(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28976_2176_32414_31822فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه ) لما كان هذا القتل أول قتل من بني
آدم ، ولما كان هذا النوع من الخلق - أي الإنسان - موكولا إلى كسبه واختياره في عامة أعماله ، لم يعرف القاتل الأول كيف يواري جثة أخيه المقتول ، التي يسوؤه أن يراها بارزة - فالسوءة ما يسوء ظهوره ، ورؤية جسد الميت ، ولا سيما المقتول ، يسوء كل من ينظر إليه ويوحشه - وأما سائر أنواع الحيوان فتلهم عمل ما تحتاج إليه إلهاما في الأكثر ، وقلما يتعلم بعضها من بعض شيئا . وقد علمنا الله تعالى أن القاتل الأول تعلم دفن أخيه من الغراب ، ويدلنا ذلك على أن الإنسان في نشأته الأولى كان في منتهى السذاجة ، وأنه لاستعداده الذي يفضل به سائر أنواع الحيوان كان يستفيد من كل شيء علما واختبارا ويرتقي بالتدريج .
ذلك بأن الله تعالى بعث غرابا إلى المكان الذي هو فيه فبحث في الأرض ; أي حفر برجليه فيها ، يفتش عن شيء ، والمعهود أن الطير تفعل ذلك لطلب الطعام ، والمتبادر من العبارة أن الغراب أطال البحث في الأرض ; لأنه قال " يبحث " ولم يقل بحث ، والمضارع يفيد الاستمرار ، فلما أطال البحث أحدث حفرة في الأرض ، فلما رأى القاتل الحفرة ، وهو متحير في أمر مواراة سوءة أخيه ، زالت الحيرة ، واهتدى إلى ما يطلب ، وهو دفن أخيه في حفرة من الأرض . هذا هو المتبادر من الآية . وقال
أبو مسلم : إن من عادة الغراب دفن الأشياء ، فجاء غراب فدفن شيئا ، فتعلم منه ذلك ، وهذا قريب ، ولكن جمهور المفسرين قالوا : إن الله بعث غرابين لا واحدا ، وإنهما اقتتلا ، فقتل أحدهما الآخر ، فحفر بمنقاره ورجليه حفرة ألقاه فيها ، وما جاء هذا إلا من الروايات التي مصدرها الإسرائيليات ، على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28965مسألة الغراب والدفن لا ذكر لها في التوراة ، وفي هذه الروايات زيادات كثيرة ، لا فائدة لها ولا صحة ، واللام في قوله تعالى : ( ليريه ) للتعليل إذا كان الضمير راجعا إلى الله تعالى ; أي إنه تعالى ألهم الغراب ذلك ليتعلم ابن
آدم منه الدفن ، وللصيرورة والعاقبة إذا كان الضمير عائدا إلى الغراب ; أي لتكون عاقبة بحثه ما ذكر .
ولما رأى القاتل الغراب يبحث في الأرض ، وتعلم منه سنة الدفن ، وظهر له من ضعفه وجهله ما كان غافلا عنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28976_28901_32414قال ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ) قال جمهور المفسرين : إن "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31ياويلتا " كلمة تحسر وتلهف
[ ص: 287 ] وإنها تقال عند حلول الدواهي والعظائم . وقال في لسان العرب : والويل : حلول الشر ، والويلة : الفضيحة والبلية . وقيل هو تفجع ، وإذا قال القائل : يا ويلتاه ! فإنما يعني وافضيحتاه ! وكذلك تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ياويلتنا مال هذا الكتاب ) ( 18 : 49 ) انتهى . وهذا هو المعنى الصحيح ، والألف في الكلمة بدل ياء المتكلم ; إذ الأصل يا ويلتي ، والنداء للويلة ; لإفادة حلول سببها الذي تحل لأجله ، حتى كأنه دعاها إليه ، وقال : أقبلي فقد آن أوان مجيئك ، فهل بلغ من عجزي أن كنت دون الغراب علما وتصرفا ؟ والاستفهام للإقرار والتحسر ، وأما الندم الذي ندمه فهو ما يعرض لكل إنسان عقب ما يصدر عنه من الخطأ في فعل فعله ، إذا ظهر له أن فعله كان شرا له لا خيرا ، وقد يكون الندم توبة إذا كان سببه الخوف من الله تعالى والتألم من تعدي حدوده ، وقصد به الرجوع إليه ، وهذا هو المراد بحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919409الندم توبة " رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في تاريخه
والحاكم والبيهقي ، وعلم عليه في الجامع الصغير بالصحة ، وأما الندم الطبيعي الذي أشرنا إليه فلا يعد وحده توبة ، والتوبة من إحداث البدعة لا تنجي مبتدعها من سوء أثرها ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في الصحيحين مرفوعا "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919410nindex.php?page=treesubj&link=31822لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم كفل ( نصيب ) من دمها ; لأنه أول من سن القتل " .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28976_2176_32414_31822فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ ) لَمَّا كَانَ هَذَا الْقَتْلُ أَوَّلَ قَتْلٍ مِنْ بَنِي
آدَمَ ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْخَلْقِ - أَيِ الْإِنْسَانِ - مَوْكُولًا إِلَى كَسْبِهِ وَاخْتِيَارِهِ فِي عَامَّةِ أَعْمَالِهِ ، لَمْ يَعْرِفِ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ كَيْفَ يُوَارِي جُثَّةَ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ ، الَّتِي يَسُوؤُهُ أَنْ يَرَاهَا بَارِزَةً - فَالسَّوْءَةُ مَا يَسُوءُ ظُهُورُهُ ، وَرُؤْيَةُ جَسَدِ الْمَيِّتِ ، وَلَا سِيَّمَا الْمَقْتُولُ ، يَسُوءُ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيُوحِشُهُ - وَأَمَّا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ فَتُلْهَمُ عَمَلَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلْهَامًا فِي الْأَكْثَرِ ، وَقَلَّمَا يَتَعَلَّمُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ شَيْئًا . وَقَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقَاتِلَ الْأَوَّلَ تَعَلَّمَ دَفْنَ أَخِيهِ مِنَ الْغُرَابِ ، وَيَدُلُّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي نَشْأَتِهِ الْأُولَى كَانَ فِي مُنْتَهَى السَّذَاجَةِ ، وَأَنَّهُ لِاسْتِعْدَادِهِ الَّذِي يَفْضُلُ بِهِ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ كَانَ يَسْتَفِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَاخْتِبَارًا وَيَرْتَقِي بِالتَّدْرِيجِ .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ غُرَابًا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَبَحَثَ فِي الْأَرْضِ ; أَيْ حَفَرَ بِرِجْلَيْهِ فِيهَا ، يُفَتِّشُ عَنْ شَيْءٍ ، وَالْمَعْهُودُ أَنَّ الطَّيْرَ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِطَلَبِ الطَّعَامِ ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْغُرَابَ أَطَالَ الْبَحْثَ فِي الْأَرْضِ ; لِأَنَّهُ قَالَ " يَبْحَثُ " وَلَمْ يَقُلْ بَحَثَ ، وَالْمُضَارِعُ يُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ ، فَلَمَّا أَطَالَ الْبَحْثَ أَحْدَثَ حُفْرَةً فِي الْأَرْضِ ، فَلَمَّا رَأَى الْقَاتِلُ الْحُفْرَةَ ، وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي أَمْرِ مُوَارَاةِ سَوْءَةِ أَخِيهِ ، زَالَتِ الْحَيْرَةُ ، وَاهْتَدَى إِلَى مَا يَطْلُبُ ، وَهُوَ دَفْنُ أَخِيهِ فِي حُفْرَةٍ مِنَ الْأَرْضِ . هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْآيَةِ . وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : إِنَّ مِنْ عَادَةِ الْغُرَابِ دَفْنُ الْأَشْيَاءِ ، فَجَاءَ غُرَابٌ فَدَفَنَ شَيْئًا ، فَتَعَلَّمَ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَهَذَا قَرِيبٌ ، وَلَكِنَّ جُمْهُورَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا : إِنِ اللَّهَ بَعَثَ غُرَابَيْنِ لَا وَاحِدًا ، وَإِنَّهُمَا اقْتَتَلَا ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، فَحَفَرَ بِمِنْقَارِهِ وَرِجْلَيْهِ حُفْرَةً أَلْقَاهُ فِيهَا ، وَمَا جَاءَ هَذَا إِلَّا مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي مَصْدَرُهَا الْإِسْرَائِيلِيَّاتُ ، عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28965مَسْأَلَةَ الْغُرَابِ وَالدَّفْنِ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي التَّوْرَاةِ ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ زِيَادَاتٌ كَثِيرَةٌ ، لَا فَائِدَةَ لَهَا وَلَا صِحَّةَ ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( لِيُرِيَهُ ) لِلتَّعْلِيلِ إِذَا كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ; أَيْ إِنَّهُ تَعَالَى أَلْهَمَ الْغُرَابَ ذَلِكَ لِيَتَعَلَّمَ ابْنُ
آدَمَ مِنْهُ الدَّفْنَ ، وَلِلصَّيْرُورَةِ وَالْعَاقِبَةِ إِذَا كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْغُرَابِ ; أَيْ لِتَكُونَ عَاقِبَةُ بَحْثِهِ مَا ذُكِرَ .
وَلَمَّا رَأَى الْقَاتِلُ الْغُرَابَ يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ ، وَتَعَلَّمَ مِنْهُ سُنَّةَ الدَّفْنِ ، وَظَهَرَ لَهُ مِنْ ضَعْفِهِ وَجَهْلِهِ مَا كَانَ غَافِلًا عَنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28976_28901_32414قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ) قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=31يَاوَيْلَتَا " كَلِمَةُ تَحَسُّرٍ وَتَلَهُّفٍ
[ ص: 287 ] وَإِنَّهَا تُقَالُ عِنْدَ حُلُولِ الدَّوَاهِي وَالْعَظَائِمِ . وَقَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ : وَالْوَيْلُ : حُلُولُ الشَّرِّ ، وَالْوَيْلَةُ : الْفَضِيحَةُ وَالْبَلِيَّةُ . وَقِيلَ هُوَ تَفَجُّعٌ ، وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ : يَا وَيْلَتَاهُ ! فَإِنَّمَا يَعْنِي وَافَضِيحَتَاهُ ! وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ ) ( 18 : 49 ) انْتَهَى . وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ ، وَالْأَلِفُ فِي الْكَلِمَةِ بَدَلُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ ; إِذِ الْأَصْلُ يَا وَيْلَتِي ، وَالنِّدَاءُ لِلْوَيْلَةِ ; لِإِفَادَةِ حُلُولِ سَبَبِهَا الَّذِي تَحِلُّ لِأَجْلِهِ ، حَتَّى كَأَنَّهُ دَعَاهَا إِلَيْهِ ، وَقَالَ : أَقْبِلِي فَقَدْ آنَ أَوَانُ مَجِيئِكِ ، فَهَلْ بَلَغَ مِنْ عَجْزِي أَنْ كُنْتُ دُونَ الْغُرَابِ عِلْمًا وَتَصَرُّفًا ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِقْرَارِ وَالتَّحَسُّرِ ، وَأَمَّا النَّدَمُ الَّذِي نَدِمَهُ فَهُوَ مَا يَعْرِضُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ عَقِبَ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ الْخَطَأِ فِي فِعْلِ فِعْلِهِ ، إِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ شَرًّا لَهُ لَا خَيْرًا ، وَقَدْ يَكُونُ النَّدَمُ تَوْبَةً إِذَا كَانَ سَبَبُهُ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّأَلُّمَ مَنْ تَعَدِّي حُدُودِهِ ، وَقَصَدَ بِهِ الرُّجُوعَ إِلَيْهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919409النَّدَمُ تَوْبَةٌ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ
وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَعَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالصِّحَّةِ ، وَأَمَّا النَّدَمُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فَلَا يُعَدُّ وَحْدَهُ تَوْبَةً ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ إِحْدَاثِ الْبِدْعَةِ لَا تُنْجِي مُبْتَدِعَهَا مِنْ سُوءِ أَثَرِهَا ، وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919410nindex.php?page=treesubj&link=31822لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ كِفْلٌ ( نَصِيبٌ ) مِنْ دَمِهَا ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ " .