سورة يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : ( الر تلك آيات الكتاب المبين ( 1 ) ) .
قوله تعالى : ( تلك آيات الكتاب ) : قد ذكر في أول يونس .
قال تعالى : ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ( 2 ) ) .
قوله تعالى : ( قرآنا ) : فيه وجهان :
أحدهما : أنه توطئة للحال التي هي " عربيا " والثاني : أنه حال ، وهو مصدر في موضع المفعول ; أي مجموعا أو مجتمعا ، و " عربيا " صفة له على رأي من يصف الصفة ، أو حال من الضمير الذي في المصدر على رأي من قال : يحتمل الضمير إذا وقع موقع ما يحتمل الضمير .
قال تعالى : ( بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين نحن نقص عليك أحسن القصص ( 3 ) ) .
قوله تعالى : ( أحسن ) : ينتصب انتصاب المصدر .
( بما أوحينا ) : " ما " مصدرية ، و " هذا " مفعول ( أوحينا ) ، و ( القرآن ) : نعت له أو بيان .
ويجوز في العربية جره على البدل من " ما " ورفعه على إضمار هو . والباء متعلقة بنقص .
ويجوز أن يكون حالا من أحسن .
والهاء في " قبله " ترجع على القرآن ; أو على هذا ، أو على الإيحاء .
قال تعالى : ( والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا ( 4 ) ) .
قوله تعالى : ( إذ قال ) : أي اذكر إذ . وفي ( يوسف ) ست لغات : ضم السين ، وفتحها ، وكسرها بغير همز فيهن ، وبالهمز فيهن ، ومثله يونس .
[ ص: 47 ] ( ياأبت ) : يقرأ بكسر التاء ، والتاء فيه زائدة عوضا من ياء المتكلم ، وهذا في النداء خاصة ، وكسرت التاء لتدل على الياء المحذوفة ; ولا يجمع بينهما ، لئلا يجمع بين العوض والمعوض .
ويقرأ بفتحها ، وفيه ثلاثة أوجه ; أحدها : أنه حذف التاء التي هي عوض من الياء ، كما تحذف تاء طلحة في الترخيم ، وزيدت بدلها تاء أخرى وحركت بحركة ما قبلها ، كما قالوا : يا طلحة أقبل ، بالفتح . والثاني : أنه أبدل من الكسرة فتحة كما يبدل من الياء ألف . والثالث : أنه أراد يا " أبتا " كما جاء في الشعر :
يا أبتا علك أو عساكا فحذفت الألف تخفيفا .
وقد أجاز بعضهم ضم التاء لشبهها بتاء التأنيث .
فأما الوقف على هذا الاسم فبالتاء عند قوم ; لأنها ليست للتأنيث ، فيبقى لفظها دليلا على المحذوف . وبالهاء عند آخرين شبهوها بهاء التأنيث . وقيل : الهاء بدل من الألف المبدلة من الياء . وقيل : هي زائدة لبيان الحركة .
و ( أحد عشر ) : بفتح العين على الأصل ، وبإسكانها على التخفيف فرارا من توالي الحركات ، وإيذانا بشدة الامتزاج .
وكرر " رأيت " تفخيما لطول الكلام ; وجعل الضمير على لفظ المذكر ; لأنه وصفه بصفات من يعقل ، من السجود والطاعة ; ولذلك جمع الصفة جمع السلامة .
و ( ساجدين ) حال ; لأن الرؤية من رؤية العين .
قال تعالى : ( فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ( 5 ) ) .
قوله تعالى : ( رؤياك ) : الأصل الهمز ، وعليه الجمهور . وقرئ بواو مكان الهمز ، لانضمام ما قبلها . ومن العرب من يدغم ، فيقول رياك ، فأجرى المخففة مجرى الأصلية . [ ص: 48 ] ومنهم من يكسر الراء لتناسب الياء . ( فيكيدوا ) : جواب النهي . ( كيدا ) فيه وجهان : أحدهما : هو مفعول به ، والمعنى : فيضعون لك أمرا يكيدك ، وهو مصدر في موضع الاسم ; ومنه قوله تعالى : ( فأجمعوا كيدكم ) : [ طه : 64 ] أي ما تكيدون به ; فعلى هذا يكون في اللام وجهان ; أحدهما : هي بمعنى من أجلك . والثاني : هي صفة قدمت فصارت حالا . والوجه الآخر : أن يكون مصدرا مؤكدا ; وعلى هذا في اللام ثلاثة أوجه :
منها الاثنان الماضيان . والثالث : أن تكون زائدة ; لأن هذا الفعل يتعدى بنفسه ، ومنه : ( ردف لكم ) [ النمل : 72 ] .