الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( والستر أفضل ) { لقوله عليه الصلاة والسلام للذي شهد عنده : لو سترته بثوبك لكان خيرا لك }وقال عليه الصلاة والسلام : { من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة } [ ص: 72 ] وفيما نقل من { تلقين الدرء عن النبي عليه الصلاة والسلام . [ ص: 73 ] وأصحابه رضي الله عنهم }دلالة ظاهرة على أفضلية الستر ( إلا أنه يجب أن يشهد بالمال في السرقة فيقول أخذ ) إحياء لحق المسروق منه ( ولا يقول [ ص: 74 ] سرق ) محافظة على الستر ، ولأنه لو ظهرت السرقة لوجب القطع ، والضمان لا يجامع القطع فلا يحصل إحياء حقه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثاني : حديث { تلقينه عليه السلام الدرء ، وكذلك أصحابه }قلت : أما تلقينه عليه السلام الدرء ، فقد تقدم في " الحدود " للبخاري عن ابن عباس في حديث ماعز قال له عليه السلام : { لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت ؟ قال : أفنكتها ؟ قال : نعم ، قال : فعند ذلك أمر برجمه } ، انتهى .

                                                                                                        وأخرج أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافا ، ولم يوجد معه متاع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما إخالك سرقت ، قال : بلى ، فأعاد عليه مرتين ، أو ثلاثا ، فأمر به فقطع }انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " ، وفيه ضعف ، فإن أبا المنذر هذا مجهول ، لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، قاله المنذري . [ ص: 73 ] وله طريق آخر : عند الحاكم في " المستدرك " عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق سرق شملة ، فقال عليه السلام : ما إخاله سرق ، فقال السارق : بلى يا رسول الله ، فقال : اذهبوا به فاقطعوه } ، وقال : على شرط مسلم ورواه أبو داود في " مراسيله " عن الثوري عن يزيد بن خصيفة به مرسلا ، وقد تقدم في " السرقة في حديث الحسم " .

                                                                                                        وله طريق آخر : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا إبراهيم بن سويد الأصبهاني ثنا الحسين بن حريث ثنا الفضل بن موسى عن جعفر بن عبد الرحمن أخبرني السائب بن يزيد ، قال : { أتي برجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له : إن هذا سرق ، قال : ما إخاله فعل ، قالوا : يا نبي الله إن هذا سرق ، قال : ما إخاله فعل ، حتى شهد على نفسه شهادات ، فقال : اذهبوا به فاقطعوه }. وأما تلقين الصحابة ، ففيه عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي وابنه الحسن ، وأبي هريرة ، وأبي مسعود ، وأبي الدرداء ، وعمرو بن العاص ، وأبي واقد الليثي . فحديث أبي بكر : أخرجه أحمد في " مسنده " عن عامر عن عبد الرحمن بن أبزى عن { أبي بكر الصديق ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسا فجاء ماعز ، فاعترف عنده مرة ، ثم جاء فاعترف عنده الثانية ، فرده ، ثم جاء ، فاعترف الثالثة ، فرده ، فقلت له : إنك إن اعترفت الرابعة رجمك ، قال : فاعترف الرابعة ، فحبسه ، ثم سأل عنه ، فقالوا : لا نعلم إلا خيرا ، فأمر به فرجم }انتهى . وحديث عمر : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن طاوس عن عكرمة بن خالد [ ص: 74 ] قال : أتي عمر بن الخطاب برجل ، فقال له : أسرقت ؟ فقال : لا ، فتركه انتهى .

                                                                                                        وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا محمد بن بكر عن ابن جريج عن عكرمة بن أبي خالد ، قال : أتي عمر بسارق قد اعترف ، فقال عمر : إني لأرى يد رجل ما هي بيد سارق ، فقال الرجل : والله ما أنا بسارق ، فأرسله عمر ، ولم يقطعه انتهى .

                                                                                                        وحديث علي روي من وجوه : أحدها : عند أحمد ، والبيهقي عن الشعبي ، قال : جيء بشراحة الهمدانية إلى علي بن أبي طالب ، فقال لها : لعل رجلا وقع عليك وأنت نائمة ؟ قالت : لا ، قال : لعله استكرهك ؟ قالت : لا ، يلقنها لعلها تقول : نعم ، وقد تقدم في " الحدود " . آخر : روى أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا عبيد الله بن عمر ثنا عثمان بن عمر ثنا شيخ من أهل الكوفة يقال له : أبو المحياة التيمي ، قال : حدثنا أبو مطر ، قال : رأيت عليا أتي برجل ، قيل : إنه سرق جملا ، فقال له : ما أراك سرقت ، قال : بلى ، قال : فلعله شبه عليك ، قال : بل سرقت ، قال : يا قنبر ، اذهب به فأوقد النار ، وادع الجزار ، وشد يده حتى أجيء ، فلما جاء إليه ، قال له : أسرقت ؟ قال : لا ، فتركه ، انتهى .

                                                                                                        طريق آخر : روى عبد الرزاق في " مصنفه في كتاب أهل الكتاب " أخبرنا معمر عن الأعمش عن أبي عمرو الشيباني ، قال : أتي علي بشيخ كان نصرانيا ، فأسلم ، ثم ارتد عن الإسلام فقال له علي : لعلك ارتددت لتصيب ميراثا ، ثم ترجع إلى الإسلام ؟ قال : لا ، قال : فارجع ، فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن ينكحوكها ، فأردت أن تزوجها ، ثم ترجع إلى الإسلام ؟ قال : لا ، قال : فارجع إلى الإسلام ، قال : أما حتى ألقى المسيح ، فلا ، فأمر به علي ، فضربت عنقه ، ودفع ميراثه إلى ولده من المسلمين انتهى .

                                                                                                        وروي في " السرقة " أخبرنا ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : كان من مضى يؤتى إليه بالسارق ، فيقول : أسرقت ؟ قل : لا ، قل : لا ، علمي أنه سمى أبا بكر ، وعمر وأخبرني أن عليا أتي بسارقين ، معهما سرقتهما ، فخرج فضرب الناس عنهما ، حتى تفرقوا عنهما ، ولم يدعهما ، ولم يسألهما انتهى .

                                                                                                        وحديث الحسن رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن بن صالح عن غالب أبي الهذيل ، قال : سمعت سبيعا أبا سالم يقول : شهدت [ ص: 75 ] الحسن بن علي ، أتي برجل أقر بسرقة ، فقال له الحسن : لعلك اختلست ؟ لكي يقول : لا انتهى .

                                                                                                        وحديث أبي هريرة : رواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا محمد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن سليمان الناجي عن أبي المتوكل أن أبا هريرة أتي بسارق ، وهو يومئذ أمير ، فقال : أسرقت أسرقت ؟ قل : لا ، مرتين ، قل : لا ، أو ثلاثا انتهى .

                                                                                                        وحديث أبي مسعود : رواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا شريك عن جابر عن مولى لأبي مسعود عن أبي مسعود قال : أتي برجل سرق ، فقال : أسرقت ؟ قل : وجدته ، قال : وجدته ، فخلى سبيله انتهى .

                                                                                                        ورواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ، قال أتي أبو مسعود الأنصاري بامرأة سرقت جملا ، فقال : أسرقت ؟ قولي : لا ، فقالت : لا ، فتركها انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن حماد عن إبراهيم به . وحديث أبي الدرداء : فرواه عبد الرزاق أيضا أخبرنا الثوري عن علي بن الأقمر عن يزيد بن أبي كبشة عن أبي الدرداء أنه أتي بامرأة سرقت ، يقال لها : سلامة ، فقال لها : يا سلامة ، سرقت ؟ قولي : لا ، قالت : لا ، فدرأ عنها انتهى .

                                                                                                        ورواه محمد بن الحسن أيضا أخبرنا أبو حنيفة ثنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن يزيد بن أبي بشر به : ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن الأقمر به . وحديث عمرو بن العاص : رواه ابن يونس في " تاريخ مصر " حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا شعبة ثنا عمرو بن شرحبيل عن رجل ، قال : { لما أراد محمد بن أبي بكر الصديق أن يقتل ، قال له عمرو بن العاص : ادعيت أمانا ؟ ادعيت شيئا كأنه يلقنه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما يجير على الناس أدناهم ، فلم يدع شيئا ، فضرب عنقه }انتهى . [ ص: 76 ] وحديث أبي واقد : رواه مالك في " الموطإ " عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب أتاه رجل ، وهو بالشام ، فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا ، فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته ، يسألها عن ذلك ، فأتاها وعندها نسوة ، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر ، وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله ، وجعل يلقنها لتنزع ، فأبت أن تنزع ، وتمت على الاعتراف ، فأمر بها عمر ، فرجمت انتهى . وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " المعرفة " .

                                                                                                        الحديث الثالث : قال عليه السلام : { من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة }قلت : أخرجه البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان في عون أخيه ، وقد تقدم في " الحدود "




                                                                                                        الخدمات العلمية