الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 35 ] كتاب أدب القاضي قال : ( ولا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولى شرائط الشهادة ويكون من أهل الاجتهاد ) أما الأول فلأن حكم القضاء يستقى من حكم الشهادة لأن كل واحد منهما من باب الولاية ، فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء وما يشترط لأهلية الشهادة يشترط لأهلية القضاء ، والفاسق أهل للقضاء حتى لو قلد يصح إلا أنه لا ينبغي أن يقلد كما في حق الشهادة ، فإنه لا ينبغي أن يقبل القاضي شهادته ولو قبل جاز عندنا ، ولو كان القاضي عدلا ففسق بأخذ الرشوة أو غيره لا ينعزل ويستحق العزل ، وهذا هو ظاهر المذهب وعليه مشايخنا رحمهم الله. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: الفاسق لا يجوز قضاؤه كما لا تقبل شهادته عنده .

                                                                                                        وعن علمائنا الثلاثة رحمهم اللهفي النوادر أنه لا يجوز قضاؤه . وقال بعض المشايخ رحمهم الله: إذا قلد الفاسق ابتداء يصح ، ولو قلد [ ص: 36 ] وهو عدل ينعزل بالفسق ; لأن المقلد اعتمد عدالته فلم يكن راضيا بتقليده دونها وهل يصلح الفاسق مفتيا ؟ قيل لا ; لأنه من أمور الدين وخبره غير مقبول في الديانات ، وقيل يصلح لأنه يجتهد كل الجهد في إصابة الحق حذرا عن النسبة إلى الخطإ ، وأما الثاني فالصحيح أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية ، فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا خلافا للشافعي رحمه الله . هو يقول : إن الأمر بالقضاء يستدعي القدرة عليه ولا قدرة دون العلم . ولنا أنه يمكنه أن يقضي بفتوى غيره [ ص: 37 ] ومقصود القضاء يحصل به وهو إيصال الحق إلى مستحقه .

                                                                                                        وينبغي للمقلد أن يختار من هو الأقدر والأولى لقوله عليه الصلاة والسلام : { من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين }" وفي حد الاجتهاد كلام عرف في أصول الفقه . [ ص: 38 ] وحاصله أن يكون صاحب حديث له معرفة بالفقه ليعرف معاني الآثار أو صاحب فقه له معرفة بالحديث لئلا يشتغل بالقياس في المنصوص عليه . وقيل أن يكون مع ذلك صاحب قريحة يعرف بها عادات الناس لأن من الأحكام ما يبتنى عليها .

                                                                                                        [ ص: 35 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 35 ] كتاب أدب القاضي .

                                                                                                        الحديث الأول : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد عليا قضاء اليمن حين لم يبلغ حد الاجتهاد }قلت : روي من حديث علي ، ومن حديث ابن عباس . فحديث علي : أخرجه أبو داود عن شريك عن سماك عن حنش عن { علي ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا ، فقلت : يا رسول الله ترسلني ، وأنا حديث السن ، ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال : إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان ، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر ، كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى بك أن يتبين لك القضاء ، قال : فما زلت قاضيا ، أو ما شككت في قضاء بعد }انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو داود الطيالسي في مسانيدهم " ، ورواه الحاكم في " كتاب المستدرك في كتاب الفضائل " ، وقال : حديث صحيح [ ص: 36 ] الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        طريق آخر : أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن أبي البختري ، واسمه سعيد بن فيروز عن { علي قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، وأنا شاب أقضي بينهم ، ولا أدري ما القضاء ، قال : فضرب في صدري بيده ، وقال : اللهم اهد قلبه ، وثبت لسانه ، قال : فما شككت بعد في قضاء بين اثنين }انتهى . ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى ورواه البزار في " مسنده " ، وقال : أبو البختري لا يصح سماعه من علي ، وقد رواه شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري حدثني من سمع عليا ، انتهى .

                                                                                                        ورأيت حاشيته على " المستدرك " ، قال شعبة : أبو البختري لم يدرك عليا ، وقال أبو حاتم : قتل في الجماجم ، لم يدرك عليا انتهى .

                                                                                                        والذي أشار إليه البزار أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن غندر ثنا شعبة عن عمرو ، فقال : سمعت أبا البختري يقول : أخبرني من سمع عليا ، فذكره . طريق آخر : أخرجه البزار في " مسنده " عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي ، فذكره ، وقال : هذا أحسن إسناد فيه عن علي انتهى .

                                                                                                        طريق آخر : أخرجه ابن حبان في " صحيحه " عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن { علي ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة ، فقلت : يا رسول الله تبعثني وأنا غلام حديث السن ، فأسأل عن القضاء ، ولا أدري ما أجيب ؟ قال : ما بد من ذلك ، أن أذهب بها أنا ، أو أنت ، فقلت : إن كان ولا بد ، فأنا أذهب ، قال : انطلق ، فإن الله تعالى يثبت لسانك ، ويهدي قلبك ، إن الناس يتقاضون إليك ، فإذا أتاك الخصمان فلا تقض لواحد حتى تسمع كلام الآخر ، فإنه أجدر أن تعلم لمن الحق } ، انتهى .

                                                                                                        [ ص: 37 ] وأما حديث ابن عباس : فأخرجه الحاكم في " المستدرك في أول كتاب الأحكام " عن شبابة بن سوار ثنا ورقاء بن عمر عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : { بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن ، فقال : علمهم الشرائع ، واقض بينهم ، فقال : لا علم لي بالقضاء ، فدفع في صدره ، وقال : اللهم اهده للقضاء }انتهى . وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه أبو داود أيضا في مراسيله " حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى ثنا محمد بن المغيرة المدني المخذومي ثنا سليمان بن محمد بن يحيى بن عروة عن عبد الله بن عبد العزيز العمري ، قال : { لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على اليمن ، قال علي : دعاني } ، وأعله عبد الحق في " أحكامه " بالإرسال ، قال ابن القطان : وفيه جماعة مجهولون أعني لا يعرفون محمد بن المغيرة ، وسليمان بن محمد ، لا يعرفان بغير هذا ، والعمري هو الزاهد المشهور ، وحاله في الحديث مجهولة ، ولا أعلم له رواية غير هذه انتهى كلامه . الحديث الثاني : قال عليه السلام : { من قلد إنسانا عملا ، وفي رعيته من هو أولى منه ، فقد خان الله ، ورسوله ، وجماعة المسلمين }" قلت : روي من حديث ابن عباس ومن حديث حذيفة . فحديث ابن عباس أخرجه الحاكم في " المستدرك في كتاب الأحكام " عن حسين بن قيس الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من استعمل رجلا على عصابة ، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه ، فقد خان الله ، ورسوله ، وجماعة المسلمين }" انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وتعقبه [ ص: 38 ] شيخنا شمس الدين الذهبي في " مختصره " ، وقال : حسين بن قيس ضعيف انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه ابن عدي في " الكامل " وضعف حسين بن قيس عن النسائي ، وأحمد بن حنبل ، ورواه العقيلي أيضا في " كتابه " ، وأعله بحسين بن قيس ، وقال : إنما يعرف هذا من كلام عمر بن الخطاب انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن حمزة النصيبي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا ، وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك ، وأعلم منه بكتاب الله ، وسنة رسوله ، فقد خان الله ورسوله ، وجماعة المسلمين } ، مختصر . وأخرجه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " عن إبراهيم بن زياد القرشي عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا ، بلفظ الطبراني ، قال الخطيب : وإبراهيم بن زياد في حديثه نكرة ، وقال ابن معين : لا أعرفه انتهى .

                                                                                                        وأما حديث حذيفة : فرواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا أبو وائل خالد بن محمد البصري ثنا عبد الله بن بكر السهمي ثنا خلف بن خلف عن إبراهيم بن سالم عن عمرو بن ضرار عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس ، وعلم أن في العشرة من هو أفضل منه ، فقد غش الله ، ورسوله ، وجماعة المسلمين }" انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية