(
nindex.php?page=treesubj&link=16952_16939_16964حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية )
ذكر الشيخ
محمد بيرم الخامس الفقيه الحنفي في كتابه ( صفوة الاعتبار ) مبحثا طويلا في ذبائح أهل
أوربة ، ونقل عن علماء مذهبه أن ذبائح أهل الكتاب حلال مطلقا ، وجاء بتفصيل في أنواع المأكول في
أوربة ثم قال ما نصه :
" وأما مسألة الخنق ، فإن كان لمجرد شك فلا تأثير له ، كما تقدم ، وإن كان لتحقق فلم أر حكم المسألة مصرحا به عندنا ، وقياسها على تحقيق تسمية غير الله أنها محرمة عند الحنفية ، وأما عند من يرى الحل في مسألة التسمية ، كما هو مذهب جمع عظيم من الصحابة ، والتابعين والأئمة المجتهدين ; فالقياس عليها يفيد الحلية ، حيث خصصوا بآية
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وآية
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( 6 : 121 ) وآية
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وما أهل لغير الله به وكذلك تكون مخصصة لآية المنخنقة ، ويكون حكم الآيتين خاصا بفعل المسلمين والإباحة عامة في طعام أهل الكتاب ، كذلك الثاني ، وقد كنت رأيت رسالة لأحد أفاضل المالكية نص فيها على الحل ، وجلب النصوص من مذهبه بما ينثلج به الصدر ، سيما إذا كان عمل الخنق عندهم من قبيل الذكاة ، كما أخبر كثير من علمائهم ، وأن المقصود : التوصل إلى قتل الحيوان بأسهل قتلة ; للتوصل إلى أكله ، بدون فرق بين طاهر ونجس ، مستندين في ذلك لقول الإنجيل ، على زعمهم - فلا مرية في الحلية على هاته المذاهب .
فإن قلت : كيف يسوغ تقليد الحنفي لغير مذهبه ؟ قلت : أما إن كان المقلد من أهل النظر وقلد الحنفي عن ترجيح برهان فهذا ربما يقال : إنه لا يسوغ له ذلك ، أي إلا أن يظهر له ترجيح دليل الحل ثانيا ، وأما إن كان من أهل التقليد البحت ، كما هو في أهل زماننا ، فقد نصوا على أن جميع الأئمة بالنسبة إليه سواء ،
nindex.php?page=treesubj&link=22309والعامي لا مذهب له ، وإنما مذهبه مذهب مفتيه ، وقوله : أنا حنفي أو مالكي ; كقول الجاهل أنا نحوي ، لا يحصل له منه سوى مجرد الاسم ، فبأي العلماء اقتدى فهو ناج ، على أن الكلام وراء ذلك ، فقد نصوا على الجواز والوقوع بالفعل في تقليد المجتهد لغيره ، والكلام مبسوط في ذلك في كثير من كتب الفقه ، وقد حرر البحث
أبو السعود في شرح الأربعين حديثا النووية ، وألف في ذلك رسالة
عبد الرحيم المكي ، فليراجعها من أراد الوقوف على التفصيل .
[ ص: 167 ] " فإن قيل : قد ذكرت أن الخنزير محرم ، وهو من طعامهم ، فلماذا لا يجعل مخصصا بالحلية بهذه الفتوى ، أي آية طعامهم ، وإذا جعلت آية تحريمه محكمة غير منسوخة ، فكذلك تكون المنخنقة ، ولماذا تقيسها على مسألة التسمية ، ولا تقيسها على مسألة الخنزير ، وأي مرجح لذلك ؟ فالجواب : إن المأكولات منها ما حرم لعينه ، ومنها ما حرم لغيره ; فالخنزير وما شاكله من الحيوانات محرمة لعينها ; ولهذا تبقى على تحريمها في جميع أطوارها وحالاتها ، وأما متروك التسمية ، أو ما أهل به لغير الله والمنخنقة ، فإن التحريم أتى فيه لعارض ، وهو ذلك الفعل ، ثم أتى نص آخر عام في طعام أهل الكتاب ، وأنه حلال ، فأخرج منه محرم العين ضرورة وبالإجماع أيضا ، وبقي المحرم لغيره ; وهو مسألتان ، إحداهما مسألة التسمية ، والثانية مسألة المنخنقة ، فبقيتا في محل الشك ; لتجاذب كل من نصي التحريم والإباحة لهما ، فوجدنا إحداهما - وهي مسألة التسمية - وقع الخلاف فيها بين المجتهدين من الصحابة وغيرهم ، وذهب جمع عظيم منهم إلى الإباحة ، وبقيت مسألة المنخنقة التي يتخذها أهل الكتاب طعاما لهم مسكوتا عنها ، فكان قياسها على مسألة التسمية هو المتعين ; لاتحاد العلة ، وأما قياسها على مسألة الخنزير فهو قياس مع الفارق فلا يصح ، إذ شرط القياس : المساواة ، وإنما أطلنا الكلام في هذا المجال لأنه مهم في هذا الزمان ، وكلام الناس فيه كثير ، والله يؤيد الحق وهو يهدي السبيل . انتهى " .
(
nindex.php?page=treesubj&link=16952_16939_16964حُكْمُ مَا خَنَقَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ )
ذَكَرَ الشَّيْخُ
مُحَمَّدٌ بَيْرَمٌ الْخَامِسُ الْفَقِيهُ الْحَنَفِيُّ فِي كِتَابِهِ ( صَفْوَةُ الِاعْتِبَارِ ) مَبْحَثًا طَوِيلًا فِي ذَبَائِحِ أَهْلِ
أُورُبَّةَ ، وَنَقَلَ عَنْ عُلَمَاءِ مَذْهَبِهِ أَنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ مُطْلَقًا ، وَجَاءَ بِتَفْصِيلٍ فِي أَنْوَاعِ الْمَأْكُولِ فِي
أُورُبَّةَ ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ :
" وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْخَنْقِ ، فَإِنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ شَكٍّ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ كَانَ لِتَحَقُّقٍ فَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ مُصَرَّحًا بِهِ عِنْدَنَا ، وَقِيَاسُهَا عَلَى تَحْقِيقِ تَسْمِيَةِ غَيْرِ اللَّهِ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يَرَى الْحِلَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّسْمِيَةِ ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمْعٍ عَظِيمٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعَيْنَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ ; فَالْقِيَاسُ عَلَيْهَا يُفِيدُ الْحِلِّيَّةَ ، حَيْثُ خُصِّصُوا بِآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ( 6 : 121 ) وَآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَكَذَلِكَ تَكُونُ مُخَصِّصَةً لِآيَةِ الْمُنْخَنِقَةِ ، وَيَكُونُ حُكْمُ الْآيَتَيْنِ خَاصًّا بِفِعْلِ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِبَاحَةِ عَامَّةً فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، كَذَلِكَ الثَّانِي ، وَقَدْ كُنْتُ رَأَيْتُ رِسَالَةً لِأَحَدِ أَفَاضِلِ الْمَالِكِيَّةِ نَصَّ فِيهَا عَلَى الْحِلِّ ، وَجَلَبَ النُّصُوصَ مِنْ مَذْهَبِهِ بِمَا يَنْثَلِجُ بِهِ الصَّدْرُ ، سِيَّمَا إِذَا كَانَ عَمَلُ الْخَنْقِ عِنْدَهُمْ مِنْ قَبِيلِ الذَّكَاةِ ، كَمَا أَخْبَرَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ : التَّوَصُّلُ إِلَى قَتْلِ الْحَيَوَانِ بِأَسْهَلِ قِتْلَةٍ ; لِلتَّوَصُّلِ إِلَى أَكْلِهِ ، بِدُونِ فَرْقٍ بَيْنَ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ ، مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ الْإِنْجِيلِ ، عَلَى زَعْمِهِمْ - فَلَا مِرْيَةَ فِي الْحِلِّيَّةِ عَلَى هَاتِهِ الْمَذَاهِبِ .
فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ يَسُوغُ تَقْلِيدُ الْحَنَفِيِّ لِغَيْرِ مَذْهَبِهِ ؟ قُلْتُ : أَمَّا إِنْ كَانَ الْمُقَلِّدُ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَقَلَّدَ الْحَنَفِيَّ عَنْ تَرْجِيحِ بُرْهَانٍ فَهَذَا رُبَّمَا يُقَالُ : إِنَّهُ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ ، أَيْ إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ تَرْجِيحُ دَلِيلِ الْحِلِّ ثَانِيًا ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ الْبَحْتِ ، كَمَا هُوَ فِي أَهْلِ زَمَانِنَا ، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَئِمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=22309وَالْعَامِّيُّ لَا مَذْهَبَ لَهُ ، وَإِنَّمَا مَذْهَبُهُ مَذْهَبُ مُفْتِيهِ ، وَقَوْلُهُ : أَنَا حَنَفِيٌّ أَوْ مَالِكِيٌّ ; كَقَوْلِ الْجَاهِلِ أَنَا نَحْوِيٌّ ، لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ سِوَى مُجَرَّدِ الِاسْمِ ، فَبِأَيِّ الْعُلَمَاءِ اقْتَدَى فَهُوَ نَاجٍ ، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى الْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ فِي تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ لِغَيْرِهِ ، وَالْكَلَامُ مَبْسُوطٌ فِي ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ ، وَقَدْ حَرَّرَ الْبَحْثَ
أَبُو السُّعُودِ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ حَدِيثًا النَّوَوِيَّةِ ، وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً
عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمَكِّيُّ ، فَلْيُرَاجِعْهَا مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى التَّفْصِيلِ .
[ ص: 167 ] " فَإِنْ قِيلَ : قَدْ ذَكَرْتَ أَنَّ الْخِنْزِيرَ مُحَرَّمٌ ، وَهُوَ مِنْ طَعَامِهِمْ ، فَلِمَاذَا لَا يُجْعَلُ مُخَصَّصًا بِالْحِلِّيَّةِ بِهَذِهِ الْفَتْوَى ، أَيْ آيَةِ طَعَامِهِمْ ، وَإِذَا جَعَلْتَ آيَةَ تَحْرِيمِهِ مُحْكَمَةً غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ ، فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْمُنْخَنِقَةُ ، وَلِمَاذَا تَقِيسُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّسْمِيَةِ ، وَلَا تَقِيسُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْخِنْزِيرِ ، وَأَيُّ مُرَجِّحٍ لِذَلِكَ ؟ فَالْجَوَابُ : إِنَّ الْمَأْكُولَاتِ مِنْهَا مَا حُرِّمَ لِعَيْنِهِ ، وَمِنْهَا مَا حُرِّمَ لِغَيْرِهِ ; فَالْخِنْزِيرُ وَمَا شَاكَلَهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ مُحَرَّمَةٌ لِعَيْنِهَا ; وَلِهَذَا تَبْقَى عَلَى تَحْرِيمِهَا فِي جَمِيعِ أَطْوَارِهَا وَحَالَاتِهَا ، وَأَمَّا مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ ، أَوْ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ أَتَى فِيهِ لِعَارِضٍ ، وَهُوَ ذَلِكَ الْفِعْلُ ، ثُمَّ أَتَى نَصٌّ آخَرُ عَامٌّ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَأَنَّهُ حَلَالٌ ، فَأُخْرِجَ مِنْهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ ضَرُورَةً وَبِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا ، وَبَقِيَ الْمُحَرَّمُ لِغَيْرِهِ ; وَهُوَ مَسْأَلَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا مَسْأَلَةُ التَّسْمِيَةِ ، وَالثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْمُنْخَنِقَةِ ، فَبَقِيَتَا فِي مَحَلِّ الشَّكِّ ; لِتَجَاذُبِ كُلٍّ مِنْ نَصَّيِ التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ لَهُمَا ، فَوَجَدْنَا إِحْدَاهُمَا - وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّسْمِيَةِ - وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَذَهَبَ جَمْعٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ إِلَى الْإِبَاحَةِ ، وَبَقِيَتْ مَسْأَلَةُ الْمُنْخَنِقَةِ الَّتِي يَتَّخِذُهَا أَهْلُ الْكِتَابِ طَعَامًا لَهُمْ مَسْكُوتًا عَنْهَا ، فَكَانَ قِيَاسُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّسْمِيَةِ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ ; لِاتِّحَادِ الْعِلَّةِ ، وَأَمَّا قِيَاسُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْخِنْزِيرِ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَصِحُّ ، إِذْ شَرْطُ الْقِيَاسِ : الْمُسَاوَاةُ ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَجَالِ لِأَنَّهُ مُهِمٌّ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَكَلَامُ النَّاسِ فِيهِ كَثِيرٌ ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . انْتَهَى " .