nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=9وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=10والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=11ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
[ ص: 226 ] نادى الله المؤمنين في الآية الأولى من هذه السورة ، وأمرهم بالوفاء بالعقود عامة ، ثم امتن عليهم بإباحة بهيمة الأنعام لهم إلا ما استثنى ، وما حرم من الصيد في حال الإحرام ، وناداهم في الآية الثانية ، بل الثالثة ، فنهاهم عن أشياء وأمرهم بأشياء ، وحرم عليهم ما يضرهم من الطعام إلا في حال الضرورة التي يرجح فيها أخف الضررين على أشدهما ، وأحل لهم الطيبات وصيد الجوارح المعلمات ، وطعام أهل الكتاب ونساءهم إذا كن محصنات ، وذلك في أربع آيات ، وناداهم ثالثا فأمرهم بالطهارة ، وامتن عليهم برفع الحرج ، وذكرهم بنعمه عليهم ، وميثاقه الذي واثقهم به ، ثم ناداهم بعد ذلك في الآية الأولى والآية الأخيرة من هذه الآيات بما ترى . وإذا راجعت سائر السورة تجد النداء فيها كثيرا ، منه نداء بني إسرائيل في سياق الكلام عنهم ، ونداء النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ، ونداء المؤمنين مرارا أيضا ، هذا أسلوب في الخطاب يجوز أن يكون كل نداء منه مبدأ موضوع مستقل ، لا يناسب ما قبله ، على أن المناسبة بين هذه الآيات ظاهرة ، فإنه تعالى بعد أن ذكرنا بميثاقه أمرنا بأن نكون قوامين له ، شهداء بالقسط ، وذكرنا بوعده ووعيده ; لأننا بذلك يرجى أن نفي بميثاقه ولا ننقضه ، كما نقضه الذين من قبلنا ، كما حكى عنهم بعد هذه الآيات ، ويظهر لك هذا الاتصال والتناسب مما يلي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=28976_19829_15890_15902يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ) القوام : هو المبالغ في القيام بالشيء ، وهو الإتيان به مقوما تاما لا نقص فيه ولا عوج ، وقد حذف هنا ما أمرنا بالمبالغة في القيام به ، فكان عاما شاملا لجميع ما أخذ علينا الميثاق به من التكاليف حتى المباحات ; أي كونوا من أصحاب الهمم العالية ، وأهل الإيقان والإخلاص لله تعالى في كل عمل تعملونه من أمر دينكم أو أمر دنياكم ، ومعنى
nindex.php?page=treesubj&link=19694الإخلاص لله في أعمال الدنيا أن تكون بنية صالحة ; بأن يريد العامل بعمله الخير والتزام الحق من غير شائبة اعتداء على حق أحد ، أو إيقاع ضرر به .
nindex.php?page=treesubj&link=19829_15889والشهادة بالقسط معروفة ، وهي أن تكون بالعدل بدون محاباة مشهود له ولا مشهود عليه ; لا لقرابته وولائه ، ولا لماله وجاهه ، ولا لفقره ومسكنته . فالشهادة هنا عبارة عن إظهار الحق للحاكم ; ليحكم به ، أو إظهاره هو إياه بالحكم به ، أو الإقرار به لصاحبه . و ( القسط ) : هو ميزان الحقوق ، متى وقعت فيه المحاباة والجور - لأي سبب أو علة من العلل - زالت الثقة من الناس ، وانتشرت المفاسد وضروب العدوان بينهم ، وتقطعت روابطهم الاجتماعية ، وصار بأسهم بينهم شديدا ، فلا يلبثون أن يسلط الله تعالى عليهم بعض عباده الذين هم أقرب إلى إقامة العدل والشهادة بالقسط منهم ، فيزيلون استقلالهم ، ويذيقونهم وبالهم ، وتلك سنة الله التي شهدناها في الأمم الحاضرة ، وشهد بها تاريخ الأمم الغابرة ، ولكن الجاهلين الغافلين لا يسمعون ولا يبصرون ; فأنى يعتبرون ويتعظون ؟ !
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=9وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=10وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=11يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .
[ ص: 226 ] نَادَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ عَامَّةً ، ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِإِبَاحَةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ لَهُمْ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى ، وَمَا حَرَّمَ مِنَ الصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ، وَنَادَاهُمْ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ ، بَلِ الثَّالِثَةِ ، فَنَهَاهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَأَمَرَهُمْ بِأَشْيَاءَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا يَضُرُّهُمْ مِنَ الطَّعَامِ إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ الَّتِي يُرَجَّحُ فِيهَا أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ عَلَى أَشَدِّهِمَا ، وَأَحَلَّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَصَيْدَ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَاتِ ، وَطَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَاءَهُمْ إِذَا كُنَّ مُحْصَنَاتٍ ، وَذَلِكَ فِي أَرْبَعِ آيَاتٍ ، وَنَادَاهُمْ ثَالِثًا فَأَمَرَهُمْ بِالطَّهَارَةِ ، وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِ الْحَرَجِ ، وَذَكَّرَهُمْ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ ، وَمِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ ، ثُمَّ نَادَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَالْآيَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ بِمَا تَرَى . وَإِذَا رَاجَعْتَ سَائِرَ السُّورَةِ تَجِدُ النِّدَاءَ فِيهَا كَثِيرًا ، مِنْهُ نِدَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَنْهُمْ ، وَنِدَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا ، وَنِدَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِرَارًا أَيْضًا ، هَذَا أُسْلُوبٌ فِي الْخِطَابِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ نِدَاءٍ مِنْهُ مَبْدَأَ مَوْضُوعٍ مُسْتَقِلٍّ ، لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ ، عَلَى أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ ظَاهِرَةٌ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَّرَنَا بِمِيثَاقِهِ أَمَرَنَا بِأَنْ نَكُونَ قَوَّامِينَ لَهُ ، شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ، وَذَكَّرَنَا بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ ; لِأَنَّنَا بِذَلِكَ يُرْجَى أَنْ نَفِيَ بِمِيثَاقِهِ وَلَا نَنْقُضَهُ ، كَمَا نَقَضَهُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ، كَمَا حَكَى عَنْهُمْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ ، وَيَظْهَرُ لَكَ هَذَا الِاتِّصَالُ وَالتَّنَاسُبُ مِمَّا يَلِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8nindex.php?page=treesubj&link=28976_19829_15890_15902يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ) الْقَوَّامُ : هُوَ الْمُبَالِغُ فِي الْقِيَامِ بِالشَّيْءِ ، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِهِ مُقَوَّمًا تَامًّا لَا نَقْصَ فِيهِ وَلَا عِوَجَ ، وَقَدْ حَذَفَ هُنَا مَا أَمَرَنَا بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْقِيَامِ بِهِ ، فَكَانَ عَامًّا شَامِلًا لِجَمِيعِ مَا أَخَذَ عَلَيْنَا الْمِيثَاقَ بِهِ مِنَ التَّكَالِيفِ حَتَّى الْمُبَاحَاتِ ; أَيْ كُونُوا مِنْ أَصْحَابِ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ ، وَأَهْلِ الْإِيقَانِ وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ عَمَلٍ تَعْمَلُونَهُ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ أَوْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=19694الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ فِي أَعْمَالِ الدُّنْيَا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ ; بِأَنْ يُرِيدَ الْعَامِلُ بِعَمَلِهِ الْخَيْرَ وَالْتِزَامَ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ شَائِبَةِ اعْتِدَاءٍ عَلَى حَقِّ أَحَدٍ ، أَوْ إِيقَاعِ ضَرَرٍ بِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19829_15889وَالشَّهَادَةُ بِالْقِسْطِ مَعْرُوفَةٌ ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ بِالْعَدْلِ بِدُونِ مُحَابَاةِ مَشْهُودٍ لَهُ وَلَا مَشْهُودٍ عَلَيْهِ ; لَا لِقَرَابَتِهِ وَوَلَائِهِ ، وَلَا لِمَالِهِ وَجَاهِهِ ، وَلَا لِفَقْرِهِ وَمَسْكَنَتِهِ . فَالشَّهَادَةُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ إِظْهَارِ الْحَقِّ لِلْحَاكِمِ ; لِيَحْكُمَ بِهِ ، أَوْ إِظْهَارِهِ هُوَ إِيَّاهُ بِالْحُكْمِ بِهِ ، أَوِ الْإِقْرَارِ بِهِ لِصَاحِبِهِ . وَ ( الْقِسْطُ ) : هُوَ مِيزَانُ الْحُقُوقِ ، مَتَى وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَابَاةُ وَالْجَوْرُ - لِأَيِّ سَبَبٍ أَوْ عِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ - زَالَتِ الثِّقَةُ مِنَ النَّاسِ ، وَانْتَشَرَتِ الْمَفَاسِدُ وَضُرُوبُ الْعُدْوَانِ بَيْنَهُمْ ، وَتَقَطَّعَتْ رَوَابِطُهُمْ الِاجْتِمَاعِيَّةُ ، وَصَارَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدًا ، فَلَا يَلْبَثُونَ أَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بَعْضَ عِبَادِهِ الَّذِينَ هُمْ أَقْرَبُ إِلَى إِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالشَّهَادَةِ بِالْقِسْطِ مِنْهُمْ ، فَيُزِيلُونَ اسْتِقْلَالَهُمْ ، وَيُذِيقُونَهُمْ وَبَالَهُمْ ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي شَهِدْنَاهَا فِي الْأُمَمِ الْحَاضِرَةِ ، وَشَهِدَ بِهَا تَارِيخُ الْأُمَمِ الْغَابِرَةِ ، وَلَكِنَّ الْجَاهِلِينَ الْغَافِلِينَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ ; فَأَنَّى يَعْتَبِرُونَ وَيَتَّعِظُونَ ؟ !