الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                16229 ( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس : محمد بن يعقوب من أصل كتابه ، ثنا أبو أمية : محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، ثنا عمر بن يونس بن القاسم بن معاوية اليمامي ، ثنا عكرمة بن عمار العجلي ، حدثني أبو زميل : سماك الحنفي ، ثنا عبد الله بن عباس قال : لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار وهم ستة آلاف ، أتيت عليا - رضي الله عنه - فقلت : يا أمير المؤمنين ، أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم . قال : إني أخاف عليك . قال : قلت : كلا . قال : فخرجت آتيهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، فأتيتهم وهم مجتمعون في دار وهم قائلون ، فسلمت عليهم فقالوا : مرحبا بك يا أبا عباس ، فما هذه الحلة ؟ قال : قلت : ما تعيبون علي لقد رأيت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن ما يكون من الحلل ونزلت : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) قالوا : فما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما يقولون وتخبروني بما تقولون ، فعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بالوحي منكم ، وفيهم أنزل ، وليس فيكم منهم أحد . فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا ؛ فإن الله يقول : ( بل هم قوم خصمون ) . قال ابن عباس : وأتيت قوما لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم ، مسهمة وجوههم من السهر ، كأن أيديهم وركبهم ثفن ، عليهم قمص مرحضة . قال بعضهم : لنكلمنه ولننظرن ما يقول . قلت : أخبروني ماذا نقمتم على ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصهره والمهاجرين والأنصار . قالوا : ثلاثا . قلت : ما هن ؟ قالوا : أما إحداهن : فإنه حكم الرجال في أمر الله ، قال الله - عز وجل - : ( إن الحكم إلا لله ) وما للرجال وما للحكم ؟ . فقلت : هذه واحدة . قالوا : وأما الأخرى : فإنه قاتل ولم يسب ، ولم يغنم ، فلئن كان الذين قاتل كفارا لقد حل سبيهم وغنيمتهم ، وإن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم . قلت : هذه ثنتان . فما الثالثة ؟ قالوا : إنه محا اسمه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين . قلت : أعندكم سوى هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا . فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما يرد به قولكم أترضون ؟ قالوا : نعم . فقلت لهم : أما قولكم : حكم الرجال في أمر الله ، فأنا أقرأ عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوها من الصيد . فقال : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) إلى قوله : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) . فنشدتكم بالله ، أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وإصلاح ذات بينهم ، وأن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ، ولم يصير ذلك إلى الرجال ، وفي المرأة وزوجها قال الله - عز وجل - : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) فجعل الله حكم الرجال سنة ماضية . أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم . قال : وأما قولكم : قاتل فلم يسب ، ولم يغنم ، أتسبون أمكم عائشة ، ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها ؛ فلئن فعلتم لقد كفرتم ، وهي أمكم ، ولئن قلتم : ليست بأمنا لقد كفرتم ؛ فإن الله تعالى يقول : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم ، إليها صرتم إلى ضلالة فنظر بعضهم إلى بعض . قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم . وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون أريكم قد سمعتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية كاتب المشركين سهيل بن عمرو ، وأبا سفيان بن حرب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمير المؤمنين : " اكتب يا علي ، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله " . فقال المشركون : لا والله ، ما نعلم أنك رسول الله ، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم إنك تعلم أني رسولك ، اكتب يا علي ، هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله " . فوالله ، لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من علي ، وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه . قال عبد الله بن عباس : فرجع من القوم ألفان ، وقتل سائرهم على ضلالة .

                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                الخدمات العلمية