وقد اختلف الفقهاء في تعريف المحاربين  فروى  ابن جرير  وغيره عن  مالك بن أنس  أنه قال : المحارب عندنا من حمل السلاح على المسلمين في مصر أو خلاء ، فكان ذلك منه على غير ثائرة كانت بينهم ، ولا دخل ولا عداوة ، قاطعا للسبيل والطريق والديار ، مختفيا لهم بسلاحه ، وذكر أن من قتل منهم قتله الإمام ، ليس لولي المقتول فيه عفو ولا قود   . 
وقال ابن المنذر    : اختلفت الرواية في مسألة إثبات المحاربة في المصر  عن مالك  فأثبتها مرة ونفاها أخرى . نقول : والصواب الإثبات ; لأنه المعروف في كتب مذهبه ، وإنما اشترط انتفاء العداوة وغيرها من الأسباب ; ليتحقق كون ذلك محاربة للشرع ومقاومة للسلطة التي تنفذه ، وفي حاشية المقنع من كتب الحنابلة تلخيص لمذاهب الفقهاء في ذلك ، هذا نصه : " يشترط في المحاربين ثلاثة شروط    : ( 1 ) أن يكون معهم سلاح ، فإن لم يكن معهم سلاح فليسوا محاربين ; لأنهم لا يمنعون من يقصدهم ، ولا نعلم في هذا خلافا ، فإن عرضوا بالعصي والحجارة فهم محاربون ، وهو المذهب ، وبه قال  الشافعي   وأبو ثور  ، وقال أبو حنيفة  ليسوا محاربين . 
 [ ص: 297 ]   ( 2 ) أن يكون ذلك في الصحراء ، فإن فعلوا ذلك في البنيان لم يكونوا محاربين في قول الخرقي  ، وجزم به في الوجيز ، وبه قال أبو حنيفة   والثوري  وإسحاق    ; لأن الواجب يسمى حد قطاع الطريق ، وقطع الطريق إنما هو في الصحراء ، ولأن في المصر يلحق الغوث غالبا ، فتذهب شوكة المعتدين ، ويكونون مختلسين ، والمختلس ليس بقاطع ، ولا حد عليه ، وقال أبو بكر    : حكمهم في المصر والصحراء واحد ، وهو المذهب . وبه قال  الأوزاعي  والليث   والشافعي   وأبو ثور  لتناول الآية بعمومها كل محارب ; ولأنه في المصر أعظم ضررا فكان أولى . 
( 3 ) أن يأتوا مجاهرة ويأخذوا المال قهرا ، فأما إن أخذوه مختفين فهم سراق ، وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون لا قطع عليهم ، وكذلك إن خرج الواحد والاثنان على آخر قافلة فاستلبوا منها شيئا ؛ لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة ، وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم ، فهم قطاع طريق " انتهى . 
قال بعض المفسرين المستقلين بالفهم : إن أكثر الشروط التي اشترطها الفقهاء في هذا الباب ، لا يوجد لها أصل في الكتاب ولا في السنة ، ونحن نقول : إن الآية تدل دلالة صريحة على أن هذا العقاب خاص بمن يفسدون في الأرض بالسلب والنهب ، أو القتل ، أو إهلاك الحرث والنسل ، ومثل ذلك - أو منه - الاعتداء على الأعراض إذا كانوا محاربين لله ورسوله بقوة يمتنعون بها من الإذعان والخضوع لشرعه ، ولا يتأتى ذلك إلا حيث يقام شرعه العادل من دار الإسلام . فمن اشترط حملهم السلاح أخذ شرطه من كون القوة التي يتم بها ذانك الأمران إنما هي قوة السلاح ، وهو لو قيل له إنه يوجد أو سيوجد مواد تفعل في الإفساد والإعدام وتخريب الدور ، وكذا في الحماية والمقاومة أشد مما يفعل السلاح - كالديناميت المعروف الآن - ألا تراه في حكم السلاح ؟ يقول : بلى ، ومن اشترط خارج المصر راعى الأغلب ، أو أخذ من حال زمنه أن المصر لا يكون فيه ذلك . وما اشترط أحد شرطا غير صحيح أو غير مطرد إلا وله وجه انتزعه منه . 
				
						
						
