَوَارِحُ " : جَمْعُ جَارِحَةٍ ، وَهِيَ الصَّائِدَةُ مِنَ الْكِلَابِ وَالْفُهُودِ وَالطُّيُورِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : سُمِّيَتِ الصَّوَائِدُ جَوَارِحَ مِنَ الْجَرْحِ ، بِمَعْنَى الْكَسْبِ ; فَهِيَ كَالْكَاسِبِ مِنَ النَّاسِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ( 6 : 60 ) أَيْ : كَسَبْتُمْ ، وَقِيلَ : مِنَ الْجَرْحِ : بِمَعْنَى الْخَدْشِ ، أَيْ إِنَّ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَجْرَحَ مَا تَصِيدُهُ . وَ " مُكَلِّبِينَ " اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ التَّكْلِيبِ ، وَهُوَ تَعْلِيمُ الْجَوَارِحِ وَتَأْدِيبُهَا وَإِضْرَاؤُهَا بِالصَّيْدِ ، وَأَصْلُهُ تَعْلِيمُ الْكِلَابِ ، غُلِّبَ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مِنَ الْكَلَبِ بِالتَّحْرِيكِ ، بِمَعْنَى الضَّرَاوَةِ ، يُقَالُ : هُوَ كَلِبٌ - كَكَتِفٍ - بِكَذَا ، إِذَا كَانَ ضَارِيًا بِهِ ، وَمَوْضِعُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4مُكَلِّبِينَ : النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ ، وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ أَوْ هِيَ اسْتِئْنَافٌ ، أَيْ : أَنْتُمْ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ، أَيْ مِمَّا أَلْهَمَكُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَهَدَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَرْوِيضِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِتَعْلِيمِهَا ، وَمَا أَلْهَمَكُمْ ذَلِكَ الِانْتِفَاعَ إِلَّا وَهُوَ يُبِيحُهُ لَكُمْ ، وَنُكْتَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا حَالِيَّةٌ مُرَاعَاةُ اسْتِمْرَارِ تَعَاهُدِ الْجَوَارِحِ بِالتَّعْلِيمِ ; لِأَنَّ إِغْفَالَهَا يُنْسِيهَا مَا تَعَلَّمَتْ ، فَتَصْطَادُ لِنَفْسِهَا وَلَا تُمْسِكُ عَلَى صَاحِبِهَا ، وَإِمْسَاكُهَا عَلَيْهِ
[ ص: 142 ] شَرْطٌ لِحِلِّ صَيْدِهَا ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي أَلْهَمَنِيهِ اللَّهُ - تَعَالَى - أَظْهَرُ مِمَّا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ الْمُبَالَغَةُ فِي اشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ ، وَإِذَا كَانَتِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا فَنُكْتَتُهَا تَذْكِيرُ النَّاسِ بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِهِدَايَتِهِمْ إِلَى مِثْلِ هَذَا التَّعْلِيمِ عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ فِي مَزْجِ الْأَحْكَامِ بِمَا يُغَذِّي التَّوْحِيدَ وَيُنَمِّي الِاعْتِرَافَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَشُكْرِ نِعَمِهِ . وَغَايَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=17136_17137_17138_17139تَعْلِيمِ الْجَارِحِ أَنْ يَتْبَعَ الصَّيْدَ بِإِغْرَاءِ مُعَلِّمِهِ أَوِ الصَّائِدِ بِهِ ، وَيُجِيبَ دَعْوَتَهُ وَيَنْزَجِرَ بِزَجْرِهِ ، وَيُمْسِكَ الصَّيْدَ عَلَيْهِ .
وَالْمَعْنَى : أُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كُلِّهَا ، وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ بِشَرْطِهِ . أَمَّا الطَّيِّبَاتُ فَظَاهِرُ الْحَصْرِ فِي آيَتَيِ الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ أَنَّ كُلَّ مَا عَدَا الْمَنْصُوصِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ طَيِّبٌ فَهُوَ حَلَالٌ ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ مِنَ الطَّعَامِ مَا هُوَ خَبِيثٌ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ ، وَمِنْهُ مَا هُوَ طَيِّبٌ حِلٌّ بِنَصِّ الْكِتَابِ ; كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَصَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، أَيْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُصَادَ مِنْهُمَا . فَأَمَّا الْبَحْرُ فَكُلُّ حَيَوَانِهِ يُصَادُ ، وَأَمَّا الْبَرُّ فَإِنَّمَا يُصَادُ مِنْهُ لِلْأَكْلِ فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ الْغَالِبِ ، مَا عَدَا سِبَاعَ الْوَحْشِ وَالطَّيْرِ ، فَتَكُونُ هَذِهِ السِّبَاعُ حَرَامًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919302نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ . وَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=1500أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919299nindex.php?page=treesubj&link=33213كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ رَوَاهُمَا
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ ، مَا عَدَا
التِّرْمِذِيَّ فِي الْأَوَّلِ ،
وَأَبَا دَاوُدَ فِي الثَّانِي . وَمَنْ أَخَذَ بِالْحَصْرِ فِي الْآيَتَيْنِ جَعَلَ النَّهْيَ عَمَّا ذُكِرَ نَهْيَ كَرَاهَةٍ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ
مَالِكٍ ، كَمَا قَالَهُ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ ، وَقَالَ
ابْنُ رَسْلَانَ : مَشْهُورُ مَذْهَبِهِ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ ، وَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ حَدِيثَ
أَبِي ثَعْلَبَةَ مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى إِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَهُ . وَالسَّبُعُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ : مَا يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ ; فَيَخْرُجُ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ ; لِأَنَّهُمَا لَا يَعْدُوَانِ عَلَى النَّاسِ ، وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّ مَا أَكَلَ اللَّحْمَ ، قَالُوا : فَيَدْخُلُ فِيهِ الضَّبُعُ وَالضَّبُّ وَالنَّمِرُ وَالْيَرْبُوعُ وَالْفِيلُ ، عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَجَازَ أَكْلَ الضَّبِّ ، كَمَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، وَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَأَحَادِيثَ أُخْرَى ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَعَافُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضِ قَوْمِهِ . وَأَجَازَ
nindex.php?page=treesubj&link=33206أَكْلَ الضَّبُعِ ، رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ ، وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَخْذِ تَحْرِيمِ السِّبَاعِ مِنْ مَفْهُومِ الصَّيْدِ ، وَنَصُّهُ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عِمَارَةَ ، قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919303قُلْتُ لِجَابِرٍ : الضَّبُعُ أَصِيدُ هِيَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : آكُلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْتُ : آكُلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْتُ : أَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا - لَوْلَا مَا ذُكِرَ مِنَ الْحَصْرِ - أَنَّ مَا لَا نَصَّ فِي الْكِتَابِ عَلَى حِلِّهِ أَوْ عَلَى حُرْمَتِهِ قِسْمَانِ : طَيِّبٌ حَلَالٌ وَخَبِيثٌ حَرَامٌ ، وَهَلِ الْعِبْرَةُ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا ذَوْقُ أَصْحَابِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ ، أَوْ يَعْمَلُ كُلُّ أُنَاسٍ بِحَسْبِ ذَوْقِهِمْ ؟ كُلٌّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ مُحْتَمَلٌ ،
[ ص: 143 ] وَالْمُوَافِقُ لِحِكْمَةِ التَّحْرِيمِ : الثَّانِي ، وَهُوَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ مَا تَسْتَخْبِثُهُ نَفْسُهُ وَتَعَافُهُ ; لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ وَلَا يَصْلُحُ لِتَغْذِيَتِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَا أَكَلْتَهُ وَأَنْتَ تَشْتَهِيهِ فَقَدْ أَكَلْتَهُ ، وَمَا أَكَلْتَهُ وَأَنْتَ لَا تَشْتَهِيهِ فَقَدْ أَكَلَكَ . وَيُرْوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِبْرَةَ ذَوْقُ أَصْحَابِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا أَوَّلًا ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَافَ
nindex.php?page=treesubj&link=33200أَكْلَ الضَّبِّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَرْضِ قَوْمِهِ ، وَأَذِنَ لِغَيْرِهِ بِأَكْلِهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُحَرِّمُهُ ، فَلَا يُحْكَمُ بِذَوْقِ قَوْمٍ عَلَى ذَوْقِ غَيْرِهِمْ ، وَلَيْسَ هَذَا أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ حَتَّى يُقَالَ : إِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا النَّصِّ أَوَّلًا ، فَالْعِبْرَةُ بِمَا يَفْهَمُونَهُ مِنْهُ ، وَالنَّاسُ لَهُمْ فِيهِ تَبَعٌ ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَذْوَاقِ وَالطِّبَاعِ ، وَمَعْنَاهُ : أُحِلَّ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ مَا يُسْتَطَابُ أَكْلُهُ وَيُشْتَهَى ، دُونَ مَا يُسْتَخْبَثُ وَيُعَافُ ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْعِبْرَةُ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنْ سَلِيمِي الطِّبَاعِ غَيْرِ ذَوِي الضَّرُورَاتِ وَالْمَعِيشَةِ الشَّاذَّةِ ، أَوْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعِ بَيْنَ الْأَقْوَامِ . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُنْتِنُ : أَيَحْرُمُ أَمْ يُكْرَهُ ؟ وَهُوَ خَبِيثٌ لُغَةً وَعُرْفًا ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الْمَارِّ لِأَنَّ خُبْثَهُ عَارِضٌ ، وَكُلُّ حَلَالٍ يَعْرِضُ لَهُ وَصْفٌ يَصِيرُ بِهِ ضَارًّا يَحْرُمُ - كَاخْتِمَارِ الْعَصِيرِ - فَإِنْ زَالَ حَلَّ ; كَتَخَلُّلِ الْخَمْرِ .