(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28976_19866_19648واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) عطف على ما قبله ; أي اذكروا نعمة الله تعالى عليكم بعنايته بكم ; إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ; أي شارفوا أن يمدوا أيديهم إليكم بالقتل ، فكف أيديهم عنكم ، فلم يستطيعوا تنفيذ ما هموا به وكادوا يفعلونه من الإيقاع بكم . واتقوا الله الذي أراكم قدرته على أعدائكم وقت ضعفكم وقوتهم ، وتوكلوا عليه وحده ، فقد أراكم عنايته بمن يكلون أمورهم إليه بعد مراعاة سننه ، والسير عليها في اتقاء كل ما يخشى ضره وسوء عاقبته ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون بقدرته وعنايته وفضله ورحمته ، لا على أنفسهم أنفسها ، ولا على أوليائهم وحلفائهم ; لأن هؤلاء قد يغدرون كما غدر
بنو النضير وغيرهم ; ولأن أنفسهم قد يكثر عليها الأعداء ، وتتقطع بها الأسباب ، فتقع بين أمواج الحيرة والاضطراب ، حتى تفقد البأس ، وتجيب داعي اليأس ، ولا يقع هذا للمؤمن المتوكل على الله تعالى ; لأنه إذا هم أن ييئس من نفسه بتقطع الأسباب ، وتغليق الأبواب ، وتغلب الأعداء ، وتقلب الأولياء ، يتذكر أن الله تعالى وليه ووكيله ، وأنه هو الذي بيده ملكوت كل شيء ، وأنه هو الذي يجير ، ولا يجار عليه ، فتتجدد قوته ، وتنفتق حيلته ، فيفر منه اليأس ، ويتجدد عنه ما اخلولق من البأس ، فينصره الله تعالى بما يستفيد من الإيمان والذكرى والتوكل ، وما يخذل به عدوه ويلقي في قلبه من الرعب ، وبغير ذلك من ضروب عنايته ، عز وجل ، التي رآها كل متوكل من المؤمنين الكملة ، مع سيد المتوكلين
محمد صلى الله عليه وسلم أيام ضعفهم وقلتهم وفقرهم ، وتألب الناس كلهم عليهم .
وجملة القول أن الله تعالى أمرنا بالتقوى ثم بالتوكل ؛ وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=19862التقوى بذل الجهد في الوقاية من كل سوء وكل شر ومن مبادئ ذلك وأسبابه . ولا تحصل
nindex.php?page=treesubj&link=19648حقيقة التوكل إلا بالسير على سنة الله تعالى في نظام الأسباب والمسببات ; لأن من يوكل الأمر إليه يجب أن يطاع . ومن تنكب سنن الله تعالى في العالم وخالف شرعه فيما أمر به من عمل نافع ، ونهى عنه من عمل ضار ، لا يصح أن يسمى متوكلا عليه واثقا به ، وقد حققنا مسألة التوكل والأسباب في تفسير آل عمران ( راجع ص 168 - 175 من جزء التفسير الرابع ، ط الهيئة ) .
[ ص: 231 ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=28976_19866_19648وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ; أَيِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْكُمْ بِعِنَايَتِهِ بِكُمْ ; إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ; أَيْ شَارَفُوا أَنْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَيْكُمْ بِالْقَتْلِ ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا تَنْفِيذَ مَا هَمُّوا بِهِ وَكَادُوا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْإِيقَاعِ بِكُمْ . وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَرَاكُمْ قُدْرَتَهُ عَلَى أَعْدَائِكُمْ وَقْتَ ضَعْفِكُمْ وَقُوَّتِهِمْ ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَحْدَهُ ، فَقَدْ أَرَاكُمْ عِنَايَتَهُ بِمَنْ يَكِلُونَ أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ بَعْدَ مُرَاعَاةِ سُنَنِهِ ، وَالسَّيْرِ عَلَيْهَا فِي اتِّقَاءِ كُلِّ مَا يُخْشَى ضُرُّهُ وَسُوءُ عَاقِبَتِهِ ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ بِقُدْرَتِهِ وَعِنَايَتِهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ ، لَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنْفُسِهَا ، وَلَا عَلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ يَغْدِرُونَ كَمَا غَدَرَ
بَنُو النَّضِيرِ وَغَيْرُهُمْ ; وَلِأَنَّ أَنْفُسَهُمْ قَدْ يَكْثُرُ عَلَيْهَا الْأَعْدَاءُ ، وَتَتَقَطَّعُ بِهَا الْأَسْبَابُ ، فَتَقَعُ بَيْنَ أَمْوَاجِ الْحَيْرَةِ وَالِاضْطِرَابِ ، حَتَّى تَفْقِدَ الْبَأْسَ ، وَتُجِيبَ دَاعِيَ الْيَأْسِ ، وَلَا يَقَعُ هَذَا لِلْمُؤْمِنِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ إِذَا هَمَّ أَنْ يَيْئَسَ مِنْ نَفْسِهِ بِتَقَطُّعِ الْأَسْبَابِ ، وَتَغْلِيقِ الْأَبْوَابِ ، وَتَغَلُّبِ الْأَعْدَاءِ ، وَتَقَلُّبِ الْأَوْلِيَاءِ ، يَتَذَكَّرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَلِيُّهُ وَوَكِيلُهُ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُجِيرُ ، وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ، فَتَتَجَدَّدُ قُوَّتُهُ ، وَتَنْفَتِقُ حِيلَتُهُ ، فَيَفِرُّ مِنْهُ الْيَأْسُ ، وَيَتَجَدَّدُ عَنْهُ مَا اخْلَوْلَقَ مِنَ الْبَأْسِ ، فَيَنْصُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا يَسْتَفِيدُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالذِّكْرَى وَالتَّوَكُّلِ ، وَمَا يَخْذُلُ بِهِ عَدُوَّهُ وَيُلْقِي فِي قَلْبِهِ مِنَ الرُّعْبِ ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ عِنَايَتِهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، الَّتِي رَآهَا كُلُّ مُتَوَكِّلٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْكَمَلَةِ ، مَعَ سَيِّدِ الْمُتَوَكِّلِينَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ ضَعْفِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ ، وَتَأَلُّبِ النَّاسِ كُلِّهِمْ عَلَيْهِمْ .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِالتَّقْوَى ثُمَّ بِالتَّوَكُّلِ ؛ وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=19862التَّقْوَى بَذْلُ الْجُهْدِ فِي الْوِقَايَةِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَكُلِّ شَرٍّ وَمِنْ مَبَادِئِ ذَلِكَ وَأَسْبَابِهِ . وَلَا تَحْصُلُ
nindex.php?page=treesubj&link=19648حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ إِلَّا بِالسَّيْرِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نِظَامِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ; لِأَنَّ مَنْ يُوكَلُ الْأَمْرُ إِلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يُطَاعَ . وَمَنْ تَنَكَّبَ سُنَنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَالَمِ وَخَالَفَ شَرْعَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ عَمِلٍ نَافِعٍ ، وَنَهَى عَنْهُ مَنْ عَمِلَ ضَارٍّ ، لَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَاثِقًا بِهِ ، وَقَدْ حَقَّقْنَا مَسْأَلَةَ التَّوَكُّلِ وَالْأَسْبَابِ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ ( رَاجَعْ ص 168 - 175 مِنْ جُزْءِ التَّفْسِيرِ الرَّابِعِ ، ط الْهَيْئَةِ ) .
[ ص: 231 ]