nindex.php?page=treesubj&link=21705الاستدلال على القياس بالحديث والإجماع :
ثم أورد
الشوكاني ما استدلوا به على حجة القياس من الحديث والإجماع وبدأ الكلام بحديث معاذ ، إذ أقره النبي صلى الله عليه وسلم على قوله : " أجتهد رأيي ولا آلو " في القضاء بما لا يجده في كتاب الله ولا سنة رسوله ، وقد تقدم تضعيف
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم لهذا الحديث ، وقال
الشوكاني : إن الكلام في إسناد هذا الحديث يطول ، وقد قيل : إنه مما تلقي بالقبول ، ثم أجاب عنه وعن سائر أدلتهم بعد تلخيصها بما نصه :
" وأجيب عنه بأن
nindex.php?page=treesubj&link=22238اجتهاد الرأي هو عبارة عن استفراغ الجهد في الطلب للحكم من النصوص الخفية ، ورد بأنه إنما قال : " أجتهد رأيي " بعد عدم وجوده لذلك الحكم في الكتاب والسنة ، وما دلت عليه النصوص الخفية لا يجوز أن يقال : إنه غير موجود في الكتاب والسنة ، وأجيب عن هذا الرد بأن القياس عند القائلين به مفهوم من الكتاب والسنة ، فلا بد
[ ص: 157 ] من حمل الاجتهاد في الرأي على ما عدا القياس ، فلا يكون الحديث حجة لإثباته ، واجتهاد الرأي كما يكون باستخراج الدليل من الكتاب والسنة يكون بالتمسك بالبراءة الأصلية ، أو بأصالة الإباحة في الأشياء أو الحظر على اختلاف الأقوال في ذلك ، أو التمسك بالمصالح أو التمسك بالاحتياط .
" وعلى تسليم دخول القياس في اجتهاد الرأي فليس المراد كل قياس ، بل المراد القياسات التي يسوغ العمل بها والرجوع إليها ، كالقياس الذي علته منصوصة ، والقياس الذي قطع فيه بنفي الفارق في الدليل الذي يدل على الأخذ بتلك القياسات لا القياسات المبنية على تلك المسالك التي ليس فيها إلا مجرد الخيالات المختلة والشبه الباطلة . وأيضا فعلى التسليم لا دلالة للحديث إلا على العمل بالقياس في أيام النبوة ، لأن الشريعة إذ ذاك لم تكمل فيمكن عدم وجدان الدليل في الكتاب والسنة ، وأما بعد أيام النبوة فقد كمل الشرع لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ) ولا معنى للإكمال إلا وفاء النصوص بما يحتاج إليه أهل الشرع إما بالنص على كل فرد أو باندراج ما يحتاج إليه تحت العمومات الشاملة ، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ( 6 : 38 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) ( 6 : 59 ) .
واستدلوا أيضا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القياسات كقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919637أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزئ عنه ؟ قال : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى " وقوله لرجل سأله فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919638أيقضي أحدنا شهوته ويؤجر عليها ؟ فقال : " أرأيت لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ قال : نعم . قال : فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر " وقال لمن أنكر ولده الذي جاءت به امرأته أسود : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919639هل لك من إبل ؟ قال : نعم ، قال : فما ألوانها ؟ قال : حمر ، قال : فهل فيها من أورق ؟ قال : نعم قال : فمن أين ؟ قال : لعله نزعة عرق ، قال : وهذا لعله نزعة عرق " وقال
لعمر وقد قبل امرأته وهو صائم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919640أرأيت لو تمضمضت بماء " وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919070يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وهذه الأحاديث ثابتة في دواوين الإسلام ، وقد وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم قياسات كثيرة حتى صنف
الناصح الحنبلي جزءا في أقيسته صلى الله عليه وسلم .
" ويجاب عن ذلك بأن هذه الأقيسة صادرة عن الشارع المعصوم الذي يقول الله سبحانه فيما جاءنا به عنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى ) ( 53 : 4 ) ويقول في وجوب اتباعه :
[ ص: 158 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ( 59 : 7 ) وذلك خارج عن محل النزاع ، فإن القياس الذي كلامنا فيه إنما هو قياس من لم تثبت له العصمة ولا وجب اتباعه ولا كان كلامه وحيا بل من جهة نفسه الأمارة وبعقله المغلوب بالخطأ ، وقد قدمنا أنه قد وقع الاتفاق على قيام الحجة بالقياسات الصادرة عنه صلى الله عليه وسلم .
nindex.php?page=treesubj&link=21705الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ :
ثُمَّ أَوْرَدَ
الشَّوْكَانِيُّ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى حُجَّةِ الْقِيَاسِ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ وَبَدَأَ الْكَلَامَ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ ، إِذْ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ : " أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو " فِي الْقَضَاءِ بِمَا لَا يَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَضْعِيفُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنِ حَزْمٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَقَالَ
الشَّوْكَانِيُّ : إِنَّ الْكَلَامَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ يَطُولُ ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ مِمَّا تُلُقِّيَ بِالْقَبُولِ ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ وَعَنْ سَائِرِ أَدِلَّتِهِمْ بَعْدَ تَلْخِيصِهَا بِمَا نَصَّهُ :
" وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22238اجْتِهَادَ الرَّأْيِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِفْرَاغِ الْجُهْدِ فِي الطَّلَبِ لِلْحُكْمِ مِنَ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ : " أَجْتَهِدُ رَأْيِي " بَعْدَ عَدَمِ وُجُودِهِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْخَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الرَّدِّ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ مَفْهُومٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَلَا بُدَّ
[ ص: 157 ] مِنْ حَمْلِ الِاجْتِهَادِ فِي الرَّأْيِ عَلَى مَا عَدَا الْقِيَاسَ ، فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ حَجَّةً لِإِثْبَاتِهِ ، وَاجْتِهَادُ الرَّأْيِ كَمَا يَكُونُ بِاسْتِخْرَاجِ الدَّلِيلِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَكُونُ بِالتَّمَسُّكِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ ، أَوْ بِأَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ فِي الْأَشْيَاءِ أَوِ الْحَظْرِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ ، أَوِ التَّمَسُّكِ بِالْمَصَالِحِ أَوِ التَّمَسُّكِ بِالِاحْتِيَاطِ .
" وَعَلَى تَسْلِيمِ دُخُولِ الْقِيَاسِ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ قِيَاسٍ ، بَلِ الْمُرَادُ الْقِيَاسَاتُ الَّتِي يَسُوغُ الْعَمَلُ بِهَا وَالرُّجُوعُ إِلَيْهَا ، كَالْقِيَاسِ الَّذِي عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةٌ ، وَالْقِيَاسُ الَّذِي قَطَعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْأَخْذِ بِتِلْكَ الْقِيَاسَاتِ لَا الْقِيَاسَاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى تِلْكَ الْمَسَالِكِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إِلَّا مُجَرَّدُ الْخَيَالَاتِ الْمُخْتَلَّةِ وَالشُّبَهِ الْبَاطِلَةِ . وَأَيْضًا فَعَلَى التَّسْلِيمِ لَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ إِلَّا عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ ، لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ إِذْ ذَاكَ لَمْ تَكْمُلْ فَيُمْكِنُ عَدَمُ وِجْدَانِ الدَّلِيلِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَمَّا بَعْدَ أَيَّامِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ كَمُلَ الشَّرْعُ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وَلَا مَعْنًى لِلْإِكْمَالِ إِلَّا وَفَاءُ النُّصُوصِ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهْلُ الشَّرْعِ إِمَّا بِالنَّصِّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ أَوْ بِانْدِرَاجِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ الشَّامِلَةِ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) ( 6 : 38 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) ( 6 : 59 ) .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقِيَاسَاتِ كَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919637أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى " وَقَوْلُهُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919638أَيَقْضِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهَا ؟ فَقَالَ : " أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي حَلَالٍ كَانَ لَهُ أَجْرٌ " وَقَالَ لِمَنْ أَنْكَرَ وَلَدَهُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ أَسْوَدَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919639هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا أَلْوَانُهَا ؟ قَالَ : حُمْرٌ ، قَالَ : فَهَلْ فِيهَا مَنْ أَوْرَقَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَمِنْ أَيْنَ ؟ قَالَ : لَعَلَّهُ نَزْعَةُ عِرْقٍ ، قَالَ : وَهَذَا لَعَلَّهُ نَزْعَةُ عِرْقٍ " وَقَالَ
لِعُمَرَ وَقَدْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919640أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ " وَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919070يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ " وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قِيَاسَاتٌ كَثِيرَةٌ حَتَّى صَنَّفَ
النَّاصِحُ الْحَنْبَلِيُّ جُزْءًا فِي أَقْيِسَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
" وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْيِسَةَ صَادِرَةٌ عَنِ الشَّارِعِ الْمَعْصُومِ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيمَا جَاءَنَا بِهِ عَنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ( 53 : 4 ) وَيَقُولُ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ :
[ ص: 158 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ( 59 : 7 ) وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ إِنَّمَا هُوَ قِيَاسُ مَنْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْعِصْمَةُ وَلَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ وَلَا كَانَ كَلَامُهُ وَحْيًا بَلْ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ الْأَمَّارَةِ وَبِعَقْلِهِ الْمَغْلُوبِ بِالْخَطَأِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى قِيَامِ الْحُجَّةِ بِالْقِيَاسَاتِ الصَّادِرَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .