(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28976_31988وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي وبعثنا
عيسى ابن مريم بعد أولئك النبيين الذين كانوا يحكمون بالتوراة ، متبعا أثرهم ، جاريا على سننهم ، مصدقا للتوراة التي تقدمته بقوله وعمله أو بحاله ، ولفظ قفى مأخوذ من القفا ، وهو مؤخر العنق ، يقال : قفاه ، وقفا إثره يقفوه ، واقتفاه : إذا اتبعه وسار وراءه حسا أو معنى ، وقفاه به تقفية جعله يقفوه ، أو يقفو أثره . قال تعالى : ( وقفينا من بعده بالرسل 2 : 87 ) قال في الأساس : وقفيته وقفيته به وقفيت به على أثره : إذا أتبعته إياه ، وهو قفية آبائه ، وقفي أشياخه ، تلوهم . انتهى . أي يتلوهم ، ويسير على طريقتهم .
وعيسى عليه السلام من أنبياء بني إسرائيل ، وشريعته هي التوراة ، ولكن
النصارى نسخوها وتركوا العمل بها اتباعا
لبولس . على أنهم
[ ص: 332 ] ينقلون عنه في أناجيلهم ، أنه ما جاء لينقض الناموس ( أي شريعة التوراة ) وإنما جاء ليتمم ; أي ليزيد عليها ما شاء الله أن يزيد من الأحكام والآداب والمواعظ الروحية ; ولذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28976_31978وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ) أي أعطيناه الإنجيل مشتملا على هدى من الضلال في العقائد والأعمال ; كالتوحيد النافي للوثنية التي هي مصدر الخرافات والأباطيل ، ونور يبصر به طالب الحق طريقه الموصل إليه من الدلائل والأمثال والفضائل والآداب ، ومصدقا للتوراة التي تقدمته ; أي مشتملا على النص بتصديق التوراة ، وهذا غير تصديق
المسيح لها بقوله وعمله أو حاله ، وصفه بمثل ما وصف به التوراة ، وبكونه مصدقا لها ، ثم زاد في وصفه عطفا على تلك الأحوال فجعله نفسه هدى من وجه آخر ، وموعظة للمتقين ، ولعله ما انفرد به من المسائل الروحية والمواعظ الأدبية ، وزلزلة ذلك الجمود الإسرائيلي المادي ، وزعزعة ذلك الغرور الذي كان الكتبة والفريسيون من
اليهود مفتونين به . وخص هذا النوع بالمتقين ; لأنهم هم الذين ينتفعون به ; إذ لا يفوتهم شيء من الكتاب لحرصهم عليه وعنايتهم به ، والحكمة من هذا النوع من الهدى والموعظة فقه أسرار الشريعة ومعرفة حكمتها والمقصد منها ، والعلم بأن وراء تلك التوراة وهذا الإنجيل هداية أتم وأكمل ، ودينا أعم وأشمل ، وهو الذي يجيء به النبي الأخير ( البارقليط ) الأعظم ، ولولا زلزال الإنجيل في جملته لتلك التقاليد ، وزعزعته لذلك الغرور ، وأنس الناس بما حفظ من تعاليمه عدة قرون ، لما انتشر الإسلام بين أهل الكتاب في
سورية ومصر وبين النهرين بتلك السرعة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28976_31988وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ) أَيْ وَبَعَثْنَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بَعْدَ أُولَئِكَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْكُمُونَ بِالتَّوْرَاةِ ، مُتَّبِعًا أَثَرَهُمْ ، جَارِيًا عَلَى سُنَنِهِمْ ، مُصَدِّقًا لِلتَّوْرَاةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهُ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ أَوْ بِحَالِهِ ، وَلَفْظُ قَفَّى مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَفَا ، وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ ، يُقَالُ : قَفَاهُ ، وَقَفَا إِثْرَهُ يَقِفُوهُ ، وَاقْتَفَاهُ : إِذَا اتَّبَعَهُ وَسَارَ وَرَاءَهُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى ، وَقَفَّاهُ بِهِ تَقْفِيَةً جَعَلَهُ يَقْفُوهُ ، أَوْ يَقْفُو أَثَرَهُ . قَالَ تَعَالَى : ( وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ 2 : 87 ) قَالَ فِي الْأَسَاسِ : وَقَفَّيْتُهُ وَقَفَيْتُهُ بِهِ وَقَفَّيْتُ بِهِ عَلَى أَثَرِهِ : إِذَا أَتْبَعْتُهُ إِيَّاهُ ، وَهُوَ قُفْيَةُ آبَائِهِ ، وَقِفِيُّ أَشْيَاخِهِ ، تِلْوَهُمْ . انْتَهَى . أَيْ يَتْلُوهُمْ ، وَيَسِيرُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ .
وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَشَرِيعَتُهُ هِيَ التَّوْرَاةُ ، وَلَكِنَّ
النَّصَارَى نَسَخُوهَا وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهَا اتِّبَاعًا
لَبُولَسَ . عَلَى أَنَّهُمْ
[ ص: 332 ] يَنْقُلُونَ عَنْهُ فِي أَنَاجِيلِهِمْ ، أَنَّهُ مَا جَاءَ لِيَنْقُضَ النَّامُوسَ ( أَيْ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ ) وَإِنَّمَا جَاءَ لِيُتَمِّمَ ; أَيْ لِيَزِيدَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَزِيدَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ وَالْمَوَاعِظِ الرُّوحِيَّةِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28976_31978وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) أَيْ أَعْطَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ مُشْتَمِلًا عَلَى هُدًى مِنَ الضَّلَالِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ ; كَالتَّوْحِيدِ النَّافِي لِلْوَثَنِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَصْدَرُ الْخُرَافَاتِ وَالْأَبَاطِيلِ ، وَنُورٌ يُبْصِرُ بِهِ طَالِبُ الْحَقِّ طَرِيقَهُ الْمُوَصِّلَ إِلَيْهِ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْأَمْثَالِ وَالْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ ، وَمُصَدِّقًا لِلتَّوْرَاةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهُ ; أَيْ مُشْتَمِلًا عَلَى النَّصِّ بِتَصْدِيقِ التَّوْرَاةِ ، وَهَذَا غَيْرُ تَصْدِيقِ
الْمَسِيحِ لَهَا بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ أَوْ حَالِهِ ، وَصَفَهُ بِمِثْلِ مَا وَصَفَ بِهِ التَّوْرَاةَ ، وَبِكَوْنِهِ مُصَدِّقًا لَهَا ، ثُمَّ زَادَ فِي وَصْفِهِ عَطْفًا عَلَى تِلْكَ الْأَحْوَالِ فَجَعَلَهُ نَفْسَهُ هُدًى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ، وَلَعَلَّهُ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الرُّوحِيَّةِ وَالْمَوَاعِظِ الْأَدَبِيَّةِ ، وَزَلْزَلَةِ ذَلِكَ الْجُمُودِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الْمَادِّيِّ ، وَزَعْزَعَةِ ذَلِكَ الْغُرُورِ الَّذِي كَانَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِيسِيُّونَ مِنَ
الْيَهُودِ مَفْتُونِينَ بِهِ . وَخُصَّ هَذَا النَّوْعُ بِالْمُتَّقِينَ ; لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ ; إِذْ لَا يَفُوتُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْكِتَابِ لِحِرْصِهِمْ عَلَيْهِ وَعِنَايَتِهِمْ بِهِ ، وَالْحِكْمَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْهُدَى وَالْمَوْعِظَةِ فِقْهُ أَسْرَارِ الشَّرِيعَةِ وَمَعْرِفَةُ حِكْمَتِهَا وَالْمَقْصِدِ مِنْهَا ، وَالْعِلْمُ بِأَنَّ وَرَاءَ تِلْكَ التَّوْرَاةِ وَهَذَا الْإِنْجِيلِ هِدَايَةً أَتَمَّ وَأَكْمَلَ ، وَدِينًا أَعَمَّ وَأَشْمَلَ ، وَهُوَ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ النَّبِيُّ الْأَخِيرُ ( الْبَارَقْلِيطُ ) الْأَعْظَمُ ، وَلَوْلَا زِلْزَالُ الْإِنْجِيلِ فِي جُمْلَتِهِ لِتِلْكَ التَّقَالِيدِ ، وَزَعْزَعَتُهُ لِذَلِكَ الْغُرُورِ ، وَأُنْسُ النَّاسِ بِمَا حُفِظَ مِنْ تَعَالِيمِهِ عِدَّةَ قُرُونٍ ، لَمَا انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي
سُورِيَّةَ وَمِصْرَ وَبَيْنَ النَّهْرَيْنِ بِتِلْكَ السُّرْعَةِ .