[ ص: 201 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=111وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) .
[ ص: 202 ] بينا في أول تفسير الآيتين 87 ، 88 من هذه السورة وجه الاتصال والترتيب بين مجموع آياتها وطوائفها من أولها إلى هذا السياق الأخير منها وهو يتعلق بمحاجة أهل الكتاب عامة ،
والنصارى منهم خاصة ، وفيه ذلك المعاد والحساب والجزاء الذي ينتهي إليه أمر المختلفين في الدين وأمر المؤمنين المخاطبين بالأحكام التي سبق بيانها ، وهذا هو وجه المناسبة والاتصال بين هذه الآيات وما قبلها مباشرة من آيات الأحكام . ويرى بعض المفسرين أن كلمة " يوم " أولها في متعلقات الآية أو الجملة التي قبلها كما نرى فيها يلي :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109nindex.php?page=treesubj&link=28976يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ) قيل : إن هذا متعلق بالفعل من آخر جملة مما قبله ، والتقدير : والله لا يهدي القوم الفاسقين إلى طريق النجاة يوم يجمع الرسل في الآخرة ويسألهم عن تبليغ الرسالة وما أجابتهم به أقوامهم أو لا يهديهم يومئذ طريقا إلا طريق جهنم ، وقيل : إنه متعلق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189واتقوا الله ) أو بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108واسمعوا ) أي واتقوا عقاب الله يوم جمعه الرسل أو واسمعوا يوم يجمع الله الرسل . أي خبره وما يكون فيه .
وذهب آخرون إلى أن الآية منقطعة عما قبلها والمعنى : يوم يجمع الله الرسل ويسألهم يكون من الأهوال ما لا يفي ببيانه مقال ، أو المعنى واذكر أيها الرسول يوم يجمع الله الرسل فيقول : ماذا أجبتم ؟ وهذا التقدير أظهر ، وله في التنزيل نظائر . والمراد من السؤال توبيخ أممهم ، وإقامة الحجة على الكافرين منهم ، والمعنى أي إجابة أجبتم ، أإجابة إيمان وإقرار أم إجابة كفر واستكبار ؟ فهو سؤال عن نوع الإجابة لا عن الجواب ماذا كان ، وإلا لقرن بالباء . وقيل : الباء محذوفة ، والتقدير بماذا أجبتم . وهذا السؤال للرسل من قبيل سؤال الموءودة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت ) ( 81 : 8 ، 9 ) في أن كلا منهما وجه إلى الشاهد دون المتهم لما ذكر آنفا من الحكمة ، وهو يكون في بعض مواقف القيامة ، ويشهدون على الأمم بعد التفويض الآتي ، أو عقب سؤال غير هذا ، ويسأل الله تعالى الأمم في موقف آخر أو في وقت آخر كما هو شأن قضاة التحقيق في سؤال الخصم والشهود لتحقق شرائط الحكم الصحيح كما هو المعهود ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=7فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين ) ( 7 : 6 ، 7 ) .
ولما كان تعالى يسأل كلا من الفريقين عما هو أعلم به منه ، وكان الرسل عليهم الصلاة والسلام على علم يقيني بذلك يكون جوابهم في أول العهد بالسؤال التبرؤ من العلم وتفويضه إلى الله تعالى إما لنقصان علمهم بالنسبة إلى علمه تعالى كما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وإما لما يفاجئهم من فزع ذلك اليوم أو هوله أو ذهوله كما نقل عن
الحسن ومجاهد و
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وذلك قوله تعالى :
[ ص: 203 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109nindex.php?page=treesubj&link=28976قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ) جاء الجواب منفصلا كسائر ما يأتي من أقوال المراجعة على طريقة الاستئناف البياني ، وعبر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه حتى كأنه وقع ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يقولون للرب : لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا . يعني أنه ليس بنفي لعلمهم بإطلاق وإنما هو نفي لعلم الإحاطة الذي هو خاص بالخلاق العليم; إذ الرسل كانوا يعلمون ظاهر ما أجيبوا به من مخاطبيهم ولا يعلمون بواطنهم ، ولا حال من لم يروه من أممهم ، إلا ما يوحيه تعالى إليهم من ذلك ، وهو قليل من كثير; ولذلك فقرنوا نفي العلم عنهم بإثبات المبالغة في علم الغيب له تعالى ، فإن صيغة " علام " معناها كثير العلم ، أي بكثرة المعلومات ، وإلا فعلمه واحد محيط بكل شيء إحاطة كاملة . ولا يوصف تعالى بالعلامة ، ولعله لما فيه من تاء التأنيث . قال تعالى
لنوح عليه السلام لما سأل ربه أن ينجي ولده من الطوفان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فلا تسألني ما ليس لك به علم ) ( 11 : 46 ) وقال لخاتم رسله عليه الصلاة والسلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=101وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) ( 9 : 101 ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي ما معناه : إن الرسل أرادوا أنه لم يكن لهم من حقيقة حال أممهم إلا الظن الذي هو ظاهر حالهم لا العلم القطعي الذي يتوقف على معرفة الظاهر والباطن ، بدليل ما ورد في الحديث من الحكم بالظاهر ( قال ) فالأنبياء قالوا : لا علم لنا ألبتة بأحوالهم إنما الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظن ، والظن كان معتبرا في الدنيا; لأن الأحكام في الدنيا كانت مبنية على الظن ، وأما الآخرة فلا التفات فيها إلى الظن; لأن الأحكام في الآخرة مبنية على حقائق الأشياء وبواطن الأمور . فلهذا السبب قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32لا علم لنا إلا ما علمتنا ) ( 2 : 32 ) ولم يذكروا ألبتة ما معهم من الظن ؛ لأن الظن لا عبرة به في القيامة اهـ .
ونقول : إن هذا رأي ضعيف وإن بني على اصطلاح أهل الكلام والأصول في تفسير الظن والعلم ، والصواب ما بيناه قبله وذلك أن الرسل يعلمون كثيرا من الحقائق علما يقينيا ، كاستكبار المجرمين عن إجابة دعوتهم وإصرارهم على كفرهم ومن علمهم بذلك ما شهد به التنزيل إذ أخبرهم الله أن أولئك المعاندين لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ، وأنه قد ختم على قلوبهم وحق القول عليهم ، ومنهم من يكاشف النبي بحالهم ويمثلون له في النار كما كان يعلم أن بعض المؤمنين صادقون في إيمانهم وبشرهم بالجنة ، وأن بعضهم ضعفاء الإيمان ولكن إيمانهم صحيح مقبول عند الله تعالى ، والعلم بالظواهر يقبل في شهادتهم على الجاحدين إذ لا عبرة بالإيمان في الباطن مع الجحود في الظاهر بل هو أشد الكفر ، وقد أخبرنا الله تعالى أنهم يشهدون على أممهم ، فلو كان كل ما يعرفون من أحوال أممهم ظنا
[ ص: 204 ] لا عبرة به في القيامة لما كان لشهادتهم فائدة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) ( 4 : 41 ) .
ذكر الله سؤال الرسل وجوابهم بالإجمال ثم بين بالتفصيل سؤال واحد منهم عن التبليغ وجوابه عن السؤال لإقامة الحجة على من يدعون اتباعه ، وهم الذين حاجتهم هذه السورة فيما يقولون في رسولهم أوسع الاحتجاج ، وأقامت عليهم البرهان في إثر البرهان ، وقدم عز وجل على هذا السؤال والجواب ما خاطب به هذا الرسول من بيان نعمته عليه وآياته له التي كانت منشأ افتتان الناس به فقال :
[ ص: 201 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=111وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) .
[ ص: 202 ] بَيَّنَا فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ 87 ، 88 مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَجْهَ الِاتِّصَالِ وَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ مَجْمُوعِ آيَاتِهَا وَطَوَائِفِهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى هَذَا السِّيَاقِ الْأَخِيرِ مِنْهَا وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِمُحَاجَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَامَّةً ،
وَالنَّصَارَى مِنْهُمْ خَاصَّةً ، وَفِيهِ ذَلِكَ الْمَعَادُ وَالْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَمْرُ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الدِّينِ وَأَمْرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهَا ، وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ وَالِاتِّصَالِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا قَبْلَهَا مُبَاشَرَةً مِنْ آيَاتِ الْأَحْكَامِ . وَيَرَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ كَلِمَةَ " يَوْمٍ " أَوَّلُهَا فِي مُتَعَلِّقَاتِ الْآيَةِ أَوِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا كَمَا نَرَى فِيهَا يَلِي :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109nindex.php?page=treesubj&link=28976يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ) قِيلَ : إِنَّ هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ مِنْ آخِرِ جُمْلَةٍ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ إِلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ يَوْمَ يَجْمَعُ الرُّسُلَ فِي الْآخِرَةِ وَيَسْأَلُهُمْ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَمَا أَجَابَتْهُمْ بِهِ أَقْوَامُهُمْ أَوْ لَا يَهْدِيهِمْ يَوْمَئِذٍ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وَاتَّقُوا اللَّهَ ) أَوْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=108وَاسْمَعُوا ) أَيْ وَاتَّقُوا عِقَابَ اللَّهِ يَوْمَ جَمْعِهِ الرُّسُلَ أَوْ وَاسْمَعُوا يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ . أَيْ خَبَرَهُ وَمَا يَكُونُ فِيهِ .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَالْمَعْنَى : يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ وَيَسْأَلُهُمْ يَكُونُ مِنَ الْأَهْوَالِ مَا لَا يَفِي بِبَيَانِهِ مَقَالٌ ، أَوِ الْمَعْنَى وَاذْكُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ : مَاذَا أَجَبْتُمْ ؟ وَهَذَا التَّقْدِيرُ أَظْهَرُ ، وَلَهُ فِي التَّنْزِيلِ نَظَائِرُ . وَالْمُرَادُ مِنَ السُّؤَالِ تَوْبِيخُ أُمَمِهِمْ ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ مِنْهُمْ ، وَالْمَعْنَى أَيُّ إِجَابَةٍ أَجَبْتُمْ ، أَإِجَابَةُ إِيمَانٍ وَإِقْرَارٍ أَمْ إِجَابَةُ كُفْرٍ وَاسْتِكْبَارٍ ؟ فَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ نَوْعِ الْإِجَابَةِ لَا عَنِ الْجَوَابِ مَاذَا كَانَ ، وَإِلَّا لَقُرِنَ بِالْبَاءِ . وَقِيلَ : الْبَاءُ مَحْذُوفَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ بِمَاذَا أَجَبْتُمْ . وَهَذَا السُّؤَالُ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبِيلِ سُؤَالِ الْمَوْءُودَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) ( 81 : 8 ، 9 ) فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَجْهٌ إِلَى الشَّاهِدِ دُونَ الْمُتَّهَمِ لِمَا ذُكِرَ آنِفًا مِنَ الْحِكْمَةِ ، وَهُوَ يَكُونُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ ، وَيَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ الْآتِي ، أَوْ عَقِبَ سُؤَالٍ غَيْرِ هَذَا ، وَيَسْأَلُ اللَّهُ تَعَالَى الْأُمَمَ فِي مَوْقِفٍ آخَرَ أَوْ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا هُوَ شَأْنُ قُضَاةِ التَّحْقِيقِ فِي سُؤَالِ الْخَصْمِ وَالشُّهُودِ لِتَحَقُّقِ شَرَائِطِ الْحُكْمِ الصَّحِيحِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=7فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ) ( 7 : 6 ، 7 ) .
وَلَمَّا كَانَ تَعَالَى يَسْأَلُ كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ ، وَكَانَ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عِلْمٍ يَقِينِيٍّ بِذَلِكَ يَكُونُ جَوَابُهُمْ فِي أَوَّلِ الْعَهْدِ بِالسُّؤَالِ التَّبَرُّؤَ مِنَ الْعِلْمِ وَتَفْوِيضَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا لِنُقْصَانِ عِلْمِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ تَعَالَى كَمَا نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَإِمَّا لِمَا يُفَاجِئُهُمْ مِنْ فَزَعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ هَوْلِهِ أَوْ ذُهُولِهِ كَمَا نُقِلَ عَنِ
الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 203 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=109nindex.php?page=treesubj&link=28976قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) جَاءَ الْجَوَابُ مُنْفَصِلًا كَسَائِرِ مَا يَأْتِي مِنْ أَقْوَالِ الْمُرَاجَعَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَقَعَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَقُولُونَ لِلرَّبِّ : لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا عِلْمٌ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا . يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِنَفْيٍ لِعِلْمِهِمْ بِإِطْلَاقٍ وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِعِلْمِ الْإِحَاطَةِ الَّذِي هُوَ خَاصٌّ بِالْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ; إِذِ الرُّسُلُ كَانُوا يَعْلَمُونَ ظَاهِرَ مَا أُجِيبُوا بِهِ مِنْ مُخَاطِبِيهِمْ وَلَا يَعْلَمُونَ بَوَاطِنَهُمْ ، وَلَا حَالَ مَنْ لَمْ يَرْوِهِ مِنْ أُمَمِهِمْ ، إِلَّا مَا يُوحِيهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ; وَلِذَلِكَ فَقَرَنُوا نَفْيَ الْعِلْمِ عَنْهُمْ بِإِثْبَاتِ الْمُبَالَغَةِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ لَهُ تَعَالَى ، فَإِنَّ صِيغَةَ " عَلَّامُ " مَعْنَاهَا كَثِيرُ الْعِلْمِ ، أَيْ بِكَثْرَةِ الْمَعْلُومَاتِ ، وَإِلَّا فَعَلِمُهُ وَاحِدٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ إِحَاطَةً كَامِلَةً . وَلَا يُوصَفُ تَعَالَى بِالْعَلَّامَةِ ، وَلَعَلَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَاءِ التَّأْنِيثِ . قَالَ تَعَالَى
لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُنْجِيَ وَلَدَهُ مِنَ الطُّوفَانِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) ( 11 : 46 ) وَقَالَ لِخَاتَمِ رُسُلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=101وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ( 9 : 101 ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرُ الرَّازِيُّ مَا مَعْنَاهُ : إِنَّ الرُّسُلَ أَرَادُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ حَالِ أُمَمِهِمْ إِلَّا الظَّنُّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ لَا الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ ( قَالَ ) فَالْأَنْبِيَاءُ قَالُوا : لَا عِلْمَ لَنَا أَلْبَتَّةَ بِأَحْوَالِهِمْ إِنَّمَا الْحَاصِلُ عِنْدَنَا مِنْ أَحْوَالِهِمْ هُوَ الظَّنُّ ، وَالظَّنُّ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الدُّنْيَا; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ فِي الدُّنْيَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الظَّنِّ ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَلَا الْتِفَاتَ فِيهَا إِلَى الظَّنِّ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ فِي الْآخِرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَبَوَاطِنِ الْأُمُورِ . فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ) ( 2 : 32 ) وَلَمْ يَذْكُرُوا أَلْبَتَّةَ مَا مَعَهُمْ مِنَ الظَّنِّ ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ اهـ .
وَنَقُولُ : إِنَّ هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ بُنِيَ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ فِي تَفْسِيرِ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ ، وَالصَّوَابُ مَا بَيَّنَاهُ قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنَ الْحَقَائِقِ عِلْمًا يَقِينِيًّا ، كَاسْتِكْبَارِ الْمُجْرِمِينَ عَنْ إِجَابَةِ دَعْوَتِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَمِنْ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ مَا شَهِدَ بِهِ التَّنْزِيلُ إِذْ أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُعَانِدِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ، وَأَنَّهُ قَدْ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَحَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَاشِفُ النَّبِيَّ بِحَالِهِمْ وَيَمْثُلُونَ لَهُ فِي النَّارِ كَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ صَادِقُونَ فِي إِيمَانِهِمْ وَبَشَّرَهُمْ بِالْجَنَّةِ ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ضُعَفَاءُ الْإِيمَانِ وَلَكِنَّ إِيمَانَهُمْ صَحِيحٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْعِلْمُ بِالظَّوَاهِرِ يَقْبَلُ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْجَاحِدِينَ إِذْ لَا عِبْرَةَ بِالْإِيمَانِ فِي الْبَاطِنِ مَعَ الْجُحُودِ فِي الظَّاهِرِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ الْكُفْرِ ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى أُمَمِهِمْ ، فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ أَحْوَالِ أُمَمِهِمْ ظَنًّا
[ ص: 204 ] لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ لَمَا كَانَ لِشَهَادَتِهِمْ فَائِدَةٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) ( 4 : 41 ) .
ذَكَرَ اللَّهُ سُؤَالَ الرُّسُلِ وَجَوَابَهُمْ بِالْإِجْمَالِ ثُمَّ بَيَّنَ بِالتَّفْصِيلِ سُؤَالَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ التَّبْلِيغِ وَجَوَابِهِ عَنِ السُّؤَالِ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ يَدَّعُونَ اتِّبَاعَهُ ، وَهُمُ الَّذِينَ حَاجَّتْهُمْ هَذِهِ السُّورَةُ فِيمَا يَقُولُونَ فِي رَسُولِهِمْ أَوْسَعَ الِاحْتِجَاجِ ، وَأَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْبُرْهَانَ فِي إِثْرِ الْبُرْهَانِ ، وَقَدَّمَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَا خَاطَبَ بِهِ هَذَا الرَّسُولَ مِنْ بَيَانِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَآيَاتِهِ لَهُ الَّتِي كَانَتْ مَنْشَأَ افْتِتَانِ النَّاسِ بِهِ فَقَالَ :