روى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والبيهقي في الدلائل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي وبحري بن عمرو وشاس بن عدي ، فكلمهم وكلموه ، ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد ؟ نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى . فأنزل الله فيهم ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28976_29434وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) إلى آخر الآية . ومن قرأ كتب
اليهود والنصارى رأى فيها لقب " ابن الله " قد أطلق على
آدم .
( انظر إنجيل
لوقا 3 : 38 ) وعلى
يعقوب وداود مع لقب البكر ( انظر سفر الخروج 4 : 22 و 23 والمزمور 98 : 26 و 27 ) وكذا على
إفرام ( انظر نبوة أرمياء 31 : 9 ) وعلى
المسيح ، عليهم السلام ، ولكن مع لقب الحبيب ; فهو تفسير لكلمة ابن ، وأطلق مجموعا على الملائكة وعلى المؤمنين الصالحين ، وهذا الاستعمال كثير في العهد الجديد ، ومنه ما حكاه
متى في وعظ
المسيح على الجبل ( 5 : 9 طوبى لصانعي السلام ; لأنهم أبناء الله يدعون ) وقال
بولس في رسالته إلى
أهل رومية ( 8 : 14 لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ) وجاء في سياق المناظرة بين
المسيح واليهود من إنجيل
يوحنا ، ما نصه : ( 8 : 41 أنتم تعلمون أعمال أبيكم ، فقالوا له : إننا لم نولد من زنا ، لنا أب واحد ، وهو الله 42 فقال لهم
يسوع : لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني ، إلى أن قال - 44 أنتم من أب ، هو إبليس ، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ) وفي هذا المعنى ما جاء في الرسالة الأولى ، من رسالتي
يوحنا ( 3 : 9 كل من هو مولود من الله لا يفعل خطيئة ; لأن زرعه يثبت فيه ، ولا يستطيع أن يخطئ ; لأنه مولود من الله 10 بهذا أولاد الله ظاهرون ، وأولاد إبليس ) فعلم من هذه النصوص وأشباهها أن لفظ " ابن الله " يستعمل في كتب القوم بمعنى حبيب الله الذي يعامله الله معاملة الأب لابنه من الرحمة والإحسان والتكريم ، فعطف أحباء الله على أبناء الله للتفسير والإيضاح ؛ وإنما تحكم
النصارى بهذا اللقب فجعلوه بمعنى الابن الحقيقي بالنسبة إلى
المسيح ، وبالمعنى المجازي بالنسبة إلى غيره من الصالحين . ومعنى الابن الحقيقي محال على الله تعالى ; لأنه عبارة عن الولد الذي ينشأ من تلقيح الرجل بمائه لبعض
[ ص: 260 ] ما في رحم المرأة من البيض ، فالمعنى المجازي متعين كما ترى ، وسنوضحه في تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت النصارى المسيح ابن الله ) ( 9 : 30 ) ولما كان ما ذكرناه مؤيدا بالشواهد هو المعنى المراد لأولئك المتبجحين من
اليهود والنصارى حسن رد الله تعالى عليهم بقوله لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28976_29434_29468قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) أي قل لهم أيها الرسول : إذا كان الأمر كما زعمتم فلم يعذبكم الله تعالى بذنوبكم في الدنيا كما تعلمون من تاريخكم الماضي ، وكما ترون في تاريخكم الحاضر ، ومن هذا العذاب
لليهود ما كان من تخريب الوثنيين لمسجدهم الأكبر ولبلدهم المرة بعد المرة ، ومن إزالة ملكهم من الأرض ،
وللنصارى ما اضطهدهم به الأمم ، وما نكل به بعضهم ، وهو شر من تنكيلهم وتنكيل الوثنيين
باليهود ; أي أن الأب لا يعذب ابنه ، والمحب لا يعذب حبيبه ، فلستم إذا أبناء الله ولا أحباءه ، بل أنتم بشر من جملة من خلق الله تعالى وهو عز وجل الحكم العدل ، لا يحابي أحدا ، وإنما يغفر لمن يعلم أنه مستحق للمغفرة ، ويعذب من يعلم أنه مستحق للعذاب ، فهو يجزيكم بأعمالكم ، كما يجزي سائر البشر أمثالكم ، فارجعوا عن غروركم بأنفسكم وسلفكم وكتبكم ; فإنما العبرة بالإيمان الصحيح والأعمال الصالحات ، لا بمن سلف من الآباء والأمهات .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28976_29687ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير ) أثبت الله تعالى في هذه الآية مثل ما أثبت في التي من قبلها ، من أن له ملك السماوات والأرض وما بين أجرامهما وأجزائهما من المخلوقات ، إلا أنه ختم تلك بكونه على كل شيء قدير ; لأن المقام مقام الغرابة في الخلق ، وامتياز بعضه على بعض ، وختم هذه ببيان كون المرجع والمصير إليه ; لأن المقام مقام الجزاء على الأعمال ، وذلك أن السماوات والأرض ومن فيهما وبين عالميهما نسبتها إليه تعالى واحدة ، وهي أنه الخالق المالك الرب ، ذو التصرف المطلق في كل شيء بمقتضى العلم والحكمة والعدل والفضل ، وهي المخلوقات المملوكة ، وجميع من يعقل فيها من الإنس والجن والملائكة عبيد له لا أبناء ولا بنات (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) ( 19 : 93 ) وفي ختمها بقوله : " وإليه المصير " إشعار بأنه سيعذبهم في الآخرة على هذا الكفر والغرور ، والدعاوى الباطلة ، فيعلمون عندما يصيرون إليه أنهم عبيد آبقون يجازون ، لا أبناء ولا أحباء يحابون .
وقد استشكل بعضهم كون تعذيبهم دليلا على بطلان دعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ; لأنه إن أريد به عذاب الآخرة لا تقوم به الحجة عليهم لإنكارهم إياه ، وإن أريد به عذاب الدنيا ، أورد عليه أنه غير قادح في ادعائهم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته لم يسلموا من محن الدنيا كالذي حصل في وقعة
أحد ، وقتل
الحسن والحسين ، عليهما السلام ، ونحن نعتقد أن
[ ص: 261 ] الذين ابتلوا بهذه المحن من أحباء الله تعالى . وأجاب
الرازي عن هذا الإشكال بثلاثة أجوبة ; حاصل الأول : أننا نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم وخيار أمته من أحباء الله تعالى ، ولا ندعي أنهم أبناء الله تعالى . وحاصل الثاني : أن المراد عذاب الآخرة ، وقد اعترف به
اليهود ; إذ قالوا : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " . وحاصل الثالث : أن المراد به المسخ الذي وقع لبعض
اليهود قبل الإسلام ، أضيف إلى المخاطبين لأنهم من جنسهم . قال
الرازي بعد شرح الأجوبة بعبارة أخرى : وهذا الجواب أولى ; لأنه تعالى لم يكن ليأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بشيء لم يدخل بعد في الوجود ; فإنهم يقولون لا نسلم أنه تعالى يعذبنا ، بل الأولى أن يحتج عليهم بشيء قد وجد حتى يكون الاستدلال قويا متينا ، انتهى .
ونحن نقول : إن هذا الأخير أضعفها ، وإنهم لا يعترفون به أيضا ، وإنه لا حجة فيه ولا في الثاني على
النصارى ; فيكون تسليما لهم ، أو إقرارا على دعوى أنهم أبناء الله ، وهم الذين يكثرون هذه الدعوى ويتبجحون بها ، ثم إن التعبير بالمضارع ( يعذبكم ) ينفي أن يكون المراد تعذيبا خاصا بطائفة وقع في الزمن الماضي ، وأقوى أجوبته الأول ، ولكنه لم يفطن لما فيه من القوة ، ولم يبينه بيانا تاما ، على أنه لم يحرر أصل الدعوى ; فيهتدي إلى تحرير الجواب . والصواب أن هذا الإشكال لا يرد على الإسلام والقرآن ، وإليك البيان الصحيح الذي يتضاءل به حتى يدخل في خبر كان .
كان
اليهود يعتقدون أنهم شعب الله الخاص ، ميزهم لذاتهم على جميع البشر ; فلا يمكن أن يساويهم شعب آخر عنده ، وإن كان أصح منهم إيمانا وأصلح عملا ، وأنهم لا يكونون تابعين لغيرهم في الدين ، فلا يصح أن يتبعوا
محمدا صلى الله عليه وسلم ; لأنه عربي ، لا إسرائيلي ، والفاضل لا يتبع المفضول بزعمهم ، ولا يمكن أن يؤاخذهم الله على الكفر به ; لأنهم شعبه الخاص المحبوب ، فهو لا يعاملهم إلا معاملة الوالد لأبنائه الأعزاء ، والمحب لمحبوبه الخاص ، وأما
النصارى فقد أربوا عليهم في الغرور ، وإن كان النبي الذي يدعون اتباعه قد جاهد غرور
اليهود جهادا عظيما ، فهم يدعون أن
المسيح قد فداهم بنفسه ، وأنهم أبناء الله بولادة الروح ،
والمسيح ابنه الحقيقي ، ويخاطبون الله تعالى دائما بلقب الأب . وقد كانت جميع فرقهم في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أشد من
اليهود فسادا وإفسادا ، وفسقا وفجورا ، وظلما وعدوانا ، بشهادة مؤرخي الأمم كلها ، منهم ومن غيرهم ، ومع هذا كله كانوا يدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم غير محتاجين إلى إصلاح في دينهم ولا دنياهم ; ولهذا رفضوا ما دعاهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم من التوحيد الخالص والفضائل الصحيحة ، والأعمال الصالحة ، وردوا ما جاءهم به من كون مرضاة الله تعالى ومثوبته لا تنالان إلا بتزكية النفس وإصلاحها بالتوحيد والعمل .
[ ص: 262 ] هذا حاصل ما كان عليه
اليهود والنصارى من الغرور بدينهم وأنفسهم ، وبأنبيائهم الذين تركوا هديهم وضلوا طريقهم ، وقد عبر الكتاب الحكيم عن ذلك هنا بأوجز لفظ وأخصره ، وهو قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18نحن أبناء الله وأحباؤه ) وحاصل رده عليهم : أنكم من نوع البشر الذي هو من جنس مخلوقات الله تعالى وأنه ليس لكم ولا لغيركم من طوائف البشر ، امتياز ذاتي خاص ، ولا نسبة ذاتية إليه تعالى ; لأن جميع خلقه بالنسبة إليه سواء ، وقد مضت سنته في البشر بأن يعذبهم في الدنيا بما كسبت أيديهم ، ويعفو عن كثير من أعمالهم ويغفرها فلا يعجل لهم العذاب عليها ، وذلك بحسب مشيئته المطابقة لعلمه وعدله وحكمته . فإذا كان لكم امتياز ذاتي ، على جميع البشر ، فلم يعذبكم بذنوبكم في هذه الدنيا ، كما يعذب غيركم بذنوبهم ؟ وأنتم تعلمون هذا علم اليقين من أنفسكم ، ومن تاريخكم . والمضارع " يعذبكم " هنا لبيان الشأن المستمر في معاملتهم ; فهو يدل على أن هذا التعذيب ثابت في كل زمان ، متى وقع سببه ووجدت علته ، والكلام في سنة الله في الأمم والشعوب ، وتاريخهم فيه كتاريخ غيرهم قبل البعثة وفي زمنها وبعدها : ما عذبت أمة من الأمم بشيء إلا وعذبوا بمثله ، فلو كانوا أبناء الله وأحباءه ، ولو مجازا ، بحسب ما بيناه بالشواهد من كتبهم ، لما حل بهم ما حل بغيرهم ، أو لم تكن لهم ذنوب يعذبون بها كما قال
يوحنا ( 1 يو 3 : 9 ) .
إذا فقهت هذا ظهر لك أن إشكال
الرازي غير وارد أصلا ; فإن الكلام في الأمم والشعوب وإبطال دعوى أن يكون شعب منها ممتازا عند الله بذاته ، لا تجري عليه سنته في سائر خلقه ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع أن أمته لها مثل هذا الامتياز ، وأن كل من انتمى إليها كان من أبناء الله ولا من أحبائه ، مهما عملوا من الأعمال ; فيقال : لم غلبوا إذا في غزوة "
أحد " ؟ كيف وقد كان فيهم
بأحد المنافقين ، وضعفاء الإيمان ؟ يثبت لك هذا ما أنزله الله تعالى في شأن غزوة
أحد من الآيات ; فقد بين فيها أن ما أصاب المسلمين إنما أصابهم بذنوب بعضهم ; إذ خالف الرماة أمر نبيهم وقائدهم ، وتنازعوا واختلفوا في أمرهم ، وأن الأيام دول والعاقبة للمتقين ، فهم الذين يتعظون بالحوادث ، فلا يعودون إلى مثل ما عوقبوا به ، وقد قال تعالى في فاتحة سياق هذه القصة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=137قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=138هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=141وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) ( 3 : 137 - 141 ) ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ) ( 3 : 152 ) إلى آخر الآية 155 ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هـذا قل هو من عند أنفسكم ) ( 3 : 165 ) . . . إلخ .
[ ص: 263 ] فأنت ترى أن هذه الآيات تبين
nindex.php?page=treesubj&link=30531سنته تعالى في البشر ، وأن الجزاء إنما يكون على الأعمال ، لا على الأسماء والألقاب ، وهذا هو الذي يصدقه الوجود ، وتشهد به تواريخ جميع الأقوال والأجيال ، غاية الأمر أن شأن أهل الإيمان الصحيح والدين القيم أن يكونوا أعرف بسنن الله تعالى في خلقه ; فتكون ذنوبهم التي يعاقبون بها موعظة يتعظون بها ، وتمحيصا يكمل نفوسهم بالعبر ، ويعلي شأنها ، وأن يكونوا من المتقين لكل ما جعله الله سببا للخيبة والخسران ; كالظلم والبغي والعدوان ، والتنازع والتفرق ، والغرور وعدم النظام ، وبهذا يكونون من أحباء الله تعالى ويكون ما حل بهم من قبيل تربية الوالد لولده ، ولا يحسن أن يسمى تعذيبا ; لأن مرارة الدواء الذي يشفيك من السقم ، ليس كالسوط الذي لا يصيبك منه إلا الألم .
ومن راجع تفسير هذه الآيات في الجزء الرابع من تفسيرنا هذا يتجلى له الحق في ذلك تمام التجلي ، ولكن المسلمين لم يعتصموا بهذا البيان ; فيتقوا غرور أهل الكتاب ، بل اتبعوا سنتهم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، إلى أن آل الأمر إلى ضد ما كان ، فترك جماهير أهل الكتاب ذلك الغرور بدينهم ، واهتدوا بسنن الله في الأمم والدول التي كانت قبلهم ، فساروا عليها في سياسة ملكهم ، وكان آخر حوادث غرور دولهم الكبرى غرور
دولة الروسية في حربها مع دولة
اليابان الوثنية ، على أنه لم يكن غرورا دينيا محضا ، بل كان ممزوجا بالاستعداد الدنيوي مزجا ، وبقي من اتبعوا سننهم من المسلمين ثابتين على تقليد أولئك المخذولين ، وفتن بعضهم بالمتأخرين المعتبرين ، ولكنهم ما احتذوا مثالهم في أمر الدنيا ، ولا رجعوا في مثله إلى هدي الدين (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=13وما يتذكر إلا من ينيب ) ( 40 : 13 ) .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ أُبَيٍّ وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَشَاسُ بْنُ عَدِيٍّ ، فَكَلَّمَهُمْ وَكَلَّمُوهُ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ ، فَقَالُوا : مَا تُخَوِّفُنَا يَا مُحَمَّدُ ؟ نَحْنُ وَاللَّهِ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، كَقَوْلِ النَّصَارَى . فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28976_29434وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ . وَمَنْ قَرَأَ كُتُبَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى رَأَى فِيهَا لَقَبَ " ابْنِ اللَّهِ " قَدْ أُطْلِقَ عَلَى
آدَمَ .
( انْظُرْ إِنْجِيلَ
لُوقَا 3 : 38 ) وَعَلَى
يَعْقُوبَ وَدَاوُدَ مَعَ لَقَبِ الْبِكْرِ ( انْظُرْ سِفْرَ الْخُرُوجِ 4 : 22 و 23 وَالْمَزْمُورَ 98 : 26 و 27 ) وَكَذَا عَلَى
إِفْرَامَ ( انْظُرْ نُبُوَّةَ أَرْمِيَاءَ 31 : 9 ) وَعَلَى
الْمَسِيحِ ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَلَكِنْ مَعَ لَقَبِ الْحَبِيبِ ; فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِكَلِمَةِ ابْنٍ ، وَأُطْلِقَ مَجْمُوعًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ كَثِيرٌ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ ، وَمِنْهُ مَا حَكَاهُ
مَتَّى فِي وَعْظِ
الْمَسِيحِ عَلَى الْجَبَلِ ( 5 : 9 طُوبَى لِصَانِعِي السَّلَامِ ; لِأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ يُدْعَوْنَ ) وَقَالَ
بُولَسُ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى
أَهْلٍ رُومِيَّةَ ( 8 : 14 لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ ) وَجَاءَ فِي سِيَاقِ الْمُنَاظَرَةِ بَيْنَ
الْمَسِيحِ وَالْيَهُودِ مِنْ إِنْجِيلِ
يُوحَنَّا ، مَا نَصُّهُ : ( 8 : 41 أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا ، لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ اللَّهُ 42 فَقَالَ لَهُمْ
يَسُوعُ : لَوْ كَانَ اللَّهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي ، إِلَى أَنْ قَالَ - 44 أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ ، هُوَ إِبْلِيسُ ، وَشَهَوَاتُ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا ) وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا جَاءَ فِي الرِّسَالَةِ الْأُولَى ، مِنْ رِسَالَتَيْ
يُوحَنَّا ( 3 : 9 كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللَّهِ لَا يَفْعَلُ خَطِيئَةً ; لِأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ ; لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللَّهِ 10 بِهَذَا أَوْلَادُ اللَّهِ ظَاهِرُونَ ، وَأَوْلَادُ إِبْلِيسَ ) فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّ لَفْظَ " ابْنِ اللَّهِ " يُسْتَعْمَلُ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ بِمَعْنَى حَبِيبِ اللَّهِ الَّذِي يُعَامِلُهُ اللَّهُ مُعَامَلَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ وَالتَّكْرِيمِ ، فَعَطَفَ أَحِبَّاءَ اللَّهِ عَلَى أَبْنَاءِ اللَّهِ لِلتَّفْسِيرِ وَالْإِيضَاحِ ؛ وَإِنَّمَا تَحَكَّمَ
النَّصَارَى بِهَذَا اللَّقَبِ فَجَعَلُوهُ بِمَعْنَى الِابْنِ الْحَقِيقِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الْمَسِيحِ ، وَبِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَمَعْنَى الِابْنِ الْحَقِيقِيِّ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَلَدِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ تَلْقِيحِ الرَّجُلِ بِمَائِهِ لِبَعْضِ
[ ص: 260 ] مَا فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْبَيْضِ ، فَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ مُتَعَيِّنٌ كَمَا تَرَى ، وَسَنُوَضِّحُهُ فِي تَفْسِيرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ) ( 9 : 30 ) وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مُؤَيَّدًا بِالشَّوَاهِدِ هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ لِأُولَئِكَ الْمُتَبَجِّحِينَ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَسُنَ رَدُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28976_29434_29468قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ) أَيْ قُلْ لَهُمْ أَيُّهَا الرَّسُولُ : إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذُنُوبِكُمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا تَعْلَمُونَ مِنْ تَارِيخِكُمُ الْمَاضِي ، وَكَمَا تَرَوْنَ فِي تَارِيخِكُمُ الْحَاضِرِ ، وَمِنْ هَذَا الْعَذَابِ
لِلْيَهُودِ مَا كَانَ مِنْ تَخْرِيبِ الْوَثَنِيِّينَ لِمَسْجِدِهِمُ الْأَكْبَرِ وَلِبَلَدِهِمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ ، وَمِنْ إِزَالَةِ مُلْكِهِمْ مِنَ الْأَرْضِ ،
وَلِلنَّصَارَى مَا اضْطَهَدَهُمْ بِهِ الْأُمَمُ ، وَمَا نَكَّلَ بِهِ بَعْضَهُمْ ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ تَنْكِيلِهِمْ وَتَنْكِيلِ الْوَثَنِيِّينَ
بِالْيَهُودِ ; أَيْ أَنَّ الْأَبَ لَا يُعَذِّبُ ابْنَهُ ، وَالْمُحِبَّ لَا يُعَذِّبُ حَبِيبَهُ ، فَلَسْتُمْ إِذًا أَبْنَاءَ اللَّهِ وَلَا أَحِبَّاءَهُ ، بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ الْحَكَمُ الْعَدْلُ ، لَا يُحَابِي أَحَدًا ، وَإِنَّمَا يَغْفِرُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْمَغْفِرَةِ ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَذَابِ ، فَهُوَ يَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ، كَمَا يَجْزِي سَائِرَ الْبَشَرِ أَمْثَالَكُمْ ، فَارْجِعُوا عَنْ غُرُورِكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ وَسَلَفِكُمْ وَكُتُبِكُمْ ; فَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ ، لَا بِمَنْ سَلَفَ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28976_29687وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِثْلَ مَا أَثْبَتَ فِي الَّتِي مِنْ قَبْلِهَا ، مِنْ أَنَّ لَهُ مُلْكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَ أَجْرَامِهِمَا وَأَجْزَائِهِمَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ، إِلَّا أَنَّهُ خَتَمَ تِلْكَ بِكَوْنِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ ; لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْغَرَابَةِ فِي الْخَلْقِ ، وَامْتِيَازِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ ، وَخَتَمَ هَذِهِ بِبَيَانِ كَوْنِ الْمَرْجِعِ وَالْمَصِيرِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَنْ فِيهِمَا وَبَيْنَ عَالَمَيْهِمَا نِسْبَتُهَا إِلَيْهِ تَعَالَى وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ أَنَّهُ الْخَالِقُ الْمَالِكُ الرَّبُّ ، ذُو التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمُقْتَضَى الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ ، وَهِيَ الْمَخْلُوقَاتُ الْمَمْلُوكَةُ ، وَجَمِيعُ مَنْ يَعْقِلُ فِيهَا مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ عَبِيدٌ لَهُ لَا أَبْنَاءٌ وَلَا بَنَاتٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) ( 19 : 93 ) وَفِي خَتْمِهَا بِقَوْلِهِ : " وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ " إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ سَيُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَلَى هَذَا الْكُفْرِ وَالْغُرُورِ ، وَالدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ ، فَيَعْلَمُونَ عِنْدَمَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ آبِقُونَ يُجَازَوْنَ ، لَا أَبْنَاءٌ وَلَا أَحِبَّاءٌ يُحَابَوْنَ .
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ تَعْذِيبِهِمْ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ; لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِهِ عَذَابُ الْآخِرَةِ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ لِإِنْكَارِهِمْ إِيَّاهُ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ عَذَابُ الدُّنْيَا ، أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي ادِّعَائِهِمْ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتَهُ لَمْ يَسْلَمُوا مِنْ مِحَنِ الدُّنْيَا كَالَّذِي حَصَلَ فِي وَقْعَةِ
أُحُدٍ ، وَقَتْلِ
الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَنَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّ
[ ص: 261 ] الَّذِينَ ابْتُلُوا بِهَذِهِ الْمِحَنِ مِنْ أَحِبَّاءِ اللَّهِ تَعَالَى . وَأَجَابَ
الرَّازِيُّ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ ; حَاصِلُ الْأَوَّلِ : أَنَّنَا نَعْتَقِدُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخِيَارَ أُمَّتِهِ مِنْ أَحِبَّاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا نَدَّعِي أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى . وَحَاصِلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ عَذَابُ الْآخِرَةِ ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ
الْيَهُودُ ; إِذْ قَالُوا : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً " . وَحَاصِلُ الثَّالِثِ : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْخُ الَّذِي وَقَعَ لِبَعْضِ
الْيَهُودِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، أُضِيفَ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ . قَالَ
الرَّازِيُّ بَعْدَ شَرْحِ الْأَجْوِبَةِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى : وَهَذَا الْجَوَابُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَأْمُرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدُ فِي الْوُجُودِ ; فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى يُعَذِّبُنَا ، بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ قَدْ وُجِدَ حَتَّى يَكُونَ الِاسْتِدْلَالُ قَوِيًّا مَتِينًا ، انْتَهَى .
وَنَحْنُ نَقُولُ : إِنَّ هَذَا الْأَخِيرَ أَضْعَفُهَا ، وَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَرِفُونَ بِهِ أَيْضًا ، وَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَا فِي الثَّانِي عَلَى
النَّصَارَى ; فَيَكُونُ تَسْلِيمًا لَهُمْ ، أَوْ إِقْرَارًا عَلَى دَعْوَى أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ ، وَهُمُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ هَذِهِ الدَّعْوَى وَيَتَبَجَّحُونَ بِهَا ، ثُمَّ إِنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمُضَارِعِ ( يُعَذِّبُكُمْ ) يَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَعْذِيبًا خَاصًّا بِطَائِفَةٍ وَقَعَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي ، وَأَقْوَى أَجْوِبَتِهِ الْأَوَّلُ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْطِنْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بَيَانًا تَامًّا ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّرْ أَصْلَ الدَّعْوَى ; فَيَهْتَدِي إِلَى تَحْرِيرِ الْجَوَابِ . وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ لَا يَرِدُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ ، وَإِلَيْكَ الْبَيَانُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَتَضَاءَلُ بِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي خَبَرِ كَانَ .
كَانَ
الْيَهُودُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ شَعْبُ اللَّهِ الْخَاصُّ ، مَيَّزَهُمْ لِذَاتِهِمْ عَلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ ; فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَاوِيَهُمْ شَعْبٌ آخَرُ عِنْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَصَحَّ مِنْهُمْ إِيمَانًا وَأَصْلَحَ عَمَلًا ، وَأَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ تَابِعِينَ لِغَيْرِهِمْ فِي الدِّينِ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَّبِعُوا
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ ، لَا إِسْرَائِيلِيٌّ ، وَالْفَاضِلُ لَا يَتْبَعُ الْمَفْضُولَ بِزَعْمِهِمْ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاخِذَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ ; لِأَنَّهُمْ شَعْبُهُ الْخَاصُّ الْمَحْبُوبُ ، فَهُوَ لَا يُعَامِلُهُمْ إِلَّا مُعَامَلَةَ الْوَالِدِ لِأَبْنَائِهِ الْأَعِزَّاءِ ، وَالْمُحِبِّ لِمَحْبُوبِهِ الْخَاصِّ ، وَأَمَّا
النَّصَارَى فَقَدْ أَرْبَوْا عَلَيْهِمْ فِي الْغُرُورِ ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ الَّذِي يَدَّعُونَ اتِّبَاعَهُ قَدْ جَاهَدَ غُرُورَ
الْيَهُودِ جِهَادًا عَظِيمًا ، فَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ
الْمَسِيحَ قَدْ فَدَاهُمْ بِنَفْسِهِ ، وَأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ بِوِلَادَةِ الرُّوحِ ،
وَالْمَسِيحُ ابْنُهُ الْحَقِيقِيُّ ، وَيُخَاطَبُونَ اللَّهَ تَعَالَى دَائِمًا بِلَقَبِ الْأَبِ . وَقَدْ كَانَتْ جَمِيعُ فِرَقِهِمْ فِي زَمَنِ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ مِنَ
الْيَهُودِ فَسَادًا وَإِفْسَادًا ، وَفِسْقًا وَفُجُورًا ، وَظُلْمًا وَعُدْوَانًا ، بِشَهَادَةِ مُؤَرِّخِي الْأُمَمِ كُلِّهَا ، مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ إِلَى إِصْلَاحٍ فِي دِينِهِمْ وَلَا دُنْيَاهُمْ ; وَلِهَذَا رَفَضُوا مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ وَالْفَضَائِلِ الصَّحِيحَةِ ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَرَدُّوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ كَوْنِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَثُوبَتِهِ لَا تُنَالَانِ إِلَّا بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَإِصْلَاحِهَا بِالتَّوْحِيدِ وَالْعَمَلِ .
[ ص: 262 ] هَذَا حَاصِلُ مَا كَانَ عَلَيْهِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنَ الْغُرُورِ بِدِينِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَبِأَنْبِيَائِهِمُ الَّذِينَ تَرَكُوا هَدْيَهُمْ وَضَلُّوا طَرِيقَهُمْ ، وَقَدْ عَبَّرَ الْكِتَابُ الْحَكِيمُ عَنْ ذَلِكَ هُنَا بِأَوْجَزِ لَفْظٍ وَأَخْصَرِهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=18نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) وَحَاصِلُ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ : أَنَّكُمْ مِنْ نَوْعِ الْبَشَرِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ وَلَا لِغَيْرِكُمْ مِنْ طَوَائِفِ الْبَشَرِ ، امْتِيَازٌ ذَاتِيٌّ خَاصٌّ ، وَلَا نِسْبَةٌ ذَاتِيَّةٌ إِلَيْهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ ، وَقَدْ مَضَّتْ سُنَّتُهُ فِي الْبَشَرِ بِأَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ ، وَيَعْفُوَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَيَغْفِرَهَا فَلَا يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ بِحَسَبَ مَشِيئَتِهِ الْمُطَابِقَةِ لِعِلْمِهِ وَعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ . فَإِذَا كَانَ لَكُمُ امْتِيَازٌ ذَاتِيٌّ ، عَلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ ، فَلِمَ يُعَذِّبْكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، كَمَا يُعَذِّبُ غَيْرَكُمْ بِذُنُوبِهِمْ ؟ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ هَذَا عِلْمَ الْيَقِينِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَمِنْ تَارِيخِكُمْ . وَالْمُضَارِعُ " يُعَذِّبُكُمْ " هُنَا لِبَيَانِ الشَّأْنِ الْمُسْتَمِرِّ فِي مُعَامَلَتِهِمْ ; فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّعْذِيبَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، مَتَى وَقَعَ سَبَبُهُ وَوُجِدَتْ عِلَّتُهُ ، وَالْكَلَامُ فِي سُنَّةِ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ ، وَتَارِيخُهُمْ فِيهِ كَتَارِيخِ غَيْرِهِمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَفِي زَمَنِهَا وَبَعْدَهَا : مَا عُذِّبَتْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ بِشَيْءٍ إِلَّا وَعُذِّبُوا بِمِثْلِهِ ، فَلَوْ كَانُوا أَبْنَاءَ اللَّهِ وَأَحِبَّاءَهُ ، وَلَوْ مَجَازًا ، بِحَسَبَ مَا بَيَّنَّاهُ بِالشَّوَاهِدِ مِنْ كُتُبِهِمْ ، لَمَا حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِغَيْرِهِمْ ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذُنُوبٌ يُعَذَّبُونَ بِهَا كَمَا قَالَ
يُوحَنَّا ( 1 يو 3 : 9 ) .
إِذَا فَقِهْتَ هَذَا ظَهَرَ لَكَ أَنَّ إِشْكَالَ
الرَّازِيِّ غَيْرُ وَارِدٍ أَصْلًا ; فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ وَإِبْطَالِ دَعْوَى أَنْ يَكُونَ شَعْبٌ مِنْهَا مُمْتَازًا عِنْدَ اللَّهِ بِذَاتِهِ ، لَا تَجْرِي عَلَيْهِ سُنَّتُهُ فِي سَائِرِ خَلْقِهِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدَّعِ أَنَّ أُمَّتَهُ لَهَا مِثْلُ هَذَا الِامْتِيَازِ ، وَأَنَّ كُلَّ مَنِ انْتَمَى إِلَيْهَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ اللَّهِ وَلَا مِنْ أَحِبَّائِهِ ، مَهْمَا عَمِلُوا مِنَ الْأَعْمَالِ ; فَيُقَالُ : لِمَ غُلِبُوا إِذًا فِي غَزْوَةِ "
أُحُدٍ " ؟ كَيْفَ وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ
بِأُحُدٍ الْمُنَافِقُينَ ، وَضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ ؟ يُثْبِتُ لَكَ هَذَا مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ غَزْوَةِ
أُحُدٍ مِنَ الْآيَاتِ ; فَقَدْ بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا أَصَابَهُمْ بِذُنُوبِ بَعْضِهِمْ ; إِذْ خَالَفَ الرُّمَاةُ أَمْرَ نَبِيِّهِمْ وَقَائِدِهِمْ ، وَتَنَازَعُوا وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِهِمْ ، وَأَنَّ الْأَيَّامَ دُوَلٌ وَالْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ، فَهُمُ الَّذِينَ يَتَّعِظُونَ بِالْحَوَادِثِ ، فَلَا يَعُودُونَ إِلَى مِثْلِ مَا عُوقِبُوا بِهِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي فَاتِحَةِ سِيَاقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=137قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=138هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=141وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) ( 3 : 137 - 141 ) ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ) ( 3 : 152 ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ 155 ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) ( 3 : 165 ) . . . إِلَخْ .
[ ص: 263 ] فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ تُبَيِّنُ
nindex.php?page=treesubj&link=30531سُنَّتَهُ تَعَالَى فِي الْبَشَرِ ، وَأَنَّ الْجَزَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْأَعْمَالِ ، لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالْأَلْقَابِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُصَدِّقُهُ الْوُجُودُ ، وَتَشْهَدُ بِهِ تَوَارِيخُ جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَجْيَالِ ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ شَأْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ وَالدِّينِ الْقَيِّمِ أَنْ يَكُونُوا أَعْرَفَ بِسُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ ; فَتَكُونَ ذُنُوبُهُمُ الَّتِي يُعَاقَبُونَ بِهَا مَوْعِظَةً يَتَّعِظُونَ بِهَا ، وَتَمْحِيصًا يُكْمِلُ نُفُوسَهُمْ بِالْعِبَرِ ، وَيُعْلِي شَأْنَهَا ، وَأَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ لِكُلِّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِلْخَيْبَةِ وَالْخُسْرَانِ ; كَالظُّلْمِ وَالْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ ، وَالتَّنَازُعِ وَالتَّفَرُّقِ ، وَالْغُرُورِ وَعَدَمِ النِّظَامِ ، وَبِهَذَا يَكُونُونَ مِنْ أَحِبَّاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ قَبِيلِ تَرْبِيَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُسَمَّى تَعْذِيبًا ; لِأَنَّ مَرَارَةَ الدَّوَاءِ الَّذِي يَشْفِيكَ مِنَ السَّقَمِ ، لَيْسَ كَالسَّوْطِ الَّذِي لَا يُصِيبُكَ مِنْهُ إِلَّا الْأَلَمُ .
وَمَنْ رَاجِعِ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي الْجُزْءِ الرَّابِعِ مِنْ تَفْسِيرِنَا هَذَا يَتَجَلَّى لَهُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ تَمَامَ التَّجَلِّي ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعْتَصِمُوا بِهَذَا الْبَيَانِ ; فَيَتَّقُوا غُرُورَ أَهْلِ الْكِتَابِ ، بَلِ اتَّبَعُوا سُنَّتَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، إِلَى أَنْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى ضِدِّ مَا كَانَ ، فَتَرَكَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْكِتَابِ ذَلِكَ الْغُرُورَ بِدِينِهِمْ ، وَاهْتَدَوْا بِسُنَنِ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ وَالدُّوَلِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُمْ ، فَسَارُوا عَلَيْهَا فِي سِيَاسَةِ مُلْكِهِمْ ، وَكَانَ آخَرُ حَوَادِثِ غُرُورِ دُوَلِهِمُ الْكُبْرَى غُرُورَ
دَوْلَةِ الرُّوسِيَّةِ فِي حَرْبِهَا مَعَ دَوْلَةِ
الْيَابَانِ الْوَثَنِيَّةِ ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غُرُورًا دِينِيًّا مَحْضًا ، بَلْ كَانَ مَمْزُوجًا بِالِاسْتِعْدَادِ الدُّنْيَوِيِّ مَزْجًا ، وَبَقِي مَنِ اتَّبَعُوا سُنَنَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَابِتِينَ عَلَى تَقْلِيدِ أُولَئِكَ الْمَخْذُولِينَ ، وَفُتِنَ بَعْضُهُمْ بِالْمُتَأَخِّرِينَ الْمُعْتَبَرِينَ ، وَلَكِنَّهُمْ مَا احْتَذَوْا مِثَالَهُمْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَلَا رَجَعُوا فِي مِثْلِهِ إِلَى هَدْيِ الدِّينِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=13وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ) ( 40 : 13 ) .