الفرض الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=53المسح بالرأس في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم الرأس معروف ، ويمسح ما عدا الوجه منه ; لأن الوجه شرع غسله لسهولته ،
nindex.php?page=treesubj&link=53وكيفية المسح المبينة في السنة ، أن يمسحه كله بيديه إذا كان مكشوفا ، وإذا كان عليه عمامة ونحوها يمسح ما ظهر منه ، ويتم المسح على العمامة ، روى
أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=919334أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ، وروى
مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=919335أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين ، وروى
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=243عمرو بن أمية الضمري ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919336رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على عمامته وخفيه ، وروى
أحمد ومسلم وأصحاب السنن ، ما عدا
أبا داود ، عن
بلال قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919337مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين والخمار ، والخمار : الثوب الذي يوضع على الرأس ، وهو النصيف ، وكل ما ستر شيئا فهو خماره ، وفسره
النووي هنا بالعمامة ; أي للرجال ; لأنها تستر الرأس ، وخمر النساء معروفة ، وروي
nindex.php?page=treesubj&link=55المسح على العمامة أو الخمار أو العصابة عن كثير من الصحابة يرفعونه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي ،
وثوبان وأبو أمامة وأبو موسى وأبو خزيمة ، وظاهر الروايات أن المسح كان يكون على العمامة وما في معناها من ساتر وحده ، والأخذ به مروي عن بعض الصحابة والتابعين ; منهم
أبو بكر وعمر وأنس وأبو أمامة nindex.php?page=showalam&ids=44وسعد بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ، وقال بجوازه جماعة من علماء الأمصار ; منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وأحمد وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وداود ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبه أقول ، وقد صح كما علمت ، ولكن الشافعية لا يقولون به ، ولم يشترط أحد من هؤلاء للمسح عليها لبسها على طهر ، ولا التوقيت ; إذ لم يرو فيه شيء يحتج به ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبا ثور قاس المسح عليها على المسح على الخف ، فاشترط الطهارة ووقت ، والجمهور الذين لم يجيزوا المسح على العمامة وحدها ، قال من بلغته الأخبار منهم : إن المراد المسح عليها مع جزء من الرأس ; كالرواية التي فيها ذكر الناصية .
[ ص: 186 ] ومن مانعي الاقتصار عليها
سفيان وأبو حنيفة ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ولكنه قال : إذا صح الحديث بها قال به ، كما تقدم آنفا ، وظاهر الروايات الإطلاق ، وقد ورد في كثير من تلك الأخبار ذكر المسح على العمامة مع المسح على الخف ، وقد كان نزع كل منهما حرجا وعسرا ، ففي مسحه نفي الحرج المنصوص عليه في الآية مع عدم منافاته لحكمة الوضوء وعلته المنصوصة أيضا ، وهي الطهارة والنظافة ، فإن العضو المستور يبقى نظيفا ، ولا حرج الآن في رفع العمائم في
الحجاز ومصر والشام وبلاد الترك على الرأس لأجل مسحه من تحتها في الجملة ; لأنها توضع على قلانس ترفع معها بسهولة ، ولكن يعسر مسحه كله باليدين كلتيهما على الوجه الذي رواه الجماعة ، وأما
أهل الهند وأهل المغرب الذين يحتنكون بالعمامة كما كان يفعل السلف ، فيعسر عليهم رفع عمائمهم عند الوضوء ، والاحتياط أن يظهروا ناصيتهم كلها أو بعضها ، فيمسحوا بها ، ويتمموا المسح على العمامة ; ليكون وضوءهم صحيحا على جميع الروايات ، ومن مسح شيئا أو بشيء عليه ساتر ، قد يقال : إنه مسح ذلك الشيء ، أو به ، كما إذا قلت : وضعت يدي على رأسي ، أو على صدري ، لا يشترط في كون ذلك حقيقة ، ألا يكون عليه ساتر ، وإنما نقول هنا : إن الأصل المسح بالرأس بدون ساتر ; لأن الغرض من فرضيته تنظيفه من نحو الغبار ، وهو المتيسر ، فإذا كان عليه ساتر لا يصيبه الغبار .
وقد اختلف فقهاء الأمصار في
nindex.php?page=treesubj&link=56أقل ما يحصل به فرض مسح الرأس ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم : " إذا مسح الرجل بأي رأسه شاء ، إن كان لا شعر عليه ، وبأي شعر شاء بأصبع واحدة ، أو بعض أصبع ، أو بطن كفه ، أو أمر من يمسح له - أجزأه ذلك " انتهى . وبين فيه أن أظهر معنيي الآية أن من مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ، وأن مقابل الأظهر مسح الرأس كله ، ولكن دلت السنة على أنه غير مراد ; فتعين الأول ، وذكر من السنة حديث المغيرة في المسح على الناصية والعمامة ، وحديثا مرسلا في معناه عن
عطاء ، وسيأتي ، وقال : " الجزء الممسوح يجب أن يكون من الرأس نفسه ، أو من الشعر الذي عليه " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي والليث : " يجزي
nindex.php?page=treesubj&link=56مسح بعض الرأس ، ويمسح المقدم ، وهو قول
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي والناصر nindex.php?page=showalam&ids=11958والباقر والصادق من أئمة
أهل البيت ، وذهب أكثر العترة
ومالك ،
والمزني والجبائي إلى وجوب مسحه كله ، وهو رواية عن
أحمد ، قاله في نيل الأوطار ، وقال
أبو حنيفة : " يجب مسح ربع الرأس " ولا يعرف هذا التحديد عن غيره ، قيل : إن منشأ الخلاف ( الباء ) في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6برءوسكم هل هي للتبعيض ; فيجزئ مسح بعض الرأس ، أم زائدة ; فيجب مسحه كله ، أم هي للإلصاق الذي هو أصل معناها ؟ ووجه الحنفية قول إمامهم على هذا بأن المسح إنما يكون باليد ، وهي تستوعب مقدار الربع في الغالب ; فوجب تعينه ، وهذا أشد الأقوال تكلفا ، ولم يقل
أبو حنيفة ولا أحد من المسلمين أنه يشترط المسح بمجموع اليد ، فلو مسح ببعض أصابعه ، ربع رأسه أجزأه عند
[ ص: 187 ] أبي حنيفة ، وليست اليد ربع الرأس بالتحديد ، وقد عبروا هم أنفسهم بقولهم : غالبا .
ولو كان مراد
أبي حنيفة قدر اليد لعبر به ، والحديث ليس نصا في مسح جميع الناصية ، فالخلاف في مسح الرأس يجري في مسح الناصية ; فالاستدلال بمسحها مصادرة . ونازع بعضهم في كون الباء تفيد التبعيض مطلقا ، وقيل : استقلالا ، وإنما تفيدها مع معنى الإلصاق ، ولا يظهر معنى كونها زائدة ، والتحقيق : أن معنى الباء الإلصاق ، لا التبعيض أو الآلة ، وإنما العبرة بما يفهمه العربي من : مسح بكذا ، ومسح كذا ; فهو يفهم من كلمة : مسح العرق عن وجهه : أنه أزاله بإمرار يده أو أصبعه عليه ، ومن مسح رأسه بالطيب أو الدهن : أنه أمره عليه ، ومن مسح الشيء بالماء : أنه أمر عليه ماء قليلا ليزيل ما علق به من غبار أو أذى ، ومن مسح يده بالمنديل : أنه أمر عليها المنديل كله أو بعضه ليزيل ما علق بها من بلل أو غيره ، ومن مسح رأس اليتيم أو على رأسه ، ومسح بعنق الفرس أو ساقه أو بالركن أو الحجر : أنه أمر يده عليه ، لا يتقيد ذلك بمجموع الكف الماسح ، ولا بكل أجزاء الرأس أو العنق أو الساق أو الركن أو الحجر الممسوح ، فهذا ما يفهمه كل من له حظ من هذه اللغة مما ذكر ، ومن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( 38 : 33 ) على القول الراجح المختار ، أن المسح باليد لا بالسيف ، ومن مثل قول الشاعر :
ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
والأقرب : أن سبب الخلاف ما ورد من الأحاديث في المسح ، مع مفهوم عبارة الآية ، قيل : إن العبارة مجملة بينتها السنة ، وصرح
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بأنها مطلقة ، وجعل المطلق من المجمل ، والتحقيق عند أهل الأصول أن المطلق ليس بمجمل لأنه يصدق على الكل والبعض ، فأيهما وقع حصل به الامتثال ، ولو سلم أنه مجمل لكان الصحيح في بيانه ما تقدم من أن المسح يكون على الرأس كله مكشوفا ، وعلى بعضه مع التكميل على العمامة كما ورد في الصحاح ، ولم يرد حديث متصل بمسح البعض ، إلا حديث
أنس عند
أبي داود قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919338رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ، وعليه عمامة قطرية ، فأدخل يده تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ، ولم ينقض العمامة . وهذا الحديث لا يحتج به لأن
أبا معقل الذي رواه عن
أنس مجهول ، وقال
الحافظ ابن حجر : في إسناده نظر ، وقال
ابن القيم في زاد المعاد : " إنه لم يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه ، ألبتة ، ولكنه كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة ، وأما حديث
أنس - وذكره كما تقدم آنفا - فهذا مقصود
أنس به ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينقض عمامته حتى يستوعب مسح الشعر كله ، ولم ينف التكميل على العمامة ، وقد أثبته
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة وغيره ، فسكوت
أنس عليه لا يدل على نفيه " انتهى .
[ ص: 188 ] وقد علمت أن حديث
أنس لا يحتج به ، ومثله يقال في حديث
عطاء المرسل الذي احتج به
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم على الاكتفاء بالبعض ، والحنفية على الربع ، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه ، أو قال ناصيته ، وهذا بصرف النظر عن الخلاف في الاحتجاج بالمرسل ، وقد منعه جمهور الأمة من أهل السنة وغيرهم ، وقال به
أبو حنيفة وجمهور
المعتزلة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لا يحتج بالمرسل . وقد رواه عن
مسلم بن خالد المكي الفقيه ، وهو ثقة عنده ، ووثقه
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين مرة ، وضعفه أخرى ، كما ضعفه
أبو داود ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : منكر الحديث . والجرح مقدم على التعديل ، وقد علمت أنه لا يدل على وجوب مسح الربع .
وجملة القول أن ظاهر الآية الكريمة أن مسح بعض الرأس يكفي في الامتثال ، وهو ما يسمى مسحا في اللغة ، ولا يتحقق إلا بحركة العضو الماسح ملصقا بالممسوح ، فوضع اليد أو الأصبع على الرأس أو غيره لا يسمى مسحا ، ولا يكفي مسح الشعر الخارج عن محاذاة الرأس كالضفيرة ، وأن لفظ الآية ليس من المجمل ، وأن السنة أن يمسح الرأس كله إذا كان مكشوفا ، وبعضه إذا كان مستورا ، ويكمل على الساتر ، وأن ظاهر الأحاديث جواز المسح على الساتر وحده ، والاحتياط أن يمسح معه جزءا من الرأس ، والله أعلم .
الفرض الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=57غسل الرجلين فقط ، أو مع مسحهما ، أو مسحهما بارزتين أو مستورتين بالخف أو غيره ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وأرجلكم إلى الكعبين قرأ
نافع وابن عامر وحفص nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ويعقوب : ( وأرجلكم ) بالفتح ; أي واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين ، وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق من الجانبين ، وقرأها الباقون :
ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم ، بالجر ، والظاهر أنه عطف على الرأس ; أي وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين ، ومن هنا اختلف المسلمون في غسل الرجلين ومسحهما ; فالجماهير على أن الواجب هو الغسل وحده ،
والشيعة الإمامية أنه المسح ، وقال
داود بن علي والناصر للحق ، من
الزيدية : يجب الجمع بينهما ، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير الطبري ، أن المكلف مخير بينهما ، وستعلم أن مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الجمع .
أما القائلون بالجمع فأرادوا العمل بالقراءتين معا للاحتياط ، ولأنه المقدم في التعارض إذا أمكن ، وأما القائلون بالتخيير فأجازوا الأخذ بكل منهما على حدته ، وأما القائلون بالمسح فقد أخذوا بقراءة الجر وأرجعوا قراءة النصب إليها ، وذكر
الرازي عن
القفال أن هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر . وقال
الحافظ ابن حجر في الفتح ، عند ذكر مذهب الجمهور : ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف هذا ، إلا عن
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وأنس ، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك ، وأما الجمهور فقد أخذوا بقراءة النصب وأرجعوا قراءة الجر إليها ، وأيدوا ذلك بالسنة الصحيحة وإجماع الصحابة .
[ ص: 189 ] ، ويزاد على ذلك أنه هو المنطبق على حكمة الطهارة ، وادعى
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم أن المسح منسوخ .
وعمدة الجمهور في هذا الباب عمل الصدر الأول وما يؤيده من الأحاديث القولية ، وأصحها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في الصحيحين ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919339تخلف عنا ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرة ، فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا ، قال : فنادى بأعلى صوته : ويل للأعقاب من النار ، مرتين أو ثلاثا " وقد يتجاذب الاستدلال بهذا الحديث الطرفان ، فللقائلين بالمسح أن يقولوا إن الصحابة كانوا يمسحون ، فهذا دليل على أن المسح كان هو المعروف عندهم ، وإنما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم عدم مسح أعقابهم ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلى أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح ، لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل ، ذكره في نيل الأوطار ، ثم قال : قال
الحافظ ، أي ابن حجر : " وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها " وفي أفراد
مسلم : " فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء " فتمسك بهذا من يقول بإجزاء المسح ويحمل الإنكار على ترك التعميم ، لكن الرواية المتفق عليها أرجح ، فتحمل عليها هذه الرواية بالتأويل ، وهو أن معنى قوله : لم يمسها الماء : أي ماء الغسل ؛ جمعا بين الروايتين . وأصرح من ذلك رواية
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا لم يغسل عقبه ، فقال ذلك " انتهى . وهذه واقعة أخرى .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير المسح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن كثير من الصحابة والتابعين ; منهم
علي كرم الله وجهه ، قال : " اغسلوا الأقدام إلى الكعبين " وروي عن
أبي عبد الرحمن قال : " قرأ
علي الحسن والحسين ، رضوان الله عليهما ، فقرآ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وأرجلكم إلى الكعبين فسمع
علي ، عليه السلام ، ذلك ، وكان يقضي بين الناس ، فقال : وأرجلكم هذا من المقدم والمؤخر من الكلام . وتفسير هذا ما رواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي من قوله . أما
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وأرجلكم إلى الكعبين فيقول : اغسلوا وجوهكم واغسلوا أرجلكم وامسحوا برءوسكم ; فهذا من التقديم والتأخير .
ومنهم
عمر وابنه ، رضي الله عنهما . وروي عن
عطاء أنه قال : لم أر أحدا يمسح على القدمين . ومذهب
مالك الغسل دون المسح ، فلو كان أحد منهم يمسح لما منع المسح ألبتة ، ولا يتفقون على الغسل إلا لأنه السنة المتبعة من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير روى القول بالمسح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأنس من الصحابة ، وعن بعض التابعين ، ومن الرواية . عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " أن الوضوء غسلتان ومسحتان " وعن
أنس : نزل القرآن بالمسح ، والسنة الغسل ، وهو من أعلم الصحابة بالسنة لأنه كان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير بعد سوق الروايات في القولين ، ما نصه : " والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء ، كما أمر
[ ص: 190 ] بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم ، وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ كان مستحقا اسم ماسح غاسل ; لأن غسلهما إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء ، ومسحهما إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما ، فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح ، وكذلك من احتمال المسح المعنيين اللذين وصفت من العموم والخصوص اللذين أحدهما مسح ببعض ، والآخر مسح بالجميع ، واختلفت قراءة القراء في قوله وأرجلكم فنصبها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل ، وإنكارا منه المسح عليهما مع تظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعموم مسحهما بالماء ، وخفضها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح ، ولما قلنا في تأويل ذلك : إنه معني به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره ، للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده ، أو بما قام مقام اليد ؛ توجيها منه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين إلى مسح جميعهما عاما باليد ، أو بما قام مقام اليد دون بعضهما مع غسلهما بالماء ، وههنا روي عن
الحسن أن لمن يتوضأ في السفينة أن يغمس رجليه في الماء غمسا ، وفي رواية : يخفض قدميه في الماء ، ثم قال : فإذا كان في المسح المعنيان اللذان وصفنا من عموم الرجلين به بالماء ، وخصوص بعضهما به ، وكان صحيحا بالأدلة الدالة التي سنذكرها بعد ، أن مراد الله من مسحهما العموم ، وكان لعمومهما بذلك معنى الغسل والمسح ; فبين صواب قراءة القراءتين جميعا ، أعني النصب في الأرجل والخفض ; لأن في عموم الرجلين بمسحهما بالماء : غسلهما ، وفي إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما : مسحهما . فوجه صواب من قرأ ذلك نصبا لما في ذلك من معنى عمومهما بإمرار الماء عليهما ، ووجه صواب قراءة من قرأه خفضا لما في ذلك من إمرار اليد عليهما أو ما قام مقام اليد مسحا بهما ، غير أن ذلك وإن كان كذلك ، وكانت القراءتان كلتاهما حسنا صوابا ، فأعجب القراءتين إلي أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا ; لما وصفت من جمع المسح المعنيين اللذين وصفت ، ولأنه بعد قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم فالعطف به على الرءوس مع قربه منه أولى من العطف به على الأيدي ، وقد حيل بينه وبينها بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم فإن قال قائل : وما الدليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=57المراد بالمسح في الرجلين ، العموم دون أن يكون خصوصا ، نظير قولك في المسح بالرأس ؟ قيل : الدليل على ذلك تظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003246 " ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار " ولو كان مسح بعض القدم مجزيا عن عمومها بذلك لما كان لها الويل بترك ما ترك مسحه منها بالماء بعد أن يمسح بعضا ; لأن من أدى فرض الله عليه في ما لزمه غسله منها ، لم يستحق الويل ، بل يجب أن يكون له الثواب الجزيل ، فوجوب الويل لعقب تارك غسل عقبه في وضوئه أوضح الدليل على وجوب فرض العموم بمسح جميع القدم بالماء وصحة ما قلنا في ذلك ، وفساد ما خالفه . انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، ورأيه واضح ، وهو العمل بالقراءتين معا ، بأن يغسل المتوضئ رجليه ويمسحهما بيديه أو غير يديه في أثناء الغسل ; لأجل استيعاب غسلهما عناية بنظافتهما
[ ص: 191 ] ; لأن الوسخ أكثر عروضا لهما من سائر الأعضاء ، فإذا لم يمسحه لا يؤثر الماء الذي يصب عليهما التأثير المطلوب لتنظيفهما ; إذ يغلب عليهما الجفاف والوسخ ، وبمسحهما في الغسل يستغني بقليل الماء عن كثيره في تنظيفهما ، والاقتصاد في الماء وغيره من السنة ، وكانوا في زمن التنزيل قليلي الماء في
الحجاز ، وقد تنبه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري لهذا المعنى ، فقال في بيان حكمة قراءة الجر : " الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة ، تغسل بصب الماء عليها ، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه ، فعطفت على الرابع الممسوح ، لا لتمسح ، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها ، وقيل : إلى الكعبين ، فجيء بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة ; لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة . انتهى . والصواب : لتمسح حين تغسل .
وقد أطنب السيد
الآلوسي في روح المعاني في توجيه كل من أهل السنة
والشيعة للقراءتين ، وتحويل إحداهما إلى الأخرى ، ورجح قول أهل السنة ، ثم تكلم عن الرواية عن
الشيعة فقال : " بقي لو قال قائل : لا أقنع بهذا المقدار في الاستدلال على غسل الأرجل بهذه الآية ، ما لم ينضم إليها من خارج ما يقوي تطبيق أهل السنة ; فإن كلامهم وكلام
الإمامية في ذلك ، عسى أن يكون فرسي رهان ، قيل له : " إن سنة خير الورى - صلى الله عليه وسلم - وآثار الأئمة ، رضي الله عنهم ، شاهدة على ما يدعيه أهل السنة ، وهي من طريقهم أكثر من أن تحصى ، وأما من طريق القوم فقد روى
العياشي عن
علي عن
أبي حمزة قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة عن القدمين ، فقال : تغسلان غسلا " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16924محمد بن النعمان عن
أبي بصير عن
أبي عبد الله ، رضي الله تعالى عنه ، قال : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=60_53نسيت مسح رأسك حتى غسلت رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك ، وهذا الحديث رواه أيضا
الكلبي nindex.php?page=showalam&ids=11961وأبو جعفر الطوسي ، بأسانيد صحيحة ، بحيث لا يمكن تضعيفها ، ولا الحمل على التقية ; لأن المخاطب بذلك شيعي خاص .
وروى
محمد بن الحسن الصفار عن
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي عن أبيه عن جده أمير المؤمنين
علي ، كرم الله تعالى وجهه ، أنه قال :
جلست أتوضأ فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما غسلت قدمي قال : يا علي nindex.php?page=treesubj&link=59خلل بين الأصابع . ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=15194الشريف الرضي عن أمير المؤمنين
علي كرم الله تعالى وجهه ، في نهج البلاغة ، حكاية وضوئه - صلى الله عليه وسلم - وذكر فيه غسل الرجلين ، وهذا يدل على أن مفهوم الآية كما قال أهل السنة ، ولم يدع أحد منهم النسخ ليتكلف لإثباته كما ظنه من لا وقوف له ، وما يزعمه
الإمامية من نسبة المسح إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك وغيرهما ، رضي الله تعالى عنهم - كذب مفترى عليهم ، فإن أحدا منهم ما روي عنه بطريق صحيح أنه جوز المسح ، إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، رضي الله تعالى عنهما ، قال بطريق التعجب : لا نجد في كتاب الله تعالى إلا المسح ، ولكنهم أبوا إلا الغسل . ومراده أن ظاهر الكتاب يوجب المسح على قراءة الجر التي كانت قراءته ، ولكن
[ ص: 192 ] الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يفعلوا إلا الغسل ، ففي كلامه هذا إشارة إلى أن قراءة الجر مؤولة متروكة الظاهر بعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة ، رضي الله تعالى عنهم ، ونسبة جواز المسح إلى
أبي العالية وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي زور وبهتان أيضا .
وكذلك نسبة الجمع بين الغسل والمسح ، أو التخيير بينهما إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، عليه الرحمة ، ومثله نسبة التخيير إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير والتفسير الشهير ، وقد نشر رواة
الشيعة هذه الأكاذيب المختلقة ، ورواها بعض أهل السنة ممن لم يميز الصحيح والسقيم من الأخبار بلا تحقق ولا سند ، واتسع الخرق على الراقع ، ولعل
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير القائل بالتخيير هو
nindex.php?page=showalam&ids=16934محمد بن جرير بن رستم الشيعي صاحب الإيضاح للمسترشد في الإمامة ، لا
أبو جعفر محمد بن جرير بن غالب الطبري الشافعي الذي هو من أعلام أهل السنة ، والمذكور في تفسير هذا هو الغسل فقط ، لا المسح ولا الجمع ولا التخيير الذي نسبه
الشيعة إليه ، ولا حجة لهم في دعوى المسح بما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=919341عن أمير المؤمنين علي ، كرم الله تعالى وجهه ، أنه مسح وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه ، وشرب فضل طهوره قائما وقال : " إن الناس يزعمون أن nindex.php?page=treesubj&link=18371الشرب قائما لا يجوز ، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع مثل ما صنعت . وهذا وضوء من لم يحدث ; لأن الكلام في وضوء المحدث ، لا في مجرد التنظيف بمسح الأطراف ، كما يدل عليه ما في الخبر من مسح المغسول اتفاقا .
وأما ما روي عن
عباد بن تميم عن عمه ، بروايات ضعيفة ، أنه - صلى الله عليه وسلم -
توضأ ومسح على قدميه ، فهو كما قال
الحفاظ : شاذ منكر ، لا يصلح للاحتجاج مع احتمال حمل القدمين على الخفين ولو مجازا ، واحتمال اشتباه القدمين المتخففين بدون المتخففين من بعيد . ومثل ذلك عند من اطلع على أحوال الرواة ، ما رواه
الحسين بن سعيد الأهوازي ، عن
فضالة ، عن
حماد بن عثمان ، عن
غالب بن هذيل ، قال : سألت
أبا جعفر ، رضي الله تعالى عنه ، عن المسح على الرجلين ، فقال : هو الذي نزل به
جبريل عليه السلام ، وما روي عن
أحمد بن محمد قال : " سألت
أبا الحسن موسى بن جعفر ، رضي الله تعالى عنه ، عن المسح على القدمين ، كيف هو ؟ فوضع بكفيه على الأصابع ثم مسحهما إلى الكعبين ، فقلت له : لو أن رجلا قال بأصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين ، أيجزئ ؟ قال : لا إلا بكفه كلها . إلى غير ذلك مما روته
الإمامية في هذا الباب ، ومن وقف على أحوال رواتهم لم يعول على خبر من أخبارهم ، وقد ذكرنا نبذة من ذلك في كتابنا ( النفحات القدسية في رد
الإمامية ) على أن لنا أن نقول : لو فرض أن حكم الله - تعالى - المسح على ما يزعمه
الإمامية من الآية فالغسل يكفي عنه ، ولو كان هو الغسل لا يكفي المسح عنه ، فبالغسل يلزم الخروج عن العهدة بيقين دون المسح ، وذلك لأن الغسل محصل لمقصود المسح من وصول البلل وزيادة ، وهذا مراد من عبر
[ ص: 193 ] بأنه مسح وزيادة ، فلا يرد ما قيل من أن الغسل والمسح متضادان لا يجتمعان في محل واحد ; كالسواد والبياض ، وأيضا كان يلزم
الشيعة الغسل ; لأنه الأنسب بالوجه المعقول من الوضوء ، وهو التنظيف للوقوف بين يدي رب الأرباب ، سبحانه وتعالى ; لأنه الأحوط أيضا لكون سنده متفقا عليه للفريقين ، كما سمعت ، دون المسح ; للاختلاف في سنده . وقال بعض المحققين : " قد يلزمهم بناء على قواعدهم ، أن يجوزوا الغسل والمسح ، ولا يقتصروا على المسح فقط " انتهى كلام
الآلوسي .
أقول : إن في كلامه - عفا الله عنه - تحاملا على
الشيعة وتكذيبا لهم في نقل وجد مثله في كتب أهل السنة كما تقدم ، والظاهر أنه لم يطلع على تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري ، وقد نقلنا بعض رواياته ونص عباراته في الراجح عنده آنفا .
وصفوة القول في مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=57فرض الرجلين في الوضوء يتضح بأمور : ( 1 ) أن ظاهر قراءة النصب وجوب الغسل ، وظاهر قراءة الجر وجوب المسح .
( 2 ) أن مجال النحو واسع لمن أراد رد كل قراءة منهما إلى الأخرى ، وربما كان رد النصب إلى الجر أوجه في فن الإعراب ، وكذلك مجال التجوز ; كقول أهل السنة : " إن المراد بمسح الرجلين غسلهما ; لأنه ورد إطلاق لفظ المسح على الوضوء " وهو تكلف ظاهر ، وأقوى الحجج اللفظية لأهل السنة على
الإمامية جعل الكعبين غاية طهارة الرجلين ، وهذا لا يحصل إلا باستيعابهما بالماء ; لأن الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي الرجل ، والإمامية يمسحون ظاهر القدم إلى معقد الشراك ، عند المفصل بين الساق والقدم ، ويقولون : إنه هو الكعب . ففي الرجل كعب واحد على رأيهم ، ولو صح هذا لقال إلى الكعاب ; كما قال في اليدين إلى المرافق ; لأن في كل يد مرفقا واحدا .
( 3 ) أن القول بكل من الغسل والمسح مروي عن السلف من الصحابة والتابعين ، ولكن العمل بالغسل أعم وأكثر ، وهو الذي غلب واستمر ، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره ، إلا مسح الخفين .
( 4 ) أن القول بعدم جواز الغسل أبعد عن النقل والعقل من القول بعدم جواز المسح ، وإن روي كل منهما ، أما النقل فلأنه ظاهر قراءة النصب ، ولصحة الروايات فيه ، وأما العقل فلأن الغسل هو الذي تحصل به الطهارة ، أي المبالغة في النظافة التي شرع الوضوء والغسل لأجلها ، كما هو منصوص في الآية نفسها ، ولأن المسح قد يدخل في الغسل دون العكس .
( 5 ) إذا قيل : إن القراءتين متعارضتان ، والسنن متعارضة أيضا ، نقول : إن أهل السنة
والشيعة متفقون على أنه إذا أمكن
nindex.php?page=treesubj&link=22399الجمع بين المتعارضين يقدم على ترجيح أحدهما على الآخر ، والجمع هنا ممكن بما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وهو المسح في أثناء الغسل ; لأن المسح هو إمرار ما يمسح به على ما يمسح وإلصاقه به ، وصب الماء لا يمنع منه ، بل يتحقق به ، والآية لم تقل : امسحوا أرجلكم بالماء
[ ص: 194 ] ولا رءوسكم ، والأمر بمطلق المسح أمر بإمرار اليد بغير ماء ; كمسح رأس اليتيم ، ولكن لما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم في سياق الوضوء علم بالقرينة وبباء الإلصاق ، أن ذلك يحصل ببل اليد بالماء ومسحها بالرأس ، ولما قال : وأرجلكم بالنصب والجر ، ولم يقل : وبأرجلكم ، كان الظاهر أن يغسل الرجلان ويمسحا في أثناء الغسل بإدارة اليد عليهما ، وإلا كان أمرا بإمرار اليد عليهما بغير الماء ، وهو غير معقول ولم يقل به أحد .
( 6 ) إذا أمكن المراء فيما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، فلا يمكن أن يماري أحد في الجمع بين المسح والغسل بالبدء بالأول على الوجه الذي يقول به موجبو المسح ، والتثنية بالغسل المعروف .
( 7 ) لا يعقل لإيجاب
nindex.php?page=treesubj&link=57_28976مسح ظاهر القدم باليد المبللة بالماء حكمة ، بل هو خلاف حكمة الوضوء ; لأن طروء الرطوبة القليلة على العضو الذي عليه غبار ، أو وسخ يزيد وساخته وينال اليد الماسحة حظ من هذه الوساخة ، ولولا فتنة المذاهب بين المسلمين لما تشعب هذا الخلاف في هذه المسألة وأمثالها ; كالمسح على الخفين .
الْفَرْضُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=53الْمَسْحُ بِالرَّأْسِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ الرَّأْسُ مَعْرُوفٌ ، وَيُمْسَحُ مَا عَدَا الْوَجْهَ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْوَجْهَ شُرِعَ غَسْلُهُ لِسُهُولَتِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=53وَكَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ الْمُبَيَّنَةِ فِي السُّنَّةِ ، أَنْ يَمْسَحَهُ كُلَّهُ بِيَدَيْهِ إِذَا كَانَ مَكْشُوفًا ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَنَحْوُهَا يَمْسَحُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ ، وَيُتِمُّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ ، رَوَى
أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=113عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=919334أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ، وَرَوَى
مُسْلِمٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=19الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=919335أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخُفَّيْنِ ، وَرَوَى
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=243عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضُّمَرِيِّ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919336رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ ، وَرَوَى
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ ، مَا عَدَا
أَبَا دَاوُدَ ، عَنْ
بِلَالٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919337مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ ، وَالْخِمَارُ : الثَّوْبُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ ، وَهُوَ النَّصِيفُ ، وَكُلُّ مَا سَتَرَ شَيْئًا فَهُوَ خِمَارُهُ ، وَفَسَّرَهُ
النَّوَوِيُّ هُنَا بِالْعِمَامَةِ ; أَيْ لِلرِّجَالِ ; لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الرَّأْسَ ، وَخُمُرُ النِّسَاءِ مَعْرُوفَةٌ ، وَرُوِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=55الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ أَوِ الْخِمَارِ أَوِ الْعِصَابَةِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يَرْفَعُونَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=23سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ،
وَثَوْبَانِ وَأَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو مُوسَى وَأَبُو خُزَيْمَةَ ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمَسْحَ كَانَ يَكُونُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ سَاتِرٍ وَحْدَهُ ، وَالْأَخْذُ بِهِ مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ; مِنْهُمْ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ nindex.php?page=showalam&ids=44وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=16673وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ، وَقَالَ بِجَوَازِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ ; مِنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِهِ أَقُولُ ، وَقَدْ صَحَّ كَمَا عَلِمْتَ ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِهِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لِلْمَسْحِ عَلَيْهَا لُبْسُهَا عَلَى طُهْرٍ ، وَلَا التَّوْقِيتَ ; إِذْ لَمْ يُرْوَ فِيهِ شَيْءٌ يُحْتَجُّ بِهِ ، إِلَّا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبَا ثَوْرٍ قَاسَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ، فَاشْتَرَطَ الطَّهَارَةَ وَوَقَّتَ ، وَالْجُمْهُورُ الَّذِينَ لَمْ يُجِيزُوا الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَحْدَهَا ، قَالَ مَنْ بَلَغَتْهُ الْأَخْبَارُ مِنْهُمْ : إِنَّ الْمُرَادَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مَعَ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ ; كَالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ النَّاصِيَةِ .
[ ص: 186 ] وَمِنْ مَانِعِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا
سُفْيَانُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ بِهَا قَالَ بِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ الْإِطْلَاقُ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ تِلْكَ الْأَخْبَارِ ذِكْرُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ مَعَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ، وَقَدْ كَانَ نَزْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَرِجًا وَعَسِرًا ، فَفِي مَسْحِهِ نَفْيُ الْحَرَجِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ مَعَ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِحِكْمَةِ الْوُضُوءِ وَعِلَّتِهِ الْمَنْصُوصَةِ أَيْضًا ، وَهِيَ الطَّهَارَةُ وَالنَّظَافَةُ ، فَإِنَّ الْعُضْوَ الْمَسْتُورَ يَبْقَى نَظِيفًا ، وَلَا حَرَجَ الْآنَ فِي رَفْعِ الْعَمَائِمِ فِي
الْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَبِلَادِ التُّرْكِ عَلَى الرَّأْسِ لِأَجْلِ مَسْحِهِ مِنْ تَحْتِهَا فِي الْجُمْلَةِ ; لِأَنَّهَا تُوضَعُ عَلَى قَلَانِسَ تَرْفَعُ مَعَهَا بِسُهُولَةٍ ، وَلَكِنْ يَعْسُرُ مَسْحُهُ كُلُّهُ بِالْيَدَيْنِ كِلْتَيْهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، وَأَمَّا
أَهْلُ الْهِنْدِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ الَّذِينَ يَحْتَنِكُونَ بِالْعِمَامَةِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ السَّلَفُ ، فَيَعْسُرُ عَلَيْهِمْ رَفْعُ عَمَائِمِهِمْ عِنْدَ الْوُضُوءِ ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُظْهِرُوا نَاصِيَتَهُمْ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا ، فَيَمْسَحُوا بِهَا ، وَيُتَمِّمُوا الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ ; لِيَكُونَ وُضُوءُهُمْ صَحِيحًا عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ ، وَمَنْ مَسَحَ شَيْئًا أَوْ بِشَيْءٍ عَلَيْهِ سَاتِرٌ ، قَدْ يُقَالُ : إِنَّهُ مَسَحَ ذَلِكَ الشَّيْءَ ، أَوْ بِهِ ، كَمَا إِذَا قُلْتَ : وَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِي ، أَوْ عَلَى صَدْرِي ، لَا يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ حَقِيقَةً ، أَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِ سَاتِرٌ ، وَإِنَّمَا نَقُولُ هُنَا : إِنَّ الْأَصْلَ الْمَسْحُ بِالرَّأْسِ بِدُونِ سَاتِرٍ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ فَرْضِيَّتِهِ تَنْظِيفُهُ مِنْ نَحْوِ الْغُبَارِ ، وَهُوَ الْمُتَيَسِّرُ ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ سَاتِرٌ لَا يُصِيبُهُ الْغُبَارُ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=56أَقَلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ فَرْضُ مَسْحِ الرَّأْسِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ : " إِذَا مَسَحَ الرَّجُلُ بِأَيِّ رَأْسِهِ شَاءَ ، إِنْ كَانَ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ ، وَبِأَيِّ شِعْرٍ شَاءَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ، أَوْ بَعْضِ أُصْبُعٍ ، أَوْ بَطْنِ كَفِّهِ ، أَوْ أَمَرَ مَنْ يَمْسَحُ لَهُ - أَجْزَأَهُ ذَلِكَ " انْتَهَى . وَبَيَّنَ فِيهِ أَنْ أَظْهَرَ مَعْنَيَيِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ، وَأَنَّ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ ، وَلَكِنْ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ ; فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ ، وَذَكَرَ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ فِي الْمَسْحِ عَلَى النَّاصِيَةِ وَالْعِمَامَةِ ، وَحَدِيثًا مُرْسَلًا فِي مَعْنَاهُ عَنْ
عَطَاءٍ ، وَسَيَأْتِي ، وَقَالَ : " الْجُزْءُ الْمَمْسُوحُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّأْسِ نَفْسِهِ ، أَوْ مِنَ الشَّعْرِ الَّذِي عَلَيْهِ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ : " يَجْزِي
nindex.php?page=treesubj&link=56مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ ، وَيَمْسَحُ الْمُقَدَّمَ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرِ nindex.php?page=showalam&ids=11958وَالْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ مِنْ أَئِمَّةِ
أَهْلِ الْبَيْتِ ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعِتْرَةِ
وَمَالِكٌ ،
وَالْمُزَنِيُّ وَالْجِبَائِيُّ إِلَى وُجُوبِ مَسْحِهِ كُلِّهِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
أَحْمَدَ ، قَالَهُ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : " يَجِبُ مَسْحُ رُبُعِ الرَّأْسِ " وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّحْدِيدُ عَنْ غَيْرِهِ ، قِيلَ : إِنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ ( الْبَاءُ ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6بِرُءُوسِكُمْ هَلْ هِيَ لِلتَّبْعِيضِ ; فَيُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ ، أَمْ زَائِدَةٌ ; فَيَجِبُ مَسْحُهُ كُلُّهُ ، أَمْ هِيَ لِلْإِلْصَاقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ مَعْنَاهَا ؟ وَوَجَّهَ الْحَنَفِيَّةُ قَوْلَ إِمَامِهِمْ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْمَسْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ ، وَهِيَ تَسْتَوْعِبُ مِقْدَارَ الرُّبُعِ فِي الْغَالِبِ ; فَوَجَبَ تَعَيُّنُهُ ، وَهَذَا أَشَدُّ الْأَقْوَالِ تَكَلُّفًا ، وَلَمْ يَقُلْ
أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمَسْحُ بِمَجْمُوعِ الْيَدِ ، فَلَوْ مَسَحَ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ ، رُبُعَ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ
[ ص: 187 ] أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَيْسَتِ الْيَدُ رُبُعَ الرَّأْسِ بِالتَّحْدِيدِ ، وَقَدْ عَبَّرُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ بِقَوْلِهِمْ : غَالِبًا .
وَلَوْ كَانَ مُرَادُ
أَبِي حَنِيفَةَ قَدْرَ الْيَدِ لَعَبَّرَ بِهِ ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ نَصًّا فِي مَسْحِ جَمِيعِ النَّاصِيَةِ ، فَالْخِلَافُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ يَجْرِي فِي مَسْحِ النَّاصِيَةِ ; فَالِاسْتِدْلَالُ بِمَسْحِهَا مُصَادَرَةٌ . وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي كَوْنِ الْبَاءِ تُفِيدُ التَّبْعِيضَ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : اسْتِقْلَالًا ، وَإِنَّمَا تُفِيدُهَا مَعَ مَعْنَى الْإِلْصَاقِ ، وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى كَوْنِهَا زَائِدَةً ، وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ مَعْنَى الْبَاءِ الْإِلْصَاقُ ، لَا التَّبْعِيضُ أَوِ الْآلَةُ ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَا يَفْهَمُهُ الْعَرَبِيُّ مِنْ : مَسَحَ بِكَذَا ، وَمَسَحَ كَذَا ; فَهُوَ يَفْهَمُ مِنْ كَلِمَةِ : مَسَحَ الْعَرَقَ عَنْ وَجْهِهِ : أَنَّهُ أَزَالَهُ بِإِمْرَارِ يَدِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ عَلَيْهِ ، وَمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِالطِّيبِ أَوِ الدُّهْنِ : أَنَّهُ أَمَرَّهُ عَلَيْهِ ، وَمِنْ مَسْحِ الشَّيْءِ بِالْمَاءِ : أَنَّهُ أَمَرَّ عَلَيْهِ مَاءً قَلِيلًا لِيُزِيلَ مَا عَلَقَ بِهِ مِنْ غُبَارٍ أَوْ أَذًى ، وَمِنْ مَسْحِ يَدِهِ بِالْمِنْدِيلِ : أَنَّهُ أَمَرَّ عَلَيْهَا الْمَنْدِيلَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِيُزِيلَ مَا عَلَقَ بِهَا مَنْ بَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَمِنْ مَسَحَ رَأْسَ الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى رَأْسِهِ ، وَمَسَحَ بِعُنُقِ الْفَرَسِ أَوْ سَاقِهِ أَوْ بِالرُّكْنِ أَوِ الْحَجَرِ : أَنَّهُ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ ، لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَجْمُوعِ الْكَفِّ الْمَاسِحِ ، وَلَا بِكُلِّ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ أَوِ الْعُنُقِ أَوِ السَّاقِ أَوِ الرُّكْنِ أَوِ الْحَجَرِ الْمَمْسُوحِ ، فَهَذَا مَا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ حَظٌّ مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ مِمَّا ذُكِرَ ، وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ( 38 : 33 ) عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ الْمُخْتَارِ ، أَنَّ الْمَسْحَ بِالْيَدِ لَا بِالسَّيْفِ ، وَمِنْ مِثْلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ :
وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ وَمَسَحَ بِالْأَرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ
وَالْأَقْرَبُ : أَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْمَسْحِ ، مَعَ مَفْهُومِ عِبَارَةِ الْآيَةِ ، قِيلَ : إِنَّ الْعِبَارَةَ مُجْمَلَةُ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ ، وَصَرَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ ، وَجَعَلَ الْمُطْلَقَ مِنَ الْمُجْمَلِ ، وَالتَّحْقِيقُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْكُلِّ وَالْبَعْضِ ، فَأَيُّهُمَا وَقَعَ حَصَلَ بِهِ الِامْتِثَالُ ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ مُجْمَلٌ لَكَانَ الصَّحِيحُ فِي بَيَانِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَسْحَ يَكُونُ عَلَى الرَّأْسِ كُلِّهِ مَكْشُوفًا ، وَعَلَى بَعْضِهِ مَعَ التَّكْمِيلِ عَلَى الْعِمَامَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الصِّحَاحِ ، وَلَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ بِمَسْحِ الْبَعْضِ ، إِلَّا حَدِيثُ
أَنَسٍ عِنْدَ
أَبِي دَاوُدَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919338رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَطَرِيَّةٌ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ ، وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّ
أَبَا مَعْقِلٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ
أَنَسٍ مَجْهُولٌ ، وَقَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ ، وَقَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ : " إِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ ، أَلْبَتَّةَ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ كَمَّلَ عَلَى الْعِمَامَةِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ
أَنَسٍ - وَذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا - فَهَذَا مَقْصُودُ
أَنَسٍ بِهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْقُضْ عِمَامَتَهُ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ مَسْحَ الشَّعْرِ كُلِّهِ ، وَلَمْ يَنْفِ التَّكْمِيلَ عَلَى الْعِمَامَةِ ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=19الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَغَيْرُهُ ، فَسُكُوتُ
أَنَسٍ عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ " انْتَهَى .
[ ص: 188 ] وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ حَدِيثَ
أَنَسٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي حَدِيثِ
عَطَاءٍ الْمُرْسَلِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ ، وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى الرُّبُعِ ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأَسِهِ ، أَوْ قَالَ نَاصِيَتَهُ ، وَهَذَا بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنِ الْخِلَافِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ ، وَقَدْ مَنَعَهُ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَالَ بِهِ
أَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ
الْمُعْتَزِلَةِ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ . وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ
مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الْمَكِّيِّ الْفَقِيهِ ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُ ، وَوَثَّقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابْنُ مَعِينٍ مَرَّةً ، وَضَعَّفَهُ أُخْرَى ، كَمَا ضَعَّفَهُ
أَبُو دَاوُدَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ . وَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مَسْحِ الرُّبُعِ .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ يَكْفِي فِي الِامْتِثَالِ ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَسْحًا فِي اللُّغَةِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِحَرَكَةِ الْعُضْوِ الْمَاسِحِ مُلْصَقًا بِالْمَمْسُوحِ ، فَوَضْعُ الْيَدِ أَوِ الْأُصْبُعِ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُسَمَّى مَسْحًا ، وَلَا يَكْفِي مَسْحُ الشَّعْرِ الْخَارِجِ عَنْ مُحَاذَاةِ الرَّأْسِ كَالضَّفِيرَةِ ، وَأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَيْسَ مِنَ الْمُجْمَلِ ، وَأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَمْسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ إِذَا كَانَ مَكْشُوفًا ، وَبَعْضَهُ إِذَا كَانَ مَسْتُورًا ، وَيُكْمِلُ عَلَى السَّاتِرِ ، وَأَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى السَّاتِرِ وَحْدَهُ ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَمْسَحَ مَعَهُ جُزْءًا مِنَ الرَّأْسِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْفَرْضُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=57غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ ، أَوْ مَعَ مَسْحِهِمَا ، أَوْ مَسْحُهُمَا بَارِزَتَيْنِ أَوْ مَسْتُورَتَيْنِ بِالْخُفِّ أَوْ غَيْرِهِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ : ( وَأَرْجُلَكُمْ ) بِالْفَتْحِ ; أَيْ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مِفْصَلِ السَّاقِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ ، وَقَرَأَهَا الْبَاقُونَ :
ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ ، بِالْجَرِّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الرَّأْسِ ; أَيْ وَامْسَحُوا بِأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَمِنْ هُنَا اخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَمَسْحِهِمَا ; فَالْجَمَاهِيرُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْغَسْلُ وَحْدَهُ ،
وَالشِّيعَةُ الْإِمَامِيَّةُ أَنَّهُ الْمَسْحُ ، وَقَالَ
دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرُ لِلْحَقِّ ، مِنَ
الزَّيْدِيَّةِ : يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، وَنُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ ، أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا ، وَسَتَعْلَمُ أَنَّ مَذْهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ الْجَمْعُ .
أَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْجَمْعِ فَأَرَادُوا الْعَمَلَ بِالْقِرَاءَتَيْنِ مَعًا لِلِاحْتِيَاطِ ، وَلِأَنَّهُ الْمُقَدَّمُ فِي التَّعَارُضِ إِذَا أَمْكَنَ ، وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالتَّخْيِيرِ فَأَجَازُوا الْأَخْذَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ ، وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْمَسْحِ فَقَدْ أَخَذُوا بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ وَأَرْجَعُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ إِلَيْهَا ، وَذَكَرَ
الرَّازِيُّ عَنِ
الْقَفَّالِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ . وَقَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ ، عِنْدَ ذِكْرِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ : وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا ، إِلَّا عَنْ
عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَدْ أَخَذُوا بِقِرَاءَةِ النَّصْبِ وَأَرْجَعُوا قِرَاءَةَ الْجَرِّ إِلَيْهَا ، وَأَيَّدُوا ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ .
[ ص: 189 ] ، وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْمُنْطَبِقُ عَلَى حِكْمَةِ الطَّهَارَةِ ، وَادَّعَى
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13064وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ .
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ فِي هَذَا الْبَابِ عَمَلُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَمَا يُؤَيِّدُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْقَوْلِيَّةِ ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919339تَخَلَّفَ عَنَّا ، رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفْرَةٍ ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَنَا الْعَصْرُ ، فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، قَالَ : فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا " وَقَدْ يَتَجَاذَبُ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الطَّرَفَانِ ، فَلِلْقَائِلِينَ بِالْمَسْحِ أَنْ يَقُولُوا إِنِ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَمْسَحُونَ ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ كَانَ هُوَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ عَدَمَ مَسْحِ أَعْقَابِهِمْ ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ كَانَ بِسَبَبِ الْمَسْحِ ، لَا بِسَبَبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ الرِّجْلِ ، ذَكَرَهُ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ
الْحَافِظُ ، أَيِ ابْنُ حَجَرٍ : " وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا " وَفِي أَفْرَادِ
مُسْلِمٍ : " فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ بِيضٌ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ " فَتَمَسَّكَ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِإِجْزَاءِ الْمَسْحِ وَيَحْمِلُ الْإِنْكَارَ عَلَى تَرْكِ التَّعْمِيمِ ، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا أَرْجَحُ ، فَتُحْمَلُ عَلَيْهَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِالتَّأْوِيلِ ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ : أَيْ مَاءُ الْغَسْلِ ؛ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ . وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَهُ ، فَقَالَ ذَلِكَ " انْتَهَى . وَهَذِهِ وَاقِعَةٌ أُخْرَى .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الْمَسْحَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ; مِنْهُمْ
عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، قَالَ : " اغْسِلُوا الْأَقْدَامَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : " قَرَأَ
عَلَيَّ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ، فَقَرَآ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فَسَمِعَ
عَلِيٌّ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ذَلِكَ ، وَكَانَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ ، فَقَالَ : وَأَرْجُلِكُمْ هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ مِنَ الْكَلَامِ . وَتَفْسِيرُ هَذَا مَا رَوَاهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ مِنْ قَوْلِهِ . أَمَّا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فَيَقُولُ : اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ; فَهَذَا مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ .
وَمِنْهُمْ
عُمَرُ وَابْنُهُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . وَرُوِيَ عَنْ
عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ أَرَ أَحَدًا يَمْسَحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ . وَمَذْهَبُ
مَالِكٍ الْغَسْلُ دُونَ الْمَسْحِ ، فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَمْسَحُ لَمَا مَنَعَ الْمَسْحَ أَلْبَتَّةَ ، وَلَا يَتَّفِقُونَ عَلَى الْغَسْلِ إِلَّا لِأَنَّهُ السُّنَّةُ الْمُتَّبَعَةُ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنَ جَرِيرٍ رَوَى الْقَوْلَ بِالْمَسْحِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَعَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ ، وَمِنَ الرِّوَايَةِ . عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ الْوُضُوءَ غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ " وَعَنْ
أَنَسٍ : نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْمَسْحِ ، وَالسُّنَّةُ الْغَسْلُ ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ الصَّحَابَةِ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْدِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ بَعْدَ سَوْقِ الرِّوَايَاتِ فِي الْقَوْلَيْنِ ، مَا نَصُّهُ : " وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِعُمُومِ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ ، كَمَا أَمَرَ
[ ص: 190 ] بِعُمُومِ مَسْحِ الْوَجْهِ بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمَا الْمُتَوَضِّئُ كَانَ مُسْتَحِقًّا اسْمَ مَاسِحٍ غَاسِلٍ ; لِأَنَّ غَسْلَهُمَا إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا أَوْ إِصَابَتُهُمَا بِالْمَاءِ ، وَمَسْحُهُمَا إِمْرَارُ الْيَدِ وَمَا قَامَ مَقَامَ الْيَدِ عَلَيْهِمَا ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمَا فَاعِلٌ فَهُوَ غَاسِلٌ مَاسِحٌ ، وَكَذَلِكَ مِنِ احْتِمَالِ الْمَسْحِ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ مِنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا مَسْحٌ بِبَعْضٍ ، وَالْآخَرُ مَسْحٌ بِالْجَمِيعِ ، وَاخْتَلَفَتْ قِرَاءَةُ الْقُرَّاءِ فِي قَوْلِهِ وَأَرْجُلَكُمْ فَنَصَبَهَا بَعْضُهُمْ تَوْجِيهًا مِنْهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِيهِمَا الْغَسْلُ ، وَإِنْكَارًا مِنْهُ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا مَعَ تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُمُومِ مَسْحِهِمَا بِالْمَاءِ ، وَخَفَضَهَا بَعْضُهُمْ تَوْجِيهًا مِنْهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِيهِمَا الْمَسْحُ ، وَلَمَّا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ : إِنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ عُمُومُ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ بِالْمَاءِ كَرِهَ مَنْ كَرِهَ ، لِلْمُتَوَضِّئِ الِاجْتِزَاءَ بِإِدْخَالِ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ دُونَ مَسْحِهِمَا بِيَدِهِ ، أَوْ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْيَدِ ؛ تَوْجِيهًا مِنْهُ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَى مَسْحِ جَمِيعِهِمَا عَامًّا بِالْيَدِ ، أَوْ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْيَدِ دُونَ بَعْضِهِمَا مَعَ غَسْلِهِمَا بِالْمَاءِ ، وَهَهُنَا رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّ لِمَنْ يَتَوَضَّأُ فِي السَّفِينَةِ أَنْ يَغْمِسَ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ غَمْسًا ، وَفِي رِوَايَةٍ : يَخْفِضُ قَدَمَيْهِ فِي الْمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ : فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْحِ الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ وَصَفْنَا مِنْ عُمُومِ الرِّجْلَيْنِ بِهِ بِالْمَاءِ ، وَخُصُوصِ بَعْضِهِمَا بِهِ ، وَكَانَ صَحِيحًا بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا بَعْدُ ، أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ مَسْحِهِمَا الْعُمُومُ ، وَكَانَ لِعُمُومِهِمَا بِذَلِكَ مَعْنَى الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ ; فَبَيِّنٌ صَوَابُ قِرَاءَةِ الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا ، أَعْنِي النَّصْبَ فِي الْأَرْجُلِ وَالْخَفْضَ ; لِأَنَّ فِي عُمُومِ الرِّجْلَيْنِ بِمَسْحِهِمَا بِالْمَاءِ : غَسْلُهُمَا ، وَفِي إِمْرَارِ الْيَدِ وَمَا قَامَ مَقَامَ الْيَدِ عَلَيْهِمَا : مَسْحُهُمَا . فَوَجَّهَ صَوَابَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى عُمُومِهِمَا بِإِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا ، وَوَجَّهَ صَوَابَ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ خَفْضًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِمْرَارِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا أَوْ مَا قَامَ مَقَامَ الْيَدِ مَسْحًا بِهِمَا ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، وَكَانَتِ الْقِرَاءَتَانِ كِلْتَاهُمَا حَسَنًا صَوَابًا ، فَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ خَفْضًا ; لِمَا وَصَفْتُ مِنْ جَمْعِ الْمَسْحِ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فَالْعَطْفُ بِهِ عَلَى الرُّءُوسِ مَعَ قُرْبِهِ مِنْهُ أَوْلَى مِنَ الْعَطْفِ بِهِ عَلَى الْأَيْدِي ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=57الْمُرَادَ بِالْمَسْحِ فِي الرِّجْلَيْنِ ، الْعُمُومُ دُونَ أَنْ يَكُونَ خُصُوصًا ، نَظِيرَ قَوْلِكَ فِي الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ ؟ قِيلَ : الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ تَظَاهُرُ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003246 " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ " وَلَوْ كَانَ مَسْحُ بَعْضِ الْقَدَمِ مُجْزِيًا عَنْ عُمُومِهَا بِذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهَا الْوَيْلُ بِتَرْكِ مَا تُرِكَ مَسْحُهُ مِنْهَا بِالْمَاءِ بَعْدَ أَنْ يَمْسَحَ بَعْضًا ; لِأَنَّ مَنْ أَدَّى فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي مَا لَزِمَهُ غَسْلُهُ مِنْهَا ، لَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَيْلَ ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ ، فَوُجُوبُ الْوَيْلِ لِعَقِبِ تَارِكِ غَسْلِ عَقِبِهِ فِي وُضُوئِهِ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ فَرْضِ الْعُمُومِ بِمَسْحِ جَمِيعِ الْقَدَمِ بِالْمَاءِ وَصِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ ، وَفَسَادِ مَا خَالَفَهُ . انْتَهَى كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ ، وَرَأْيُهُ وَاضِحٌ ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْقِرَاءَتَيْنِ مَعًا ، بِأَنْ يَغْسِلَ الْمُتَوَضِّئُ رِجْلَيْهِ وَيَمْسَحَهُمَا بِيَدَيْهِ أَوْ غَيْرِ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْغَسْلِ ; لِأَجْلِ اسْتِيعَابِ غَسْلِهِمَا عِنَايَةً بِنَظَافَتِهِمَا
[ ص: 191 ] ; لِأَنَّ الْوَسَخَ أَكْثَرُ عُرُوضًا لَهُمَا مِنْ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ، فَإِذَا لَمْ يَمْسَحْهُ لَا يُؤَثِّرُ الْمَاءُ الَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِمَا التَّأْثِيرَ الْمَطْلُوبَ لِتَنْظِيفِهِمَا ; إِذْ يَغْلِبُ عَلَيْهِمَا الْجَفَافُ وَالْوَسَخُ ، وَبِمَسْحِهِمَا فِي الْغَسْلِ يَسْتَغْنِي بِقَلِيلِ الْمَاءِ عَنْ كَثِيرِهِ فِي تَنْظِيفِهِمَا ، وَالِاقْتِصَادُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنَ السُّنَّةِ ، وَكَانُوا فِي زَمَنِ التَّنْزِيلِ قَلِيلِي الْمَاءِ فِي
الْحِجَازِ ، وَقَدْ تَنَبَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ لِهَذَا الْمَعْنَى ، فَقَالَ فِي بَيَانِ حِكْمَةِ قِرَاءَةِ الْجَرِّ : " الْأَرْجُلُ مِنْ بَيْنِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَغْسُولَةِ ، تُغْسَلُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا ، فَكَانَتْ مَظِنَّةً لِلْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، فَعُطِفَتْ عَلَى الرَّابِعِ الْمَمْسُوحِ ، لَا لِتُمْسَحَ ، وَلَكِنْ لِيُنَبَّهَ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَادِ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا ، وَقِيلَ : إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، فَجِيءَ بِالْغَايَةِ إِمَاطَةً لِظَنِّ ظَانٍّ يَحْسَبُهَا مَمْسُوحَةً ; لِأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ تُضْرَبْ لَهُ غَايَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ . انْتَهَى . وَالصَّوَابُ : لِتُمْسَحَ حِينَ تُغْسَلُ .
وَقَدْ أَطْنَبَ السَّيِّدُ
الْآلُوسِيُّ فِي رُوحِ الْمَعَانِي فِي تَوْجِيهِ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالشِّيعَةِ لِلْقِرَاءَتَيْنِ ، وَتَحْوِيلِ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى ، وَرَجَّحَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ
الشِّيعَةِ فَقَالَ : " بَقِيَ لَوْ قَالَ قَائِلٌ : لَا أَقْنَعُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى غَسْلِ الْأَرْجُلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، مَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهَا مِنْ خَارِجٍ مَا يُقَوِّي تَطْبِيقَ أَهْلِ السُّنَّةِ ; فَإِنَّ كَلَامَهُمْ وَكَلَامَ
الْإِمَامِيَّةِ فِي ذَلِكَ ، عَسَى أَنْ يَكُونَ فَرَسَيْ رِهَانٍ ، قِيلَ لَهُ : " إِنَّ سُنَّةَ خَيْرِ الْوَرَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآثَارَ الْأَئِمَّةِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، شَاهِدَةٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ ، وَهِيَ مِنْ طَرِيقِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْقَوْمِ فَقَدْ رَوَى
الْعَيَّاشِيُّ عَنْ
عَلِيٍّ عَنْ
أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ الْقَدَمَيْنِ ، فَقَالَ : تُغْسَلَانِ غَسْلًا " .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16924مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ
أَبِي بَصِيرٍ عَنْ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=60_53نَسِيتَ مَسْحَ رَأْسِكَ حَتَّى غَسَلْتَ رِجْلَيْكَ فَامْسَحْ رَأْسَكَ ثُمَّ اغْسِلْ رِجْلَيْكَ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَيْضًا
الْكَلْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=11961وَأَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِيُّ ، بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَضْعِيفُهَا ، وَلَا الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ شِيعِيٌّ خَاصٌّ .
وَرَوَى
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلِيٍّ ، كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ ، أَنَّهُ قَالَ :
جَلَسْتُ أَتَوَضَّأُ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا غَسَلْتُ قَدَمَيَّ قَالَ : يَا عَلِيُّ nindex.php?page=treesubj&link=59خَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ . وَنَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15194الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ ، فِي نَهْجِ الْبَلَاغَةِ ، حِكَايَةَ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ فِيهِ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْآيَةِ كَمَا قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ ، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْهُمُ النَّسْخَ لِيَتَكَلَّفَ لِإِثْبَاتِهِ كَمَا ظَنَّهُ مَنْ لَا وُقُوفَ لَهُ ، وَمَا يَزْعُمُهُ
الْإِمَامِيَّةُ مِنْ نِسْبَةِ الْمَسْحِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَذِبٌ مُفْتَرًى عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ مَا رُوِيَ عَنْهُ بِطْرِيقٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ جَوَّزَ الْمَسْحَ ، إِلَّا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ بِطَرِيقِ التَّعَجُّبِ : لَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا الْمَسْحَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَبَوْا إِلَّا الْغَسْلَ . وَمُرَادُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ يُوجِبُ الْمَسْحَ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ الَّتِي كَانَتْ قِرَاءَتَهُ ، وَلَكِنَّ
[ ص: 192 ] الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا الْغَسْلَ ، فَفِي كَلَامِهِ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ مُؤَوَّلَةٌ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ بِعَمَلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَنِسْبَةُ جَوَازِ الْمَسْحِ إِلَى
أَبِي الْعَالِيَةِ وَعِكْرِمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ زُورٌ وَبُهْتَانٌ أَيْضًا .
وَكَذَلِكَ نِسْبَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ ، أَوِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ ، وَمِثْلُهُ نِسْبَةُ التَّخْيِيرِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْكَبِيرِ وَالتَّفْسِيرِ الشَّهِيرِ ، وَقَدْ نَشَرَ رُوَاةُ
الشِّيعَةِ هَذِهِ الْأَكَاذِيبَ الْمُخْتَلَقَةَ ، وَرَوَاهَا بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزِ الصَّحِيحَ وَالسَّقِيمَ مِنَ الْأَخْبَارِ بِلَا تَحَقُّقٍ وَلَا سَنَدٍ ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ ، وَلَعَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ الْقَائِلَ بِالتَّخْيِيرِ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=16934مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ رُسْتُمَ الشِّيعِيُّ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ لِلْمُسْتَرْشِدِ فِي الْإِمَامَةِ ، لَا
أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ غَالِبٍ الطَّبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْمَذْكُورُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا هُوَ الْغَسْلُ فَقَطْ ، لَا الْمَسْحُ وَلَا الْجَمْعُ وَلَا التَّخْيِيرُ الَّذِي نَسَبَهُ
الشِّيعَةُ إِلَيْهِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي دَعْوَى الْمَسْحِ بِمَا رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919341عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ ، كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ ، أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ، وَشَرِبَ فَضْلَ طَهُورِهِ قَائِمًا وَقَالَ : " إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=18371الشُّرْبَ قَائِمًا لَا يَجُوزُ ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ . وَهَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي وُضُوءِ الْمُحْدِثِ ، لَا فِي مُجَرَّدِ التَّنْظِيفِ بِمَسْحِ الْأَطْرَافِ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ مَسْحِ الْمَغْسُولِ اتِّفَاقًا .
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ
عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ ، بِرِوَايَاتٍ ضَعِيفَةٍ ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ ، فَهُوَ كَمَا قَالَ
الْحُفَّاظُ : شَاذٌّ مُنْكَرٌ ، لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ مَعَ احْتِمَالِ حَمْلِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ مَجَازًا ، وَاحْتِمَالِ اشْتِبَاهِ الْقَدَمَيْنِ الْمُتَخَفِّفَيْنِ بِدُونِ الْمُتَخَفِّفَيْنِ مِنْ بَعِيدٍ . وَمِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى أَحْوَالِ الرُّوَاةِ ، مَا رَوَاهُ
الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَهْوَازِيُّ ، عَنْ
فُضَالَةَ ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ
غَالِبِ بْنِ هُذَيْلٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ
أَبَا جَعْفَرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ ، فَقَالَ : هُوَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ
أَحَمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : " سَأَلْتُ
أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ ، كَيْفَ هُوَ ؟ فَوَضَعَ بِكَفَّيْهِ عَلَى الْأَصَابِعِ ثُمَّ مَسَحَهُمَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، فَقُلْتُ لَهُ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ هَكَذَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، أَيُجْزِئُ ؟ قَالَ : لَا إِلَّا بِكَفِّهِ كُلِّهَا . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رَوَتْهُ
الْإِمَامِيَّةُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحْوَالِ رُوَاتِهِمْ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَى خَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نُبْذَةً مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا ( النَّفَحَاتُ الْقُدُسِيَّةُ فِي رَدِّ
الْإِمَامِيَّةِ ) عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ : لَوْ فُرِضَ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمَسْحُ عَلَى مَا يَزْعُمُهُ
الْإِمَامِيَّةُ مِنَ الْآيَةِ فَالْغَسْلُ يَكْفِي عَنْهُ ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْغَسْلَ لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَنْهُ ، فَبِالْغَسْلِ يَلْزَمُ الْخُرُوجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ دُونَ الْمَسْحِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَسْلَ مُحَصِّلٌ لِمَقْصُودِ الْمَسْحِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ وَزِيَادَةٍ ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ
[ ص: 193 ] بِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ ، فَلَا يَرُدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ مُتَضَادَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ; كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ ، وَأَيْضًا كَانَ يَلْزَمُ
الشِّيعَةَ الْغَسْلُ ; لِأَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِالْوَجْهِ الْمَعْقُولِ مِنَ الْوُضُوءِ ، وَهُوَ التَّنْظِيفُ لِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْأَرْبَابِ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ; لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ أَيْضًا لِكَوْنِ سَنَدِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِلْفَرِيقَيْنِ ، كَمَا سَمِعْتَ ، دُونَ الْمَسْحِ ; لِلِاخْتِلَافِ فِي سَنَدِهِ . وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : " قَدْ يَلْزَمُهُمْ بِنَاءً عَلَى قَوَاعِدِهِمْ ، أَنْ يُجَوِّزُوا الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ ، وَلَا يَقْتَصِرُوا عَلَى الْمَسْحِ فَقَطْ " انْتَهَى كَلَامُ
الْآَلُوسِيُّ .
أَقُولُ : إِنَّ فِي كَلَامِهِ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - تَحَامُلًا عَلَى
الشِّيعَةِ وَتَكْذِيبًا لَهُمْ فِي نَقْلٍ وُجِدَ مِثْلُهُ فِي كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ ، وَقَدْ نَقَلْنَا بَعْضَ رِوَايَاتِهِ وَنَصَّ عِبَارَاتِهِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُ آنِفًا .
وَصَفْوَةُ الْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=57فَرْضِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ يَتَّضِحُ بِأُمُورٍ : ( 1 ) أَنَّ ظَاهِرَ قِرَاءَةِ النَّصْبِ وُجُوبُ الْغَسْلِ ، وَظَاهِرَ قِرَاءَةِ الْجَرِّ وُجُوبُ الْمَسْحِ .
( 2 ) أَنَّ مَجَالَ النَّحْوِ وَاسْعٌ لِمَنْ أَرَادَ رَدَّ كُلِّ قِرَاءَةٍ مِنْهُمَا إِلَى الْأُخْرَى ، وَرُبَّمَا كَانَ رَدُّ النَّصْبِ إِلَى الْجَرِّ أَوْجَهَ فِي فَنِّ الْإِعْرَابِ ، وَكَذَلِكَ مَجَالُ التَّجَوُّزِ ; كَقَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ : " إِنَّ الْمُرَادَ بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ غَسْلُهُمَا ; لِأَنَّهُ وَرَدَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَسْحِ عَلَى الْوُضُوءِ " وَهُوَ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ ، وَأَقْوَى الْحُجَجِ اللَّفْظِيَّةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى
الْإِمَامِيَّةِ جَعْلُ الْكَعْبَيْنِ غَايَةَ طَهَارَةِ الرِّجْلَيْنِ ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِاسْتِيعَابِهِمَا بِالْمَاءِ ; لِأَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي جَانِبَيِ الرِّجْلِ ، وَالْإِمَامِيَّةُ يَمْسَحُونَ ظَاهِرَ الْقَدَمِ إِلَى مَعْقِدِ الشِّرَاكِ ، عِنْدَ الْمِفْصَلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ هُوَ الْكَعْبُ . فَفِي الرِّجْلِ كَعْبٌ وَاحِدٌ عَلَى رَأْيِهِمْ ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَقَالَ إِلَى الْكِعَابِ ; كَمَا قَالَ فِي الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرَافِقِ ; لِأَنَّ فِي كُلِّ يَدٍ مِرْفَقًا وَاحِدًا .
( 3 ) أَنَّ الْقَوْلَ بِكُلٍّ مِنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ مَرْوِيٌّ عَنِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِالْغَسْلِ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ ، وَهُوَ الَّذِي غَلَبَ وَاسْتَمَرَّ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُهُ ، إِلَّا مَسْحُ الْخُفَّيْنِ .
( 4 ) أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْغَسْلِ أَبْعَدُ عَنِ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ مِنَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الْمَسْحِ ، وَإِنْ رُوِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا ، أَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّهُ ظَاهِرُ قِرَاءَةِ النَّصْبِ ، وَلِصِحَّةِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْغَسْلَ هُوَ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ ، أَيِ الْمُبَالَغَةُ فِي النَّظَافَةِ الَّتِي شُرِعَ الْوُضُوءُ وَالْغَسْلُ لِأَجْلِهَا ، كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْآيَةِ نَفْسِهَا ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ قَدْ يَدْخُلُ فِي الْغَسْلِ دُونَ الْعَكْسِ .
( 5 ) إِذَا قِيلَ : إِنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَانِ ، وَالسُّنَنَ مُتَعَارِضَةٌ أَيْضًا ، نَقُولُ : إِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ
وَالشِّيعَةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ
nindex.php?page=treesubj&link=22399الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَالْجَمْعُ هُنَا مُمْكِنٌ بِمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، وَهُوَ الْمَسْحُ فِي أَثْنَاءِ الْغَسْلِ ; لِأَنَّ الْمَسْحَ هُوَ إِمْرَارُ مَا يُمْسَحُ بِهِ عَلَى مَا يَمْسَحُ وَإِلْصَاقُهُ بِهِ ، وَصَبُّ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ ، بَلْ يَتَحَقَّقُ بِهِ ، وَالْآيَةُ لَمْ تَقُلْ : امْسَحُوا أَرْجُلَكُمْ بِالْمَاءِ
[ ص: 194 ] وَلَا رُءُوسَكُمْ ، وَالْأَمْرُ بِمُطْلَقِ الْمَسْحِ أَمْرٌ بِإِمْرَارِ الْيَدِ بِغَيْرِ مَاءٍ ; كَمَسْحِ رَأْسِ الْيَتِيمِ ، وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فِي سِيَاقِ الْوُضُوءِ عُلِمَ بِالْقَرِينَةِ وَبِبَاءِ الْإِلْصَاقِ ، أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِبَلِّ الْيَدِ بِالْمَاءِ وَمَسْحِهَا بِالرَّأْسِ ، وَلَمَّا قَالَ : وَأَرْجُلَكُمْ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ ، وَلَمْ يَقُلْ : وَبِأَرْجُلِكُمْ ، كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُغْسَلَ الرِّجْلَانِ وَيُمْسَحَا فِي أَثْنَاءِ الْغَسْلِ بِإِدَارَةِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا ، وَإِلَّا كَانَ أَمْرًا بِإِمْرَارِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ الْمَاءِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ .
( 6 ) إِذَا أَمْكَنَ الْمِرَاءُ فِيمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُمَارِيَ أَحَدٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ بِالْبَدْءِ بِالْأَوَّلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ مُوجِبُو الْمَسْحِ ، وَالتَّثْنِيَةِ بِالْغَسْلِ الْمَعْرُوفِ .
( 7 ) لَا يُعْقَلُ لِإِيجَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=57_28976مَسْحِ ظَاهِرِ الْقَدَمِ بِالْيَدِ الْمُبَلَّلَةِ بِالْمَاءِ حِكْمَةٌ ، بَلْ هُوَ خِلَافُ حِكْمَةِ الْوُضُوءِ ; لِأَنَّ طُرُوءَ الرُّطُوبَةِ الْقَلِيلَةِ عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي عَلَيْهِ غُبَارٌ ، أَوْ وَسَخٌ يَزِيدُ وَسَاخَتَهُ وَيَنَالُ الْيَدَ الْمَاسِحَةَ حَظٌّ مِنْ هَذِهِ الْوَسَاخَةِ ، وَلَوْلَا فِتْنَةُ الْمَذَاهِبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمَا تَشَعَّبَ هَذَا الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا ; كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ .