فصل 
عن   ابن القاص  أن من أنكر الحلف بالطلقات الثلاث يحلف أنه ما قال لها : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ثلاثا ، وهي بائن منه بثلاث . وقال الشيخ  أبو زيد     : يكفيه أنها لم تبن منه بثلاث . ووجه الأول أنه   [ ص: 100 ] قد يحلف متأولا على مذهب   الحجاج بن أرطاة  وتابعيه أن الثلاث لا تقع مجموعة ، أو على تصحيح الدور . ويجوز أن يقال : إن قال : لم تبن مني ، حلف عليه ، وإن قال : لم أحلف بطلاقها ، حلف عليه . 
حكى  الهروي  عن  العبادي  أن من ادعى عليه وديعة ، فقال : لا يلزمني دفع شيء إليه  ، لا يكون هذا جوابا ; لأن المودع لا دفع عليه ، إنما يلزمه التخلية ، والجواب الصحيح أن ينكر أصل الإيداع ، أو يقول : هلك في يدي ، أو رددته ، وهذا يخالف كلام الأصحاب ، ألا تراهم يقولون : من جحد الوديعة فقامت بينة بالإيداع ، فادعى تلفا أو ردا قبل الجحود ، نظر ، إن كانت صيغة جحده إنكار أصل الوديعة أم قال : لا يلزمني تسليم شيء إليك ، فإما أن يقدر خلاف ، أو يئول ما أطلقوه . 
قلت : الذي قاله   ابن القاص  صحيح ، وتأويل كلامهم متعين ، وهو أنهم أرادوا إذا جرى منه هذا اللفظ ، فحكمه كذا ; لأن القاضي يقنع منه بهذا الجواب مع طلب الخصم الجواب . والله أعلم . 
وأنه إذا أقام بينة بأنه أجير فلان لحفظ سفينته هذه بدينار ، وأقام صاحب السفينة بينة أنه أجره إياها بدينار  ، تعارضتا ، وأنه لو شهد عليه اثنان بالقتل في وقت معين ، وآخران أنه لم يقتل في ذلك الوقت لأنه كان معنا ، ولم يغب عنا  ، تعارضتا ، وقد سبق من نظائر هذا ما يخالفه . 
قلت : يعني أن البينة الثانية شهدت بالنفي ، وقد سبق أن شهادة النفي لا تقبل إلا في مواضع الضرورة ، كالإعسار . هذا مراد  الرافعي  هنا ، وقد تقدم في الفصل السابق عن فتاوى   الغزالي  ما يوافقه ، ولكنه ضعيف مردود ، بل الصواب أن النفي إذا كان في محصور يحصل العلم به ، قبلت الشهادة به ، وقد سبق ذكري لهذه المسألة في الشهادات . والله أعلم . 
 [ ص: 101 ] وأن من أراد أن يدعي ، ويقيم البينة من غير أن يعترف للمدعى عليه باليد  ، فطريقه أن يقول : الموضع الفلاني ملكي ، وهذا يمنعني منه تعديا ، فمره يمكني منه . وأنه لو شهد شاهدان أن الكلب ولغ في هذا الإناء ولم يلغ في ذاك وآخران بضده ، تعارضتا ، فلو لم يقولوا : لم يلغ في ذلك فالإناءان نجسان ، وهذا شهادة على إثبات ونفي ، ويمكن التعارض بلا نفي ، بأن يعينا وقتا لا يمكن فيه إلا ولوغ واحد . 
قلت : هذه المسألة ذكرتها في كتاب الطهارة مستوفاة مختصرة ، وفي هذا الذي ذكره  العبادي  فيها من إثبات التعارض تصريح بقبول شهادة النفي في المحصور كما سبق قريبا . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					