الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب ضمان الأجير . قال : ( الأجراء على ضربين أجير مشترك وأجير خاص ، فالمشترك من لا يستحق الأجرة حتى يعمل كالصباغ والقصار ) ; لأن المعقود عليه إذا كان هو العمل أو أثره كان له أن يعمل للعامة ; لأن منافعه لم تصر مستحقة لواحد ، فمن هذا الوجه يسمى مشتركا .

                                                                                                        قال : ( والمتاع أمانة في يده فإن هلك لم يضمن شيئا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وهو قول زفر رحمه الله ، ويضمنه عندهما إلا من شيء غالب كالحريق الغالب والعدو المكابر ) لهما ما روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما [ ص: 304 ] أنهما كانا يضمنان الأجير المشترك ولأن الحفظ مستحق عليه إذ لا يمكنه العمل إلا به ، فإذا هلك بسبب يمكن الاحتراز عنه ، كالغصب والسرقة كان التقصير من جهته ، فيضمنه كالوديعة إذا كانت بأجر بخلاف ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت حتف أنفه والحريق الغالب وغيره ; لأنه لا تقصير من جهته ولأبي حنيفة رحمه الله أن العين أمانة في يده ; لأن القبض حصل بإذنه ولهذا لو هلك بسبب لا يمكن الاحتراز عنه لا يضمنه ولو كان مضمونا يضمنه كما في المغصوب والحفظ مستحق عليه تبعا لا مقصودا ولهذا لا يقابله الأجر بخلاف المودع بالأجر ; لأن الحفظ مستحق عليه مقصودا حتى يقابله الأجر .

                                                                                                        [ ص: 301 - 303 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 301 - 303 ] باب ضمان الأجير

                                                                                                        قوله : روي عن عمر ، وعلي رضي الله عنهما : أنهما كانا يضمنان الأجير المشترك ; قلت : روى البيهقي من طريق الشافعي أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد [ ص: 304 ] عن أبيه عن علي أنه كان يضمن الصباغ والصائغ ، وقال : لا يصلح للناس إلا ذلك انتهى .

                                                                                                        وأخرج أيضا عن خلاس عن علي أنه كان يضمن الأجير ، قال البيهقي : الأول فيه انقطاع بين أبي جعفر ، وعلي ; والثاني يضعفه أهل الحديث ، ويقولون : أحاديث خلاس عن علي من كتاب ، قال : ورواه جابر الجعفي عن الشعبي عن علي ، وجابر الجعفي ضعيف ، ولكن إذا ضمت هذه المراسيل بعضها إلى بعض قويت انتهى .

                                                                                                        وروى محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن علي بن الأقمر ، قال : أتى شريحا رجل ، وأنا عنده ، فقال : دفع لي هذا ثوبا لأصبغه ، فاحترق بيتي ، فاحترق ثوبه في بيتي ، قال : ادفع إليه ثوبه ، قال : كيف أدفع إليه ثوبه ، وقد احترق بيتي ؟ قال : أرأيت لو احترق بيته أكنت تدع له أجرك ؟ انتهى .

                                                                                                        واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " على أنه لا ضمان على الأجير المشترك ، بما رواه الدارقطني حدثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب حدثني إسحاق بن محمد ثنا يزيد بن عبد الملك عن محمد بن عبد الرحمن الحجبي [ ص: 305 ] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ضمان على مؤتمن }انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : هذا إسناد لا يعتمد عليه ، فإن يزيد بن عبد الملك ضعفه أحمد ، وغيره ; وقال النسائي : متروك الحديث ، وعبد الله بن شبيب ضعفوه انتهى .

                                                                                                        والمسألة فيها ثلاثة مذاهب :

                                                                                                        أحدها : يضمن مطلقا ، وبه قال مالك ; الثاني : لا يضمن مطلقا ، وهو مذهبنا ; الثالث : يضمن ما تلف بصنعه ، ولا يضمن بغير صنعه ، وبه قال أحمد ، والله أعلم .



                                                                                                        فائدة : قال البخاري في " صحيحه في كتاب الإجارات باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما " : وقال ابن عمر : { أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر } ، فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وصدرا من خلافة عمر ، ولم يذكر أن أبا بكر ، وعمر جددا الإجارة بعدما قبض النبي صلى الله عليه وسلم حدثني موسى بن إسماعيل ثنا جويرية بن أسماء [ ص: 306 ] عن نافع عن عبد الله بن عمر ، قال : { أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود أن يعملوها ، ويزرعوها ، ولهم شطر ما يخرج منها } ، وأن ابن عمر حدثه أن المزارع كانت تكرى على شيء سماه نافع لا أحفظه ، وأن رافع بن خديج حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن كراء المزارع } ، وقال عبيد الله ، عن نافع عن ابن عمر : حتى أجلاهم عمر انتهى .

                                                                                                        وكان البخاري رحمه الله قصد التشنيع على أصحابنا في هذه المسألة ، ولا حجة له في هذا الحديث ، لأن مذهبنا أن الإجارة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين ، إلا إذا كانت الإجارة لنفسه ، أما إذا كانت لغيره ، كالوكيل ، والوصي ، وقيم الوقف ، والإمام ، فإنها لا تنفسخ ، والنبي صلى الله عليه وسلم هو إمام المسلمين كلهم ، والله أعلم . [ بقية الأبواب ليس فيها شيء ]




                                                                                                        الخدمات العلمية