غسل الكفين في أول الوضوء  ، ومسح العنق : سيأتي في بيان كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل كفيه ثلاثا قبل المضمضة ، فهو من سنن الوضوء باتفاق جمهور علماء الأمة ، وذهب بعض علماء الزيدية  إلى أنه واجب ، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب ، ولكنهم دعموه بحديث  أبي هريرة  في الصحيحين والسنن مرفوعا إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فلا يغمس يده حتى يغسلها ثلاثا ; فإنه لا يدري أين باتت يده وكلمة ( ثلاثا ) في ما عدا رواية  البخاري  ، والمراد لا يغمس يده في الماء سواء كان يريد تناوله لأجل الطهارة ، أو غيره ، وقد بين سببه ، فإنهم كانوا ينامون بالإزار ، ولا يلبسون السراويلات إلا قليلا ، وكانوا - كما قال  الشافعي    - يستنجون بالحجارة ، وبلادهم حارة ، فلا يأمن النائم أن تطول يده على ذلك الموضع النجس ، أو على قذر غيره ; فالأمر بغسل اليدين لمن يريد غمسهما في الإناء واجب في هذه الحال ، وهي حال تغليب النجاسة ، وينبغي أن تكون مما يرجح فيه الغالب على الأصل عند تعارضهما ، والأصل في اليد الطهارة ، وقد حمل الجمهور الحديث على إفادة كراهة غمس اليدين في الماء قبل غسلهما  ، وندب الغسل قبله عملا بالأصل . 
وقال أحمد    : إن النهي للتحريم ، والأمر للوجوب ، ولكن خصه بنوم الليل ; لأنه رواه هو  والترمذي   وابن ماجه  بلفظ : " إذا استيقظ أحدكم من الليل   " ، قال النووي  ، وحكي عن أحمد  في رواية أنه : إن قام من نوم الليل كره له كراهة تحريم ، وإن قام من نوم النهار كره له كراهة تنزيه . 
( قال ) : ومذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم ، بل المعتبر الشك في نجاسة اليد ، فمن شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها ؛ سواء كان قام من نوم الليل ، أو نوم النهار ، أو شك . وجملة القول أن الحديث ليس في الوضوء   [ ص: 207 ] فلا يدل على وجوب غسلهما فيه ، ولكن ثبت كون غسلهما سنة من كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم الآتية . 
وأما مسح العنق  فقد قال النووي    : " إنه بدعة " . وابن القيم    : " لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في مسح العنق حديث ألبتة " . والصواب أنه ورد فيه أحاديث ضعيفة ، مرفوعة وموقوفة ومرسلة ، وقال بعضهم بحسن بعضها ، ولذلك تعقب بعض الشافعية أنفسهم ما قاله النووي  بأن البغوي  ، وهو من أئمة الحديث ، قال باستحبابه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					