[ ص: 237 ] سورة الأنعام .
( وهي السورة السادسة ، وآياتها 165 عند القراء الكوفيين ، وعليه مصحف الحكومة المصرية وفلوجل و166 عند البصريين والشاميين و167 عند الحجازيين ) .
هي مكية قيل : إلا آية واحدة هي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=111ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ) ( 111 ) فإنها مدنية . رواه
ابن المنذر عن
أبي جحيفة وقيل : إلا آيتين نزلتا في
المدينة في رجل من
اليهود قال : ما أنزل الله على بشر من شيء ، فنزل فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) ( 91 ) الآيتين رواه
أبو الشيخ عن
الكلبي وسفيان وقيل : هما (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا أتل ما حرم ربكم ) ( 151 ) إلى آخر الآيتين ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه في مسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، وما قبله أقوى من جهة معنى الآيتين ، فإنه في محاجة
اليهود الذين كانوا في
المدينة ، وأما (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا ) الآيتين فمعناهما من موضوع السور المكية ، وهم متصلتان بما بعدهما ، وقيل : إن الآية الثالثة بعدهما مدنية أيضا ، كما رواه
ابن النحاس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وسيأتي قريبا وقيل : إلا ست آيات (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91وما قدروا الله حق قدره ) إلى آخر الآيتين بعدها و (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا ) إلى آخر الآيتين بعدها : وهذا جمع بين الأقوال السابقة كلها .
وقال
السيوطي في الإتقان : قال
ابن الحصار : استثنى منها تسع آيات ولا يصح به نقل ، خصوصا مع ما قد ورد أنها نزلت جملة ( قلت ) قد صح النقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس باستثناء (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا ) الآيات الثلاث كما تقدم . والبواقي (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91وما قدروا الله حق قدره ) لما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم أنها نزلت في
مالك بن الصيف ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) ( 21 ، 93 ) الآيتين ، نزلتا في
مسيلمة . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=20الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) ( 20 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ) ( 114 ) اهـ .
أقول : قد ثبت أن بعض الآيات كانت تصدق على وقائع تحدث بعد نزولها أو قبله للاستشهاد أو الاحتجاج بها في الواقعة منها ، فيظن من سمعها حينئذ من الصحابة ولم يكن سمعها من قبل أنها نزلت في تلك الواقعة . وكثيرا ما كان يقول الصحابة : إن آية كذا نزلت في كذا وهو يريد أنها نزلت في إثبات هذا الأمر أو حكمه أو دالة عليه ، فيظن الراوي عنه أنها عند حدوث ذلك الأمر ، والصحابي لا يريد ذلك . وقد نقل
السيوطي هذا المعنى عن
ابن تيمية والزركشي ، والتحقيق أن مثل هذا يعد من التفسير لا من الحديث المسند . ولما كان
nindex.php?page=treesubj&link=28889وجود آيات مدنية في سورة مكية أو آيات مكية في سورة مدنية خلاف الأصل ، فالمختار عدم قبول القول به إلا إذا ثبت برواية صحيحة السند صريحة
[ ص: 238 ] المتن سالمة من المعارضة والاحتمال ، وإننا لم نرهم صححوا مما رواه من الاستثناء إلا رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في استثناء ثلاث آيات هن من موضوع السور المكية ، ولعلهم لو ذكروا لنا الرواية بنصها لما وجدنا فيها حجة على ما قالوا .
وأما ما روي في
nindex.php?page=treesubj&link=32269نزول الأنعام جملة واحدة فقد أخرجه غير واحد من المحدثين عن غير واحد من الصحابة والتابعين ففي الإتقان أنه أخرجه
أبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من طريق
يوسف بن عطية وهو متروك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا وعن
مجاهد وعطاء ، وفي كل رواية من هذه الروايات أنها نزلت يشيعها سبعون ألف ملك إلا أثر
مجاهد فإنه قال فيه خمسمائة ملك . قال
السيوطي : فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا ، ثم نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح أنه روى ذلك من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب بسند ضعيف وقال : ولم نر له إسنادا صحيحا ، وقد روي ما يخالفه ، فروي أنها لم تنزل جملة بل نزلت آيات منها
بالمدينة اختلفوا في عددها فقيل ثلاث وقيل ست وقيل غير ذلك انتهى . وعزاه في الدر المنثور إلى آخرين أخرجوه أيضا عمن ذكر وعن
أنس nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب مرفوعا وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=10382وأسماء بنت يزيد وأبي جحيفة وعلي المرتضى ، فكثرة الروايات في مسألة لا مجال فيه للرأي فتكون اجتهادية ، ولا للهوى فتكون موضوعة ، ولا لغلط الرواة فتكون معلولة لا بد أن يكون لها أصل صحيح .
ونقول : إنه لم يرو أحد أنها لم تنزل جملة واحدة بهذا اللفظ المناقض لتلك الروايات المصرحة بنزولها جملة واحدة كحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=919654 " نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك " وإنما مراد
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح بذلك ما روي من استثناء بعض الآيات ، وقد علمت أنه ليس فيه نص صحيح صريح يدل على ذلك ، فرواية نزولها جملة واحدة أرجح بموافقتها للأصل وبكونها مثبتة ، وروايات الاستثناء نافية ، والمثبت مقدم على النافي ، وقد جمع بينهما من قال : إنها نزلت جملة واحدة واستثنى
nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس ( والاستثناء معيار العموم ) وإذ كان ما صححه
السيوطي من استثناء ثلاث آيات على
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هو ما رواه
ابن النحاس عنه في ناسخه فقد انحل الإشكال ، فإن نص عبارته :
nindex.php?page=treesubj&link=32269_28889سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت
بالمدينة (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا أتل ) إلى تمام الآيات الثلاث اهـ . فقد صح بهذه الرواية إذا أن هذه السورة الطويلة نزلت جملة واحدة ، وهذا نص توقيفي عرف أصله المرفوع فهو لا يحتمل التأويل ، على أن استثناء الآيات الثلاث فيه يحتمل التأويل كما تقدم ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس لم يكن
بمكة ممن يحفظ القرآن ويروي الحديث ، فإنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين أو خمس ، وإنما روي ذلك عن غيره فيحتمل أن يكون الاستثناء من رأيه أو رأي من روى هو عنه ، وأن يكون مرويا عنه بالمعنى ويكون بعض
[ ص: 239 ] الرواة هو الذي عبر بالاستثناء ، وإذا كان هذا الاستثناء صحيحا فقصاراه أن السورة بعد أن أنزلت جملة واحدة ألحق بها ثلاث آيات مما نزلت
بالمدينة ، فبطل بذلك ما قد يتوهم من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح وما يظنه كثير من الناس من أنه لم ينزل شيء من السور الطوال ولا سور المئين جملة واحدة; لأن ما اشتهر نزوله جملة واحدة غير هذه السورة كله من المفصل (
nindex.php?page=treesubj&link=28386وسور المفصل من " ق " أو " الحجرات " إلى آخر المصحف في الأشهر ) وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ما يدل على أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين ) ( 26 : 214 ) نزل
بالمدينة ، وقد ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه نزل
بمكة ، وأنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003291لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بطون قريش وأنذرهم عملا بالآية قال له أبو لهب : تبت يداك سائر اليوم ألهذا دعوتنا ؟ فأنزل الله عز وجل : ( nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب ) ( 111 : 1 ) السورة ، وإنما يروي
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة مثل هذا مرسلا إذ لم يكن لهما رواية مرفوعة إلا بعد الهجرة بسنين ، وقد صرح الحافظ
ابن حجر في الفتح بأن روايتهما لنزول آية (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك ) مرسلة وكلتاهما في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وقد مال السيد
الآلوسي في روح المعاني إلى القول بضعف ما ورد في
nindex.php?page=treesubj&link=32269نزول الأنعام جملة واحدة ، ونقل عن الإمام حكاية الاتفاق على القول بنزولها جملة وأنه استشكل ذلك بأنه كيف يمكن أن يقال حينئذ في كل واحدة من آياتها : إن سبب نزولها الأمر الفلاني ، مع أنهم يقولونه ؟ ثم أشار إلى ضعف حكاية الإمام الاتفاق .
ويمكن أن يدفع الإشكال ( أولا ) بأنه لم يقل أحد بأن لكل آية من آيات هذه السورة سببا ، وإنما قيل ذلك في زهاء عشر من آياتها . ( وثانيا ) أن ما قيل في أسباب نزول تلك الآيات بعضه لا يصح والبعض الآخر لا يدل على نزول تلك الآيات متفرقة ، وإنما قالوا إن آية كذا نزلت في كذا أو في قول المشركين كيت وكيت ، وهذا هو الأكثر ، فإذا صح كان معناه أن تلك الآيات نزلت بعد تلك الوقائع والأقوال مبينة حكم الله فيها ، وهذا لا ينافي نزولها دالة على ذلك في ضمن السورة .
وقال الإمام
الرازي في أول تفسيره لهذه السورة قال الأصوليون : هذه السورة اختصت بنوعين من الفضيلة أحدهما : أنها نزلت دفعة واحدة . والثاني : أنها
nindex.php?page=treesubj&link=32269شيعها سبعون ألفا من الملائكة . والسبب فيه أنها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين ، وذلك يدل على أن علم الأصول في غاية الجلالة والرفعة ، وأيضا فإنزال ما يدل على الأحكام قد تكون المصلحة أن ينزله الله تعالى قدر حاجتهم وبحسب الحوادث والنوازل ، وأما ما يدل على علم الأصول فقد أنزله الله تعالى جملة واحدة . وذلك يدل على أن تعلم علم الأصول واجب على الفور لا على التراخي . اهـ .
ومراده بالأصول عقائد الدين ، وإنما يجب تعلمها على طريقة القرآن لا على طريقة
[ ص: 240 ] المتكلمين وفلاسفة
اليونان . ولم يذكر في الكلام عن السورة في أولها ما نقله عن
الآلوسي فلعله ذكره في أثناء تفسير السورة ، فإن لقب " الإمام " إذا أطلق في كتب من بعد
الرازي من المفسرين والمتكلمين والأصوليين والمنطقيين فإنما ينصرف إليه . وفي فتح البيان قال
القرطبي : قال العلماء هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور ، وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة لأنها في معنى واحد من الحجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثيرة ، وعليها بنى المتكلمون أصول الدين اهـ .
[ ص: 237 ] سُورَةُ الْأَنْعَامِ .
( وَهِيَ السُّورَةُ السَّادِسَةُ ، وَآيَاتُهَا 165 عِنْدَ الْقُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ ، وَعَلَيْهِ مُصْحَفُ الْحُكُومَةِ الْمِصْرِيَّةِ وَفُلُوجَلَ و166 عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ و167 عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ ) .
هِيَ مَكِّيَّةٌ قِيلَ : إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=111وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ ) ( 111 ) فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ . رَوَاهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ
أَبِي جُحَيْفَةَ وَقِيلَ : إِلَّا آيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي
الْمَدِينَةِ فِي رَجُلٍ مِنَ
الْيَهُودِ قَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ، فَنَزَلَ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ) ( 91 ) الْآيَتَيْنِ رَوَاهُ
أَبُو الشَّيْخِ عَنِ
الْكَلْبِيِّ وَسُفْيَانَ وَقِيلَ : هُمَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ) ( 151 ) إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ ، رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12418إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، وَمَا قَبْلَهُ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ مَعْنَى الْآيَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ فِي مُحَاجَّةِ
الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا فِي
الْمَدِينَةِ ، وَأَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا ) الْآيَتَيْنِ فَمَعْنَاهُمَا مِنْ مَوْضُوعِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ ، وَهُمْ مُتَّصِلَتَانِ بِمَا بَعْدَهُمَا ، وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَةَ الثَّالِثةَ بَعْدَهُمَا مَدَنِيَّةٌ أَيْضًا ، كَمَا رَوَاهُ
ابْنُ النَّحَّاسِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا وَقِيلَ : إِلَّا سِتَّ آيَاتٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا ) إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا : وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا .
وَقَالَ
السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ : قَالَ
ابْنُ الْحَصَّارِ : اسْتَثْنَى مِنْهَا تِسْعَ آيَاتٍ وَلَا يَصِحُّ بِهِ نَقْلٌ ، خُصُوصًا مَعَ مَا قَدْ وَرَدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً ( قُلْتُ ) قَدْ صَحَّ النَّقْلُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ بِاسْتِثْنَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا ) الْآيَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا تَقَدَّمَ . وَالْبَوَاقِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) لِمَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
مَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) ( 21 ، 93 ) الْآيَتَيْنِ ، نَزَلَتَا فِي
مُسَيْلِمَةَ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=20الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ ) ( 20 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) ( 114 ) اهـ .
أَقُولُ : قَدْ ثَبَتَ أَنَّ بَعْضَ الْآيَاتِ كَانَتْ تَصْدُقُ عَلَى وَقَائِعَ تَحْدُثُ بَعْدَ نُزُولِهَا أَوْ قَبْلَهُ لِلِاسْتِشْهَادِ أَوِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا فِي الْوَاقِعَةِ مِنْهَا ، فَيَظُنُّ مَنْ سَمِعَهَا حِينَئِذٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَمِعَهَا مِنْ قَبْلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ . وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُ الصَّحَابَةُ : إِنَّ آيَةَ كَذَا نَزَلَتْ فِي كَذَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْأَمْرِ أَوْ حُكْمِهِ أَوْ دَالَّةً عَلَيْهِ ، فَيَظُنُّ الرَّاوِي عَنْهُ أَنَّهَا عِنْدَ حُدُوثِ ذَلِكَ الْأَمْرِ ، وَالصَّحَابِيُّ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ . وَقَدْ نَقَلَ
السُّيُوطِيُّ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ
ابْنِ تَيْمِيَةَ وَالزَّرْكَشِيِّ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَدُّ مِنَ التَّفْسِيرِ لَا مِنَ الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ . وَلَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28889وُجُودُ آيَاتٍ مَدَنِيَّةٍ فِي سُورَةٍ مَكِّيَّةٍ أَوْ آيَاتٍ مَكِّيَّةٍ فِي سُورَةٍ مَدَنِيَّةٍ خِلَافَ الْأَصْلِ ، فَالْمُخْتَارُ عَدَمُ قَبُولِ الْقَوْلِ بِهِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةِ السَّنَدِ صَرِيحَةِ
[ ص: 238 ] الْمَتْنِ سَالِمَةٍ مِنَ الْمُعَارَضَةِ وَالِاحْتِمَالِ ، وَإِنَّنَا لَمْ نَرَهُمْ صَحَّحُوا مِمَّا رَوَاهُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَّا رِوَايَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي اسْتِثْنَاءِ ثَلَاثِ آيَاتٍ هُنَّ مِنْ مَوْضُوعِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ ، وَلَعَلَّهُمْ لَوْ ذَكَرُوا لَنَا الرِّوَايَةَ بِنَصِّهَا لَمَا وَجَدْنَا فِيهَا حُجَّةً عَلَى مَا قَالُوا .
وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32269نُزُولِ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَخْرَجَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَفِي الْإِتْقَانِ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ
أَبُو عَبِيدٍ nindex.php?page=showalam&ids=14687والطَّبَرَانِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ
يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَعَنْ
مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ ، وَفِي كُلِّ رِوَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا نَزَلَتْ يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَّا أَثَرَ
مُجَاهِدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ خَمْسُمِائَةِ مَلَكٍ . قَالَ
السُّيُوطِيُّ : فَهَذِهِ شَوَاهِدُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا ، ثُمَّ نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ رَوَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَقَالَ : وَلَمْ نَرَ لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحًا ، وَقَدْ رُوِيَ مَا يُخَالِفُهُ ، فَرُوِيَ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً بَلْ نَزَلَتْ آيَاتٌ مِنْهَا
بِالْمَدِينَةِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ ثَلَاثٌ وَقِيلَ سِتٌّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى . وَعَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ إِلَى آخَرِينَ أَخْرَجُوهُ أَيْضًا عَمَّنْ ذَكَرَ وَعَنْ
أَنَسٍ nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=10382وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَعَلِيٍّ الْمُرْتَضَى ، فَكَثْرَةُ الرِّوَايَاتِ فِي مَسْأَلَةٍ لَا مَجَالَ فِيهِ لِلرَّأْيِ فَتَكُونُ اجْتِهَادِيَّةً ، وَلَا لِلْهَوَى فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً ، وَلَا لِغَلَطِ الرُّوَاةِ فَتَكُونُ مَعْلُولَةً لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَصْلٌ صَحِيحٌ .
وَنَقُولُ : إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُنَاقِضِ لِتِلْكَ الرِّوَايَاتِ الْمُصَرِّحَةِ بِنُزُولِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً كَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=hadith&LINKID=919654 " نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةُ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ " وَإِنَّمَا مُرَادُ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنِ الصَّلَاحِ بِذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنَ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْآيَاتِ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، فَرِوَايَةُ نُزُولِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً أَرْجَحُ بِمُوَافَقَتِهَا لِلْأَصْلِ وَبِكَوْنِهَا مُثْبَتَةً ، وَرِوَايَاتُ الِاسْتِثْنَاءِ نَافِيَةٌ ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا مَنْ قَالَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَاسْتَثْنَى
nindex.php?page=showalam&ids=11كَابْنِ عَبَّاسٍ ( وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ ) وَإِذْ كَانَ مَا صَحَّحَهُ
السُّيُوطِيُّ مِنَ اسْتِثْنَاءِ ثَلَاثِ آيَاتٍ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ مَا رَوَاهُ
ابْنُ النَّحَّاسِ عَنْهُ فِي نَاسِخِهِ فَقَدِ انْحَلَّ الْإِشْكَالُ ، فَإِنَّ نَصَّ عِبَارَتِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=32269_28889سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ
بِالْمَدِينَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ) إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ اهـ . فَقَدْ صَحَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ إِذًا أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ الطَّوِيلَةَ نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَهَذَا نَصٌّ تَوْقِيفِيٌّ عُرِفَ أَصْلُهُ الْمَرْفُوعُ فَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ، عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ فِيهِ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَمَا تَقَدَّمَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ
بِمَكَّةَ مِمَّنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَيَرْوِي الْحَدِيثَ ، فَإِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ خَمْسٍ ، وَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ رَأْيِهِ أَوْ رَأْيِ مَنْ رَوَى هُوَ عَنْهُ ، وَأَنْ يَكُونَ مَرْوِيًّا عَنْهُ بِالْمَعْنَى وَيَكُونُ بَعْضُ
[ ص: 239 ] الرُّوَاةِ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا فَقُصَارَاهُ أَنَّ السُّورَةَ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً أُلْحِقَ بِهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ مِمَّا نَزَلَتْ
بِالْمَدِينَةِ ، فَبَطَلَ بِذَلِكَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنِ الصَّلَاحِ وَمَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ مِنَ السُّوَرِ الطُّوَالِ وَلَا سُوَرِ الْمِئَيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً; لِأَنَّ مَا اشْتُهِرَ نُزُولُهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً غَيْرَ هَذِهِ السُّورَةِ كُلُّهُ مِنَ الْمُفَصَّلِ (
nindex.php?page=treesubj&link=28386وَسُوَرُ الْمُفَصَّلِ مِنْ " ق " أَوِ " الْحُجُرَاتِ " إِلَى آخِرِ الْمُصْحَفِ فِي الْأَشْهَرِ ) وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ( 26 : 214 ) نَزَلَ
بِالْمَدِينَةِ ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَزَلَ
بِمَكَّةَ ، وَأَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003291لَمَّا جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطُونَ قُرَيْشٍ وَأَنْذَرَهُمْ عَمَلًا بِالْآيَةِ قَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ : تَبَّتْ يَدَاكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ) ( 111 : 1 ) السُّورَةَ ، وَإِنَّمَا يَرْوِي
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَ هَذَا مُرْسَلًا إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا رِوَايَةٌ مَرْفُوعَةٌ إِلَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِنِينَ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ
ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ رِوَايَتَهُمَا لِنُزُولِ آيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ ) مُرْسَلَةً وَكِلْتَاهُمَا فِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ .
وَقَدْ مَالَ السَّيِّدُ
الْآلُوسِيُّ فِي رُوحِ الْمَعَانِي إِلَى الْقَوْلِ بِضَعْفِ مَا وَرَدَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32269نُزُولِ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْقَوْلِ بِنُزُولِهَا جُمْلَةً وَأَنَّهُ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حِينَئِذٍ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ آيَاتِهَا : إِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ ، مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ ؟ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى ضَعْفِ حِكَايَةِ الْإِمَامِ الِاتِّفَاقَ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ الْإِشْكَالُ ( أَوَّلًا ) بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ لِكُلِّ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ سَبَبًا ، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي زُهَاءِ عَشْرٍ مِنْ آيَاتِهَا . ( وَثَانِيًا ) أَنَّ مَا قِيلَ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ تِلْكَ الْآيَاتِ بَعْضُهُ لَا يَصِحُّ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ لَا يَدُلُّ عَلَى نُزُولِ تِلْكَ الْآيَاتِ مُتَفَرِّقَةً ، وَإِنَّمَا قَالُوا إِنَّ آيَةَ كَذَا نَزَلَتْ فِي كَذَا أَوْ فِي قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ كَيْتَ وَكَيْتَ ، وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ ، فَإِذَا صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ نَزَلَتْ بَعْدَ تِلْكَ الْوَقَائِعِ وَالْأَقْوَالِ مُبَيِّنَةً حُكْمَ اللَّهِ فِيهَا ، وَهَذَا لَا يُنَافِي نُزُولَهَا دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ فِي ضِمْنِ السُّورَةِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ
الرَّازِيُّ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ السُّورَةِ قَالَ الْأُصُولِيُّونَ : هَذِهِ السُّورَةُ اخْتُصَّتْ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْفَضِيلَةِ أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً . وَالثَّانِي : أَنَّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=32269شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ . وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَإِبْطَالِ مَذَاهِبِ الْمُبْطِلِينَ وَالْمُلْحِدِينَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ فِي غَايَةِ الْجَلَالَةِ وَالرِّفْعَةِ ، وَأَيْضًا فَإِنْزَالُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَحْكَامِ قَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ أَنْ يُنْزِلَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْرَ حَاجَتِهِمْ وَبِحَسَبِ الْحَوَادِثِ وَالنَّوَازِلِ ، وَأَمَّا مَا يَدُلُّ عَلَى عِلْمِ الْأُصُولِ فَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً وَاحِدَةً . وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ عِلْمِ الْأُصُولِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لَا عَلَى التَّرَاخِي . اهـ .
وَمُرَادُهُ بِالْأُصُولِ عَقَائِدُ الدِّينِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى طَرِيقَةِ
[ ص: 240 ] الْمُتَكَلِّمِينَ وَفَلَاسِفَةِ
الْيُونَانِ . وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَلَامِ عَنِ السُّورَةِ فِي أَوَّلِهَا مَا نَقَلَهُ عَنِ
الْآلُوسِيِّ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ تَفْسِيرِ السُّورَةِ ، فَإِنَّ لَقَبَ " الْإِمَامِ " إِذَا أُطْلِقَ فِي كُتُبِ مَنْ بَعْدَ
الرَّازِيِّ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ . وَفِي فَتْحِ الْبَيَانِ قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ السُّورَةُ أَصْلٌ فِي مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُبْتَدِعِينَ وَمَنْ كَذَّبَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي إِنْزَالَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ مِنَ الْحُجَّةِ وَإِنْ تَصَرَّفَ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَعَلَيْهَا بَنَى الْمُتَكَلِّمُونَ أُصُولَ الدِّينِ اهـ .