وصف الله هؤلاء الكملة من المؤمنين بست صفات : ( الصفة الأولى ) : أنه تعالى يحبهم ;
nindex.php?page=treesubj&link=28683_29699_29700_28720_33677فالحب من الصفات التي أسندت إلى الله تعالى في كتابه ، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ; فهو تعالى يحب ويبغض كما يليق بشأنه ، ولا يشبه حبه حب البشر ; لأنه لا يشبه البشر (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) ( 42 : 11 ) وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=33677_28781_28720علمه لا يشبه علم البشر ، ولا قدرته تشبه قدرتهم ، ولا نتأول حبه بالإثابة وحسن الجزاء ، كما تأولته المعتزلة وكثير من الأشاعرة فرارا من التشبيه إلى التنزيه ; إذ
nindex.php?page=treesubj&link=29442لا تنافي بين إثبات الصفات وتنزيه الذات ، وإلا لاحتجنا إلى تأويل العلم والقدرة والإرادة ، وهم لا يتأولونها ، ولا يخرجون معانيها عن ظواهر ألفاظها ; فمحبته تعالى لمستحقيها من عباده شأن من شئونه اللائقة به ، لا نبحث عن كنهها وكيفيتها ، وحسن الجزاء من المغفرة والإثابة قد يكون من آثارها ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) ( 3 : 31 ) فجعل اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم سببا لمحبة الله تعالى للمتبعين وللمغفرة . فكل من المحبة والمغفرة جزاء مستقل ; إذ العطف يقتضي المغايرة .
( الصفة الثانية ) : أنهم يحبون الله تعالى ،
nindex.php?page=treesubj&link=28683وحب المؤمنين الصادقين لله تعالى ثبت في آيات غير هذه من كتاب الله تعالى كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ) ( 2 : 165 ) وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ) ( 9 : 24 ) .
وفي حديث
أنس المرفوع في الصحيحين "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919437nindex.php?page=treesubj&link=29679ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار " وحديثه الآخر في الصحيحين أيضا "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919438جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : ما أعددت لها ؟ قال : ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ، إلا أني أحب الله ورسوله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : المرء مع من أحب ، قال أنس : فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك " .
وقد تأول هذا الحب بعض الناس أيضا ; قالوا : إن المراد به المواظبة على الطاعة ; إذ يستحيل أن يحب الإنسان إلا ما يجانسه ، ويرد هذا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله 6 364 )
[ ص: 364 ] فإنه جعل الجهاد غير الحب ، وحديث الأعرابي المذكور آنفا ، فإنه فرق بين الحب والعمل ، وجعل عدته للساعة الحب دون كثرة العمل الصالح . نعم ، إن الحب يستلزم الطاعة ويقتضيها بسنة الفطرة ، كما قيل : تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمرك في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع وقد أطال
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد الغزالي في كتاب المحبة من " الإحياء " في بيان محبة الله لعباده ومحبة عباده له ، والرد على المنكرين المحرومين ، فجاء بما يطمئن به القلب ، وتسكن له النفس ، وينثلج به الصدر . وللمحقق
ابن القيم كلام في ذلك هو أدق تحريرا ، وأشد على الكتاب والسنة انطباقا ، ولسيرة سلف الأمة موافقة . ولولا أن هذا الجزء من التفسير قد طال جدا لحررت هذا الموضوع هنا ، وأتيت بخلاصة أقوال النفاة المعترضين ، وصفوة أقوال المثبتين ، ولكننا نرجئ هذا إلى تفسير آية أخرى كآية التوبة ( 9 : 24 ) وقد بينا معنى حب الله من قبل في تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ) ( 2 : 165 ) فحسبك الرجوع إليه الآن ( راجع ص55 وما بعدها ج2 ط الهيئة ) .
( الصفتان الثالثة والرابعة ) :
nindex.php?page=treesubj&link=28802الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين ، والمروي في تفسيرهما أنهما بمعنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أشداء على الكفار رحماء بينهم ) ( 48 : 29 ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " أذلة " جمع ذليل ، وأما " ذلول " فجمعه ذلل ككتب ) ووجه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أذلة على المؤمنين ) دون " أذلة للمؤمنين " بوجهين : أحدهما أن يضمن الذل معنى الحنو والعطف ; كأنه قال : عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع ، والثاني أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم ، وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم .
( الصفة الخامسة ) :
nindex.php?page=treesubj&link=7918الجهاد في سبيل الله ، وهو من أخص صفات المؤمنين الصادقين ، وأصل الجهاد احتمال الجهد والمشقة ، وسبيل الله طريق الحق والخير الموصلة إلى مرضاة الله تعالى ،
nindex.php?page=treesubj&link=33385وأعظم الجهاد بذل النفس والمال في قتال أعداء الحق ، وهو أكبر آيات المؤمنين الصادقين ، وأما المنافقون فقد قال الله تعالى فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=47لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ) ( 9 : 47 ) وضعاف الإيمان قد يجاهدون ، ولكن في سبيل منفعتهم ، دون سبيل الله ، فإن رأوا ظفرا وغنيمة ثبتوا ، وإن رأوا شدة وخسارة انهزموا ، وهل المراد بهذا الجهاد هنا قتال المرتدين ، أم هو على إطلاقه ؟ الظاهر الثاني ، ولكنه يتناول مقاتلي المرتدين في الصدر الأول ، أولا وبالأولى .
( الصفة السادسة ) : كونهم لا يخافون لومة لائم ، وجملة هذا الوصف معطوفة على التي قبلها أو مبينة لحال المجاهدين ، وفيها تعريض بالمنافقين الذين كانوا يخافون لوم أوليائهم من
[ ص: 365 ] اليهود لهم إذا هم قاتلوا مع المؤمنين ، والأبلغ أن تكون للوصف المطلق ; أي إنهم لتمكنهم في الدين ، ورسوخهم في الإيمان لا يخافون لومة ما من أفراد اللوم أو أنواعه من لائم ما كائنا من كان ; لأنهم لا يعملون العمل رغبة في جزاء أو ثناء من الناس ، ولا خوفا من مكروه يصيبهم منهم ; فيخافون لوم هذا أو ذاك ، وإنما يعملون العمل لإحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، وتقرير المعروف ، وإزالة المنكر ; ابتغاء مرضاة الله تعالى بتزكية أنفسهم وترقيتها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54nindex.php?page=treesubj&link=28976ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) أي ذلك الذي ذكر من الصفات الست فضل الله يعطيه من يشاء من عباده ، فيفضلون غيرهم به ، وبما يترتب عليه من الأعمال ، وقد بينا مرارا أن مشيئته ، سبحانه ، لمثل هذا الفضل ، تجري بحسب سنته التي أقام بها أمر النظام في خلقه ، فمنهم الكسب والعمل النفسي والبدني ، ومنه سبحانه آلات الكسب والقوى البدنية والعقلية ، والتوفيق والهداية الخاصة ، واللطف والمعونة ( والله سميع عليم ) فلا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن فضله ومنته ، وما يقتضيه من شكره وعبادته .
وَصَفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْكَمَلَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِسِتِّ صِفَاتٍ : ( الصِّفَةُ الْأُولَى ) : أَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّهُمْ ;
nindex.php?page=treesubj&link=28683_29699_29700_28720_33677فَالْحُبُّ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي أُسْنِدَتْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَهُوَ تَعَالَى يُحِبُّ وَيُبْغِضُ كَمَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ ، وَلَا يُشْبِهُ حُبُّهُ حُبَّ الْبَشَرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْبَشَرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ( 42 : 11 ) وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=33677_28781_28720عِلْمُهُ لَا يُشْبِهُ عِلْمَ الْبَشَرِ ، وَلَا قُدْرَتُهُ تُشْبِهُ قُدْرَتَهُمْ ، وَلَا نَتَأَوَّلُ حُبَّهُ بِالْإِثَابَةِ وَحُسْنِ الْجَزَاءِ ، كَمَا تَأَوَّلَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ فِرَارًا مِنَ التَّشْبِيهِ إِلَى التَّنْزِيهِ ; إِذْ
nindex.php?page=treesubj&link=29442لَا تَنَافِيَ بَيْنَ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَتَنْزِيهِ الذَّاتِ ، وَإِلَّا لَاحْتَجْنَا إِلَى تَأْوِيلِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ ، وَهُمْ لَا يَتَأَوَّلُونَهَا ، وَلَا يُخْرِجُونَ مَعَانِيَهَا عَنْ ظَوَاهِرِ أَلْفَاظِهَا ; فَمَحَبَّتُهُ تَعَالَى لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنْ عِبَادِهِ شَأْنٌ مِنْ شُئُونِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ ، لَا نَبْحَثُ عَنْ كُنْهِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا ، وَحُسْنُ الْجَزَاءِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْإِثَابَةِ قَدْ يَكُونُ مِنْ آثَارِهَا ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبَعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) ( 3 : 31 ) فَجَعَلَ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُتَّبِعِينَ وَلِلْمَغْفِرَةِ . فَكُلٌّ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ جَزَاءٌ مُسْتَقِلٌّ ; إِذِ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ .
( الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ ) : أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ تَعَالَى ،
nindex.php?page=treesubj&link=28683وَحُبُّ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ لِلَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ فِي آيَاتٍ غَيْرِ هَذِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) ( 2 : 165 ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) ( 9 : 24 ) .
وَفِي حَدِيثِ
أَنَسٍ الْمَرْفُوعِ فِي الصَّحِيحَيْنِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919437nindex.php?page=treesubj&link=29679ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ " وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919438جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : مَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ، قَالَ أَنَسٌ : فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحَهَمْ بِذَلِكَ " .
وَقَدْ تَأَوَّلَ هَذَا الْحُبَّ بَعْضُ النَّاسِ أَيْضًا ; قَالُوا : إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الطَّاعَةِ ; إِذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُحِبَّ الْإِنْسَانُ إِلَّا مَا يُجَانِسُهُ ، وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=24أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ 6 364 )
[ ص: 364 ] فَإِنَّهُ جَعَلَ الْجِهَادَ غَيْرَ الْحُبِّ ، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ الْمَذْكُورُ آنِفًا ، فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحُبِّ وَالْعَمَلِ ، وَجَعَلَ عُدَّتَهُ لِلسَّاعَةِ الْحُبَّ دُونَ كَثْرَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ . نَعَمْ ، إِنَّ الْحُبَّ يَسْتَلْزِمُ الطَّاعَةَ وَيَقْتَضِيهَا بِسُنَّةِ الْفِطْرَةِ ، كَمَا قِيلَ : تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ حُبَّهُ هَذَا لَعَمْرُكَ فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ وَقَدْ أَطَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْمَحَبَّةِ مِنَ " الْإِحْيَاءِ " فِي بَيَانِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعِبَادِهِ وَمَحَبَّةِ عِبَادِهِ لَهُ ، وَالرَّدِّ عَلَى الْمُنْكِرِينَ الْمَحْرُومِينَ ، فَجَاءَ بِمَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ ، وَتَسْكُنُ لَهُ النَّفْسُ ، وَيَنْثَلِجُ بِهِ الصَّدْرُ . وَلِلْمُحَقِّقِ
ابْنِ الْقَيِّمِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ هُوَ أَدَقُّ تَحْرِيرًا ، وَأَشَدُّ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ انْطِبَاقًا ، وَلِسِيرَةِ سَلَفِ الْأُمَّةِ مُوَافَقَةً . وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مِنَ التَّفْسِيرِ قَدْ طَالَ جِدًّا لَحَرَّرْتُ هَذَا الْمَوْضُوعَ هُنَا ، وَأَتَيْتُ بِخُلَاصَةِ أَقْوَالِ النُّفَاةِ الْمُعْتَرِضِينَ ، وَصَفْوَةِ أَقْوَالِ الْمُثْبِتِينَ ، وَلَكِنَّنَا نُرْجِئُ هَذَا إِلَى تَفْسِيرِ آيَةٍ أُخْرَى كَآيَةِ التَّوْبَةِ ( 9 : 24 ) وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى حُبِّ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ فِي تَفْسِيرٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ) ( 2 : 165 ) فَحَسْبُكَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ الْآنَ ( رَاجِعْ ص55 وَمَا بَعْدَهَا ج2 ط الْهَيْئَةِ ) .
( الصِّفَتَانِ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ ) :
nindex.php?page=treesubj&link=28802الذِّلَّةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْعِزَّةُ عَلَى الْكَافِرِينَ ، وَالْمَرْوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِمَا أَنَّهُمَا بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ( 48 : 29 ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : " أَذِلَّةٍ " جَمْعُ ذَلِيلٍ ، وَأَمَّا " ذَلُولٌ " فَجَمْعُهُ ذُلُلٌ كَكُتُبٍ ) وَوَجْهُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) دُونَ " أَذِلَّةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ " بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ الذُّلَّ مَعْنَى الْحُنُوِّ وَالْعَطْفِ ; كَأَنَّهُ قَالَ : عَاطِفِينَ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّوَاضُعِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُمْ مَعَ شَرَفِهِمْ وَعُلُوِّ طَبَقَتِهِمْ ، وَفَضْلِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ خَافِضُونَ لَهُمْ أَجْنِحَتَهُمْ .
( الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ ) :
nindex.php?page=treesubj&link=7918الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَهُوَ مِنْ أَخَصِّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، وَأَصْلُ الْجِهَادِ احْتِمَالُ الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ ، وَسَبِيلُ اللَّهِ طَرِيقُ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى ،
nindex.php?page=treesubj&link=33385وَأَعْظَمُ الْجِهَادِ بَذْلُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فِي قِتَالِ أَعْدَاءِ الْحَقِّ ، وَهُوَ أَكْبَرُ آيَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=47لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) ( 9 : 47 ) وَضِعَافُ الْإِيمَانِ قَدْ يُجَاهِدُونَ ، وَلَكِنْ فِي سَبِيلِ مَنْفَعَتِهِمْ ، دُونَ سَبِيلِ اللَّهِ ، فَإِنْ رَأَوْا ظَفْرًا وَغَنِيمَةً ثَبَتُوا ، وَإِنْ رَأَوْا شِدَّةً وَخَسَارَةً انْهَزَمُوا ، وَهَلِ الْمُرَادُ بِهَذَا الْجِهَادِ هُنَا قِتَالُ الْمُرْتَدِّينَ ، أَمْ هُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي ، وَلَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مُقَاتِلِي الْمُرْتَدِّينَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ، أَوَّلًا وَبِالْأَوْلَى .
( الصِّفَةُ السَّادِسَةُ ) : كَوْنُهُمْ لَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، وَجُمْلَةُ هَذَا الْوَصْفِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ مُبَيِّنَةٌ لِحَالِ الْمُجَاهِدِينَ ، وَفِيهَا تَعْرِيضٌ بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَخَافُونَ لَوْمَ أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ
[ ص: 365 ] الْيَهُودِ لَهُمْ إِذَا هُمْ قَاتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْأَبْلَغُ أَنْ تَكُونَ لِلْوَصْفِ الْمُطْلَقِ ; أَيْ إِنَّهُمْ لِتَمَكُّنِهِمْ فِي الدِّينِ ، وَرُسُوخِهِمْ فِي الْإِيمَانِ لَا يَخَافُونَ لَوْمَةً مَا مِنْ أَفْرَادِ اللَّوْمِ أَوْ أَنْوَاعِهِ مِنْ لَائِمٍ مَا كَائِنًا مَنْ كَانَ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ رَغْبَةً فِي جَزَاءٍ أَوْ ثَنَاءٍ مِنَ النَّاسِ ، وَلَا خَوْفًا مِنْ مَكْرُوهٍ يُصِيبُهُمْ مِنْهُمْ ; فَيَخَافُونَ لَوْمَ هَذَا أَوْ ذَاكَ ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ ، وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ ، وَتَقْرِيرِ الْمَعْرُوفِ ، وَإِزَالَةِ الْمُنْكِرِ ; ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ وَتَرْقِيَتِهَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54nindex.php?page=treesubj&link=28976ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَ مِنَ الصِّفَاتِ السِّتِّ فَضْلُ اللَّهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، فَيَفْضُلُونَ غَيْرَهُمْ بِهِ ، وَبِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ مَشِيئَتَهُ ، سُبْحَانَهُ ، لِمِثْلِ هَذَا الْفَضْلِ ، تَجْرِي بِحَسَبِ سُنَّتِهِ الَّتِي أَقَامَ بِهَا أَمْرَ النِّظَامِ فِي خَلْقِهِ ، فَمِنْهُمُ الْكَسْبُ وَالْعَمَلُ النَّفْسِيُّ وَالْبَدَنِيُّ ، وَمِنْهُ سُبْحَانَهُ آلَاتُ الْكَسْبِ وَالْقُوَى الْبَدَنِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ ، وَالتَّوْفِيقُ وَالْهِدَايَةُ الْخَاصَّةُ ، وَاللُّطْفُ وَالْمَعُونَةُ ( وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفَلَ عَنْ فَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ شُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ .